الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات حول آفاق التعليم الديني في المناهج الأساسية العراقية

علي المدن

2017 / 9 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هذه بعض الملاحظات التي أثرناها في ورشة (آفاق التعليم الديني في المناهج الأساسية العراقية) والتي أقامها "مركز النجف للثقافة والبحوث" بتاريخ 15 / 9 في معهد العلمين للدراسات العليا في مدينة النجف، وهي تقتصر على بيان السياقات العامة للمشكلة قبل الدخول في تحليل تفاصيلها التي أرجو نشرها لاحقا:

1- بداية الازمة في تعرف العرب والمسلمين على الغرب والصدمة برؤية الغرب المتفوق، وهذا ما أشار له رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده …
2- أزمة المسلمين العرب بدأت بعد انفصالهم عن الدولة العثمانية، حين ورثوا دول ضعيفة اقتصاديا وعديمة الموارد وبلا جيوش قوية ولا إدارات كفوءة مع انتشار للأمية … ومع مقايسة العرب أنفسهم بأنموذج ماثل امام أعينهم وهو الغرب صار السؤال لماذا تقدم الغرب وتأخر العرب والمسلمون؟!
3- في ظل هذا الوضع كان الهاجس العربي هاجس "ردم الهوة" بين العرب والغرب، كان الشعور بالفرق بين العالمين، العربي والإسلامي من جهة، والغرب من جهة أخرى، يدفع الجميع إلى "استدراك" ما فات، إلى البحث عما فاتنا وغاب عنا؟ وهنا اختلف العرب والمسلمون في تحديد جذر تخلفهم عن الغرب والعامل الذي سيؤدي إلى لحلاقهم به؟ هل هو غياب الدين القويم، الإسلام الصحيح النقي؟ هذه كانت فكرة محمد عبده كما جاءت في رسالته في التوحيد والرد على الدهريين وكما جاء في حواره مع رينان. في حين ذهب فريق إلى أن الأزمة في الدين الموروث ذاته، ومفاهيمه وتشريعاته. وهناك من ذهب إلى أن الموضوع له علاقة بالتقنية والتكنولوجيا واستيرادها وتعلمها.
4- سوف اقتصر على دعاة العامل الأول والثاني الذي كان يمثله محمد عبده وسلامة موسى وغيرهما، لأن هذا الخيار له علاقة بالدين وهو موضوع ندوتنا، ولأن هذا الخيار الاصلاحي، اي اعتبار الدين هو المنقذ، أو العكس، هو الذي صبغ جميع جدالات المسلمين واختلافاتهم وتنظيراتهم ونقاشاتهم في القرن العشرين ولازال.
5- فكرة الدين الإسلامي تمثل أكبر سؤال للعقل العربي وجميع الشعوب المسلمة في علاقتها مع الحداثة وقيمها، والسبب في ذلك ان هذا الدين كان هو الناظم لحياة هذه الشعوب على مدار قرون، منه يستمدون تشريعاتهم وقيمهم ونمط حكمهم وكل ما يتعلق بحياتهم الخاصة والعامة. كيف نظر المسلمون لدينهم؟ وكيف تخيلوا نمط علاقتهم بربهم؟! هذان سؤلان مهمان جدا في أي حديث جدي عن الدين في حياتنا المعاصرة …
6- الدين الإسلامي يستمد حضوره الهائل في حياة الأمة المسلمة بشعوبها المتنوعة كافة اعتمادا على الأساس التالي: هذا الكون واسع جدا، ومعقد جدا، وليس للإنسان القدرة على مواجهة مشاكله لوحده! وإنما لكي يتخلص الإنسان من معاناته الروحية والاجتماعية بحاجة إلى يتعرف على خالق هذا الكون، وهو الله تعالى! حين يعترف الإنسان (وبتواضع) بمحدوديته أمام خالقه، ويتعامل معه بمحبة وتسليم، يعلم حينها حجم الدور الحقيقي الذي يجب عليه الاعتراف به أمام هذا الإله العظيم!!
7- ولكي يمارس هذا الإله دوره وضع بين يدي الإنسان طريقا واحدا، هو طريق الإنبياء والرسل، ومعهم الكتب والشرائع "المنزلة"! هذه الكتب تحمل رسالة الله التي فيها سعادتهم من جهة، كما أنها كتب جامعة لكل الخبرات البشرية ومتفوقة عليها. وما على الإنسان بعد الآن إلا أن يأخذ على عاتقه وبكل أمانة وإخلاص وتفانٍ التسليم لهذه الرسالة وتطبيقها وحمايتها.
8- هذا الوضع لم يسهم فقط في حسم ما على المسلم أن يتوقعه بخصوص موضع سعادته والإكسير الذي فيه حل جميع مشاكله، بل وأعطته دورا بطوليا، حين وجهت الخطاب لكل فرد بحماية هذا الإكسير والنهوض بشرف تنفيذه وتطبيقه.
9- ولكن أمام هذا الخطاب المحفز عاطفيا، والمرتبط عميقا بذاكرة الأمة، خرجت خطابات فكرية أخرى وصفت بالعلمانية، دعت هذه الخطابات إلى الإصلاح والنهوض أيضا، ولكن عبر القطيعة مع الدين أو تنحيته عن إدارة الدولة وتشريعاتها العامة والخاصة.
10- الذي حصل لاحقا هو التالي: مع فشل المشروع النهضوي العلماني في تأسيس الدولة الحديثة المستوحاة من النموذج الغربي، دولة التنمية والمساواة والمواطنة والقانون والعدالة الاجتماعية، وبعد صعود الخطابات الدينية وانتشارها في أوساط الجماهير، وتزامن ذلك مع استيلاء أصحاب هذه الخطابات على السلطة وموارد الدولة (خصوصا بعد اكتشاف النفط)، … مع هذا الوضع الجديد حدث تحول خطير في أدبيات هذه الخطابات الإسلامية، فبعد أن كان شعارها الإصلاح وردم الهوة واستدراك ما فات واللحاق بالغرب المتفوق، بعد انهماكها بسؤال النهضة، صار شعارها وهمها هو العودة إلى النموذج الإسلامي المتخيل في القرون الماضية وإعادة إحيائه ونشره وتطبيقه! وحيث إن هذا النموذج المتخيل لم يعد فحصه ولا تحليله ولا نقده، فقد استورد كما هو بكل ما فيه من مشاكل وأزمات! سواء في مناهج التفكير أو أدواة البحث أو القيم أو التشريعات. لقد عاد الماضي بكل حمولته!! ومن حمولته: الطائفية والعصبيات الدينية.
11- حتى الثلث الأخير من القرن المنصرم كانت الأحزاب الإسلامية المعروفة (الإخوان والتحرير والدعوة وغيرهم) تنظّر حول الأممية الإسلامية، حول مجتمع مسلم بلا فوارق ولا مذاهب، هذا على الاقل فيما يخص المسلمين! أما غير المسلمين، فقد بقي الموضوع في إطاره التشريعي القديم حيث دار الحرب ودار الإسلام(خارجيا)، والمسلمون وأهل الذمة (داخليا). ولكن منذ الثلث الأخير، حيث تزامن صعود الخمينية في إيران من جهة، والوهابية في السعودية من جهة أخرى، تحول الخطاب الإسلامي إلى خطاب طائفي: السنة والشيعة. وباتت المرحلة الأولى من القرن العشرين وشعاراتها الإصلاحية النهضوية المقابلة للغرب في طَي النسيان، وجرى الحديث عن استعادة عصور الإسلام الذهبية ولكن وفق تفكير وتوجهات طائفية تختزل الصراع بين المسلمين أنفسهم: السنة في مقابل الشيعة! والشيعة مقابل السنة! وهذا الوضع وإن لم يكن جزءا من أدبيات الخمينية، لان هذه امتداد للخطابات الإسلامية الأممية أكثر منها الطائفية، ولكن صعود الهوية الشيعية سياسيا ونشوب الحرب العراقية/ الإيرانية زاد من الاستفزار الشيعي الثوري للحساسية السنية / الوهابية. ومع ذلك فإن هذا العامل ليس الوحيد في صعود التشدد الديني، وإنما تعثر تحديث الدولة وتعسف الأحزاب العلمانية في استيعاب الحالة الإسلامية واختيار القمع سبيلا للمواجهة، وعقد التحالفات السياسية مع العالم الغربي، أسهم لاحقا في تفجير التطرف الديني الطائفي على أشده، وأغرق العالم الإسلامي والعالم في أنهار من الدماء. ومن تجليات هذا الوضع ما نشاهده في برامج ومناهج التعليم الديني في بلداننا.
12- يبدأ الحديث إذن من إعادة التفكير في السؤال الديني واختيار المداخل الصحيحة والعملية للتحرر من بؤس الواقع الديني لدينا، وإنما أركز على أن يكون المدخل "عمليا" لأن التفكير التحليلي النظري قد يكون سليما من الناحية المنطقية، وهو ضروري بلا أدنى شك، ولكن تغيير الواقع، الذي هو هدفنا الحقيقي، لا ينشأ من التفكير المنطقي، بل من التفكير العملي. وفي رأيي أن المدخل العملي الأكثر إلحاحا علينا يتكون من ثلاث مقدمات:
المقدمة الأولى: يجب التركيز في تناول الدين على قيمة الحرية الفردية للإنسان، والتأكيد على استقلاليته كذات في هذا العالم، له الحق في صياغة موقفه الخاصة من القضايا الفكرية، وفِي طليعتها القضايا الدينية، وفقا لما تمليه عليه إرادته الحرة. (الفردانية الدينية).
المقدمة الثانية: التركيز على تناول الدين كقيم أكثر منه كمعتقدات، أعني أن المهم في الاجتماع البشري مقاربة الدين كعنصر ملهم للسلوك الخيِّر في المجال العام أكثر من الحرص على تقديمه كمعتقدات صلبة من شأنها خلق عصبيات متشددة.(القيمية الدينية).
المقدمة الثالثة: السعي لتعليم الدين ليس كتعاليم مذاهبية وإنما دراسته كمادة علمية، كمعرفة وليس انتماءات، وذلك يتم من خلال دراسته عبر المناهج الحديثة في تحليل الظاهرة الدينية من الإيبستمولوجيا وتاريخ الاجتماع الديني والاسلوبية اللغوية الدينية وأمثال ذلك، وهذا ما أسميه ب(العقلانية النقدية الدينية).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح