الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحوار المفتوح........ ج14

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 9 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أحكام الصوم
سؤال_ نعرف أن الصيام مرهون بالرؤية الشرعية لهلال رمضان، المشكلة العقيمة أن المسلمين لم يتفقوا على مقياس ومعارية الرؤية، ما هو الحل أو الأفق الواجب السير عليه في هذا الموضوع؟.
الجواب_ من مخلفات التراث الروائي التأريخي أن ثبوت رؤية الهلال هي بداية شهر الصوم وهذا ما متعارف عليه (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) *، الحقيقة أن هذا المروي غير صحيح ومخالف للتكليف الشرعي كقاعدة عامة، وإن جزم البعض بصحته فقد حرف عن المعنى القصدي منه، النص القرآني يقول {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }البقرة185، الشهادة هنا لا تعني ضرورة الإبصار والرؤية بقدر ما يفهم منها الحضور التكليفي بشروطة عند حلول الشهر، بمعنى أن الله يأمرنا أن نصوم الشهر إذا حضر وكنا على قدر ومقتدر الصيام بشروطه.
أما عن تحديد الشهر بداية ونهاية فالكل اليوم يعتمد على مقولات السلف ورواياتهم حول الرؤية في الصحو والغم ومتى يبدأ ومتى ينتهي وكيفية الرؤية، دون أن يحسبوا أن هذا الإرث محسوب على زمنه وقوانينه، فقد كانت القرية تبعد عن القرية الأخرى مسير يوم أو أقل أو أكثر، فقد يرى الهلال في هذه القرية ولا يرى في القرية الأخرى لصعوبة التواصل فيصوم قوم ويبقى قوم أخر بالأنتظار، التطور العلمي والمعرفي أصبح اليوم يحدد ميلاد الشهر بالساعة والدقيقة والثانية ويصل لكل المسلمين بلحظته، فالمسألة لا تتعلق بالرؤية الفردية أو القاصرة على جماعة، الشهر يلد ببزوغ أول أشعاع لهلال الشهر وبالتالي من هذه اللحظة يبدأ الحساب في كل الأرض مشرقها ومغربها، فبعد أول ليلة ومع أول خيط فجر يبدأ رمضان حقيقة، في مشرق الأرض ومغربها، هذا هو الشهود والحضور، أما أنتظار أن يشرق في المنطقة العربية أو في أقليم ما وقد ولد الهلال وتم رؤيته في مكان أخر بحجة أن النص يقول بالرؤية فهذا نوع من العبث، الصيام يبدأ من الفجر التالي ليوم الرؤية وعلى كل منطقة أن تحسب حسابها بما يتطابق مع كون الولادة مثلا في شرق أسيا أو أستراليا بأن رمضان قد حل أو شوال قد أزف، ومن يعتمد الطريقة الراهنة فبعمله هذا يخالف مفهوم الحضور.
سؤال_ في بعض البلدان التي يعيش فيها المسلمون يكون النهار بطول يقارب من النهار كله، وهناك مناطق يكون فيها النهار قصير جدا، ما الحكم في طول فترة الصيام التي ترهق الصائم؟.
الجواب_ سبق وإن قلنا أن العبادات التكليفية تقوم على مبدا (الوسع) فبمقدار ما يسع الفرد حقيقة وتقديرا على مقاومة الشدة والصعوبة تكون العبادة قد أستوفيت غايتها ومبررها وعلى الصائم أن لا يكلف نفسه فوق طاقة التحلم، وبذلك فقد أدى الواجب التكليفي وإن لم ينتهي نهار رمضان، مع التأكد من حدود القدرة والأستطاعة وأن لا يكون هذا الحكم بابا للتفلت من أداء التكليف خارج معيار صارم في تحديد (وسعها) التي تعني أن ما بعدها يسبب الضرروالخروج عن مفهوم الصبر والهدف من الصيام{ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }البقرة185.
سؤال_ يظهر بين فترة وأخرى رأي يحدد ما هو خاضع لضوابط الصيام من حيث المنع، وما هو مسموح به حتى وصل الأمر إلى التدخين وتناول الأدوية الضرورية أو تعاطي بعض العلاجات التي تتوقف عليها حالة الإنسان، السؤال ما هو المسموح وما هو المحظور في الصيام؟.
الجواب_ النص صريح ومحكم في منع أو الأمتناع عن الأكل والشرب في نهار الصيام{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }البقرة187، هذا النص التفصيلي والمحكم فيه حكم كل شيء، وأتباعا للنهج النسقي في فهم كلمة (كلوا وأشربوا) فقد وردت هاتين الكلمتين في العديد من النصوص المحكمة، تشير كلها إلى معنى تناول الطعام المعتاد يوميا وشراب ما يكون بمعنى شراب حقيقة أو مصداق كاللبن والعصائر والشاي والقهوة وغيرها مما يشرب عادة من الحلال في الأوقات العادية، ما يخرج عن هذين المفهومين من ما يطلق عليه شراب أو أكل إن كان غير ضروري ولا يسبب حرج فهو من باب الممنع علينا تناوله، وما كان ضروريا للصحة أو الحفاظ على حياة الإنسان أو مما يشكل نوع من الأضطرار الملجئ كبخاخ الربو أو التغذية عن طريق الأنابيب الطبية لمكافحة الجفاف، فالأولى حسب التقدير الطبي العلمي إن كان يسمح بالصيام لوجود سعة فيه أن تخرج هذه الحالات من المنع والأمتناع بشرط الضرورة.
سؤال_ في بعض المجتمعات نلاحظ وجود تصرفات سلوكية قد تناقض جوهرية وفلسفة الصيام، مثل الإفراط في أعداد الأفطار أو التكلف في زيادة النفقة وأيضا ما يسمى بالسهرات الرمضانية وغيرها مما يعد خروج عن طبيعة الشهر؟.
الجواب_ فلسفة الصيام تقوم على تدريب النفس على التجرد من مطاوعة الأنا في متطلباتها الذاتية، والصيام يعد واحدا من أهم تمارين تعديل وتقويم السلوك الإنساني، ونظر لكون شهر رمضان هو شهر روحاني فيه عبقات من النور الذي يجب أن يركز أثره في عمق الروح الإنسانية ويعيد بناء الشخصية الإيجابية، فيكون كل خروج عن فكرة ضبط وتهذيب النزوات النفسية والشهوات الأنانوية هو مخالفة لجوهر فكرة الصيام، وعلى المؤمن الحقيقي أن يعود نفسه سواء أكان في حالة الصيام أو على الأفطار على تصعيد عوامل قهر الأنا المتضخمة وتحويل فترة الصيام إلى ورشة عقلية وفكرية تمهد للبدء بدورة حياتية جديدة يتجاوز فيها ما كان قبل الصيام.
سؤال_ هل الضرورات تبيح المعذورات دائما خاصة إذا كانت الضرورة تقدر من المتضرر نفسه؟.
الجواب_ طالما أننا نؤمن بأن الإنسان المؤمن أساسا يريد من وراء تعبده أن يرضي ربا يعلم أنه على كل شيء بصير ونفترض أن المؤمن صادق بدعواه، فلنترك الأمر له وحسب، فلسنا شهود على ما في الصدور والنوايا ونزولا عند قاعدة أن الله يحكم بينهم فيما هم فاعليه، فعليه تقدير الضرورة يجب أن يطرح بحرية بشرط أن تقدر بقدرها الذي يحفظ الإنسان من التهلكة أو الضرر الذي لا يجبر، وثانيا أن واجب الهادي الديني أو المرشد لدين الله أن يبين للناس أنهم يتعاملون مع قوة لا يخفى عليها شيء ولا يمكن خداعها وبذلك حقننا الإنذار والإعذار من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
سؤال_ هل من واجب الهادي أو المرشد الديني أن يمارس سلطة الزجر أو الإلجاء في حالة أن الناس تستغل سماحة ويسر التكليف للتعذر من أداء الواجب التكليفي؟.
الجواب_ لا أحد له سلطة القهر ضد الأخر طالما أن الله لم يمنحها للرسل والأنبياء وتبقى القضية إرشادية وتثقيفية {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ }الأنعام52، فمن كان يريد الله ويسعى لرضاه فهو حر بما يفعل بنفسه وحر حين يؤمن أو حين يعصي.

*(حديث مرفوع) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ ، ثَنا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَسْكَرِيُّ ، إِمْلاءً ، ثَنا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمِ بْنِ حَسَّانَ الْبَزَّارُ ، ثَنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ، ثَنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ هِلالَ شَهْرِ رَمَضَانَ ، فَقَالَ : " لا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلالَ ، وَلا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ " .وعلة الحديث أنه من الأحاديث الأحاد وفيه علة بالسند بوجود نافع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد


.. يديعوت أحرونوت: أميركا قد تتراجع عن فرض عقوبات ضد -نتساح يهو




.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي