الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقالات حول جدلية الدين والسياسة(1)-جذور السلطة الدينية في تاريخ الإسلام-

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2017 / 9 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مقالات حول جدلية الدين والسياسة (1)

- جذور السلطة الدينية في تاريخ الإسلام-

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-




تعد الظاهرة الدينية وعلاقتها بالدولة والسياسة من المظاهر التي شغلت الرأي العام والمفكرين في الغرب الذي حل نهائيا هذه المسألة، لكنها مازالت تشغل منطقتنا إلى حد اليوم، ونشب صراع حاد وسجال أيديولوجي حول دور الدين وعلاقته بالدولة، وسنشرع منذ اليوم في نشر سلسلة مقالات تتناول هذه المسألة محاولين إيجاد حل نهائي لهذه المسألة العويصة.
قبل الولوج في مسألة علاقة الدين بالدولة وتوظيفه السياسي، فإننا سنحاول منذ البداية التطرق لبعض النظريات المفسرة للظاهرة الدينية وعلاقتها بالدولة، لعلها تفتح لنا الطريق لفهم بعض هذه المظاهر والتساؤلات ومنها: هل نحن فعلا في حاجة اليوم إلى الحل النهائي لمشكلة هذه العلاقة؟، وسنطرح في كل مقالة من هذه المقالات المتتالية المعنونة ب"مقالات حول جدلية الدين والسياسة" قضية محددة، ونفضل في أول حلقة أن نطرح مسألة جذور السلطة الدينية عامة وفي تاريخ الإسلام خاصة، ونستند في ذلك على عدة نظريات علمية، خاصة نظرية الفرنسي مارسيل غوشيه التي اوردها في كتابه "الدين في الديمقراطية؟.
تعددت النظريات المفسرة للظاهرة الدينية وعلاقة الدين بالدولة، ومن النظريات المفسرة للظاهرة الدينية نذكر النظرية الإجتماعية لعالم الإجتماع الفرنسي إميل دوركايم الذي يقول بأن أي مجتمع كان هو في حاجة إلى الدين للتخفيف من المعاناة الإجتماعية، ولعل ذلك سيفسر لنا اليوم لجوء بعض الأنظمة السياسية في بلداننا ومنطقتنا إلى تشجيع ظاهرة التدين في المجتمع في حالات وجود تفاوت طبقي كبير جدا وظهور أزمات إقتصادية وإجتماعية حادة، مما يؤدي إلى الفقر والبؤس، فلم يخف مثلا مولود حمروش رئيس حكومة الجزائر في بداية التسعينيات مدى حاجة النظام الجزائري إلى حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ بهدف إمتصاص الغضب الإجتماعي الناتج عن الأزمة الإقتصادية الحادة التي عاشتها الجزائر آنذاك.
يبدو أن نظرية إميل دوركايم لا تختلف كثيرا عن النظرية الماركسية التي تعتبر الدين مجرد بنية فوقية، مثلها في ذلك مثل الأخلاق والدولة والثقافة وغيرها من المظاهر الناتجة عن بنية تحتية متمثلة في قوى الإنتاج، فيرى كارل ماركس أن للدين وظيفتين إجتماعيتين، اولها هو إستخدامه من الكادحين لتخفيف معاناتهم والحلم بعالم أفضل بعد الهروب من واقعهم المر والبائس، كما يوظف أيضا من الطبقات الإستغلالية لتخدير المستغلين، فعلى هذا الأساس قال ماركس مقولته الشهيرة "الدين أفيون الشعوب"، فقد كتب:" إن العذاب الديني هو تعبير عن العذاب الفعلي، وهو في الوقت ذاته إحتجاج على هذا العذاب الفعلي. فالدين هو زفرة المخلوق المضطهد، وهو بمثابة القلب في عالم بلا قلب، والروح في أوضاع خلت من الروح. إنه أفيون الشعب".
أما أبن خلدون، فهو يعتبر الدين أداة لإعطاء قوة للدولة، لكن شريطة مرافقته ب"عصبية"، ومنها العصبية القبلية، وقد أبرز بن خلدون في مقدمته دور إستغلال وتوظيف الدين في إنشاء وسقوط الدول في البلاد المغاربية، ومنه أخذ فريدريك أنجلس-حسب ما يبدو- نظرية الدائرة المغلقة لتفسير التخلف في العالم الإسلامين ويقول بأن ظاهرة إستغلال الدين وتوظيفه سياسيا يعد عاملا أساسيا في نشوء وسقوط الدول في العالم الإسلامي، مما جعله يدور في دائرة مغلقة، يسودها الفوضى واللاإستقرار، مما عرقل هذا العالم على التقدم والسير إلى الأمام، لأن التنمية، بل حتى بناء حضارة تحتاج إلى إستقرار طويل للدولة، وهو ما يطرح علينا اليوم بإلحاح كيفية القطيعة مع هذه الظاهرة الإستغلالية للدين سياسيا ولأهداف سلطوية التي تحدث عنها بن خلدون دون أن يعطي لها حلا شافيا.
لكن ما لفت إنتباهنا في تناول الظاهرة الدينية هي نظرية الفرنسي مارسيل غوشيه القائلة: بأن الدين أداة للحفاظ على وحدة المجتمع بالإستناد على دين خارجي، وعادة ما يكون الأوائل البعيدون الذين قالوا، وتركوا تلك الممارسات، لكن نجهل متى وقع ذلك، فمن ذلك تنشأ السلطة أو سيد ومسود، وعادة ما يكون ذلك بسبب حاجة المجتمع إلى تفسير وتنفيذ الدين، وهنا يدخل ما يعتبره البعض توظيف الدين من أجل السيطرة السياسية أو من أجل حماية وحدة المجتمع والدولة، كما يمكن أن يوظف عكس ذلك بإستخدامه ضد الدولة، ويبدو هذا ما يقع في العالم الإسلامي .
ييمكن أن يسمح لنا طرح مارسيل غوشيه بتفسير علاقة الدين بالسلطة في التاريخ الإسلامي، فعادة ما يرى المسلمون أن الوحي الإلهي هو خارج البشر، وبالتالي يفرض العدل بينهم، ولهذا فتطبيق لما يعتبرونه شريعة إسلامية هو الكفيل بتحقيق العدل داخل دولة الإسلام، لكن كلما تطورت وتعقدت الحياة، احتاج المسلمون إلى الإجتهاد لتطبيق هذه الشريعة طبقا للطريقة التي طبقها الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلا بقي المجتمع جامدا.
وهذا ما يظهر بجلاء لدى الذين يعتبرون كل جديد بأنه بدعة وضلالة، لكن لحل هذا الإشكال الذي فرضته التطورات وتعقيدات الحياة، برز "الفقهاء" و"علماء الدين" للقيام بعملية تأويل للوحي الإلهي، هذا ما يكذب فكرة عدم وجود سلطة دينية في الإسلام، لأن هؤلاء يمثلون في الحقيقة هذه السلطة الدينية المكلفة بتأويل النص، لكن خفي على الكثير أن تأويل النص الديني أو الوحي تتحكم فيه عدة عوامل، ما دام أن هذا التأويل نتاج بشري خاضع للظروف الإجتماعية والثقافية والطبقية للمؤول، وهو ما يؤدي إلى إختلاف التأويلات، وبإمكان ظهور صراع ديني، إذا لم يتم الإعتراف بأحقية الإختلاف الناتج عن هذه الظروف، وهو ما يدفعنا إلى القول أن ما يسمى ب"شريعة إسلامية" تتحول إلى "شريعة وضعية" بفعل هذه الإجتهادات المتأثرة بكل الظروف الآنفة الذكر، لكن تتطلب هذه الصراعات تدخل سلطة سياسية لمنع قيام فتنة دينية بسبب التأويلات المختلفة له والحفاظ على وحدة الدولة والأمة الإسلامية .
فعادة ما تظهر الطوائف والمذاهب الدينية ومختلف التضاربات الموجودة داخل دين واحد كالإسلام مثلا بسبب الإختلاف حول تأويل الوحي، ويصل في الكثير من الأحيان إلى معاداة السلطة القائمة في حالة عدم وقوفها على الحياد في هذه الصراعات، وهذا ما وقع مثلا عند معاداة الشيعة للدولة الأموية في الماضي أو لدولة المملكة العربية السعودية اليوم التي تعتبرهم روافضن ونفس الأمر عند معاداة أهل السنة في إيران اليوم لدولة إيران التي أتخذت وفرضت المذهب الشيعي الإمامية الأثني عشر على السكان.
ويختفي وراء هذه المواقف المعادية للدولة سواء في إيران أو السعودية عامل أساسي هو ان هذه الدول لم تقف على الحياد تجاه كل هذه الطوائف والمذاهب والمعتقدات والتأويلات المختلفة للدين، وهو ما يطرح امنا اليوم وبإلحاح مسألة ما يسمى في الغرب ب"العلمانية" بمفهومها الحقيقي، والمتمثل في وقوف الدولة نفس المسافة من كل المعتقدات والأديان، وهذا ليس معناه معاداتها، كما يروج الكثير الغير فاهمين للعلمانية التي هي في الحقيقة تحمي معتقدات كل مواطن، ولا تميز بينهم على أساس ديني، بل وصل الأمر اليوم إلى عدم التمييز بينهم سواء على اساس ديني أو عرقي أو ثقافي ولساني وغيرها، وهو ما يسمى دولة المواطنة أين يحترم جميع المواطنين، ولهم كلهم نفس الحقوق والواجبات دون اي تمييز كان، وهو ما أعطى إستقرارا لهذه الدول وشعور الجميع بأن الدولة هي دولته، وليست دولة جماعة دينية أو عرقية أو لسانية محددة داخل الدولة.
فهل هذا ما قام به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من خلال نشره وثيقة المدينة التي أرساها في عهده، والتي لا يتحدث عنها الكثير اليوم، هذا ماسنعود إليه في المقالة القادمة بعنوان "هل أستهدف الأنبياء والرسل إقامة دول دينية؟".


يتبع بمقالة قادمة عنوانها "هل أستهدف الأنبياء والرسل إقامة دول دينية؟"


البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #shorts - 49- Baqarah


.. #shorts - 50-Baqarah




.. تابعونا في برنامج معالم مع سلطان المرواني واكتشفوا الجوانب ا


.. #shorts -21- Baqarah




.. #shorts - 22- Baqarah