الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القدر الوضيع - الجزء الثاني -

إبراهيم خليفي

2017 / 9 / 19
الادب والفن


... راح البروليتاري يتعقب آثارها ، يهزه الحنين اليها ، كان في نفسه دائما يقول عنها " بنت العم " أو ما إن ذكرها و صديقه ، كانت الغرفة 311 شاهدا عليهما فالركن الايمن بجانب الخزانة يتذكر جملته الشهيرة " تلك الغبية جميلة حد الجنون " ، لم يعد يتذكر من ملامحها الكثير لما تجذر في ذاكرته المهجورة سوى مايشتغل به طوال الصيف من أدوات ، إلا أن صدى ضحكاتها وان كانت قليلا ماتسنى له ان ينعم بنغماتها لازال يرافقه أينما حل . وماهي الا لحظات في الذكرى ، فقد عاد رشد عقارب ساعته ليتذكر أخا ينتظر قدومه ببطاقة العلاج عسى لقياه تخفف عنه آلام نفسه أكثر من قدمته تلك . عاد ادراجه سلك شارع باب منارة أملا في ان تقع سيارة التاكسي في شركه و تريحه من أتعاب الترجل نحو مستشفى الرابطة . في الاثناء راح يقلب ارشيف ذاكرته الرديئة ، عن اماكن احبها و يشتاق لها ، عن حياته ، عن مستقبله المظلم ، نفض غبارا متراكما عن ارشيفات لكنه لم يجد فيها مايستحق الذكرى ، كلها لا تقل رداءة عن ذاكرته نفسها الى أن وجد نفسه امام المستشفى . دخل القسم 30 و سأل عن الخليفي المصاب فأرشدته اليه ممرضة لا تقل جمالا عن حوريات يصفها المعري ليبدو هذا البائس مثله مثل إبن القارح موضوعا للهزل لما مر عليه من سيئ الطرفة هذا اليوم مع سيدات الوظائف العمومية . لا أطيل عليك ايها القارئ الكريم فهذا الراوي نفسه لا يسعه تذكر كل التفاصيل فهو لا ينقصه تعب يزيد عليه تعب التذكر . ترائى له اخا طريحا ، تظاهر بالشجاعة و القوة و ان لا شيئ ذكره الطبيب عن سوء الاصابة .
لم يدري كيف تصافحا ، لكنهما فعلا . أخذ بطاقة تعريف " صاحب بطاقة العلاج " كما تسميه الذي نعتها هو بدوره ب " القحبة " و راح يسابق نسمات هضبة باب سعدون نزولا الى كلية 9 افريل حيث درس اصدقاءه هناك وصولا الى مقر الصندوق ذلك حيث ترك عروسة الشباك عدد 5 ، تلك الغارقة في نرجسيتها دون ان تعلم مقدار سوء ملامحها و بشاعة قهقهاتها . سيدة مثل أغلب نساء تونس في الوظيفة العمومية ما إن قبضت أول أجرتها فيبدأ شيئ خاص بالنساء بالاتساع حتى يضاهي في قطره الجب .
لا أخفيكم امرا فهذا ما قد يلقاه حظ هذا البروليتاري من مواقف النساء في الوظيفة العمومية ، و كأنه لم يتعلم طوال حياته كيف يروض سيدة رغم ما قرأه من أمور في هكذا مجال و رغم ما يلحظه عنه زملاءه عنه من جرءة في إضحاك فتيات في الجامعة و ترويضهن . المهم فقد لا يهمنا ذلك كثيرا الا ما شاء القدر الوضيع حينا آخر في ان يدون لكم مساوء المغامرات في حكاية اخرى .
دخل غير آبه بالجميع مرفوع الرأس من غير مبالاة بالحاضرين و كانه الوحيد في مقر الصندوق القبيح ، كان إتجاهه الى الشباك الخامس قد أصبح أمرا غريزيا و كأن الإنفعالات هي التي تقوده . لا سلام و لا كلام رمى بالاوراق حتى كاد يصفع بها و جهها جديد الطلاء .
كانت لازالت تتذكره جيدا فكيف تنساه و هو من أفسد عليها قسطا من الراحة على كرسي لايشجع سوى على الخمول .
صرخت في وجهه مثلما تتذكرون الصراخ بالصور الكاريكاتورية يا سادة ، حالما يصبح الفم في الوجه يتسع لادخال الحذاء و الانف يتطاير دخال كماهو حال الثور الهائج و هكذا هي الصورة و انا متأكد انها صارت اقرب الى أذهانكم .
- " إيه يا سيد تربى و شد الكرسي و ستنا "
- من حسن حظه أن الجمع الحاضر لم يكن فيهم ولا فردا خدمته في الشباك عدد 5 و كأنما الله جعل له نصيبا ليبدع بكلماته اللاذعة في و جهها ولو تسنى له ليركل مؤخرتها حتى لو اراد ، المهم أن يرد الدين .
بدأ جملته و هو هادئ تمام الهدوء :
" ٱحشم على روحك يا سيدة ، عيب توصل في روحك للتمرميد راك "
- " نعم بابا !! شكونك انت ، أخرج عليا . "
- " مش دار السيد الوالد أولا ، مش خارج وترص أخدم على رويحتك . "
- " ..... أخرج عليا "
- " هاني خارج ، اما مش راجع وحدي ، انا و عدل منفذ وقتها تعرف شنجم نعمل . باااااااي ".
قالها و قد كان جد واثق بأنها ستستوي ، هم بالتظاهر بالخروج فماهي الا خطوات و صوت السيد في الشباك المجاور - شكر الله سعيه - يناديه :
-" أيها السيد ! أيها السيد !!"
- " تفضل ماذ تريد "
- انت ماذ تريد ! "
- " لا شيى يا رجل ، فقط اليوم ستنعمون بقليل من الشقاء كما حال العمال تحت الشمس ، ودعو أجهزة الرفاه و المكيفات و الكراسي .
فقط إنتظر أجري مكالمتي " .
كانت المسكينة مثل الجارات في الشباك تزداد أذنها إقترابا نحو الفجوة شيئا فشيئا لتلذ مسامعها بما يحدث في الخارج . ولا أطيل عليكم لضيق نفسكم في القراءة ربما فمالبث أن أخذ السيد بيده يعده بقضاء شوره عربونا لطيب الخاطر كما يصفه .
دون أن يسأل عن المشكلة أكثر أخذ الملف وماهي الا دقائق ليقدم له بطاقة العلاج جديدة و فمه يكاد يتمزق من الابتسام .
شكر له صنيعه ولم يرغب في مزيد من المشاكل خوفا من إنكشاف أمره ، لكنه أعطاها ما تبقى في قلبه من غيض :
" عجبا كيف تم إنتدابك و أنت لا تجيدين الكتابة بشكل صحيح ، أنت لا تصلحين حتى لتنظيف المكان " .
أنهى بذلك حربا دامية و ٱنصرف دون أن يترك لها فرصة الرد --- هذا ولا يخفي عليكم أنه يحترم شديد الاحترام عمال النظافة ، فهو نفسه من ذات طبقة هؤلاء المسحوقين المناضلين --- .
وما لبث أن و طأت ساقه العتبة الا و تراءت له الإحتفالات و تهان بأن حلت مشكلته ، نسوة يرقصن و شباب يصفق و أهازيج الغناء و المرح تعم المكان و سادة يحملونه على الكتف ثم يرمى به علوا تارة ليسقط بين الاذرع و تعاد الحركة كما تخيلتموها ، الكل من أجل خلاص مأزقه مع السيدة الموظفة .
انطلق سريعا ليعود أدراجه فقد دقت ساعة العملية الجراحية التي سيجريها أخاه . أنهكه صعود قمم المكان و صولا الى المستشفى فما هي دقائق تفصله عن الموعد ، وصل أخيرا حيث إبتغى ، لم يكن يعرف كيف و صل لكنه وصل بتلك السرعة ، كل ما يعرفه أن سر سرعة الوصول نتاجا لكونه حذف من يومه الكثير من الاحداث التي لم يدونها لحضرتك سيدي القارئ خشية ضيق نفسك لإكمال القراءة .
اتجه صوب القسم اينما ترك الاخ المصاب ، سلم ما طلبته إدارة المعهد المستشفى و جلس ينتظر خروج أخيه ، طالت ساعات الإنتظار و أصابه الضجر ، فراح يبحث عما يكسر به نسق الروتين ليجد نفسه يدون لكم أحداث يومه بقلم صار يمل حبره هو الأخير مثلما يمل صاحبه القلم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما


.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا




.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما


.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في




.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة