الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللغة المتألقة في -ومضات- خلود نزال

رائد الحواري

2017 / 9 / 21
الادب والفن


اللغة المتألقة في
"ومضات"
خلود نزال
العصر يفرض ذاته علينا، ولهذا نجد البعض استطاع أن يتكيف معه، وينتج ادبا يناسب هذا الزمن، عصر السرعة والنت، فليس من السهل ان نقدم فكرة بلغة متألقة وبأسلوب جميل، فهذا الشكل من الكتابة هو الأصعب، ولا يستطع أي كاتب/ة أن يتقنه إلا إذا كان عنده القدرة على التكثيف والاختزال واللغة التي يستطيع تطويعها ليقدم لنا هذه الومضات المتألقة.
ما يميز هذه الومضات أن لغتها متألقة، وفيها صور جمالية أخاذة، كما هو الحال في هذه الومضات:
"كلما فكرت بك
أمطر في خافقي الياسمين"
حين أراك تتساقط الأحزان من صدري
ولا أرى إلا جميل عمري"
"تغيب فيحضرني طيفك
وتحضر فتغيب كل الأشياء دونك"
"حين تغيب الشمس
يحمر الكون خجلا
من بهاء ليلك"
اعتقد أن مثل هذه الصور تنم على احساس مرهف ومشاعر إنسانية نبيلة، وهو تؤكد الحالة الطبيعية بين الرجل والمرأة وعلى حيوية هذه العلاقة الإنسانية، وإذا ما توقفنا عند الومضة الأولى نجد أن العلاقة الإنسانية تنعكس على الطبيعة، بحيث نجد السماء تمطر، وهذا الصورة تشير إلى أن الطبيعة حاضرة في وجدان الكاتبة، لهذا نجد هذا الترابط بين مشاعرها المنتشة والطبيعة الحبلى بالمطر، ونجد في الومضة الأخيرة صورة من اجمل الصور، حيث جمعت بين غروب الشمس وأثر هذا الغياب على الأرض من خلال ربطه برجلها الذي تحب.
صوت الأنثى حاضر في اكثر من مقطع في هذه الومضات، والمقصود في صوت الأنثى، اللغة، الألفاظ الناعمة التي تعكس طبيعتها الناعمة، وعطاءها الذي لا ينضب:
"لأنك احتللت كل مساحات قلبي
فتحت باب القفص
وأطلقت العصافير"
فطبيعة الأنثى كطبيعة الأرض، كلتاهما تأخذان صفة الضم/الاحتواء، لكن هذا الاحتواء لا يشكل للمحتوي/للمضموم ضيق، لان هناك منفذ/مخرج أخر تقوم بإحداثه المرأة/الأرض لهذا نجد المرأة تفتح النافذة، والأرض تفتح ازهارها، لتخرج ثمار مفيدة، وجمال آخر جديد.
الوحدة والاغتراب حالة تلازم كافة الادباء وهي باعتقادي المحفز على اخراج هذا الابداع لنا، فنكاد لا نجد كاتب يمر بوضع طبيعي، أو يعيش حالة سوية، فهناك ضغوط اجتماعية/اقتصادية/سياسية تجعله في حالة الارتباك والاضطراب، لهذا هناك ميل عند غالبية الادباء نحو العزلة، "خلود نزال" تؤكد على هذه الحالة من خلال ما قدمته لنا:
"أكاد اشعر بالأرضية تأكل منسأتي
وأنا لا زلت على حالي انتظر"
"في كل يوم أودعك
ثم يبدأ الموت
ويبقى الحنين"
"ايها الغد تمهل
ثمة من يعدون حقائبهم للرحيل
فلا تتعجل"
هذا الألم الإنساني يؤكد حالة عدم الرضا عن الواقع، وكأن هناك هوة عميقة بين الكاتبة والواقع، ففي الومضة الأولى تصف ذاتها كالجثة المتحللة، وفي الثانية نجد القنوط من الواقع، بحيث استخدمت لفظ "الموت" ليعطي معنى أبعد/أعمق لما تعشر به، وفي الومضة الثالثة نجد الرحيل وما يصاحبه من حزن وألم.
ضمن هذه الواحدة لا بد أن يكون هناك مواجهة، فلا يعقل أن نتلقى هذا الألم ونعيش في هذا الواقع دون أن نبدي شيء من ردة الفعل، فالصراع حالة طبيعة عند الإنسان، فالأنثى كالأرض تصارع الجفاف وتعمل على تقديم ثمارها المادية كغذاء للإنسان، وجمالها الطبيعي (الخضرة) كغذاء روحي:
"كلما حاولت أن استبقيك
عاتبتي الذاكرة"
كخيط رفيع يفصل بين
الليل والنهار
حكايتي معك"
"كالماء العذب أستحيل ثلجا
إذا ما لامستني برودة الجفاء"
"نعق الغراب في الحديقة
فاختجلت الوردة المبللة بالندى
وغادرت الفراشة الحلم"
في الومضة الأولى نجد الصراع بين الاستبقاء والماضي/الذاكرة، وفي الثانية نجد لفظ "الليل والنهار" وهما يشيران إلى حالة الصراع السرمدي الذي لا ولن ينتهي، وفي الثالثة نجد الماء العذب الذي يتحول إلى جليد لا يمكن الاستفادة منه، وفي الرابعة نجد الفرق بين نعيق الغراب ومغادرة الفراشة.
لا يمكن أن نكون/نحيا بدون الأمل، حتى في امحك الظروف لا بد أن يكون الأمل حاضرا فينا، وإلا ما المبرر لوجودنا في الحياة، والتشبث بها بهذا الشكل؟، هناك العديد من المقاطع حملت لنا الأمل، المستقبل بصورة جميلة، منها:
"أفترش أحلامي كل ليلة في العراء
علها تزهر تحت وسادتي ذات صباح
عقد ياسمين"
"كلما فكرت بك
أمطرت في خافقي الياسمين"
ما زلت احلم بغد القاك فيه
فيزهر الياسمين"
في الومضات الثلاثة نجد لفظ الياسمين، وكلها جاءت تحمل معنى الأمل، وهذا اللفظ "الياسمين" يشير إلى أن العقل الباطن عند الكاتبة يحمل الجمال الأبيض والرائحة الزكية، فهي تتغذى بهذا الأمل/الطبيعة التي ستمدها بعناصر القوة الروحية، الجمال والرائحة الزكية.
وهناك ايحاءات قدمتها لنا "خلود نزال" تتحدث فيها أمل، وهي من أرقى وأجمل ما جاء في هذه الومضات:
"هبت الريح فبكت غيمة
وارتعشت الشجرة، فازهر النوار"

"حين بكت امطر الزيتون لؤلؤا
فتقطعت نياط الشوق
وسال الحنين في الأودية"
في الومضة الاولى نجد ان الإزهار يأتي بعد العاصفة/المشقة، وفي الثانية نجد الربط بين بكاءها وما يخرجه الزيتون من زيت.
نجد في هذه الومضات بعدا فلسفيا، فنجد حالة الوقت وكيف يبدو لنا ونحن في حالة الانتظار/الشوق للقاء الاحبة:
"الساعة العاشرة بتوقيت قلبي
السادسة على الحائط"
ونجدها تطرح علينا سؤال إنساني:
"أيهما الأصعب قل لي؟
أتراه الاشتياق؟ أم ألم الفراق؟"
لهذا نقول ان هذه الومضات جميلة ومتألقة، وتقرأ أكثر من مرة، فلإضافة الأخرى التي تضاف إلى هذه الومضات هي المتعة المتجددة التي نحصل عليها كلما قرأنها أكثر، فهي كالأغنية الجميلة، كما استمعنا إليها أكثر نزداد حبا لها، ونأخذ في ترديدها، هذا ما تفعله بنا هذه الومضات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ


.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني




.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق


.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع




.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر