الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتاجيّة العلاليك في دوائر الدولة (1970 -2017) !!!

عماد عبد اللطيف سالم

2017 / 9 / 18
كتابات ساخرة


انتاجيّة العلاليك في دوائر الدولة (1970 -2017) !!!



بدأ الموظّفون يتناولون الطعام في أماكن عملهم (بحذَرٍ شديد) في بداية السبعينيّات من القرن الماضي . وكانت الرائدات في تأسيس هذه الظاهرة هنّ الموظفّات المتزوّجات من موظفّين في موقع العمل ذاته . بعد ذلك انتقَلَتْ العدوى الى الموظفّات الباحثات عن "زَوْجٍ" انطلاقاً من المبدأ الشهير: "الطريق الى الرجل يمرُّ عبر معدته" . وهكذا بدأت الموظفّات العازبات بوضع "لفّات" رومانسيّة باذخة في حقائبهنّ النسائيّة (اغلبها من صنع الأمّهات) ، وتقديم ما يتيَسّر منها الى الموظفّين العزّاب .
ولأنّ الانتهازيّة والاستغلال هي سمة أصيلة من سمات الرجال (وخاصّةً العزّاب منهم) ، فقد بدأ الموظّفونَ "الشباب" بالتجوال في شُعَب واقسام الدائرة كذكور النحل ، وكُلّما تذّوّقوا قطعةً من "لفّة" هذه .. و قَضَموا قطعةً من "صمّونة" تلك ، صاحوا بحبور : الله واكبر . هذه ألذّ واشهى وأعذب "سندويشة" ذقتها في حياتي .. وبعض "الشجعان" منهم كانوا يُضيفون : كأنّ هذه "اللفّة" هي أنتِ بالضبط !!! .
في هذه "المرحلة كانت ظاهرة "اللفّة" هي ظاهرة بايولوجيّة صرفة ، مع شيء من الرومانس القائم على التخادم المصلحي بين الموظفّين العزّاب والموظفّات العازبات . وكانت العلاقة بين زيادة عدد "اللفّات" وزيادة عدد "الزيجات" هي علاقة طرديّة عموماً (مع ثبات العوامل الأخرى).
وفي التسعينيّات حدث التحوّل الأهمّ في ميكانزمات تناول الطعام في دوائر الدولة ، وانتقل نمط نقل "اللفّات" من استخدام تكنيك الحقائب ، الى انتهاج استراتيجيّة "العلاليك" (أي نقل الطعام من البيت الى موقع العمل بأكياس بلاستيكيّة يحملها الموظّفون معهم) .
ولكنّ ظاهرة "العلاليك" لم تستفحِلْ ، و "تتمَدّدْ" ، و تصبح سلوكاً "مؤسَسّياً" ، وتتحول الى "بُنية" ، إلاّ بعد العام 2003 . فبسبب زيادة عدد الموظفّين لدى الدولة من مليون موظّف في عام 2003 الى اكثر من اربعة ملايين موظّف في عام 2017 ، أصبحت ظاهرة "العلاليك" ظاهرة "ريعيّة" صِرفة ، وأصبحتْ لها طقوسها ومراسيمها المُبارَكة ، و توقيتاتها المُقدّسة .
ولو تفَضَلْتُمْ ووقفتم صباحاً عند مداخل المؤسّسات الحكومية ، لرأيتم كمّاً هائلاً من "العلاليك" المُحمّلة بجميع أصناف المأكولات ، وهي تتمايل بغنَجٍ و دَلال في أيدي الموظفّات "المُكتَنِزات" بكافّة انواع الأطعمة ، وأطباقها التقليدية و "المُستحدَثة" .
و عند هذه المرحلة المفصليّة من التاريخ الوظيفي في العراق بدأت أوزان الموظفّين(والموظّفات خصوصاً) بالزيادة . ومع السمنة المفرطة لعموم الموظفّين ، وعدم وجود امكانية لحرق السعرات الحرارية الفائضة ، بسبب عدم وجود عمل أصلاً ، وتدنّي الانتاجية الى معدلات مخيفة ( حيث لا يزيد معدل وقت العمل الفعلي للموظّف عن 20 دقيقة في يوم العمل الواحد ، مقابل 6 ساعات و 80 دقيقة أكل و "قِشْبَة" و علاليك) .. بات الموظفّون يأكلونَ في الدائرة .. ويمارسون الريجيم في البيت .
وهَنا اصبحت العلاقة بين زيادة عدد العلاليك و زيادة وزن الموظفّين من جهة ، وانتاجيتهم من جهة اخرى ، علاقة عكسية ، لا تحتاج الى "دوال" رياضيّة بهدف إثبات فرضياتها الر ئيسة .
أمّا أكثر التطورات خطورةً في تفشّي ظاهرة "العلاليك" هذه ، فهو استخدامها من قِبل "الأعداء" للإساءة للعملية السياسية – الديموقراطيّة – الرائدة في العراق "الجديد" . فهؤلاء الأعداء يدّعونَ بأنّ الدولة العاجزة عن السيطرة على "علاليك" موظّفيها ، هي دولة فاشلة ، و ليست دولة إنتاجيّة وكفاءة ومؤسّسات .
إنّها دولة قد تحوّلَتْ بفعل ضعفها وقلّة حيلتها الى دولة "علاليك" فقط .. أو دولة "لَفّات" فقط .. أو دولة "لَفّات" داخل "علاليك" في أحسن الأحوال .. ولا شيء آخر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس


.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني




.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/