الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل فشل حراك الريف ؟

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2017 / 9 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


هذا التساؤل المشروع يحيل إليه ، الوضع الحالي الذي أضحى عليه الحراك ، كما يحيل إليه انتقال مطالب الريف ، وتنوعها عبر عدة محطات ، سواء عند بداية الحراك كما كان يبدو قويا من خلال استجابة الريفيين إليه ، خاصة بالحسيمة والنواحي ، أو من خلال التحولات التي عرفتها المطالب ، حين انتقلت من المطالب الاجتماعية والاقتصادية المشروعة ، الى المطالب السياسية والإثنية والجغرافية ، التي تتطلب زخما يتجاوز طاقة أصحاب الحراك ، كما يتجاوز ساكنة الحسيمة التي تضبّب عليها المشهد منذ البداية ، حين كانت قد إسْتُدرجت للدفاع عن مشروع عام ، كانت كل التحليلات الدقيقة تنبئ بفشله ، لأسباب ترجع إلى ذاتية زعماء الحراك ، التي سيطر عليها الاندفاع من اجل الاندفاع ، دون تحضير العقل لتحليل ظروف المرحلة ، والعجز في استيعاب المرحلة التي لم تكن قد توضّحتْ بعد بسبب الازدواجية في الخطاب ، بين المطالب الاجتماعية والاقتصادية ، وبين التركيز على البعد الجغرافي والإثني ، كخلاص من النظام العروبي ، ومن العرب حين اعتبروهم استعمارا اشد من الاستعمار الاسباني الذي كان رحيما بهم رغم انه ضرب أجدادهم بالغازات السامة .
كما يحيل على هذا التساؤل ، التحول الذي أصبح عليه خطاب الحراك ، بعد ان فقد بريقه باعتقال زعماءه ، واقتصاره على المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين ، وإسقاطه المطالب الاجتماعية والاقتصادية ، وتبرُّئه ، بل إنكاره لأي مطلب يمس الجغرافية او الإثنية .
لقد ارتكب قادة الحراك بسبب انعدام التحليل السياسي الدقيق ، أخطاء خطيرة كان يستحسن تفاديها وتجنبها ، لأنها بقدر ما كانت تسيء إلى الحراك ، وتضيق على رقعته وامتداداته ، فإنها كانت سببا رئيسيا في فشله ، وهو فشل كانت أوضح تجلياته في انطفائه ، وتحوله الى رماد يعلق أياً كان شماعته عليه .
فهكذا سنجد تبادل الاتهامات بين زعماء الحراك ، وتحميل كل طرف للأخر ، مسؤولية الفشل الذي لمس حتى الحقل الإعلامي ، الذي غطى على الحراك بما يجري اليوم ببورما وباليمن .
بل سنجد ان الحراك ، سيغيب عن الساحة الإعلامية التي اقتصرت على تصيُّد بعض الأنباء من هنا وهناك ، كمحاولة لبث الروح في جسم وجسد ميت .
فما هي الأسباب الرئيسية التي أفشلت حراك الريف ؟
1 ) عندما انطلق الحراك في بدايته ، ركز مطالبه على الحقل الاجتماعي والاقتصادي . لكن بعد مرور بعض الوقت ، سنجد ان تنسيقا خطابيا وتنظيميا ، بدأ بين زعماء الحراك المندفعين والمتطرفين بالداخل ، وبين زعماء الريف الانفصاليين بالخارج خاصة بهولندة ، وألمانيا ، وبلجيكا ، واسبانيا .
هكذا وبدخول حركة 18 سبتمبر على الخط ، ومن خلال تصريحات سعيد شعو وبعض الزعماء الآخرين بالمهجر ، سيتبلور خط اندفاعي جديد تجاوز المطالب الاجتماعية والاقتصادية ، إلى المطالب السياسية والجغرافية والإثنية .
ولنا أن نتساءل . هل حجم تلك المطالب الجديدة ، كان في حجم وقوة زعماء الحراك بالداخل ، وبخارج المغرب ؟ أم أن روح المغامرة ، والاندفاع غير المضبوط ، والتهور ، والحلم بوطن جديد ، أعمت أعين الجميع ، خاصة حين جروا وراءهم ساكنة لم تكن تعلم عن المخطط والمشروع العام أي شيء .
2 ) من خلال التحول الذي طرأ على المطالب ، وانزلاقه الى التركيز على الجغرافية والإثنية ، سيتسبب الحراك لنفسه في الاختناق ، وسيكون بمن غرس بذور فشله ، ليحصد في النهاية الإفلاس التام على جميع الأصعدة والمجالات .
ان اتجاه الحراك الى التركيز على الجغرافية والإثنية ، يكون بمن أسس للتمايز والاختلاف الطائفي . وعوض تعريض القاعدة الشعبية المفروض ان تدعم الحراك في مطالبة الاجتماعية والاقتصادية ، حصل تباعد شعبي عن الحراك ، بل تولد عند عامة الشعب ، توجسا وخوفا مما يجري ، وأصبح الهدف ، هو التحصين والتمْتين ، ضد كل محاولات التقسيم والتجزيء ، واصحب الهمّ الشعبي المغربي هو الحفاظ على الوحدة ، وحدة التراب والأرض ووحدة الشعب .
ان هذا الموقف الشعبي المغربي الذي اخذ مسافة بعيدة عمّا يجري بالريف وبالصحراء ، ولّد في الذاكرة الشعبية المغربية ، مؤامرة الاستعمار الفرنسي الذي أراد تمْسيح البربر من خلال الأعراف ، والمحاكم ، ونظم حكم القبيلة ، وهي المؤامرة التي سيكشف عنها الاستعمار الفرنسي بالظهير البربري الذي قاومه المغاربة بمختلف أعراقهم من عروبيين وبرابرة .
فان يصبح في الذاكرة الشعبية ما يجري بالريف ، وبالصحراء مؤامرة تحاك ضد المغرب أرضا وشعبا ، يعني أن الحراك بمطالبه السياسية الضيقة ، والجغرافية ، والإثنية ، يكون قد حكم على نفسه بالموت المحقق .
3 ) بعد طول الحراك ، الذي التزم فيه النظام بدور المراقب لما يجري ، ورغم ان النظام لم يستعمل العنف قبل اقتناص خطأ الزفزافي ومن معه بحادثة المسجد ، اعتبر زعماء الحراك في الداخل ، وزعماءه في الخارج هذه السياسة بمثابة ضعف للنظام ، وان الظرف أصبح مواتيا ، والفرصة سانحة لخلق وضع جديد ،طالما حلم به الريفيون منذ خمسينات القرن الماضي .
لقد اعتقدوا في قرارة نفسهم ، ان المغرب اليوم أكثر من ضعيف ، واعتقدوا ان الملك أكثر من ضعيف كذلك وانه سيرضخ للأمر الواقع لاستمرار نظام حكمه .
كما اعتقدوا ان الفرصة السانحة والمواتية ، ممكن ان تساهم ، ليس فقط في تحقيق المطالب الجغرافية والإثنية ، بل قد تساهم في تغيير جذري للنظام بالمغرب . وهنا نتذكر رفع صور الكلونيل محمد اعبابو ، والضباط الذين شاركوا في انقلاب 1971 ، الذي كان سيؤسس لجمهورية امازيغية .
لكن الذي تغافله زعماء الحراك في داخل المغرب وفي خارجه ، ان الملك لا يحكم كشخص ، بل يحكم كنظام ، ومن ثم فان قوة الملك يستمدها من النظام الذي يحتضنه ، وعلى رأسه الجيش والدرك .
ان الملك هو نقطة ماء في بحر نظام هائج ، ومن ثم فهو لا يستطيع الخروج عن خارطة الطريق المرسومة له بإتقان ، وإلاّ فان تغليب المصالح الفئوية ، والطبقات المستفيذة من الوضع ، قد تسبب في أشياء ستكون خطرا على شخص الملك ، أكثر من خطورتها على نظام حكمه الذي قد يستمر مع حاكم آخرا .
وهنا أود توجيه ملاحظة لأولئك الذين يركزون على شخص الملك ، دون نظامه . ان من يعتقد ان التركيز على شخص الملك دون النظام ، سيكون وضعه هو وضع زعماء الحراك الذين شخْصنوا ، واختزلوا الملك في النظام ، في حين وكما قلت هو نقطة ماء في بحر هائج .
4 ) أن من أهم أسباب فشل الحراك ، بسبب غياب الدعم الشعبي المغربي له ، هو انه حكم على نفسه بالتمايز والتخندق والانعزالية . اي انه ومنذ بداية الحراك عزل نفسه عن النضالات التي يخوضها الشعب المغربي قاطبة .
وهنا سأعالج سلوكين لهما أكثر من دلالة :
ا – السلوك الأول ، وهو تساؤل عن العلاقة بين المطالب الاجتماعية والاقتصادية ، وبين رفع راية الجمهورية الريفية التي كانت توزع بالآلاف ، الأمر الذي نطرح معه التساؤل ، عن مصادر تمويل طباعة تلك الراية ، والمنشورات التي كانت توزع ليلا ؟
فهل كانت الجمهورية الريفية تغطي كل المغرب ، أم أنها كانت فقط بالريف ؟
وإذا نحن علمنا ان سيادة الجمهورية كانت تقتصر فقط على الريف ، ولها رايتها الخاصة ، ودستورها ، ومؤسساتها ، وجيشها ... الخ، ولم تكن تشمل كل المغرب ، استخلصنا للتو ، ان دعوة زعماء الحراك بداخل المغرب وخارجه ، أصبحت هي الانفصال عن المغرب ، والرجوع الى الحدود الترابية التي كانت عليها الجمهورية الريفية . وقد تأكدت هذه الدعوة برفع شعار الحكم الذاتي ، ثم بعده رفع شعار الاستفتاء وتقرير المصير .
ب – السلوك الثاني ، هو تساؤل كذلك بين المطالب الاجتماعية والاقتصادية المشروعة ، وبين رفع الراية الامازيغية ، الى جانب راية الجمهورية الريفية ، وفي غياب مقصود للراية الوطنية التي تم إحراقها نكاية في الجنس العربي .
ان ترديد الزفزافي ومن معه لعبارات عنصرية مثل ( عْريبُّوشْ ) و الاستعمار الاسباني الذي ضربهم بالغازات السامة ، ألطف من الاستعمار العربي ، هي دعوة لإشعال حرب أهلية ، وإثنية ، بين العروبيين وبين البرابرة ، وهي دعوة للانفصال والتمايز ، وإحياء للظهير البربري بشكل تراجيديا .
فهل مثل هذه المشروعات العامة بين الانفصال وتأسيس الجمهورية الريفية برايتها التي تم رفعها بالآلاف ، وبين الدعوة الى التمايز العنصري برفع الراية البربرية ، والمطالبة بطرد العرب الذين وصفوهم بالمحتلين للمغرب ، هي مشروعات بريئة ، آم أنها من انجاز مجموعة سايكس بيكو الجدد ، الذين خربوا ودمروا دولا بالشرق الأوسط ، ويبحثون عن تكملة مشروعهم بشمال إفريقيا ؟

ان الدعوة التي تأسيس الجمهورية الريفية ، وان الدعوة الى طرد الاستعمار العربي ، هي دعوة للحرب الأهلية ، وتكون الدعوتان معا ، هي دعوة لتخريب وتدمير المغرب ، باسم حق الشعب الريفي في تقرير مصيره ، وحق الشعب البربري في تحرير أرضه .
إن انزلاق مطالب زعماء الحراك من المطالب الاجتماعية والاقتصادية ، إلى المطالب السياسية الضيقة ، والمطالب الجغرافية والإثنية ، والحكم على نفسهم بالعزلة ، كانت السبب المباشر في فشل الحراك الذي لم يعد يسمع إلاّ في بعض المنابر والمواقع ، او بالفيسبوك لبعث الروح في جسد أصبح ميتا .
فهل استجابت الجماهير والشعب لبعض الدعوات الاندفاعية ، بالخروج الى الشارع في مناسبة جلوس الملك على كرسي الحكم ، وفي مناسبة عيد الشباب ، و مناسبة عيد 20 غشت ؟
ومنذ متى كانت محاربة النظام ، او معارضته تتم بتقسيم وتجزيء البلاد ، وبتقسيم وحدة الشعب ؟

ان مثل هذا التنظير لا يوجد إلاّ في المغرب بلد الاستثناءات في كل شيء .
فبسبب هذه الأخطاء غير المسئولة . نقول ان حراك الريف فشل . وان الجزائر فشلت في إيجاد ميخائييل غورباتشوف مغربي عميل وخائن ينجح في تدمير المغرب من الداخل لتسهيل انفصال الصحراء .
لقد فشل مخطط الانفصال ، وفشل مخطط الحرب الأهلية ، وفشل مخطط التخريب والتدمير . وفشل مخطط أعداء وحدة المغرب جغرافية وشعبا . ونجح المغرب الموحد ، مغرب الشموخ والتحدي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رداً على روسيا: بولندا تعلن استعدادها لاستضافة نووي الناتو |


.. طهران تهدد بمحو إسرائيل إذا هاجمت الأراضي الإيرانية، فهل يتج




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل بعد مقتل اثنين من عناص


.. 200 يوم على حرب غزة.. ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية | #




.. إسرائيل تخسر وحماس تفشل.. 200 يوم من الدمار والموت والجوع في