الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مذكّرات نقابية

ضيا اسكندر

2017 / 9 / 10
سيرة ذاتية


في عام 1984 خضعتُ لدورة في المعهد الإعدادي النقابي في اللاذقية لمدة شهرين. وهذه الدورة تشمل عادةً النقابيين في القطاع العام والتعاوني والمشترك. وتستمر الدورات طيلة العام. وتتضمّن الدورة برنامجاً تثقيفياً مهمّاً في الاقتصاد والسياسة والتشريعات العمالية.
في نهاية الدورة يخضع المتدربون إلى اختبارات شفهية وكتابية، وقد كان حظّي آنذاك أنني نلتُ المرتبة الأولى على زملائي. ويقتضي العرف في المعهد أن ألقي كلمة بهذه المناسبة أمام مجموعة من القادة النقابيين والحزبيين والأمنيين في المحافظة.
وقبل أن أباشر بكتابة الكلمة استدعاني مدير المعهد إلى مكتبه لأخذ التوجيهات.
رحّب بي في مستهلّ اللقاء وأخبرني أنني أستحق الفوز بجدارة وأنه لا يميّز بين عامل وآخر. ولا يفرّق بين بعثي وشيوعي وناصريّ.. إطلاقاً. وكنت آنذاك في صفوف الحزب الشيوعي السوري. وأضاف قائلاً: «نحن نعلم أنك شيوعي من رفاقنا في الجبهة (الوطنية التقدمية) وكما تعلم فإن الفائزين الثلاثة الأوائل يتم ترشيحهم للدراسة في المعهد المركزي للنقابات بدمشق. وتحصل بعدها على ترفيعة استثنائية مقدارها 5% من الراتب المثقطوع. وإذا تفوّقت هناك سوف نرسلك منحة دراسية إلى إحدى الدول الاشتراكية وتعود إلينا مجازاً بشهادة جامعية عالية.. فما رأيك؟»
أجبته وأنا بحالة من السعادة: أشكرك أستاذ، وأرجو أن أكون عند حسن ظنكم.
قال لي: طيب، اذهب الآن إلى الغرفة المجاورة وباشرْ بكتابة الكلمة، وبعد فراغك من كتابتها أتمنى عليك اطلاعي عليها من أجل تنقيحها.
الحقيقة أن آخر كلمة لفظها لم ترحْني. جلست في الغرفة المجاورة وكتبت.
وفور انتهائي من كتابتها دخلت إلى مكتبه وسلّمته الورقة. وبدأ بتلاوتها بصوتٍ مسموع وكلما استغرق في قراءتها تزداد تقطيبات جبينه. وبدأ يقرأ بصوتٍ خفيض تلاشى تدريجياً إلى أن أغلق شفتيه تماماً ثم قذف بالورقة على طاولته ونهض واقفاً:
- هل يعقل يا رفيق ألاّ تذكر ولا كلمة عن السيد الرئيس؟!
قلت له مستغرباً: وما دخل السيد الرئيس بهذه الكلمة وبهذه الدورة؟
أجاب: هذه من ثوابت الخطابات الوطنية يا بنيّ! يرضى عليك عُدْ إلى الغرفة واكتبْ عدة عبارات تمجّد بها السيد الرئيس.. هيّا، وأرجوك أن تستعجل لأن الوفود على وشك الوصول.
عدتُ إلى الغرفة وكتبتُ مضيفاً: «وفي هذه المناسبة لا يسعنا إلا تقديم الشكر للسيد الرئيس على اهتمامه بالطبقة العاملة وتنظيمها النقابي».
ورجعتُ إليه، قرأ الإضافة بسرعة ونظر صوبي بحقد:
- «هاد اللي طلع معك؟ ولك يا بني آدم، صعبة عليك تقول الرئيس المناضل، القائد الرمز، قائدنا الأمين، رئيسنا المفدّى..؟»
أجبته وأنا في حالة من الارتباك: أستاذ، هاد اللي طلع معي..
قال لي بنفاد صبر: قلت لك الوفود على وشك الوصول، هيّا اكتب ما نبّهتك عنه.. هيّا!
قلت له وقد أدركني الخوف والحرج: أستاذ إذا كانت الكلمة لم تعجبك، أرجوك كلّف غيري بكتابتها وليكن الحائز على المرتبة الثانية مثلاً. وإذا أردت، ومنعاً للإحراج، فأنا مستعدّ أن أغادر فوراً ولا أحضر توزيع شهادات التقدير. قل لهم أية حجّة..
تمعّن بي وهو ينقر بالقلم على الطاولة وأجاب بعد لحظات من الصمت المريب:
- كنت أودّ مساعدتك والوقوف إلى جانبك، كنت أنوي ترشيحك للدراسة في المعهد المركزي بدمشق.. لكن يبدو أنك عنيد جداً ولا تفهم مصلحتك. خذ كلمتك واقرأها كما يحلو لك. ومدّ يده باستخفاف وناولني الورقة.
(ركبتُ راسي) وقرّرت قراءة الكلمة دون أيّ تعديل.
عندما صدرت قوائم المرشحين للدراسة في المعهد المركزي تمّت الموافقة على الفائزين بالمراتب التالية: (الثاني، الثالث، السابع عشر) وتم استبعادي دون تقديم أيّ مبرر!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة