الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التشكيل في مجموعة -وليمة الجاحظ- حسام الرشيد

رائد الحواري

2017 / 9 / 7
الادب والفن


التشكيل في مجموعة
"وليمة الجاحظ"
حسام الرشيد
هذا المجموعة الثالثة من القصص التي أجد فيها ثلاثة مستويات من السرد، المجموعة الأولى كانت "أمام المرآة" لفاروق مواسي، والثانية "الرجل النازل" لعلي السوادني، طبعا التنوع يثري المجموعة ويقدم للمتلقي متعة تضاف إلى ما في القصص من جمالية، فالقسم الأولى جاء بهذه التسمية:
"المسلة الأولى
دماء هابيل لم تجف بعد"
وهذه التسمية تدفع القارئ إلى التوغل في التاريخ والتوقف عند مسلة "حمورابي" التي تضم أهم وأكمل شريعة أوجدها المجتمع الإنساني على وجه المعمورة، فتسمية الأقسام الثلاثة في المجموعة باسم
"المسلة الثانية
كوميديا الولاة"
"المسلة الثالثة
المكابدات" تجعلنا نتوقف عندها، فالنصوص القصصية في قسمها الأول والثالث تتحدث عن الحاضر، بينما في قسمها الثاني تتحدث عن قصص من التراث العربي الإسلامي، بمعنى أن زمن احداث المجموعة لم يتجاوز ألف سنة، لكن الكاتب يعود بنا من خلال التسمية إلى ما يزيد عن الأربعة ألاف سنة، فما الحكمة وراء ذلك؟ وماذا أراد من تلك التسمية؟ علما بأن القصص لا تتناول القوانين كما هو الحال في شريعة "حمورابي" بل تتحدث/تتناول أحداث ومشاهد عامة توضح حالة القهر والظلم الواقع على المواطن، إن كان في زمن الخلافة أو في الحاضر.
اعتقد أن تسمية الاقسام الثلاث "المسلة" أرد بها الكاتب أن يربط حالة القهر التي نمر بها مع تلك العادلة/الشريعة التي وجدت على مسلة حمورابي" لكي نندفع نحو التغير والبحث عن مخرج لهذا الظلم الواقع على كاهلنا.
فاتحة وخاتمة المجموعة
قلنا في موضع غير هذا أن الفاتحة مهمة جدا في أي عمل أدبي، وهي من يجعل المتلقي أما ينجذب إلى العمل أو ينفر منه، "حسام الرشيد" يفتتح مجموعته بهذا النص:
"أما قبل"
"أت لكي آخذ الصحراء من يدها
مشيا على الماء، والصحراء لا تثق!.." ص9، هذه الفاتحة توحي/تشير إلى بحالة الصراع بين الخصب والجدب، بين النماء واليباس، وهي فكرة حاضرة في المعتقدات الدينية القديمة، منذ الحضارة السومرية مرورا بالأكادية والبابلية والأشورية والكنعانية والفينيقية، وكأنه بهذه الفاتحة أراد أن يربط تسمية الأقسام الثلاثة "بالمسلة" فالصراع كان منذ بداية الحضارة الإنسانية إلى غالية هذه الساعة.
وكان آخر ما جاء في المجموعة هذا المقطع:
"أما بعد"
معي عصاي، وألواح العصور معي
بي ـ لا بغيري ـ هذا البحر ينفلق!.." ص145، يمكننا أن نستشف المعنى بهذا الشكل: "حضارتي وثقافتي التي كتبت/ها على ألواح الطين منذ سومر إلى الآن هي من يساعدني ـ أنا ـ على فتح البحر/ي"
التناص مع القرآن الكريم
هناك العديد من حالات التناص مع القرآن الكريم، "أن كيدهن عظيم" ص16، "أوجس في نفسه خيفة" ص24، "دنا فتدلى/هباء منثورا" ص 31، "حبل من مسد" ص35، "فقد سولت لهما نفسيهما أمرا" ص37، "فاقبل بعضهم على بعض يتهامسون" ص49، "جعلوا اصابعهم في آذانهم" ص71، "لا طاقة لنا به" صص77، "خاوية على عروشها" ص81، "في الدرك الأسفل من النار" ص94، "أنتبذت خيمة قصية" ص110، من يتأمل الطريفة اتي جاءت بها بهذه الاستخدامات يجد قدرة القاص على تجيير النص القرآني بشكل فريد يميزه عن غيرة، وهذا يجمل القصص ويدفع المتلقي للنهل من القرآن الكريم، لكن هناك هفوة وقع فيها القاص عندما جعل شخصيات قصصه تتحدث بلغته هو، بلغة السارد، فجاء في قصة "القصاص" على لسان احدى الشخصيات هذا القول: "لا طاقة لنا به" ص77 وجاء أيضا في قصة "لعنة الغزال" :في الدرك الأسفل من النار" ص94، فكان الأجدر والأصح أن لا تستخدم الشخصيات عين اللغة التي يستخدمها الراوي/القاص، لكي نشعر بأنها شخصيات المجموعة حرة وتتحدث وتتصرف على هواها وليس من خلال الكاتب/القاص.
الفاتحة والخاتمة والنص الديني
وإذا ما توقفنا عند الفاتحة والخاتمة للمجموعة والتي تتحدث عن المعتقدات الدينية وحالة الصراع بين الموت والحياة، وما جاء به القاص من تناص مع القرآن الكريم، نستطيع أن نربط كل ذلك برباط ـ الفكر الديني ـ المعتقد الديني ـ المقدس ـ إن كان عند أسلفنا السومريين والأكاديين والبابليين والكنعانيين والفينيقيين أم عند المسلمين، فالكل كان يتبنى أفكار دينية ـ مقدسة ـ وما جاءت به مجموعة "وليمة الجاحظ" توكيد على هذا الأمر، حالة الصراع بين المتناقضات، الموت والحياة، الظلم والعدل، الحرية والعبودية.

في المسلة الأولى "دماء قابيل لم تجف بعد" وهي تتماثل مع بداية سفر التكوين الذي يتحدث عن الصراع بين "قابيلا وهابيل" يستخدم فيها الكاتب الفانتازيا بشكل واضح، حتى أن القارئ يجد فيها عالم/أحداث/مشاهد لا يمكن الإمساك بها، لكن فكرتها تصل بطريقة أو بأخرى، وما يميز هذا القسم وجود أكثر من سرد للحدث الواحد، كما هو الحال في قصة "الجلادون الخمسة" حتى أننا نجد الكاتب يزوغ من الرقابة بشكل ذكي عندما جعل نهاية القصة " بهذا المشهد: "حين تغمر الدماء خشبة المسرح، تسدل الستارة!" ص20 فالقصة تتحدث عن حصان طروادة ومحاكم أحد الاشخاص الذي فر من حين رأى "الحصان الخشبي حين شارف حصار طروادة على الانتهاء" ص16، وتأخذ هذه المحاكمة شكل مسرحية تدار على خشبة المسرح وبين واقعية الحدث، وهذا ما يحسب للكاتب الذي يوصل الفكرة بطريقة غير مباشرة، لا هو واقعي أو مسرحي ولا هو فانتازيا، لكن فكرة الكاتب تصل إلى القارئ، وهذا ما يهمنا، تقديم فكرة بشكل جديد غير مألوف. ونجد في قصة "حدث في الجنازة" نهاية غير متوقعة عندما جعل الشخص الذي يبكي ويجهش في البكاء على "الدكتور الجامعي" يعود إلى "...وحين اقترب موعد المناقشة مات فجأة" ص26، وهذه القصة يربط الكاتب المتلقي بشكل وثيق ليعرف ما وراء هذا الشخص وهذا البكاء ليجده شيء غير ذات أهمية، إذا ما قورن بوصف البكاء والحزن الذي أظهره هذا الشاب.
وفي قصة "نهايات" نجد أكثر من نهاية للحدث اطلاق النار على المجني عليه، النهاية الأولى: "قفز المجني عليه من النافذة فرارا بروحه من موت دنا فتدلى!" ص31، النهاية الثانية: "أصابت الأولى كاحله الأيمن... لكنه ظل يركض خلفه حتى لأمسك به، وحين أمعن النظر في وجهه طار عقله من رأسه:
ـ إنه ليس هو!.." ص31 وفي النهاية الثالثة نجد الجاني يعود إلى بيته "أرتمى على فراشه وأجهش بالبكاء" ص31، مثل هذا التعدد في روايات الحدث القصصي يمثل ذكاء الكاتب لأنه يجعل القارئ يحار أيا من الأحداث هو الأفضل، الأقرب إلى الحقيقة، إلى العدالة.
وفي قصة "الدفينة" يتحدث فيها عن عجوزين يأتيان إلى القرية، فيأخذ الناس في الكلام عن دوافع ومسببات حضورهما إلى القرية، من هذا الأفكار التآمر على كبير القرية، والتجسس لصالح الأعداء، وعلمهما بوجود كنز جاءا ليبحثا عنه، وهذا الكنز موجود تحت خيمتها تحديدا، وعندما يأتي حراس كبير القرية يجدوهما بهذا الحالة: "... فلم يكن في الخيمة دفينة من ذهب أو فضة وإنما جثتان هامدتان لعجوزين طاعنين في السن" ص38، ومن يتابع هذه القصة سيجد نهايتها غير متوقعة أبدأ لكن الكاتب يعمل على إثارة القارئ وجعله يستفز من النهايات التي ينهي بها قصصه.
ونجد في قصة "الفقيد في اليوم السابع" فكرة فساد المجتمع بعد أن عرف الورثة أن المتوفي لم يكتب/يوصي لهم أيا من ثروته.
وفي قصة العنوان "وليمة الجاحظ" يقدم لنا الكاتب فساد المثقفين، وكيف يبحث كلا منهم عن مصالحه فقط، فبعد يحمدوا الكاتب وما كتبه ثم يأخذوا في يتناول ألذ الطعام وأطيب الشرب عند الكاتب يقموا بهذا الأمر:
"ـ لقد افرطنا في الأكل قليلا ولكن لا ضير.
ـ أكثر الله من أمثال صاحبنا وكتبه
ـ لو يعلم أننا لم نقرأ من كتابه حرفا واحدا، فماذا تراه سيفعل؟
ـ لا بد أنه سينفجر غيظا
وفي ذروة تهامسهم، ألقوا كتبه في سلة للمهملات ملقاة على الرصيف" ص49، ما يحسب لهذه القصة أنها تنتقد المجتمع/الفئة التي ينتمي إليها الكاتب.
وفي قصة "تحولات أبي الطيب المتنبي في يومه الأخير" تتحدث عن جمهور الثقافة والذي لا يلقي لها بالا، فالقاعة تخلوا من الحضور إلا من شخص واحد، وعندما يسأله الشاعر عن السبب يجيبه:
"إذا غادات فمن سيغلق الصالة يا شاعرنا الهمام!" ص54، لكن الكاتب لا يكتفي بهذا المشهد، بل يعمل على صفعنا ويستفزنا بردة فعل الشاعر على هذا الإهمال له فيضع لنا نهاية تمثل ذروة التمرد:
"الراوي :الكاتب
ات الشاعر
في ظلام الليل الدامس احتمله أبناءه إلى مقبرة الغرباء، دفنوه في هدوء تام/ ولم ينسوا أن يكتبوا على شاهد قبره ساخرين:
"هنا يرقد أبو الطيب المتنبي"ص55، فهذه النهاية تمثل اهانة وتحقير للجمهور وللأبناء الذين لم يعروا قيمة/مكانة/أهمية الشاعر.
في قصص "على خشبة المسرح" يقدم لنا كاتب مجموعة من القصص القصيرة جدا، وهي تحمل شكل الفنتازيا، وكأنه بها أراد أن يختم القسم الأول ووقعة القاسي على المتلقي، فهي قصص قصيرة وتحمل ذات المضمون الصعب/الأسود، لكنا حجمها واستخدام الفانتازيا في تقديمها جعلها خفيفة الظل على المتلقي.

في المسلة الثانية "كوميديا الولادة" يقدم لنا القاص مجموعة من القصص التراثية، فقصة "الكبش" نجد فيها تناص مع قصة "الملك سليمان" الذي تأكل الدود عصاه دون أن تعلم حاشيته بموته، وفي قصة "القصاص" يقدم لنا القاص شيء قريب من حكم "قراقوش" الهزيل، وفي قصة "أمان" نجد تناص مع قصة الحجاج والفتيان الثلاث الذي يخرقوا حظر التجوال، وفي قصة "هزيمة" يحكي عن القائد المهزوم الذي ينهزم جيشه قبل أن يفر هو من أرض المعركة، وفي قصة "لعنة غزال" يخبرنا كيف يكون حال الملم في حالة الضعف وفي حالة القوة، ويختم لنا القاص هذه القسم بقصة "ما جرى في المقهى" متجاوزا فيها التراث القصصي إلى الواقع، وكيف يتم التعامل مع حدث مهم "كانت لجثث مقطعة الأوصال .. مطروحة على الأرض تغمرها الدماء" ص99، إلى حدث آخر مباراة كرة قدم، فالقاص أرادنا أن نقف على حقيقتنا، على ما نقوم به من إهمال لذاتنا ولأهلنا عندما نهرب من مواجهة حقيقة ما يجري لنا، والهروب إلى الأمام بمشاهدة والمباريات وبحرص شديد.
المسلة الثالثة "المكابدات" يتحدث فيها عن العصر الحالي، فهناك حديث عن شاعر ما في قصة "حين هم بي الشوق وهممت به" وما يحسب لهذا اقصة أن لغتها كانت من أجمل ما يكون، بحيث ينسجم المضمون مع الفكرة، في تتحدث عن شاعر وكان لا بد من استخدام لغة شعرية راقية، وفي قصة "توكأ على عصاه ورحل" عن أب وابن بشكل فانتازيا، وهي من أجمل القصص في المجموعة، وفي قصة "الوسام" يقدم لنا بشكل ساخر وفانتازي الموظف البليد المهمل الذي يحصل على وسام، وفي قصة "صائد الأفاعي" يتحدث عن فساد المجتمع من خلال قيام شخص بإنقاذ فتاة من لدغة الأفعى، يحث نجده يحتفظ ب"سلة من القش، ملأى بعشرات الأفاعي التي بلا أنياب" ص129، وفي قصة "انتقام" يتحدث عن علاقة غير سوية بين الزوج وزوجته، والذي يقوم بالتفكير بقتلها بشكل فانتازيا، أما في قصة "مرائي الأفول" فهي تتحدث عن المخابرات التي تراقب كل كبيرة وصغيرة عند الأفراد بحيث نجد الشاعر عندما يعلم بمراقبته من قبل هذا الجهاز البغيض يقوم: "أستل قلمه من جيب قميصه وبدأ بكتابة آخر قصائده" ص142.
المجموعة من منشورات وزارة الثقافة، عمان، الأردن، 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم


.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي




.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع


.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي




.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل