الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعب نفسه يفرح

لبنى حسن

2006 / 2 / 14
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


نقلت لنا كل الفضائيات العربية بلا استثناء الفرحة العارمة التي عمت أرجاء المحروسة بفوز مصر بكأس الأمم الأفريقية فلم تخلو محافظة من مظاهر الاحتفال و الابتهاج حيث ألتف الجميع حول الحدث, وعلق البعض على أن الفرحة مبالغ فيها خاصة و أن دماء ضحايا عبارة الموت المسماة بالسلام 98 لم تبرد بعد و لا يزال أهالي المفقودين في حالة هلع, و الغواصين مازالوا ينتشلوا أشلاء الجثث التي طفا بعضها على السطح بعد أن مزقت أطرافها الوحوش البحرية التي لم ترحم من أوقعهم الإهمال و التسيب (الروتيني) في جوف بحر غادر لم تقاومه سترات النجاة الرخيصة (8 جنيهات للقطعة) الغير مطابقة لمواصفات هيئة السلامة البحرية, تلك الهيئة التي انفعل احد أعضائها في برنامج تلفزيوني مؤكدا انه كان من الممكن أن يتقلص أعداد الضحايا بصورة كبيرة لو استخدمت السترات المطابقة للمواصفات و لكن للأسف ثمنها يصل ل 50 جنية, و أكيد كانت سترهق ميزانية الشركة المالكة للسفينة و تحد من قدرتها على إقامة الموائد العامرة و الحفلات الساهرة للأسياد و علية القوم من كبار المسئولين الذين يستمد صاحب العبارة قوته منهم ليحافظ على احتكاره لخط ضبا سفاجا, فنفوذهم و سيطرتهم و تحكمهم و المصالح المتبادلة التي تربطه بهم هي التي حالت دون القدرة على محاسبته أو رفع الحصانة البرلمانية عنه, انه المحصن السيد ممدوح إسماعيل العضو المعين ( لماذا عين؟!) في مجلس الشورى, و بالطبع كان المبرر المعلن أن التحقيقات جارية حول الحادث و أن الحصانة البرلمانية مش لعبة و رفعها يتطلب موافقات و إجراءات خاصة, و ليس بالأمر السهل, أنما قد ترفع في لمح البصر و لو يوم عطلة رسمية فقط إذا كانت هناك شبهة تزوير- توكيلات مثلا- لان النظام كما عهدنا يأبى تزوير إرادة المواطن, أما حقيقة قتل ألف نفس بشرية بعضهم حرقا و الأخر غرقا و تعذيبهم ليومين وسط المياه الباردة و الأمواج العاتية في ظل أجهزة اتصال معطلة و قوارب إنقاذ غير صالحة و سترات نجاه وهمية و غير كافية لعدد الركاب الذين كانت تقلهم عبارة متهالكة, فيعد قضاء و قدر و يحتمل التأجيل فربما ننسي مع الوقت ما حدث و تغلق القضية و ينام الموضوع كما نام غيره, فالمصريين ضربوا رقما قياسيا في الصبر و جربوا كافة أشكال الكوارث فقد احترقوا جوا (طائرة مصر للطيران) و برا (قطار الصعيد و محرقة مسرح بنى سويف) و ها هم يجربوها بحرا.

و باختصار تعود المصريون الهم فهو جزء من حياتهم بل و أصبح العادي و الطبيعي و المتوقع, مما جعل معظم القنوات التلفزيونية التي غطت مظاهر الاحتفال بالفوز تشير إلى أن المصريين كانوا في حاجة ماسة للفرح, بعد أن تلقوا إحباطات و صدمات كثيرة موجعة في ظل انتكاسات سياسات النظام المتتالية التي جعلت الأصفار تتوج كل المجالات, فما كاد المواطن المطحون يصدق نفسه عندما وجد شيئا يسعده بل و استكثر الفرحة على نفسه حتى أن الإعلامي عمرو أديب عبر عن تلك الحالة عندما سأل احد المحللين الرياضيين "هل كسبنا لأننا كويسيين أم لأننا غلابة"!!!!!!

البلد تعيش في حالة إحباط و آسى أكدها علاء مبارك نجل الرئيس عندما صرح ببراءة قائلا أن "الشعب نفسه يفرح" و كأنه يتحدث عن شعب مكتئب و حزين بسبب غامض و مجهول مع انه لو كلف نفسه عناء تصفح اى جريدة لاكتشف أن صفحاتها لا تحوي سوى أخبار والده و أخبار الكوارث و دون مجهود كان يمكنه استنتاج العلاقة بينهما.

بالتأكيد كرة القدم رياضة شعبية محبوبة و الفوز بكأس الأمم الأفريقية حدث كبير يستحق الاهتمام و لكن ما نالته المباريات من التفاف و تشجيع و تضامن, و ما ناله الفوز من تقدير قد فاق الحدث, و جاء تعبيرا عن قوة الرغبة في النجاح و شدة التشوق للفرح الذي كاد ينسى مع الزمن, فالمباراة كانت الحدث الوحيد المتاح الذي يمكن أن يشارك فيه المواطن و يصدقه, فلا تزيف ولا تزوير و لا تبديل للصناديق أو تعديل للنتائج حسب الهوى, و لا تغيب أو تغيير لإرادة الجماهير فأخيرا ستذهب أصواتهم –المشجعة- إلى حيث أرادوا و قلوبهم مطمئنة إلى أن النزاهة و الشفافية و الحيادية هذه المرة ليسوا مجرد كلمات رنانة للاستهلاك المحلي بل حقيقة واقعة أمام أعينهم في الملعب لا يستطيع احد سرقتها من بين أيديهم.

الفضل الأكبر في إنجاح البطولة يعود للجماهير التي لم تتورع عن المساندة, فالمشاركة الشعبية الواسعة حتى من الفتيات و النساء و الأطفال و الغير مهتمين بالرياضة أن دلت على شيء فتدل على ايجابية و ذكاء المواطن المصري الذي يفرق جيدا بين الحقيقة و الفبركة, فالمواطن صابر و الفرحة عزيزة و ليتها تدوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات في بريطانيا لبناء دفاع جوي يصُدُّ الصواريخ والمسيَّرات


.. جندي إسرائيلي يحطم كاميرا مراقبة خلال اقتحامه قلقيلية




.. ما تداعيات توسيع الاحتلال الإسرائيلي عملياته وسط قطاع غزة؟


.. ستعود غزة أفضل مما كانت-.. رسالة فلسطيني من وسط الدمار-




.. نجاة رجلين بأعجوبة من حادثة سقوط شجرة في فرجينيا