الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البديل الحضاري عند سيد قطب(3)

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2017 / 9 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


فكرة الحاكمية والاستدارة الحضارية

سعى سيد قطب لتأسيس فكرة "الاستدارة الحضارية" التي سبق وان وضع صيغتها الخطابية العامة حسن البنا، في كتبه (نحو مجتمع إسلامي) و (خصائص التصور الإسلامي ومقوماته). واعتبر أن كلاهما يكمل الآخر في هذا المجال. ومضمونها يدور حول قضية واحدة، ألا وهي أن كل ما في عالم الإسلام ينبغي أن يعترف بحاكمية الإسلام، ومن ثم عدم الاعتراف بأي منهج آخر غيره. فهو المبدأ الجوهري وما عداه إضافات وأجزاء. فالأول يمكنه النمو بمعاييره ومقاييسه، بينما ما عداه بالنسبة للإسلام هو مجتمع جاهلي لا علاقة له بالإسلام، مهما ادعى لنفسه صفة الإسلام! كل ذلك يحدد ما دعاه سيد قطب بمزاولة العقيدة والمنهج في الحياة العامة والخاصة للأمة.
إن الإسلام، حسب تصور سيد قطب، بعد أن ظهر ونما وقضى على الجاهلية الأولى، قد ظل موجودا بغض النظر عن استرداد الجاهلية لزمام القيادة. إذ وراء تراجعه "عن مكان الصدارة في الأرض" ظلت موجودة منه "خطوط عريضة ومبادئ ضخمة" استقرت في حياة البشرية وصارت مألوفة للناس . وبما أن الجاهلية قد استعادت وجودها فلا بد للإسلام من أن يستعيد وجوده الأول. وفي هذا تكمن المهمة الحضارية للإسلام الحالي والمستقبلي.
فقد أوشكت "قيادة الرجل الغربي للبشرية على الزوال" وذلك "لأن النظام الغربي قد انتهى دوره". فهو لم يعد "يملك رصيدا من القيم تسمح له بالقيادة". وان القوة الوحيدة القادرة على القيام بذلك هو الإسلام. فهو القوة القادرة على قيادة وإبقاء وتنمية الحضارة المادية (الأوروبية) بعد تزويدها بقيم جديدة كاملة وبمنهج أصيل وإيجابي وواقعي في الوقت ذاته . والطريق الأمثل والواقعي لذلك يفترض "إعادة وجود هذه الأمة لكي يؤدي الإسلام دوره المرتقب في قيادة البشرية مرة أخرى". وإذا كانت هذه المهمة تبدو الآن صعبة ومعقدة وشبه مستحيلة للبعض، فأنها ممكنة بسبب امتلاك الأمة الإسلامية مؤهلات خاصة لقيادة البشرية غير الجانب المادي الذي تفوقت به الحضارة الأوربية .
إن الأمة الإسلامية ينبغي أن لا تهمل الإبداع المادي، بوصفه ضرورة ذاتية لوجودها ، لكن الأكثر جوهرية وضرورية في الظرف الحالي هو "مؤهل العقيدة و المنهج الذي يسمح للبشرية أن تحتفظ بنجاح العبقرية المادية تحت إشراف تصور آخر يلبّي حاجة الفطرة كما يلبيّها الإبداع المادي. وأن تتمثل العقيدة والمنهج في تجمع إنساني، أي في مجتمع مسلم". وذلك لان الإسلام هو الحضارة. فهو لا يعرف إلا بنوعين اثنين من المجتمعات، مجتمع إسلامي وآخر جاهلي. والمجتمع الإسلامي هو المجتمع الذي يطبق فيه الإسلام بكافة مكوناته، أما المجتمع الجاهلي فهو الذي لا يطبق فيه الإسلام.
ووضع سيد قطب كل هذه الأحكام العقائدية والبلاغية الجازمة في استنتاجه القائل، بان قيام الحضارة الإسلامية المعاصرة لا يتوقف على مستوى التقدم الصناعي والاقتصادي والعلمي، بل على بقاء أصولها الخاصة، التي تجعلها متميزة عن كل مجتمعات الجاهلية . وقد كان ذلك يعني بالنسبة له التمسك بمبدأ "العبودية المطلقة لله وحده"، بمعنى اتخاذه وحده إلهاً وعقيدة وعبادة وشريعة. وفي الحصيلة ضرورة اعتقداه التام والمطلق، بأنه لا حاكمية لأحد غيره . ومن ثم ينبغي تجسيد ذلك في الاعتقاد والتصور تجاه كل شيء. وفي الموقف من الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والأصول التي تقوم عليها يقوم في تمثل العبودية الكاملة لله وحده. وينطبق هذا على التشريعات القانونية وفي قواعد الأخلاق والسلوك وفي المعرفة أيضا. باختصار أن مضمون كل ذلك يقوم في الاسلمة التامة والشاملة لكل مناحي ومستويات الوجود الفردي والجماعي للأمة .
فهو العلاج الأول والأخير للمسلمين. ومن ثم فان الرجوع إلى مصادر الإسلام وحاكميته في كل شيء هو الأسلوب الوحيد للبديل والمستقبل. وكل ما عداه في عداء معه. وذلك لا أي من خارجه وبأي قدر كان يكفي لتسميم الينبوع الإسلامي الصافي .
وشكلت هذه الثنائية المتضادة مرجعية استنتاجه النهائي بهذا الصدد والقائلة، بان هناك دارا واحدة هي دار الإسلام، أي دار الدولة المسلمة والشريعة الإسلامية، وما عداها فهو دار حرب. وعلاقة المسلم بها إما القتال وإما المهادنة على عهد أمان. وبالتالي، لا ولاء بين أهلها وبين المسلمين . إذ لا إسلام في أرض لا يحكمها الإسلام ولا تقوم فيها شريعته، ولا دار إسلام إلا التي يهيمن عليها الإسلام بمنهجه وقانونه، وليس وراء الإيمان إلا الكفر، وليس دون الإسلام إلا الجاهلية، وليس بعد الحق إلا الضلال .
وشكلت هذه الخاتمة الواضحة والدقيقة وضوح ودقة الفكرة الدينية المتشددة في موقفها من النفس والآخرين، بوصفها ثنائية الخلل والاغتراب المبطن. بمعنى أن الهمّ "الغربي" ظل متحكما فيها من حيث الرؤية والأسلوب والمنهج. والفرق الظاهري يقوم في مواجهة ما هو "غربي" بآخر إسلامي مناقض له ومبني على أساس النفي اللفظي المباشر أو القبول الجزئي بما فيه بعد صبغه بكلمات إسلامية. وفي نهاية المطاف كان البديل لا يخرج عن إطار الرؤية الدينية السياسية الراديكالية المتشددة تجاه النفس والآخرين. بمعنى أنها تستعيد ما هو "متكامل" في تقاليد الفرق الدينية المتزمتة، التي شكلت فكرة الحاكمية مصطلحها لا غير. ذلك يعني أنها بقيت ضمن سياق اللاهوت المتزمت وأسلوبه الخطابي. ومن ثم لا علاقة للفكرة الحضارية بفكرة الحضارة وتاريخها، والثقافة ومحدداتها، ومسارهما التاريخي. من هنا انعدام الرؤية التاريخية تجاه النفس والمستقبل، أي انعدام العناصر الضرورية لحراك وعي الذات الثقافي والحضاري الاسلامي أيضا.
***









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار