الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المدارس في أنظمتنا سجون وأحيانا قبور!

محمد مسافير

2017 / 9 / 13
التربية والتعليم والبحث العلمي


عندما كنت في المستوى الرابع ابتدائي، فكرت مرارا في هجر المدرسة، بل وهجر أقاربي أيضا، رغم أني لم أكن بعد قادرا على أي شيء، إلا أن فكرة الابتعاد عن محيطي لازمتني السنة كلها، ليس بسبب الحب ولا بسبب الجوع، بل لأني كنت أخاف كثيرا من أستاذ اللغة الفرنسية، كنت أخافه حد الهلع، كان وقتئذ يتفنن في تعذيبنا، كان مبدعا حقيقة في التعذيب والترهيب، وكنت كلما أبلغت والدي بالشكوى، زجرت وامتدح الأستاذ الإرهابي، كان يرتكب جرما حقيقيا في حق التلاميذ، وكانت فكرة الهروب، فكرة شائعة لدى تلاميذ المستوى الرابع فوج "ب".
كان آباؤنا، ولفرط جهلهم، يخلطون ما بين التربية والترويض، فتجدهم يستحضرون التعليم في الماضي ويمجدونه، وما أدركوا يوما أن جرائم الثقافة التعليمية الماضوية، هي التي أوصلتنا إلى هذا التخلف...
بينما يعيش الإنسان الغربي معنى الإنسانية ويستمتع بها، فتجدهم يعاقبون الأب إذا صرخ في وجه ابنه أو أربك نفسيته، فما بالك بالأستاذ... ثم فلنقارن النتائج، على المستوى التعليمي وعلى المستوى التربوي ! أكيد... لا مجال للمقارنة...
الغرب يعتبر الطفل ابن المجتمع، لأن المجتمع كله سيتضرر من سوء تربيته، والشرق يعتبر الطفل ابن أبيه، والأب حر فيه، وإن شاء ذبحه (كما تذكي ذلك الأساطير)
إن كان أبناؤكم غير راغبين في الدراسة، فلا تفرضوها عليهم، أتركوهم على هواهم، واصقلوا ميولاتهم كيفما كانت، ربما يجدون أنفسهم في الرقص أو الغناء أو الرياضة، ليس التفوق الدراسي هو كل شيء، والنظرة الأحادية التي تسيطر على أغلبنا، هي التي تدفع بأبنائنا نحو الضياع...
وكم من نابغة يشتغل تحت إمرة جاهل!!
أتذكر أيضا وفي نفس المستوى، لكن في سياق آخر، قامت إحدى التلميذات أثناء حصة دراسية بتسليم ورقة صغيرة لأستاذ اللغة الفرنسية مكتوب عليها "أحبكِ"، قالت إنها لا تدري من دسها على غفلة منها داخل محفظتها... وبسبب تلك الكلمة، أعلن الأستاذ حالة استنفار داخل القسم، وسكن الذعر التلاميذ جميعهم، مخافة أن تحيق التهمة بأحدهم... كشر الأستاذ عن أنيابه وأعلن عن سخطه ثم طلب من الجاني الإعتراف حتى لا يطاله عذاب أليم... وحين لم يبلغ قصده استدعى أستاذا آخر من قسم مجاور ليعينه على الإيقاع بالفاعل... سمع الأستاذ الضيف بالحادث فهول من الفعلة وتوعد المذنب بشر انتقام، واقترح مقارنة الكتابة المخطوطة على الورقة الحجة بخط تلاميذ القسم على دفاترهم المنزلية، وفعلا استطاعا اصطياد الجاني وحملاه على الإعتراف، وبعد تجريم فعلته تناوبا على ضربه أو بالأحرى على جلده قبل أن يرسلاه إلى سعادة المدير ليدلو بدلوه في الضرب والجلد... ثم أبلغوا أسرته بمضمون الجريمة حتى لا يفوته نصيبهما من العقاب..
عوقب التلميذ أشد عقاب، وأحس بالذنب عميقا، وكان عبرة لتلاميذ قسمه ولتلاميذ المدرسة بعد أن شاع جرمه...
لم يفلح التلميذ في دراسته، فقد غادرها مبكرا واتجه صوب مدينة طنجة ليشتغل في الحلاقة، وبعد أن قضى ما يزيد عن الأربع سنوات في مهنته الجديدة، استطاع بعض الوسطاء إقناعه بضرورة التجنيد مع مقاتلي داعش، فغادر البلاد إلى معسكرات الموت...
لقد مات إبراهيم في المدرسة، لقد قتله الأستاذان والمدير والأسرة مذ أن نفروه من الحياة، مذ أن أبغضوه في الحب... فالقلب الذي يتوجس من الحب، لن يسعى إلا خلف الموت... ثم يتساءلون: من أين جاءت داعش!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ومع ذلك فهذه المدارس أخرجت نوابغ وكتاب وموظفين
أو تمازيرت ( 2017 / 9 / 14 - 01:30 )
لاأحد ينفي السلبيات
لكن لايجب نفي الايجابيات
فكل من ينتقد المدارس القديمة والحديثة يتناسى ايجابياتها
المدرسة غير مرتبطة أساسا بالأنظمة والامكانيات ولا بالمجال بل بمن يقومون بعملية التعليم
أعلم هذا جيدا بصفتي تلميذ سابقا ومدرس حاليا
بل نجد من يمدح المدارس القديمة ويذم التعليم الجديد
أنت مع كثير من التحفظ ممن استفاد من هذا التعليم

اخر الافلام

.. عودة جزئية للعمل بمستشفى الأمل في غزة بعد اقتحامه وإتلاف محت


.. دول أوروبية تدرس شراء أسلحة من أسواق خارجية لدعم أوكرانيا




.. البنتاغون: لن نتردد في الدفاع عن إسرائيل وسنعمل على حماية قو


.. شهداء بينهم أطفال بقصف إسرائيلي استهدف نازحين شرق مدينة رفح




.. عقوبة على العقوبات.. إجراءات بجعبة أوروبا تنتظر إيران بعد ال