الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلمات من دفتر الاحوال (3)

كاظم الموسوي

2017 / 9 / 7
الادب والفن



التفكير بالكتابة والكتب ليس يسيرا، وليس عملا بسيطا. فإضافة الى ما فيه من جدية وجدوى، وما فيه من أهداف ومعنى، وما فيه من رسالة ومبنى، فهو ملكة توهب وخبرة تهذب ومعاناة تجرب. والأمثلة تذكر عنه أو بمعناه كثيرة، فليس كل من صبغ وجهه صار حدادا، مثلا، او اعطي الخبز لخبازته او خبازه، في مثال اخر وغيرها.. وكلها تؤكد ما بدأت به.
بالتاكيد هناك عوامل كثيرة مساعدة او مشجعة، تبدأ من البيت والأسرة ولا تنتهي بالمدارس والمعاهد والكليات، وتختتم بالصحبة والرفقة والمجالات المتاحة والمتقاربة. فتوفر مكتبة وكتب في الدار لها معنى ما، وميول في بعض أعضاء الأسرة تدفع إلى المشاركة والمتابعة والدرس والتعاون، وحين يكون المعلم فاهما ومبدعا وقادرا يعمل على صقل الموهبة وتحريض الابداع والأخذ باليد نحو آفاق جديدة وافضل مما عليه، كما أن الأجواء المحيطة تتحدى وتتحمس لمبدعها، خلاف ما يقال عن مطرب الحي.
اول كتابة لي نشرت كانت تحقيقا صحفيا قمت بإعداده، عن نقابة المحامين ومشكلة القضاء العراقي في أواخر الستينات من القرن الماضي، وحين وضعت الأسئلة وبدأت بالاتصال بعدد من المحامين اخترتهم بنظر الاعتبار لاتجاهاتهم السياسية أو ما يعرفون به من انتماءات حزبية، وحين اتصلت بالمحامي الاول شجعني بالاجابة الكاملة على اسئلتي ودعاني الى مكتبه وقام بنفسه بتحضير الشاي وصحن البسكويت، وتبادلنا الراي باسماء الاخرين، وتحركت للقاء على من حصلت على موافقة منهم، ونجحت في إعداد التقرير، إلا أن مشكلة أو عقدة حصلت وللفجاءة فيها انها نتجت من التواصل مع المحامي الذي توصيت به وقيل لي أنه من "جماعتنا"، واجهني بغلظة وعبوس وتردد في قبول ورقة الأسئلة وأخبرته باني حصلت على اسمه من الجهة الفلانية التي يُعرف بها في النقابة، فزاده غيظا وتعنتا، مما فاض في استغرابي ودهشتي، فالذين لم اتعرف عليهم من قبل، ولم أوص بهم استجابوا ودعموا مبادرتي وعملي الاول، دون معرفة منهم بي. وما أن أكملت المهمة الاولى من مهنة البحث عن المتاعب، وعدت إلى مكتب الصحيفة الاسبوعية، الذي كان سكنا لصاحبها ورئيس التحرير، وصديقه سكرتير التحرير، وشاركتهم اياما، واذا برئيس التحرير غاضب مني وبصوت لم اعهده منه يقول لي ماذا فعلت؟!. اتصل المحامي واشتكاك، بأنك أسأت تعامله، ولا اعرف حينها لماذا غمرنتي ضحكة طويلة لم أتوقف عنها، وهو يحمر وجهه ويصفر ويضرب بيده على الطاولة، مؤكدا بغضب ليس هكذا تتم الأعمال والصحافة. ولما هدانا كلانا وضحت له الأمر فاسرع لمهاتفته وأخباره بأنه هو المسبب لما حصل واني لم اهنه او ازعجه، فظل الرجل يناقض نفسه، متهربا من الاعتراف بخطئه وتأكد بأن انكاره لم يصدق منا، ومرت اول تجربة لي بهذا الشكل وواصلت عملي بظروفي وحاجتي للعمل والدراسة والكتابة المختصة. وتوفرت لي فرصة المساهمة في برنامج اذاعي والحصول على مورد مالي منه معقول لا يتعارض مع جدولي العملي. ونشرت قصائد شعرية، في مجلتي الاقلام و"العاملون في النفط"، وهما مجلتان محترمتان ثقافيا بين الوسط الثقافي والاعلامي.. ارسلت القصيدة الاولى الى الاقلام عبر البريد، واطلعت عليها وانا اشتريها من بائع الصحف والمجلات قرب مقهى في شارع الرشيد. اما الثانية فقد ذهبت مع الصديق القاص، حينها، ناجح المعموري، الى مقر المجلة، للقاء المشرف عليها، الناقد والفنان والمترجم والروائي المعروف جبرا إبراهيم جبرا، واستقبلنا الرجل دون موعد سابق بحرارة، والقى نظرة على النصين اللذين سلمناهما له، نصي الشعري والقصة القصيرة لصديقي العزيز المعموري، وعلق مباشرة على نصي، مواجها لي بانكم يساريون ولا يعجبكم العجب، وضحكنا، وفي نهاية الشهر وصلتنا نسخ من المجلة وظرف اخر فيه مكافأة جزيلة حينها..
ودارت الايام...، وكانت تجربتي الاولى في إصدار كتاب، تكرر تلك الدائرة من المواجهات المحبطة. فليست لدي خبرة عريضة باصدار الكتب، ولا الطرق الملتوية لدور النشر، ولا فهلوة الناشرين واصحاب المطابع. كما أن معرفتي بالحاسوب ليست كبيرة، وخبرتي أولية في الطبع والتصميم والإخراج. ولكني غامرت كعادتي في كثير من المواقف. طلبت من الصديق المرادي استعارة جهاز الحاسوب فاقترح علي أن اتي الى بيته والعمل منه، لأنه وزوجته يخرجان من الصباح الى العمل والدراسة ويعودان مساء، فرحبت بالفكرة ونفذتها، وتفرغت كل يوم اطبع كتابي من الصباح حتى المساء الى الانتهاء منه، وسحبته بآلة طابعته العادية، بالحبر وليس الليزر، وحملت الكتاب إلى مطبعة شعبية عامة، استنسخ دائما عندها كتبا واوراقا وتعرفت على صاحبها، واتفقت معه على طبع الكتاب، ونفذ الأمر كما اردت، واختار لي الصديق الفنان النصير صورة عراقية قديمة من اعوام الاربعينيات بلون قهوائي/ بني فاتح، واحد، غلافا، معبرا عن القدم والتاريخ، وخلال أيام اصبح لدي اول كتاب مطبوع، بعنوان: العراق: صفحات من التاريخ السياسي. يضم خمس دراسات أكاديمية عن العراق، كانت جزء من البحث العلمي ومقدمة مطلوبة لإكمال الحصول على الدكتوراه. لكني رغم فرحي بإصداره وجدته ليس كما تمنيت، واخترته، فطباعتي لم تكن مهنية، واختيار الحرف لم يكن طباعيا، وسحبه بطابعة حبر عادي انعكس على طبعه فنيا، وبيّن سلبياته، وتصميمه وإخراجه.. و..و. المهم لم أكن راضيا عن نفسي فيه، ولكنه طبع ووزع، واعيدت طباعته ثلاث مرات، ولم يحظ فيها كلها بما يتوجب أن يكون فنيا وجماليا، فالناشر للطبعة الثانية خصم منه جزء من فصل مهم دون علمي وموافقتي، والثالث ضغطه إلى درجة يحتاج قارؤه الى نظارة طبية لقراءته.. وتلك صفحة من محنة الكاتب مع النشر والناشرين، لاسيما الذين دخلوا الصنعة للتجارة والمتاجرة وليس للعمل في المهنة وتقديم خدمة معرفية والعيش الشريف منها.
بعد تقدم التقنية وتمكني من الطباعة وتوفر الأجهزة اعدت طباعته او كتابته فنيا ونشرته الكترونيا، ووزعته عبر الانترنت، ورجوت أن يخدم الهدف منه وإن يستعيد قارؤه بعض ما أراد أن يسجله ويوثقه من تاريخ العراق. كما نشرت فصولا منه منفردة على مواقع إلكترونية معروفة لزيادة الاطلاع والفائدة المرجوة من الجهد والتعب والامال. وقدمه الإعلامي د. محمد قواص في حلقة من برنامجه الاسبوعي " علامات استفهام" على فضائية أي أن بي، التي كانت تبث من لندن، وتم ذلك، ومازال البرنامج مسجلا على اليوتيوب ويعرض في سجله وصفحاته.
كل مرة يناقشني صاحبي ويضع امامي ما يجول بخاطره، فذكر لي ما قاله الامام علي بن ابي طالب، مؤكدا: الصبر صبران.. صبر على ما تكره و صبر على ما تحب. وكذلك قوله: كل إناء يضيق بما جعل فيه إلا وعاء العلم فإنه يتسع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81


.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد




.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه