الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأزق الاستفتاء

خالد صبيح

2017 / 9 / 19
مواضيع وابحاث سياسية



إصرار حكومة إقليم كردستان على إقامة الإستفتاء، رغم إعتراضات وتحفظات داخلية، من الإقليم والمركز، ومن قوى إقليمية ودولية، وإتبّاعها لغة تصعيدية إستفزازية، من قبل ساسة ومسؤولين أكراد، وعلى أعلى المستويات ( ربما يلخصها جميعا تصريح البارزاني حين قال: قراراتهم لن تصل الى كردستان، فلايتعبوا انفسهم)، يبدو وكأنه تلويح صريح بالحرب، والحروب الخارجية، كما تدلل تجارب التاريخ، تُشن، أو يلوح بها، غالبا، لأسباب داخلية. والأسباب الداخلية للتلويح بالحرب في إقليم كردستان معروفة ومعلنة، فالسيد مسعود البارزاني رئيس الاقليم، هو الآن، بموجب القانون والتوافقات السياسية (المحاصصاتية)، ومنذ عامين، رئيس غير شرعي للإقليم، والبرلمان المعطل، بقرار تعسفي وقمعي منه، عاجز عن لعب دوره السياسي والتشريعي، ناهيك عن صدقية تمثيله النيابي، وقد ضاعف هذه الأزمة و غذاها توتر العلاقة بين الإقليم والمركز، الذي أضاف للأزمة جانبها الاقتصادي المحرج، (بامتناع المركز بمد الاقليم بحصته من الميزانية العامة على خلفية تجاوز الاقليم وانفراده بتصدير النفط) والتي غدت بعد سلسلة من التجاوزات المتبادلة علاقة محتقنة لا افق لحل إشكالاتها.

لهذا وغيره وجدت سلطة الإقليم، وأحزابها السياسية، أنها بحاجة الى التلويح بحرب قومية ( الجميع عاجز عن خوضها) تحتاجها للملمة صفوفها وإعادة ترتيب بيتها الداخلي الذي فككه أسلوبها في إدارة الاقليم التي اتسمت بالفساد وانعدام الكفاءة والاستئثار والتفرد.

ولأن اقليم كردستان يقع في منطقة ملتهبة وقلقة، صار أمر إنفصاله، ومجمل مساره السياسي، مرتبطا بالمتغيرات السياسية في المنطقة، وبتقاطع الاجندة فيها، ما يجعل اشكالاته الداخلية اشكالات مركبة. تتداخل وتتقاطع فيها النزعات الفردية بالمبادئ، والمطامح بالممكنات، والحاجات الداخلية بالمتطلبات الاقليمية او الدولية.

هذا الواقع القى بثقل خاص على شخص مسعود البارزاني، واوقعه في مأزق، فإذا كان الواقع السياسي، بتفاصيله وتحولاته، يحتمل فسحة من الوقت تسمح بتاجيل إعلان الإستقلال، وقبله الإستفتاء، فان وقت مسعود ضيق للغاية. فتقدم الرجل بالسن يجعله يهجس بما يمكن ان يعرقل طموحه المتزايد لزعامة تاريخية، بذل جهودا كبيرة لبناء هالتها، مستعينا بممكنات الاقليم المادية، وبفنون السياسة، و بإرث شخصي وعائلي وشعبي، منح اسرته البارزانية امتيازات مادية ومعنوية كبيرة، قد تتبدد اذا لم يوظفها بانجاز تاريخي يحقق له ولها ما يخلد اسميهما. فبعده لن تكون للاسرة البارزانية القيمة المعنوية ولا المادية التي لها الان، بسبب تلوثها بمفاسد الحكم، وايضا لعدم وجود شخصية فيها ذات كاريزما اجتماعية وسياسية كالتي استطاع هو، او قل حالفه حظه، على تحقيقها.

من هنا تبدو مسالة الاستفتاء واستقلال الاقليم مسالة مصيرية لمسعود البارزاني وللأسرة البارزانية، فتقدم مسعود بالسن، معطوفا على قلق مركزه السياسي، وتآكل شرعية بقاءه رئيسا للإقليم يجعلانه يتسابق مع الزمن، ويواجه بشراسة، وبشيء من ألفظاظة، استحقاقات قومية يعرف قبل غيره أن تحقيقها، بالشكل الذي يلبي المطامح القومية الحقيقية للشعب الكردي، يتطلب، فيما يتطلبه، اجواء ايجابية هادئة، وهي مايفتقده الواقع السياسي، العراقي والاقليمي، في الوقت الراهن.

لهذا فان أزمة مسعود تبدو أزمة مركبة، والحلول أمامه أحلاها مرٌ، فهو مخيّر بين أن يتحدى الإرادات الدولية والإقليمية ( تركيا وايران) التي يؤدي تحديها الى مايشبه الإنتحار، انتحار له وللشعب الكردي، ويمضي قدما بمشروعه للانفصال،أو أنه يرضخ لهذه الضغوطات والمطالب ويخسر الداخل ومكانته فيه، بل ربما كل تاريخه وتاريخ أسرته، وهذا انتحار له وللأسرة.


وبما أن هذين الخيارين مكلفان للغاية له فلم يتبقى امامه، منطقيا، سوى حل وسط توفيقي واحد، هو أن يقيم الاستفتاء في داخل مناطق "الخط الأزرق"، بعيدا عن المناطق المتنازع عليها تجنبا للتوترات، مع حصوله على فسحة من الزمن، على الاقل سنتين، يبقى فيها رئيسا للاقليم و (زعيما قوميا لشعبه) قد يستطيع خلالها أن يعيد ترتيب اوراقه ويعيد رهاناته من جديد في وقت أنسب. لكن ليس دون تحقيق بعض المكاسب المادية بفرض شروطه او بعض منها، والتي تبدو تعجيزية، على حكومة المركز، (منها تسديد المركز حصة الاقليم من الميزانية الاتحادية المتوقفة منذ سنوات)، بمساعدة وضغط امريكيين، وهذا امر ممكن بحكم ارتهان حكومة المركز للإرادة الأمريكية.

هذا هو حل الازمة كما يبدو في الأفق، وكما تؤشر عليه التحركات والضغوط الدولية والإقليمية الان.

غير أن هذا الحل، إن وقع، سيعيد إنتاج أزمة مسعود الشخصية والسياسية، ويرجعها الى نقطة الصفر. فهو، في هذا الحل، ومهما يحقق فيه من نتائج كبيرة، لن يبلغ مايطمح اليه شخصيا. فأمله في تحقيق خلود تاريخي لشخصه ولأسرته مايزال مرتهنا، في هذه الحالة، للغيب، وما تزال مطامحه بعيدة عن التحقق، الامر الذي يمكن أن يغريه بالإقدام على مقامرة يمكن أن توصله لأحد مصيرين يفضلهما الكثير من (الزعماء)؛ وهما الشهادة أو الانتصار. الشهادة، حين يختار المضي بمشروعه الى النهاية، ما يمكن ان يؤدي بمصيره ومصير شعب كردستان الى الخراب، وعندها يكسب شفقة التاريخ وعطف شعبه حينما يغدو بطلا قوميا مخذولا ومهزوما، وهو مصير أكثر جاذبية وألقاً من مصير سياسي ينجح في كسب المصالح، الذي قد يحققه له الانتصار السياسي في الازمة، والذي سيبقى، مهما كبر، مفتقدا لنكهة خلود الابطال القوميين.

صحيح ان الحرب التي لوّح بها الساسة الكرد لا يقوى أي من أطرافها المحليين على خوضها الآن، لكن في نفس الوقت قد لا يستطيع أحد إسكات طبولها، ولا إرجاع ماردها، الذي أطلقته صيحات الكراهية التي شوشت الرؤية، إلى قمقمه، في لحظة تداخلت فيها السياسة بالمبادئ وامتزجت فيها مطامح مسعود البارزاني الشخصية بتطلعات الشعب الكردي القومية.

وعندها سوف تشتعل على خلفية المشهد بانوراما خراب كبيرة ستجلب الألم والمعاناة للجميع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر