الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


16 عاماً على هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001

محمود سعيد كعوش

2017 / 9 / 11
مواضيع وابحاث سياسية



عندما فُجعت الولايات المتحدة بهجمات 11 أيلول 2001 التي أصابت ارتداداتها المدمرة الكيان الأمريكي في الصميم في كل من واشنطن ونيويورك، نزل خبر تلك الهجمات فوق رؤوس المسؤولين في العاصمة الأمريكية والعواصم الغربية الكبيرة الحليفة لها نزول الزلزال العنيف، لدرجة أنهم لم يتمكنوا من إعطاء إجابات صريحة وموضوعية على رزمة كبيرة من الأسئلة الهامة والمحرجة التي طفت على السطح وتم طرحها وتداولها بشكل متسارع وملح على مستوى الكرة الأرضية بشأنها وبشأن الأشخاص الذين نفذوها والجهات الرسمية وغير الرسمية التي وقفت وراءهم ودعمتهم مادياً ومعنوياً، أو ربما أنهم تظاهروا بالعجز عن إعطاء الإجابات لغايات في نفس يعقوب!!
وحتى أن الإجابات التي قدمها المحللون والمعلقون في كل من واشنطن والعواصم الغربية الأخرى في حينه وحتى خلال السنوات التي فصلت بين تاريخ حدوث الهجمات والآن ظلت رمادية ولم تخرج عن سياق الاجتهادات غير المقنعة والروايات المظللة!!
اليوم وبعد مرور كل هذه السنوات على وقوع تلك الفاجعة الأمريكية الكبرى وبدء يمكن القول دونما تردد أو تهيب أن الغمامة قد انقشعت وأن الرؤيا قد اتضحت تماماً بحيث يمكن التفكر والتأمل ملياً في ما حدث في ذلك اليوم الاستثنائي وإعطاء الإجابات الوافية والشافية على كل الأسئلة التي طُرحت وتم تداولها، والتي لم يُجب عليها السياسيون الأمريكيون الأمريكيين والغربيون وحتى أنهم تجنبوا مقاربتها بشكل موضوعي ومنطقي، ربما استجابة لرغبة خاصة من قبل المحافظين الجدد الموالين بلا تحفظ وبلا حدود للكيان الصهيوني العنصري في تل أبيب.
بعد تلك السنوات العجاف التي عجت بالأحداث الكبيرة والثقيلة والتي أقل ما يمكن أن توصف به أنها كانت غير اعتيادية وأنها من هول تأثيرها غيرت وجه العالم، توفرت حقائق وأدلة كثيرة أسهمت في تسهيل وتيسير الإجابة على تلك الأسئلة دون ما جهد يُذكر وحتى دون ما حاجة لإزعاج أو "تكليف خاطر" أي من هؤلاء السياسيين أو المحللين والمعلقين.
فمما لا شك في أن أهم الأسئلة التي تصدرت رزمة الأسئلة الخاصة بشأن هجمات 11 أيلول 2001 كانت: هل حقاً أن تلك الهجمات فرضت تغيرات جذرية كبيرة وكثيرة على الوضع الذي كان سائداً في العالم، ما كان لها أن تحدث بهذا الكم وذاك الكيف في غيابها؟ وهل حقاً أن الفواتير التي دفعها العرب بصورة خاصة والمسلمون بصورة عامة من أرواحهم وأموالهم وأوضاعهم العامة والخاصة وكراماتهم كانت أكبر بكثير مما كان يتوجب، وأنها كانت أضعاف ما دفعه غيرهم وأنها دُفعت بدون وجه حق أو شرع؟ وإلى أي مدى سيستمرون في دفع هذا الفواتير؟ وهل من نهاية، قريبة أو بعيدة، لآثار تلك الهجمات على العرب والمسلمين الذين كانوا السباقين لإدانتها واستنكارها وكانوا السباقين لدعم ومساندة الولايات المتحدة في حربها المفتعلة على ما أسمته زوراً وبهتاناً "الإرهاب الدولي"؟!!
لربما أن الإجابة على هذه الأسئلة تستوجب أول ما تستوجبه الإشارة إلى أنه وبرغم أن زعيمي تنظيم "القاعدة" السابق أسامة بن لادن والحالي أيمن الظواهري قد اعترفا في أشرطة مصورة ومسجلة كثيرة، عرضتها لهما وسائل التضليل الإعلامي العربية المعروفة، بمسؤولية تنظيمهما عن هجمات 11 أيلول 2001، إلا أن الولايات المتحدة بكل ما اتصفت به من جبروت وقد وقديد وقدرات سياسية وعسكرية واستخباراتية وتقدم تكنولوجي لم تستطع الوصول إلى الأول إلا في عام 2011، أي بعد عشرة أعوام على وقوع الهجمات، بينما لم يزل الثاني طليقاً يمارس مهمة قيادة التنظيم والإشراف على نشاطاته وممارسة الإرهاب ضد أقطار عربية عديدة، مستغلاً "ثورات الربيع العربي" المزعومة التي وقف وراء إشعالها التحالف الأمريكي - الصهيوني وبعض الأنظمة العربية التي تسير في فلك هذا التحالف!!
وبرغم مرور كل تلك السنوات على تلك الهجمات ورحيل أسامة بن لادن "في عملية هوليودية أمريكية" وقيام زعيمة الإمبريالية العالمية الجديدة باعتقال آلاف الأشخاص بتهمة الضلوع في تلك الهجمات وزجهم في معتقل "غوانتانامو" وفي العديد من المعتقلات السرية الأخرى المنتشرة في دول الغرب والشرق المتآمرة والمتواطئة والمتماهية معها وإخضاعهم لأقسى أنواع التعذيب ووضعهم في ظروف لا يحتملها بشرٌ، وبرغم احتلال بلدين مستقلين وعضوين مهمين في منظمة الأمم المتحدة هما أفغانستان والعراق وتدميرهما وتهجير مواطنيهما وارتكاب الفظائع فيهما والتي وصلت حد الإبادة الجماعية دونما مبررات أو مسوغات منطقية أو موضوعية، وبرغم كل نتائج وارتدادات "الربيع العربي" المزعوم، فإن الولايات المتحدة لم تتمكن بعد حتى اللحظة الراهنة من إدانة أي من المعتقلين وإثبات ضلوع "القاعدة" في تلك الهجمات والإشارة بشكل رسمي وجازم إلى الدولة التي دعمتها ووقفت وراء تنفذ الهجمات الإجرامية، إلا من باب الحياء وذر الرماد في العيون!!
هذه الحقائق عنت أن كل ما ارتكبته الولايات المتحدة من ممارسات وحشية وبربرية ولا أخلاقية وما قامت به من تدمير وبطش وظلم وتعسف وسفك دماء بريئة وانتهاك للقيم والمبادئ والأخلاق والأعراض وإجرام بحق البشر على مستوى الكرة الأرضية وبالأخص العرب والمسلمين، منذ رئاسة الرئيس الأمريكي الأهوج جورج بوش الابن وحتى الآن بذريعة فاجعة هجمات 11 أيلول 2001 وضلوع تنظيم "القاعدة"، لم يكن مبرراً أو مقبولاً في حال من الأحوال، ولم يكن له غير تعليل واحد هو أنه حدث في إطار مخطط تآمري شيطاني أُريد من ورائه السيطرة على كل مقدرات العالم وبالأخص الوطن العربي والعالم الإسلامي، تنفيذاً لسياسة أكثر شيطنة أشرف على رسمها تيار المحافظين الجدد خدمة للتوجهات الأمريكية الإمبريالية الجديدة ولحماية أمن الكيان الصهيوني وتكريس هيمنته على منطقة الشرق الأوسط بكل ما فيها من ثروات وبالأخص الثروة النفطية العربية، في ظل أحلام إعادة صياغتها و"تجديدها".
لا خلاف حول حقيقة أن هجمات 11 أيلول 2001 قد شكلت منعطفاً تاريخياً هاماً وخطيراً لم يكن في حسبان أهل القرار والحل والربط في السياسة الدولية، كما شكلت مفترقاً أهم وأخطر في مجريات الأحداث، إذ فرضت على العالم "تقويماً جديداً طغى على التقويمين الميلادي والهجري المألوفين والمعتمدين على مستويي العالمين المسيحي والإسلامي"!! فمن فرط ما ركز عليها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن واستغلها واستثمرها هو وأركان إدارته والمتحالفون مع تلك الإدارة لغايات استعمارية وشخصية وأنانية متباينة، بلغ الأمر مبلغاً أصبح الناس معه ينظرون إلى 11 أيلول 2001 على أنه مفصل تاريخي بين مرحلتين زمنيتين أصبحتا تعرفان بمرحلتي "ما قبل وما بعد 11 أيلول 2001"!!
وبغض النظر عما إذا كانت تلك الهجمات عملاً إرهابياً خطط له ونفذه خصوم للولايات المتحدة وفق ما ادعت واشنطن وبعض العواصم الغربية ووفق ما زعمه زعيما تنظيم "القاعدة" وبعض قيادات التنظيم من نزلاء معتقل "غوانتانامو" والمعتقلات السرية الأخرى أو نتيجة لمؤامرة دبرتها جهات أمريكية من داخل إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن نفسها أو قريبة منها أو من جهات خارجية على علاقة وطيدة بها لتكون ذريعة لتحقيق مآرب سياسية واقتصادية أو لتنفيذ استراتيجيات وخدمة توجهات إمبريالية توسعية جديدة افترضها نظام القطبية الواحدة الذي استأثر بالعالم الجديد الذي ولد بعد تفكك "الاتحاد السوفييتي" وانحسار نفوذ الاتحاد الروسي الذي ولد من ضلعه، فمن الضروري الإقرار والاعتراف بحجم التغيير الذي أحدثته تلك الهجمات الإجرامية وردود الفعل الأمريكية ـ الغربية عليها التي فاقتها إجراماً على مستوى العالم، وبالأخص على مستوى الوطن العربي والعالم الإسلامي، وعلينا أن نواصل تعاملنا مع هذا التغيير بكثير من الحكمة والصبر.
فبعد تاريخ 11 أيلول 2001 بكل ما حمله من علامات سوداء، خرجت السياسة الأمريكية من عقالها وتحولت الولايات المتحدة إلى وحش كاسر ومفترس قسم العالم إلى فريقين، أحدهما معه وكان عليه أن يصطف إلى جانبه في كل حروبه العدوانية وغير المبررة والآخر ضده وكان عليه أن يدفع ثمن جريمة لم يرتكبها، استجابة لمقولة جورج بوش الابن " من ليس معنا فهو ضدنا". وعلى خلفية "لا منطق المجانين" ذاك غزت زعيمة الإمبريالية العالمية الجديدة كلاً من أفغانستان والعراق واحتلتهما وقلبت نظامي الحكم فيهما ونصبت نظامين عميلين فيهما وحولتهما إلى مستنقعين للفوضى العارمة ومرتعين لجميع الأعداء والطامعين فيهما.
وعلى خلفية ذات "اللا منطق" جرى ما جرى ويجري في فلسطين ومصر وسورية وتونس وليبيا ولبنان واليمن والسودان وباكستان بشكل علني وسافر أحياناً، وبشكل سري وماكر أحياناً أخرى.
وعلى ذات الخلفية تمت ملاحقة العرب والمسلمين حيثما وجدوا وولوا وجوههم وفي حلهم وترحالهم، ففتحت لهم المعتقلات داخل وخارج الولايات المتحدة وفي كل مكان من الغرب والشرق بما في ذلك كثير من العواصم والمدن العربية والإسلامية، وأصبح كل عربي ومسلم متهماً حتى يثبت الجلادون الأمريكيون براءته، وفق مزاجيتهم ومصالحهم ووفق مزاجية كيان العدو الصهيوني ومصالحه. هذا إذا ما جرت محاكمته بشكل عادل ومنصف، وهو ما لم يحصل مع جميع المتهمين بهجمات 11 أيلول 2001 أنفسهم.
وما يدعو للاستغراب والاستهجان أنه وبرغم التباعد الزمني بين تاريخ 11 أيلول 2001 والتبدل الذي طرأ على الإدارات الأمريكية المتعاقبة، فإن الولايات المتحدة ظلت تمارس جميع أشكال العدوان والضغوط والتهديدات العسكرية والسياسية والاقتصادية والنفسية على العرب والمسلمين. وظلت كلما أخفقت قواتها في تحقيق أي من أهدافها الاستعمارية هنا أو هناك تضاعف من حماقاتها العسكرية، بحجة محاربة "الإرهاب"، الذي صنع في مطابخها السياسية الهدامة، ولم يعد يعشش شبحه إلا في مخيلات رؤسائها من صقور اليمين الأمريكي المتصهين.
الآن، ومع استحقاق ذكرى فاجعة سبتمبر/أيلول 2001 في كل عام، نستطيع التأكيد على أن زعيمة الإمبريالية العالمية الجديدة قد فشلت في إحكام قبضتها على أفغانستان، باستثناء بضعة كيلومترات من العاصمة كابول. وسبق لها أن مُنيت بهزيمة نكراء في العراق عام 2011 حين اضطرتها ضربات المقاومة العراقية الباسلة إلى الانسحاب منه مدحورة تحت جنح الظلام وهي تجر وراءها ذيول الخيبة والخزي والعار.
وبالرغم من أنها حاولت جاهدة منذ تفجر ما أسمته زوراً وبهتاناً "الربيع العربي" في عام 2011 وحتى الآن العودة مجدداً إلى المنطقة، تارة بدعوى تطبيق الديمقراطية وطوراً بدعوى إجراء الإصلاحات السياسية للهيمنة عليها توطئة لإنشاء شرق أوسط جديد وتسييد الكيان الصهيوني العنصري عليه، إلا أنها وبرغم ما أحدثته تدخلاتها السياسية والعسكرية في مجريات الأحداث في هذه البلدان وفي المنطقة برمتها من تدمير وقتل وتهجير وكوارث لم يشهد التاريخ الحديث لها مثيلاً لم تتمكن من تحقيق مشروعها الجهنمي، ولا أظن أنها ستتمكن وسيكون نصيبها في كل مرة مزيداً من الخيبات التي لن تقل وطأة عن خيبتيها في كل من أفغانستان والعراق.

كوبنهاجن في أيلول 2017
محمود كعوش
كاتب وباحث فلسطيني مقيم بالدانمارك
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟


.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على




.. شهداء جراء قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلة الجزار في مدينة غز


.. قوات الاحتلال تقتحم طولكرم ومخيم نور شمس بالضفة الغربية




.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية