الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على ENK.S أن يستقيل، وPYD أن يعود إلى جُحره

إدريس سالم

2017 / 9 / 10
القضية الكردية


لكلّ مَن تلطّخت أيديهم بانقسام المجتمع وتشّرّد الناس وفقرهم وهلاكهم، وبإيصال الحركة السياسية الكوردية في غربي كوردستان إلى حالة الفراغ السياسي المُصاب بالشلل التام وتعطيل رؤاها ومشاريعها الاستراتيجية، عليهم أن يخجلوا من أنفسهم ويتوقفوا عن كلّ هذا الهدر والهذر، فإما أن يعودوا إلى رشدهم ويقدّموا أفضل الخيارات والتوازنات، أو أن يتركوا ممارسة السياسة لكلّ مَن يملك كاريزما ثقافية فكرية وديناميكية عملية فعّالة من ذوي الطاقات والخبرات والكفاءات المتجدّدة وخاصّة الطاقات الشبابية، ويلتزموا أعمالهم الاجتماعية ومتطلّباتهم المعيشية لعوائلهم وأولادهم حافظين ماء وجههم، إلى أن يأتي يوم ويقوم الجيل الجديد بمعاقبتهم مادياً ومعنوياً، وتجريدهم من مسؤولياتهم وفضح سياساتهم وأعمالهم غير الشرعية التي مارسوها على حساب الشعب والقضية.

إن مستوى الحركة السياسية الكوردية كمرجعية سياسية لغربي كوردستان بدأت بالتراجع والانهيار بوسائل وأدوات متعدّدة، حيث أصابتها خلافات حادّة ونكسات مميتة بفعائل قطبيها المتنافسين المجلس الوطني الكوردي ذو الاختصار (ENK.S) وحزب الاتحاد الديمقراطي باختصاره (PYD)، فكلاهما في تحدٍّ وصراع دائمين واتهامات وشتائم متبادلة، وشنّهما لحرب نفسية مزدوجة من خلال المثقفين والوسائل الإعلامية، إلا أنهما يتفقان على وجود إقليم كوردي في غربي كوردستان، ويجب تحقيقه بفيدرالية أو حكم ذاتي، مع مراعاة لمطالب الأجندات وإرضاء الحلفاء «لماذا يفكران في إرضاء الأجندات والحلفاء، دون أن يحترموا نضال الشعب وخروجه ضد النظام المستبد؟ وهل قادة القطبين يؤمنان بالقضية أم المصالح الشخصية؟»، فيما غالبية الشعب الكوردي لا يدرك ولا يلاحظ ذاك التراجع والانهيار الكبير، ولا يجب أن ننسى أن الداعمين للقطبين متساوون في القوة بما يجعل من الصعب الوصول إلى اتفاق دائم ومستقرّ.

الأسباب كثيرة ومعقّدة لهذا الدمار الذي ألحقاه بالقضية الكوردية، إذ أن أهمها هي حالة الأنا الحزبية العمياء، والتدخلات الإقليمية والدولية «تركيا تُملي على المجلس الوطني الكوردي إملاءاتها، لخلق صراع ضدّ منظومة حزب العمال الكوردستاني وفروعها، والنظام السوري والإيراني ينفّذان المخطّطات ضدّ كل معارضيه عبر حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري»، التي فرضت أجنداتها وشخصياتها، مستغلة ظروفها الداخلية والمالية والخلافات العقيمة والعميقة فيما بين أحزابها الحالية، التي تعمل تحت رايتين مختلفتين، الأولى يتغلّب عليها الطابع الكوردي القومي، حيث تدعو إلى استنساخ تجربة إقليم كوردستان كمشروع للجزء الغربي من كوردستان «يتمّ استنساخ التجربة بشكل نظري فقط، وهذا ما يعتبر استهلاكاً واستهزاءً بالمدرسة البارزانية!»، والثانية بطابع وطني سوري بحت، حيث تطرح مشروعها المتمثل في الإدارة الذاتية المؤمنة بأفكار الزعيم الكوردي عبد الله أوجلان، والتي طورتها بفيدرالية شمال سوريا ذات الغالبية العربية، بتوزيع النسب بالتساوي بينه وبين العرب، دون احترام خصوصية المكون الكوردي الأكبر من المكون العربي والسرياني والإيزيدي «لماذا تساوت مع المكوّن العربي بنسبة الحصص؟ وما الذي أجبرتها على أن ترضي المكوّن السرياني في الجزيرة بمقاعد تزيد عنها؟».

ما الانتكاسات والانحدارات التي أصابت المجلس الوطني الكوردي، وأدت إلى تراجع دوره وعلى كافة المجالات والأصعدة؟
1 – رفض اللقاء بالأسد خطأ تكتيكي:
تذكّروا كيف تفاوض جنوب كوردستان وتفاعل وتحاور بحكمة وصبر وذكاء مع النظام العراقي البعثي، وعلاقاته الدبلوماسية والسياسية مع صدام حسين لم تكن من منطق أنهم خونة ويريدون العيش بعراق موحّد كما هو واهم في أذهاننا، بقدر ما كان تكتيكاً مؤقّتاً للوصول إلى الأهداف الاستراتيجية التي تحققت ولا زالت تتحقق، فمَن ارتكب المجازر والانتهاكات والممارسات بحقّهم ها هو اليوم تلاشى وتبدّد، بل وشارك قيادات الجنوب بفعالية محكمة في إسقاط أشرس ديكتاتورية في الشرق الأوسط، والحكم بالإعدام على سفّاحها بجرّة قلم. ورغم مراقبة ومتابعة أحزاب الحركة الكوردية في غربي كوردستان لكلّ المستجدات والتقلّبات في العراق إلا أنهم لم يأخذوا العبرة، ورفضوا دعوة النظام السوري في اللقاء مع بشار الأسد عام 2011، واعتبروا أنهم جزء من الثورة السورية، وأن اللقاء به في دمشق هو إساءة لتاريخ الشعب الكوردي، وإهدار لدماء الشهداء، وبثّ الفتنة والكراهية بين الثائرين ضدّه «لكن لماذا هم اليوم نادمون حاسرون على عدم اللقاء؟»، فيما بعد أشهر من رفض اللقاء بدت بوادر التفاهم والانسجام بين PYD والنظام «أيأتي يوم وينتقم الأسد من 12 قيادياً كوردياً؟».

2 – غياب القوة العسكرية:
بعد أن تحوّلت الثورة السورية من الحالة السلمية إلى الحالة العسكرية، وكثرت الفصائل والكتائب المعتدلة والمتشددة إسلامياً، وهيمنت PYD على منافذ الحياة في غربي كوردستان، كان لا بدّ للمجلس إما أن يتبنّى قوات بيمشركة لشكري روج التي تشكلت في إقليم كوردستان وتلقت الدعم والتدريب أوروبياً «ما الذي يجعل المجتمع الدولي على أن يرفض دخولها إلى غربي كوردستان؟ ولمَ غالبية الأحزاب الكوردية تتاجر باسم هذه القوة على الوسائل الإعلامية؟»، أو أن تشكّل قوة عسكرية أخرى ومن أعضائها ومناصريها ومؤيديها، وبالتزامن مع أول يوم أقدم فيه PYD على تشكيل قوات الحماية الشعبية (YPG) «الخوف من عودة الاقتتال الكوردي – الكوردي من جديد أجبر المجلس على عدم تأسيس قوة عسكرية مباشرة له، فرفض تبنّي البيشمركة في البداية لكنه عاد متأخراً وتبنّاها بعد فوات الأوان، وذاك الاقتتال حدث وبأشكال أخرى، وواضحة لدى الكل!!»، إلا أن المجلس تماطل، وتلاعب على الأوتار الحسّاسة، مفزعاً بوجود قوة عسكرية ثانية ستكون لها عواقب وخيمة.

3 – إخفاق اتفاقيتي «هولير ودهوك»:
لا يجب لوم المجلس في هذه الانتكاسة التاريخية، لأن كل المسؤولية لا تقع على عاتقه لوحده فحسب، بقدر ما تقع أيضاً على الاتحاد الديمقراطي، والمستقلين من كلا القطبين، وعدم وجود حالة التوافق والانسجام حالت دون تطبيق بنود اتفاقيتي “هولير ودهوك“ برعاية رسمية من مسعود بارزاني رئيس إقليم كوردستان، وما تبعه من عمليات طرد بعض أحزاب المجلس وانسحابات خلخلت بنيتها الشعبية والسياسية، كانسحاب الحزب الديمقراطي التقدمي بقرار منه بعد المؤتمر الثالث للمجلس «انسحاب خدم التقدّميون وبعض أعضاء المجلس» وطرد حزب الوحدة الجناح الذي يديره محي الدين شيخ آلي والديمقراطي الكوردي (البارتي) جناح نصر الدين إبراهيم، وتأسيس بعض الفاعلين وأصحاب القرار في المجلس أحزاب مماثلة للأحزاب المطرودة شكلاً ومضموناً، لغايات شخصية وحزبوية، والأهم أيضاً أن PYD بحكم علاقاته المشبوهة ووعوده واتفاقاته غير الثابتة آنذاك أدت إلى فشل كل هذه الاتفاقيات، وتفكيك الأوضاع وظهور الفوضى والاضطرابات.

4 – توقيع اتفاق مع الائتلاف السوري:
في الوثيقة السياسية التي وقعت بين المجلس الوطني الكوردي والائتلاف السوري المعارض تم فيها التراجع عن حق الفيدرالية الأساسي للمجلس في بدايات تأسيسه كمطلب ومشروع له، وقبوله الضمني بترحيل مسألة الفيدرالية إلى وقت ومرحلة لاحقة أو إلى أجل غير معلوم «في كل مرحلة يستقوى الائتلاف فيها، يمارس على المجلس دور الديك والدجاج»، فالتصريحات المتتالية لقيادات الائتلاف كانت تصبّ في إطار نكران حقوق الكورد وإهمالها وصولاً إلى التشكيك بكورديتهم واتهامهم بالإرهابيين والانفصاليين وعملاء لإسرائيل، وتخطيط المعارك ضدّهم «لماذا تتجرّأ ENK.S على فضح ممارسات PYD، ولا تتجرّأ على فضح ألاعيب وانتهاكات الائتلاف السوري؟»، لكن الكورد لن ينسوا مواقف قيادات المعارضة أمثال هيثم المالح وبرهان غليون وميشيل كيلو وأسعد الذعبي وكمال اللبواني وبسام الجعارة وغيرهم ممَن حاربوا الكورد ورموزهم وقواهم العسكرية دون أدنى مسؤولية أخلاقية، والمجلس لم يعطِ أيّ تصريحات أو مواقف جريئة وشجاعة تحفظ لهم في التاريخ وبين الناس «لعلّ الدولار والإغراءات لعبت بهم لعبته!».

5 – التوقيع على وثيقة الهيئة العليا للتفاوض:
انبثق عن مؤتمر الرياض الذي عقد في السعودية الهيئة العليا للمفاوضات، تعهد فيه المجتمعون والموقعون بما فيهم الوفد الكوردي على تمسكهم بوحدة سوريا الترابية وسيادتها، على أساس اللامركزية الإدارية «لماذا أكد المسؤولون في الرياض لأعضاء الهيئة العليا للمفاوضات على ضرورة ترتيب أوراقهم من جديد وبما يتناسب مع الواقع الذي يتضمّن الجلوس مع النظام على طاولة واحدة والحفاظ على وحدة سوريا، دون التطرّق لورقة بقاء الأسد أو رحيله وبتوافق أمريكي روسي؟»، فلم يتحدثوا عن حقوق ودور الكورد ولم يشيروا إليها في الاتفاقات الموقعة قبل نهاية 2013، إذ كان من المفترض أن يكون ردّ المجلس على تلك الوثيقة حازماً وحاسماً وجريئاً، كونها تنسف الأساس القانوني الذي قام عليه، وتؤسّس لنظام شمولي طائفي جديد، وبذلك يكون قد تراجع وتنازل مرة أخرى عن الوثيقة الموقعة بينه وبين الائتلاف، وأكمله بغياب غير مبرّر عن آخر جلسات هيئة التفاوض دون أن يعلق على شيء «عدم تفعيل الوفد الكوردي نفسه في اجتماعات الرياض سيفقد توازنه السياسي في جنيف».

في القطب الآخر من الحركة الكوردية، نقرأ الألغاز المحيّرة والمفاجئات الكبيرة والتخبّطات الخطيرة والتحالفات العسكرية مع أعداء الأمس ووضعهم على قائمة الشركاء الحقيقيين «ما غاية PYD من إطلاق مشاريع بطابع وطني عربي سوري؟» وإسكات الأصوات الكوردية بممارسات قمعية، فما هي أهم التجاوزات التي تمارسه PYD والتنازلات التي تقدمه في سبيل أجنداته وحلفائه؟

1 – القضاء على الخصوم باعتقالهم أو اتهامهم بالخيانة:
في كل مرّة عندما يختلف أي سياسي كوردي (متحزّب أو مستقل) مع أي قضية أو مشروع تابع لـ PYD يعاقب ويحاسب فيما بعد بأساليب حقيرة وغير مسؤولة، إما أن يعتقل ويرمى به في السجون والمعتقلات دون أن يفصح عن تهمته أو مكان تواجده إلا ويكون قد مارس الضغط النفسي الأكبر على عائلته وحزبه وحتى عليه، أو أن يتهموه عبر إحدى وسائله الإعلامية بتورّطه مع جهة مشبوهة أو إرهابية «كالتعامل مع داعش، أو تركيا، أو منبر إعلامي معادي لتطلعاتهم» وأنه خائن ويجب أن يحاسب أمام الشعب، وأعتقد أنه نجح في ذلك بشكل ملموس وكبير، فسجونها ومعتقلاتها باتت مليئة بالكورد «معظم إداريي وجلادي معتقلاتها هم من أبناء القبائل العربية المتحالفة معه»، وهناك مَن اختفي على أيديهم وحتى الآن «قد يتهمونني بالخيانة العظمى للقضية الكوردية، نتيجة آرائي وانتقاداتي ومواقفي!!».

2 – التلاعب بعواطف الناس:
حقيقة هذا التجاوز الأخلاقي والإنساني الدنيء ظاهر وواضح للناس، وحتى لكثير من مناصريه، ولا يحتاج إلى أن أسرد شرحاً وتحليلاً وإتياناً بالشواهد والأمثلة عليه، يكفي أنها تتلاعب بمشاعر المجتمع الكوردي بشكل شرس وخبيث، وهذه الخطّة تعتبر اللغز المحيّر الذي نجح PYD من خلاله للتأثير على حياة الناس والتلاعب بمصائرهم ومصائبهم.

3 – إقصاء الأكفاء وتبديلهم بالجهلاء:
منذ بداية الثورة السورية، عمّد PYD على توظيف الجهلاء «أقصد الضائعين في أعمال غير شرعية في الأزقة والقرى كالخارجين عن المألوف والقانون، ومَن لا يجيدون العمل السياسي والمدني والجماعي» في الوظائف والأعمال والمَهمات والمُهمات، وأبعدت حاملي الشهادات والخبرات والكفاءات الشبابية وبنسبة كبيرة جداً عن المؤسّسات الخدمية والثقافية والصحية، فكثير من الأحيان نجد مزارعاً تم تعيينه كقاضٍ على أمور الزواج والطلاق في محكمة تابعة لإحدى مقاطعات الإدارة الذاتية، أو مربياً للحمائم «حميماتي باللهجة العامية» مسؤولاً عن مؤسسة عوائل الشهداء، وشاربي الخمر والخارجين عن القانون ممَن غير قادرين على ضبط أنفسهم والانسجام مع المجتمع نراهم على الحواجز الطرقية لحماية المناطق والسكان ونشر الاستقرار والأمان، أو ممرّضاً تم تعيينه لإدارة أحد المشافي أو المراكز الصحية... الخ

4 – الترويج لمشاريعه بماكينة إعلامية ضخمة:
إن حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يعمل ليل نهار على توجيه المجتمع بما يتوافق مع مشاريعه غير الكوردية والتي تتغيّر كلّ عام أو عامين بأسماء وشخصيات مختلفة «باتت هدفها الأول من تغيير هذه المشاريع لإلهاء الشعب والمواطنين عما سيحدث في الخفاء مع الأنظمة المشبوهة من خلق فوضى وشراء معارك»، وليثور ضدّ خصومه السياسيين ووصفهم على الشرائط والعناوين الإخبارية بصفات غير إنسانية وتوجيه اتهامات ساذجة لهم، والترويج والتلاعب بمشاعر المتلقيّين بفتح علاقات الوحدة الوطنية مع العرب الملطّخة أيديهم بالدم مع جبهة النصرة وداعش وغيرهم ضد الكورد، وتخوين كل كوردي لا يتفق معه، والتعتيم على تجاوزاتها الأخلاقية والإنسانية وخروقاتها السياسية والمجتمعية، كل ذلك من خلال ماكينته الإعلامية الشرسة.

5 – قبول العرب شركاء، واعتبار الكورد أعداء:
إن الواقع الراهن يشير إلى أن PYD وفي كل مخططاته يقبل القبائل العربية كالغمر والشمر شركاء أساسيين له في مشاريعه وأهدافه، وترفض في المقابل أن تتعامل مع الأحزاب الكوردية كشريك حقيقي في أفراحه وأتراحه في انجازاته وإخفاقاته، ولعلّ عمله الدؤوب في رفع الشرعية عن اتفاقات هولير ودهوك وكذلك الهيئة الكوردية العليا والمرجعية السياسية بإقصاء أو ارتكاب انتهاك أو تجاوز قانوني لبنود الاتفاقات، دون أن يضحي سياسياً «لماذا يعتبر PYD القبائل العربية شركاء، والاحزاب الكوردية أعداء؟»، فأنصار PYD يرون أن التحالف بين العشائر العربية والكورد سيشكل محوراً مهماً لبعض الدول الإقليمية وسيدعمه تحت شعارات عدّة، على غرار الصحوات العراقية «لماذا سكت أنصار PYD على تصريحات حميدي الدهام شيخ قبيلة شمر عندما وصف المهاجرين بالخونة والمرتزقة؟ أهل حلّلوا موقفه من الإدارة الذاتية معتبراً أنها امتداد للإدارات المحلية ضمن الدستور السوري الحالي؟».

6 – التحالفات السرّية:
ربّما السياسة تكون السبب على اعتبارها «فنّ وخداع»، أو لتجديد المصالح والعلاقات القديمة التي توقّفت باعتقال عبد الله أوجلان، أو أنه بالفعل «جنديّ تحت الطلب»، فقد أظهر PYD نفسه في بداية الثورة السورية كطرف محايد، ثم بانت لاحقاً علاقاته السرية مع النظام السوري بالانفضاح والانفتاح، من خلال دعم النظام اللوجستي له ولكوادره، بداية بالسماح للعودة إلى سوريا بعد أن كان تنظيماً محظوراً «لماذا كان محظوراً؟» وأتاح له حمل السلاح وإعلان قوته المسلّحة التي ظهرت فجأة بإنشاء حواجز بمداخل المدن والطرقات العامة ثم بدأت تكبر وتزداد عدداً إلى أن وصلت إلى هذا المستوى من الدعم الشعبي والدولي «توحيد وحدات حماية الشعب وقوات بيشمركة لشكري روج تحت مرجعية واسم وعلم واحد يزيد من فرصة تكرار سيناريو الجنوب الكوردستاني»، ومن ثم تسليم المقرات الحكومية له، والانتقال بعد ذلك إلى مرحلة الشراكة العسكرية والأمنية، وليستمر لاحقاً هذا الدعم والتقدّم في العلاقات بممارسة سياسته القمعية الوحشية ضد شباب الثورة، من اختطاف النشطاء وترهيبهم واغتيالهم بأدوات مختلفة، إلى قمع المظاهرات المناوئة للنظام في المناطق الكوردية «ولا زال معارضو هذا الحزب يقولون أن نهايته سيكون مع نهاية بشار الأسد!!»، وهذه التحالفات كانت سبباً جوهرياً في إخفاق الاتفاقيات مع ENK.S، وتراجع مستوى الكورد وضياع الفرصة الثمينة التي ربّما لن تتكرّر مرة أخرى.

أخيراً إن إصرار المجلس الوطني الكوردي على البقاء ضمن الائتلاف السوري بهذا الشكل السياسي والمادي المفلس والمخيّب للآمال والطموحات، وانهيار بوصلته وعدم قدرته على تحقيق أهدافه، وسعيه الدائم بقياديه المدعومين ببعض النفوذ على تحقيق الأجندات لبعض الدول الإقليمية، وعدم قدرته على اتخاذ مواقف جدية جريئة ومتوازنة وحاسمة تجاه مواقف ودعوات شركائه العروبيين والطائفيين «سيطرة وتحكّم الإخوان المسلمون على كافة مفاصل الائتلاف أدى إلى دمار المعارضة المعتدلة» في العملية السياسية، واكتفائه بالتمثيل الهزيل والشكلي في وسائل الإعلام المختلفة سينهي الكورد عن بكرة أبيهم، وسيعودون لمزاولة العمل السياسي سرياً كما في السابق، وسيخرجون من المعادلة القائمة خاسرين ذليلين، فمن كل ما سبق سيجد الكورد أن المجلس الوطني الكوردي عجز بآلياته الراهنة والشرعية التي قدّمت له شعبياً «لماذا يصرّ على التمسّك بشكله ودوره الراهن؟» عن تحقيق الأهداف التي تأسّس وحارب وناضل بها.

فيما PYD ليس أفضل من ENK.S، هو أيضاً فشل ولا يزال يفشل بتمسَكه بشكل دكتاتوري لكل منافذ الحياة في غربي كوردستان، والتنكيل بالشعب بقرارات ومشاريع جائرة تخدم بنسبة عالية العرب الساكنين معهم وبجوارهم، وزجّ الشباب الكورد المقاتلين والذين زرعوا كوردستان في عقولهم وقلوبهم في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، والدفاع عن أناس كانوا في الأمس من أشد الأعداء الشرسين الذين حاربوا الكورد وفي مناطقهم، ورفضه بحجج ومبررات وإقصاءات متنوعة مع أي فكرة أو اتفاق أو عمل يدعو إلى وحدة الصف الكوردي وتشكيل مرجعية سياسية تمثل أبناء غربي كوردستان في المنابر الإعلامية والمحافل الدولية، إلا أن استقراء عقلية وفكر وخلفيته يظهر بجلاء أن لا تقبّل للآخر الكوردي، ولا تنازل عن مشروعه الاستفرادي الاستبدادي، وإن ترك المجلس الائتلاف وانسحب منه فتصرفات PYD العدوانية ضده كانت كما الآن قبل انضمامه لهذا الإطار السياسي المعارض.

لذلك فعلى قيادة المجلس الوطني الكوردي الراهنة أن تستقيل من مهمتها وعملها، وتنسحب من الائتلاف السوري وتنتقل إلى هولير عاصمة إقليم كوردستان، وأن يعود أغلب قادة ورموز حزب الاتحاد الديمقراطي إلى الجحور المظلمة التي خرجوا منها، ويسلّموا زمام الأمور وبشكل متفق عليه للسياسيين والمثقفين والقانونيين الأكاديميين والناشطين والطاقات الشبابية، لأجل تغيير واقع الحركة الكوردية نحو الأفضل وقبل فوات الأوان، والنهوض بالقضية من جديد ووضعها في طريق قادر على إدارتها في الساحة الإقليمية والدولية، والعودة إلى اتفاقية دهوك وضرورة تطبيقها.

إدريس سالم
كاتب وصحفي كوردي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا