الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا اليابانُ يابانُ؟

فاطمة ناعوت

2017 / 9 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أسميناه: "كوكب اليابان". لماذا؟ ليس لأنه الأكثرُ تطوّرًا في البرمجيات والتكنولوجيا والصناعات الدقيقة على مستوى العالم. ولا لأنه الأنظفُ والأرقى والأكثر نظامًا في شوارعه ومبانيه وأروقته. وليس لأن أبناءه هم الأكثر انضباطًا في المواعيد، والأكثرُ تقديسًا للعمل والأوغل إتقانًا له. وليس وحسب لأنهم الشعب الأكثرُ احترامًا للعقل، والأشرق ابتسامًا في الوجه. وليس لأن قنبلتين أمريكيتين ذريتين قصفتا جبينه، أعقبهما احتلالٌ أمريكي رذيل، لم يتحرر منه اليابان إلا أول أمس، عام 1952، وكأنه بالأمس فقط، ليخرج من القصف والاحتلال أقوى وأصلب وأشدّ إصرارًا على النهوض، ليس قفزًا، ولا وثبًا، بل طيرانًا صاروخيًّا، ليغدو القوة الاقتصادية والصناعية الأولى في العالم. ليس لكل ما سبق من معجزات نسميه “كوكب اليابان”، رغم أن كلَّ واحدة مما سبق، تكفي لأن نجعل من ذلك البلد الجميل المتفرد “كوكبًا”، مستقلا واستثنائيا. وقبل أن نفكر في أجابة السؤال، تعالوا نتعرّف على معنى كلمة "اليابان".
مفردة "يابان"، تعود للعبارة الصينية: "زو-بون"، وتعني باللغة الصينية: “أرضُ مشرق الشمس" أو “أرض الشمس المشرقة”، أو “أرضُ منبع الشمس وأصلها”. وهذا الاسم لم يطلقه اليابانيون على أرضهم، إنما أطلقه الصينيون، من قديم الإزل، على اليابان. لماذا؟ لأن اليابان تقع شرق الصين. أي أن الشمس تصل اليابان أولا، ثم تزحف نحو الصين على خطوط العرض الجغرافية. بل أن اليابان كانت تقع في أقصى شرقي العالم المأهول، آنذاك، فظنّ الصينيون أن الشمس تُشرق من تلك الأرض المجاورة، فأطلقوا عليها “مشرِقُ الشمس”. ولو كان بوسع الصينيين قراءة المستقبل، لأدركوا أنهم اختاروا الاسم الصحيح لتلك الأرض، ليس لأن الشمس تزورها قبل بقية العالم، بل لأن اليابان تستحق بالفعل أن تحظى باسم "مَشرِقُ الشمس ومنبعُها". فالاسم إذن صحيح "حضاريًّا"، وليس "جغرافيًّا"، وحسب.
والآن، لنرَ ماذا يقول أحد اليابانيين عن بلاده في كليب صغير عنوانه "أفضل ما في في اليابان"، أترجم لكم كلماته.
“اليابان مدهشة لعدة أسباب. ولكن السبب الأهم بالنسبة لي، بوسعنا أن نُلخصه في الكلمتين الآتيتين. “الوعي بالآخر". في اليابان، يتصرف الناسُ وهم يحملون "الآخرين" في عقولهم، بدلا من التفكير فقط في أنفسهم. ولنأخذ مثالا بسيطًا على ذلك. حال الناس وهم يهبطون أو يصعدون على السلم الكهربائي. في البلاد الأخرى، يمكن أن نرى علامات وإشارات على الناس أن يتبعوها حتى يحفظوا النظام، ومع هذا ستجد من بينهم من لا يطيع العلامات. أما في اليابان ستجد كلَّ إنسان يسلك السلوك الصحيح أوتوماتيكيًّا، حتى يستطيع كل شخص الصعود والهبوط بمنتهى اليسر. كذلك يفعل الياباني في "كل" شيء يستخدمه خلال يومه حتى تَسهُل الحياة على كل إنسان آخر. بوسعك النوم في مترو مزدحم، لأن الآخرين هادئون لا يثرثرون أو ينثرون الضوضاء من حولك. في اليابان تستطيع أن تستمتع بالشوارع النظيفة، لأن الناس لن يلوثوا الأماكن أو يلقوا بمخلفاتهم في الطرقات. في اليابان بوسعك أن تشعر بأنك "ملك"، لأن الناس سيقدمون لك الخدمات مع ابتسامة وانحناءة. ثقافة "الاحترام" تخلق حالا غير معقولة من أجواء الأمان من حولك، تلك التي تؤدي إلى معجزات اليوم الحديثة. في مقهى مزدحم في اليابان، بوسعك أن تترك هاتفك أو حاسوبك على الطاولة، ولن تجد من يسرقه. بوسعك أن تترك دراجتك بالخارج دون جنزير يربطها أو قفل يشدّ وثاقها، وسوف تجدها في ذات المكان حين تعود إليها. فقط في اليابان سترى أشياء لن تراها في أي مكان في العالم. ستجد موتوسيكلات واقفة على الرصيف، ومفتاح تشغيلها في مكانه والموتور دائر جاهز للسير، ولا أحد يفكر في أن يستغل الفرصة. حينما تُنشئ مجتمعًا الناس فيه "تفكر" بالآخرين، ستكون الحياة أفضل "لكل" الناس. إنه الدرس الذي يجب على كل العالم أن يتعلموه من اليابان. احترام الآخر.”
انتهى الفيديو المصوَّر الذي نشره أحد اليابانيين على موقع التواصل وتناقلته وسائل الإعلام. "احترام الآخر” هو الأمر المدهش في اليابان، والذي لمسه كلُّ من أسعده زمانه بالسفر إلى ذلك البلد السعيد. المواطن الياباني حريص كل الحرص على راحة وأمان وسلامة ورفاهية "الآخر". الياباني يعرف حقوق الآخر عليه، ويُقدّم تلك الحقوق عن طيب خاطر، قبل أن يطالب بحقوقه هو. وذاك قمة الذكاء. لأنه حين يقدم "واجبات" الآخرين، فإنه في نفس اللحظة يضمن "حقه" الشخصي، لأن الآخر سوف يؤمن له واجبه، أي حقه. الحقُّ والواجب أصبحا معًا "واحدًا صحيحًا" لا تنفصم عراه، وليسا فعلين متلازمين أو منفصلين يتمان معًا أو يختلفان أو يفترقان.
وإذن فإن السؤال في عنوان المقال: “لماذا اليابانُ يابان؟"، إجابته تكمن في كلمة واحدة فقط: “الأخلاق". هذا شعبٌ يتعلم الأخلاق في طفولته قبل تعلّم المشي والكلام والقراءة والكتابة. الأخلاق هي متلازمة الحضارة والتحضر والرقي والمجتمع النظيف السوي. الأخلاق هي فن مراقبة الآخر. ليست "مراقبة الآخر" كما نفعل عندنا، أن نقتحم خصوصياته فننتقد ما يلبس وندس أنوفنا في حياته الشخصية لنسأل عمن يُصاحب وكم يتقاضى من راتب، وكم ورث عن أبيه وكم أنفق في السفر، وكم مرة حج وصلى وصام وشرب الخمر! إنما "مراقبة الآخر" تعني في الأدبيات اليابانية العمل على راحة الآخر والاجتهاد في تكريس شعور الآخر بالأمن والراحة. هذا شعبٌ يستحق الحياة، هذا شعب ستےقول له الملائكةُ يوم الحساب: أحسنتم صنعًا في الدنيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الروح الجماعية والتضحية
johnhabil ( 2017 / 9 / 16 - 07:18 )
1- في اليابان تدرس مادة من أولى ابتدائي إلى سادسة ابتدائي اسمها “طريق إلى الأخلاق” يتعلم فيها التّلاميذ الأخلاق والتعامل مع الناس.
وأهم ملامح وخصائص نظام التعليم الياباني
روح الجماعة والعمل الجماعي والنظام والمسؤولية.
ولا يعتبرون أنفسهم أفضل الناس ولا يقضون يومهم بالصلاة ولا يفرقون بين زيد وعبيدا, أو بوذي وهندوسي ولا يحرضون على الجهاد والقتل رغم (( مآساتهم النووية الأمريكية )) ولا يحمٌلون السلاح للإطفال ويعلموهم القتل .. بل يأكل المدير الطعام قبل التلاميذ بنصف ساعة حرساً على سلامتهم .. لإنهم مستقبل اليابان


2 - الصمت ...1
عامر سليم ( 2017 / 9 / 16 - 11:09 )

( احترام الآخر ) و ( الأخلاق ) .... هو الذي جعل من اليابان يابان!

هذا جواب الصحافه السريعه ‘ كالوجبات السريعه المغريه ولكنها تفتقر الى الفائده الصحيه!

ألسؤال الصحيح ‘ والذي يحتاج الى جواب عميق ‘ هو ...ما الذي اوصل اليابان الى ماهي عليه الان ؟ ما الذي اوصل مجتمع اقطاعي عسكري مفتون بالحروب الوحشيه في الداخل والخارج الى وضعه الصناعي المتقدم الحالي ‘ وبالتالي الى بحبوحة الرفاهيه والاخلاق؟

اليابان الى وقت قريب كانت لاتعرف شيئاً اسمه ( احترام الاخر ) أو ( الأخلاق )! والدليل قرأة تاريخها لاغير.

محاكم التفتيش البوذيه اليابانيه ضد مواطنيها المسيحيين الاوائل لاتقل بشاعةً ووحشيه عن محاكم التفتيش المسيحيه في اوربا ‘ هذا مانقله المخرج المبدع (مارتن سكورسيزي) في فيلمه الملحمي (الصمت) وألمأخوذ عن قصة الكاتب الياباني المعروف ( شوساكو أندو )!.

اليابان عاشت حروب اهليه طويله ‘ ارتكبت فيها ابشع المجازر الوحشيه بين ابناء الوطن الواحد ! ثم انتقلت وحشيتها ضد جيرانها في اسيا باحتلال بغيض ودموي لايقل بشاعة عن الممارسات النازيه ! .
يتبع


3 - الصمت ...2
عامر سليم ( 2017 / 9 / 16 - 11:13 )
وما زالت الكثير من دول اسيا تعاني من آثار هذا الاحتلال‘ وما صواريخ كوريا الشماليه باتجاه اليابان الا تذكيراً لها بتاريخها الاستعماري القذر‘ وانتقاماً لعشرات الآف من النساء الكوريات اللواتي كان يعرفن ( بنساء المتعه ) لجيش الاحتلال! (يعني البوذيين كانوا يمارسون شرع الله في تحليل السبايا و ملك اليمين ومافيش حد احسن من حد!).

والسؤال يبقى قائماً...ما الذي غير اليابان واخلاق اليابانيين؟.

هل القنبلتين الذريتين الامريكيتين؟ ( رب ضاره نافعه !) هذا مجرد سؤال وليس دفاعاً عن هذا الفعل الوحشي الجبان.

ومع كل هذا وذاك‘ فالصوره الان في اليابان ليست ورديه تماما وخصوصاً بالنسبه لوضع المرأه مقارنةً بالدول المتقدمه (وليست دول خير امه اخرجت للناس بالطبع!) واليكم هذا التقرير البسيط على سبيل المثال...
http://www.bbc.com/arabic/worldnews/2016/03/160301_japan_sexual_harassment_women


4 - تعقيب على مقال السيد عامر سليم
johnhabil ( 2019 / 11 / 20 - 11:02 )

(يعني البوذيين كانوا يمارسون شرع الله في تحليل السبايا و ملك اليمين ومافيش حد احسن من حد!). عامر سليم (( انتهى ))
السيد عامر يرى أن البوذيين والإسلاميين يحللون إغتصاب سبايا الحرب وأمتلاك (( ملكات اليمبن )) ويتفاخر أن هناك من يمارس هذه الشناعة الإنسانية التي يحللها ويمارسها الإسلام وهم البوذيين ويتبجح بالقول (( مافيش حد أحسن من حد )) والطامة الكبرى أنه يُسمي تحليل السبايا وملكات اليمين ب (( شرع الله )) ... ومتى كان الغزو والقتل والسبي والغنائم واغتصاب النساء وقتل
الأسرى (( شرعاً )) لله ؟؟ وإنما هذه أعمال وحشية بربرية اجرامية

اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح