الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأدب السوداني : العملاق القادم على مهل

جميل فتحي الهمامي

2017 / 9 / 19
الادب والفن


إنّ المتمعن في خريطة الأدب العربي ، سيفاجا بوجود نتاجات أدبية ، أقل ما يقال عنها انّها تستحق الوقوف عندها لما تحمله من روح انثروبولوجية و استيتيقية هامّة . و في هذا الإطار يندرج الادب السوداني ، الذي لم يلق للأسف حظّه في الوسط الادبي العربي باستثناء الطيب صالح و محمد الفيتوري. لكن هناك أسماء كبيرة أيضا ، جاد بها القلم الأدبي في السودان ، لكن دون ان تلقى الاهتمام اللازم. لعلّ اهم أسباب هذا الاجحاف بحقّ الأدب السوداني هو عدم وصول الكتاب السوداني الى القراء والنقاد عموما ، وهذا يرجع لصعوبة نشر الكتاب السودانيين لنتاجاتهم , كما أنّ للتغيرات الاجتماعية والسياسية الأثر الواضح في ذلك. فالاضطرابات الكثيرة هناك ، و كثيرا كنّا نسمع عن تصاعد للتوتّر في عديد المناطق. وهناك سبب ثان ، يتحمّل مسءوليته الكتاب السودانيين والقراء والنقاد العرب على حدّ السواء ، فقد تم الاكتفاء باسم الطيب صالح و محمد الفيتوري ، لكن من ينظر الى قاعدة البيانات الادبية و الإبداعية في السودان الشقيق ، و يتوقف عندها سيعثر على أسماء و أعمال لها وزن انطولوجي مهم جدّا ، و نذكر على سبيل الذكر لا الحصر : ابراهيم اسحاق ، محمود مدني ، عيسى الحلو ، مختار عجوبة ، علي المك ، بشرى الفاضل ، عبدالعزيز بركة ساكن... و من الشعراء ، هناك أسماء لافتة من المجذوب الى محمد أحمد عبد الحي حتى الجيل الجديد مثل عاطف خيري ، و في معرض حديثنا عن الأدب السوداني ، لا يختلف اثنان في كون هذا الادب سيظل نافذة مفتوحة في ثقافتنا العربية. و تاريخيا فإنّ الأدب السودانى لم يكن مباعدا عن الشعر العربى فى البلاد العربيه خارج السودان و خاصة في شبه الجزيرة العربية ، بل كان مواكباً فى جميع أطواره و هنالك مخطوطات تحوى شعراً من نظم شعراء العاشر من محرّم ( عاشوراء ) فى مملكة الفونج التى تأسست فى أول القرن العاشر الهجرى وأول القرن السادس الميلادى حين تغلبت الفونج على دولة النوبه اللأرثوذكسية التى كانت عاصمتها سوبا ، كما انّ أصل الفونج عرب و الدليل على ذلك انه لما أراد السلطان سليم العثمانى الزحف على سنار بعد أمتلاكه سواكن ومصوع على البحر الاحمر ودخوله الحبشه خاطب عمارة دنقس أول ملوك الفونج يدعوه الى الطاعه فاجابه عمارة بقوله : و لا اعلم ما الذى يحملك على حربى و امتلاك بلادى ، إذا كان لأجل تاييد دين الاسلام فأنا و أهل مملكلتى مسلمون ندين بدين رسول الله و إن كان الغرض مادى فأعلم إن أكثر أهل مملكتى عرب باديه وقدهاجروا الى هذه اللبلاد فى طلب الرزق ولاشى عندهم تجمع منه جزيه سنويه . و لقد عنى ملوك الفونج عنايه خاصه بالاسلام واللغة العربيه . هناك أختلاف حول الشعر السودانى فى هذا العهد أكد بعضهم انه كان بالفصحى وكان أمتداد للفصحى فى جميع مراحلها وبعضهم يقول بأن هذا الشعر بدا عاميا للتعبير عن حاجات النفس و ارتباطها بالغناء بالاضافة الى شعر يمدح النبى محمد. و لعلّ كتاب طبقات ود ضيف الله خير دليل على ذلك لاحتوائه على انماط كثيرة من هذا الشعر ، حيث يدور اساساً حول عنصري المدح والرثاء و خاصة حول بعض التهويمات الصوفيه. و امتدادا لتاريخ الأدب السوداني ، نشير من زاوية اخرى لعصر النهضة الادبي الذي رقن معالم الامتداد الفكري في السودان. و لعل من أبرز أسباب النهضة الادبية السودانية ، بداية التعليم و إنشاء كلية غردون التي أتاحت لطلابها دراسة اللغة الأنكليزية ، و قيام المعهد العلمي بتهيئة الدارسين لمعرفة اللغة والفقه والشريعة الإسلامية ، ثم صدور الصحف والمجلات ، التي كان أهمها مجلة النهضة التي صدرت عام 1931 ، و يحرّرها محمد عباس أبوالريش ، ثم جاءت من بعدها مجلة الفجر عام 1934، والتي كان يقوم بتحريرها عرفات محمد عبدالله. كما تجدر الإشارة إلى عديد المنجزات في فترة الثلاثينات ، لأهمية هذه الفترة الزمنية من تاريخ السودان ، بما اتّسمت به إرهاصات النهضة الحاضرة ، بجميع مظاهرها من أدبي واجتماعي وتاريخي وسياسي وفلسفي... حيث أدرك أبناء هذا الجيل بعد تجربة ثورة 1924 ، أن الحركة القومية السياسية تحتاج لكي تنمو وتشتدّ إلى ثقافة حقّة ، مدركين أن الإطلاع والدراسة هما أفضل السّبل لنيلها كما يقول محمد أحمد محجوب في مقالته يومها " نحو الغد".
لكن الشعر و القصّة داخل البيت الادبي السوداني لم تكن بنفس حجم تأثيث الرواية لهذا البيت ، فالرواية السودانية يمكن حصرها في مراحل ما قبل الاستقلال وما بعده . ناهيك أنّ التجارب الروائية قد نهلت تقريبا من جميع المدارس الأدبية ، فقد أخذت بالمدرسة التقليدية والحديثة والتجريبية في سرد متكامل كلاسيكي و شبه حداثي ثمّ حداثي و ما بعد حداثي خاصّة مع " بركة ساكن ". كما شمل الشكل الروائي لتعدد الأصوات و تبنّي الموقف السردي الدرامي و التراجيدي من جهة و الخطاب العبثي و الكوميدي من جهة اخرى. اضافىة إلى ما عملت عليه الرواية السودانية من مناقشة العوامل الاجتماعية و المتغيرات السياسية و الاقتصادية... و المدقّق في جلّ الاعمال الادبية السودانية ، سليحظ حضور المكان و الجغرافيا في صورة شبه مقدّسة ، فكان الشمال في البنية السردية يقارب الجنوب ، و روح الجنوب تحلّ في العقل الجمعي للشمال ، و كانت الصورة الأشمل في الذاكرة الجماعية للحروب الاهلية التي تداخل فيها أهل الشمال و اهل الجنوبب. و نذكر مثلا رواية "مندكرو" لمروان حامد الرشيد ، و" آخر أيام شاب جنوبي" للروائي والقاص أمير صالح جبريل... دون ان نفشي سرّا حين نقول أنّ رواية "مندكرو" مثلا قد كتبت بانحياز مفضوح للجنوبيين ، و صورتهم كضحايا لقهر الشمال ، لكن في الوقت ذاته حملت رؤيا اشبه بالرؤية تصرّ على أن الجنوب والشمال سيندمجان ويتوحدان كوجدان واحد. أما في حضور قطب الرواية السودانية و العربية عموما صاحب موسم الهجرة إلى الشمال ، فالخطاب الملهم في قراءة اللموقف النقدي له أثره في توصيل الثقافة السودانية بكل خصوصيتها و تفردها في العالم العربي من خلال هذا الالهام ، حيث أطلّ علينا صالح بصورة جديدة تسعى إلى سبر غور ما حمله موسم الهجرة من نماذج تعتمد على التحليل العلمي و النفسي و النظرة التواصلية الشاملة. من جانب آخر و غير بعيد عن طريق صالح ، شقّ سرد إبراهيم إسحاق طريقا موازيا نحو صرح الابداع السوداني ، عبر ما قام به في معالجة لبيئته و لغته العامية التي يتحدثها سكان إقليم دارفور جنوب السودان. و نفرد هنا ما ذهب إليه الناقد مجذوب عيدروس في تناوله لإبراهيم إسحاق حيث أوضح أنّ اسحاق استفاد من مخزونه الهائل من الحكايات الشعبية و خلط التراث مع المادة التاريخية و منجزات الرواية الأوروبية... كما أنه حاول عبر ذلك المزج في رواياته أن يبلغ ذرى الرواية العالمية في نماذجها الأثيرة عند فولكنر وشولوخوف وجيمس جويس و غيرهم...
أما في خانة السرد النسوي في الأدب السوداني ، فقد اقتصر دوره تقريبا في وضع المرأة السودانية في مسارها الإبداعي ضمن كوكبة الرائدات العربيات الحداثويات اللواتي تناولن المسكوت عنه في المجتمعات العربية المحافظة ، على غرار " ملكة الدار محمد " كإحدى رائدة الكتابة النسائية و السردية في السودان ، و " بثينة خضر مكي " في مقاربتها السردية لمعالجة القضايا الاجتماعية الطارئة دون ان نغفل انحيازها التام إلى المرأة مع محاولة وضع الرجل في موضعه الذكوري المشرقي ، في صورة الظالم و وضع المرأة في صورة الضحية لهذ المجتمع الذكوري.
ختاما ، نستخلص في النهاية أن الأدب السوداني عموما ، ظلّ منذ بدايته يرصد و يوثق التحولات الاجتماعية و الثقافية في السودان ، لكن هذا لن يمنعه من كونه عملاقا قادم على مهل... لهذا نقوا انتظروا هذا العملاق الذي يغيّر وجه الادب كما فعل الادب الروسي يوما ما ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن