الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنها الثقافة والاقتصاد يا غبي

محمد بوجنال

2017 / 9 / 17
مواضيع وابحاث سياسية




من البديهيات المعروفة أن تقدم وتطور الدول مرهون بالاقتصاد المسبوق ب "الثورة الثقافية". إنها البديهية التي يمكن أن تقدم أو تؤخر المجتمعات في حال الاحتكار العنصري، بغض النظر عن مواقعها الجغرافية ومعتقداتها الدينية وجنسيتها العرقية وألوان بشرة ساكنتها الجسدية. فالبديهية تلك هي ما بها يفسر تطور المجتمع أو تخلفه حال الاحتكار العنصري. وكمثال لذلك يتم فهم الولايات المتحدة الأمريكية؛ فهي لم تمتلك تطورها وقوتها إلا بفعل اعتمادها هذه البديهية؛ وهو ما يميزها عن أروبا؛ فأساس النظام الأمريكي هو اعتماد الاقتصاد الذي سبقه ومهد له الصراع الثقافي؛ فأصبح السلوك الأمريكي، وبوعي الساكنة الأمريكية، سلوكا لا يعتبر إذا لم يكن سلوكا مدرا للأرباح الاقتصادية؛ ومن هنا ثقافتهم المسماة بالثقافة الذرائعية التي يستحيل بصددها الفصل بين الثقافة والاقتصاد الذي أصبحت له فيما بعد الأولوية. وهكذا لا نندهش من جواب بيل كلينتون مرحلة رئاسته عندما سأل أحد مستشاريه عن وجهة نظره حول أسباب حصول بعض مظاهر الأزمة في بلده وبلدان أروبا، فأجابه المستشار ملغيا العامل الاقتصادي مفسرا له ذلك بالعامل السياسي؛ فما كان من بيل كلينتون إلى أن صاح في وجهه :" إنه الاقتصاد يا غبي ". وبالفعل فهو التوجه الذي به أصبحت الولايات الأمريكية المتحدة القوة التي حكمت العالم وما زالت؛ في الوقت الذي اعتمدت فيه أروبا نظرية التضامن حيث أفادت الثورة الثقافية السياسي أكثر من الاقتصادي لتصبح أقل قوة من الولايات الأمريكية المتحدة التي لا توجد في منطقة ما من المناطق أو إمضاء اتفاقية ما مع أي كان إذا لم تكن مربحة اقتصاديا. هذا على مستوى الدول المتقدمة حيث الأمية بشكل متفاوت بصدد العلاقة ثقافة /اقتصاد.
أما على مستوى العالم العربي- الإسلامي فالوضع يختلف حيث أن العالم ذاك لم يتمكن من هضم والوعي بأهمية وضرورة ونوعية العلاقة بين عاملي الثقافة والاقتصاد؛ فهو عالم ما زال يعيش مرحلة ما قبل الوعي بقضاياه وهي مرحلة تتميز بالأمية بمختلف أنواعها ومستوياتها. فما زالت سلوكاته وتصوراته تفتقر إلى مميزات إحدى الدرجات أو المستويات المؤدية إلى "الثورة الثقافية" وبالتالي، وباللزوم المنطقي، الافتقار إلى معرفة القوى المحركة والمحتكرة لمكونات الاقتصاد. ف " الثورة الثقافية " تفرز حتما، كما أكد لنا التاريخ، الوعي بأهمية الاقتصاد أو قل وعيه بكون أهمية سلوكه تكون مرتبطة حتما بالمردودية الاقتصادية. وعليه، فمن قبيل الوهم القول بإمكان تطور العالم العربي-الإسلامي ما دام التطور ذاك مرتبط بضرورة حصول " الثورة الثقافية " المؤسسة(بكسر السين الأولى) للوعي بأهمية الاقتصاد. ومن هنا أهمية، بل وضرورة، خلق شروط إنجاز " الثورة الثقافية " في العالم العربي-الإسلامي – وكذا في كل الدول المتخلفة-. فالمنطق يقتضي، لحصول النمو والتنمية، الوعي أولا بقدرات العقل ومختلف العلاقات التي يمكنه إنجازها في الزمان والمكان أو قل عندما يصبح الوعي بقدرات وكفاءة العقل بالأشكال التشاركية في تحقيق ذلك. إلا أن غياب الثورة تلك ألغى حضور وفعالية المجتمعات تلك لتبقى النخبة المستبدة هي النخبة السائدة والمحتكرة لعاملي الثقافة والاقتصاد مبررة ذلك، نظرا للجهل، بمشروعيتها الدينية والعرقية كنخبة كفأة. إذن هذا الاستحواذ أساسه غياب الوعي أو قل تنصيب العداء لكل ما من شأنه أن يساهم في التمهيد لخلق شروط إنجاز " الثورة الثقافية ". فهي نخبة تمتلك المعي التام بخطورة هذه الثورة التي كلما حصلت أو حصلت على الأقل إحدى الدرجات المؤدية إليها، تحصل في الآن نفسه تعرية دلالة الوصايات التي تمارسها على الشعوب. لذا، فالذي تمارسه النخبة هو العمل والحرص على استمرار تسليع الساكنة العربية أو قل الحرص على ممارسة المراقبة عليها ليبقى تفكيرها محصورا في الدائرة التي تحددها لها تلك النخبة وهو ما يفسر خضوع واستسلام الساكنة العربية، بل واستعدادها لتدمير وعرقلة كل ما من شأنه العمل على مساعدتها حصول استقلاليتها. ف" الثورة الثقافية " وفق تلك العقلية المحاصرة التي لا نستثني منها مجمل فئات البورجوازية الصغرى، هي كفر وفوضى تهدف زعزعة الاستقرار والأنظمة التي أسستها السيدة النخبة؛ في الوقت الذي نجد فيه أن المبررات تلك التي تدعيها السيدة النخبة هي ، وبالكاد، الربحية الاقتصادية المغلفة بالشعارات الدينية. هكذا، فكل ما يعرفه العالم العربي-الإسلامي من أحداث واقتتال وتمزيق دول، وصراع بين الدول الكبرى فوق أرضه وحول موائد المؤتمرات واللقاءات ما هوى السباق والتسابق للحصول على امتياز الاستغلال الاقتصادي وفي الآن نفسه تحصين النخبة العربية-الإسلامية مكانها ومكانتها باسم كذا أو كذا الذي يزكيه غياب الوعي الثقافي, إنه الوضع الذي لا يمكن أن يوجد غيره ما دام هناك إصرار على مراقبة ورفض التأسيس لأي شكل أو درجة من الدرجات المؤدية إلى إنجاز " الثورة الثقافية "؛ وهو ما يعني صعوبة حصول التغيير الاقتصادي ليبقى التخلف بمختلف مكوناته من جهل وطائفية وعنصرية ومذهبية واحتراب واقتتال وخرافات هو السائد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تم اختياركم ممثلاً لمؤسسة قوس قزح
أفنان القاسم ( 2017 / 9 / 18 - 09:03 )
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=572460


2 - رد
محمد بوجنال ( 2017 / 9 / 18 - 12:43 )
شكرا على المرور

اخر الافلام

.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟


.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على




.. شهداء جراء قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلة الجزار في مدينة غز


.. قوات الاحتلال تقتحم طولكرم ومخيم نور شمس بالضفة الغربية




.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية