الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيوعية بطبعتها المعادية لوحدة العراق

عبدالامير الركابي

2017 / 9 / 22
مواضيع وابحاث سياسية



عام 1964، دخلت الحركة الشيوعية طور الافتراق عن الوطنية العراقية، قبل ان تشرع بسلوك طريق التصادم معها، جرى وقتها استغلال ظرف كارثي، فخطف الحزب، ليصبح ذلك من قبيل استكمال حملة التصفية التي شنها عليه البعث والقوى الحليفة له، قبل ذلك بسنة، وهو ماسيستمر كنهج تصفوي استكمالي، من داخل صفوف الحزب، تدرج ليصل لحد ارتكاب عملية اقصاء جماعي داخلية، مقاربة، ان لم تكن اخطر، واكثر فاعلية من عملية 8 شباط 1963 البعثية الدموية، ففي المؤتمر الرابع عام 1985 تم الاجهاز على الحزب الشيوعي العراقي كليا، وكرس نمط حزبي آخر، له محركات ودوافع واليات عمل، مختلفة تماما، تقف خلفها بواعث مختلفة عن تلك التي تاسس عليها، وظلت تحكمه عند ارساء مرتكزاته الاولى،خلال ثلاثة عقود من تاريخه بين 1934 حتى 1964.
واهم ماقد طرا وقتها من تغيير جوهري على بنية الحزب، تحوله من حزب "وطني" متوافق بالحد الادنى، مع دفق واليات التشكل الوطني العراقي الحديث، الصاعد من اسفل، الى حزب تحركه دوافع جزئية، قومية، لها معطيات فعل متعارضه مع مقتضيات مواكبة عملية التشكل الوطني في طورها الثاني، اللاحق على قيام "الدولة الحديثة" البرانية، على يد الاحتلال الانكليزي، ويرجع لغلبة النزعة الايديلوجية النقلية، والاقحامية، وما كان يعرف بقواعد النظرية الماركسية في العشرينات والثلاثينات، واحلالها محل اليات الواقع المستعصي على التفسير من قبل النخبة الحديثة الناشئة، المتواضعة والمحدودة القدرات، ماقد ساد من طغيان حالة من الابهام، والعمومية الاستيهامية، كانت قد رافقت مفهوم الحزب للوطنية، فاحلت سردية متخيلة للعراق ولالياته، تلغي العراق كبنبة وسيرورة وتاريخ وخاصيات، لصالح عراق مفبرك، مفتعل ومتخيل، يلغي كل ماقبل عام 1920 ، فيحيل "ظهور العراق الحديث" الى العامل الخارجي، ممثلا بالغرب وسوقه الراسمالية العالمية فقط لاغير، وهو تصور كرسه الاستشراق الاستعماري اصلا، وكان بطله الاول، ورائده، فيليب ويرلند، الضابط الملحق بالحملة البريطانية.
ولم تكن الظاهرة الآنفة، بقدر ما تعكس سوء حظ النخب الحديثة وقتها، عارضة او ثانوية، حتى بالمقارنه مع مايماثلهها، ويذكر بها، من حالات قريبة، او معروفة على نطاق واسع، في العالم المسمى بالثالث، فالعراق يتمتع بفرادة، تجعل منه موقع فاعلية وابداعية حضارية وتاريخية كونية، وهذه الناحية بالذات، هي ماكان وراء عجز النخب الحديثة المضاعف، بمواجهتها لخاصياته ومميزات بنيته، وهي في الوقت ذاته، السبب الرئيس في تبرير حضور هذه القوى، واكتسابها وزنا في الحياة السياسية والمجتمعية والثقافية العامة، ماقد اغراها خلال فترات طويلة، وعزز لديها الاعتقاد الوهمي، بانها وماتتبناه، وتحمله من افكار مستعارة، مقحمة على الواقع، هي بالاحرى، الحقيقة التي يؤيدها الواقع ومجراه، فكان شخص مثل ( يوسف سلمان يوسف) مؤسس الحزب الشيوعي العراقي، لايتورع عن التحدث بحماس كاريكاتيري، مسبغا على ظواهر انية لها طابع شخصي، صفات ونعوت ذات طابع طبقي قاطع مثير للضحك.
وفي كيان منشطرمجتمعيا، ومزدوج من نمطين اجتماعيين تاريخيين، مقابلين، ومناظرين لمجتمع الاننشطار الطبقي الاوربي: "مجتمع لادولة"، ومجتمع " دولة قاهرة تمايزية"، تجلت في العصر الحديث، ومع حضور الغرب الاستعماري المباشر، بعد منتصف العقد الثاني من القرن العشرين، نفس المظاهر التاريخية الانقسامية المجتمعية المتكررة في تاريخ العراق الطويل، بالاخص بعد ثورة "مجتمع اللادولة" في حزيران 1920، واضطرار الاستعمار الانكليزي لاعتماد مبدأ استعماري جديد، يلغي تاريخيا ركائز"الاستعمار الكولونيالي"، كبديل عن الانسحاب، وهو ماكان فكر به المستعمرون جديا، قبل ان يهتدوا لصيغة "الحكم من وراء ستار"، التي هي باكورة ماصار يطلق عليه لاحقا بعد الخمسينات، وابان الستينات، ب "الاستعمار الجديد".
ومع نبذهم النظرية الاستعمارية الهندية المتغطرسة، وهي ماقد جاءوا معبأين به، ويعتمدونه يوم وصولهم الى العراق، مضمرين جعل ارض مابين النهرين، جزءا من ممتلكات التاج البريطاني، كما الحال مع الهند. ذهب المحتلون على تدعيم سياستهم المرتكزه لابتداع حكم محلي، بسلاح اخطر، واكثر فعالية من المدافع والطائرات، يتركز على تخريب العلاقات المجتمعية الريفية، المشاعية التاريخية المحاربة، باعتمادهم قانون الملكية، وتسوية الارض عام 1932 سلاحا، اعتبروه الامضى لخلخلة واختراق البنية المجتمعية لعدوهم اللدود، "مجتمع اللادولة" التاريخي الاسفل.
وبهذا كان وصول الغرب الاستعماي المباشر، قد خضع فورا ومباشرة، لقوة فعل الاليات الوطنية التاريخية العراقية، ورضخ لها، وبالاخص للازدواجية التاريخية المجتمعية، وفي حين اختار هو حيز"الدولة القاهرة"، وعمل على اسباغ خططة وانماط حداثته عليها، وجد "مجتمع اللادولة" الاسفل نفسه، امام تحد جديد، اقتضى منه مواجهة التغير النوعي الحديث، بانماط مقاومة من طبيعته، بغض النظر عن تطابقها مع كينونته التاريخية وبنيته، فمال من جهته بسرعة استثنائية الى تجديد وتغيير تمثيله، ونوع قيادته، التي لم يمر وقت طويل على تصدرها زعامة ثورة 1920، وفي حين كان الحداثيون يتصورون مايجري نوعا من الصراع الطبقي، وينقلون انماط واليات نموذج اخرمختلف، كان الواقع الفعلي يقول، بان "مجتمع اللادولة" مايزال مستعدا، وقادرا على التاقلم مع شروط وظروف صعود الغرب وثورته الحديثة، وهيمنة نموذجه الحضاري، ومنهجياته، واستعماره.
ضمن مااقتضته محركات من هذا القبيل الاستثنائي مثلا، فشلت البدايات البغدادية، الساعية لاقامة حزب شيوعي، برغم اسبقيتها الزمنية، وارتفاع درجة نموها الاجتماعي والثقافي المفترض، ولم تتحقق الا في بؤرة التشكل الوطني، ومركز نمو اسس "مجتمع اللادولة" الحديث والتاريخي في "سومر الحديثة"/ الناصرية، جنوب العراق. ومنذ ذلك التاريخ حتى عام 1964 ، ظل الحزب متفاعلا مع نبض "مجتمع اللادولة" الجنوبي، بمواجهة الدولة التمايزية، الى ان اقتربت اسباب الانتقال، من صيغة الدولة القاهرة الاولى 1921/1958 الى الثانية 1968/2003 ، الحزبية العقائدية، الريعية النفطية العائلية. بعد ان استقرت القناعة دوليا، بأن "الحزب العقائدي الحديث"، هو الاداة المؤهلة في العراق حصرا ( بعد التحوير المناسب)، لضمان ادارة الوضع العراقي، وضمان خضوعه لمقتضيات واشتراطات النظام الدولي ابان الحقبة الدولية القطبية. وقتها اقتضت الضرورة الغربية القطبية، الاجهاز على الحزب الشيوعي بصيغته الاقرب للوطنية العراقية التي اسس عليها، مع استبعاد عمل البواعث والمحركات المسببة لتكريس حضوره، مثلما تمت اقلمة حزب البعث، ليكون قوة تصفية عائلية، مطابقة لاشتراطات استكمال تصفية"مجتمع اللادولة".
ومن يومها والحزب الشيوعي محكوم، اما لهدف ممارسة مهمة "بعثيي الجبال"، كما كانت مقرر بعد انقلاب 17 تموز1968 ،عبر التحالف مع البعث الحاكم، او التحضير، بعد فشل تلك المحاولة، لفك ارتباط الحزب بالمحركات الوطنية، وادراجه ضمن اليات الحركة القومية الكردية، ولمقتضيات والاشتراطات الموضوعية الكردية البحته. ان مسار الحزب، ومتغيرات دوره، تقتضي بحثا مطولا في تاريخ العراق الحديث، ليس هنا مجاله الذي يمكن ان يوفيه حقه، خاصة مع اعتماد المنهجية العراقية التاريخية، ووفق خاصيات منظور مجتمع الازدواج المجتمعي، وكيفيات تفاعله، واشكال تجلي ظواهره الحديثة، على ضوء المستجد الاوربي والاستعماري، والقطبي، خارج المنظور الايديلوجي، الميت. ذلك مع العلم ان متابعة خطية مستقيمه عامة، لمسارات حياة، ومتغيرات سير مايعرف بالحزب الشيوعي العراقي الاجمالية، كما هي متابعة هنا، لازمة كاطلالة اولية، لمن اراد ان يقارب خلفيات الموقف المتخذ من قبل الحزب الشيوعي اليوم، من قضية الاستفتاء البارزاني.
فالحزب الشيوعي الحالي، وموقفه، ليست الوطنية العراقية من بين محركاته الرئيسية، او ممايبلور رؤيته للقضايا المختلفة، ومنها المسالة الكردية بالذات، فهو مأخوذ عمليا بعامل ومحرك رئيسي، خلفياته كردية بحتة بالاجمال، سواء على المستوى السياسي، ناهيك عن ارتباطاته العملية والتمويلية، التي قد تكون حاسمة في ضمان بقائه على قيد الحياة، كجسم رسمي علني شكلي، وكقوة من قوى "العملية السياسية الطائفية المحاصصاتية" .
لكل هذه الاسباب، لايجب ان يستبعد احد ما هو حاصل، اذا وجد هذا الحزب بموقع الاستهانة بوحدة العراق، بغض النظر عما اذا كان هذا، ربما، هو الطريق الذي اختاره، او اختارته له الغائية التاريخية العليا، واردة الشعب العراقي، على طريق دفنه الوشيك تاريخيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجناح العسكري لحركة حماس يواصل التصعيد ضد الأردن


.. وزير الدفاع الروسي يتوعد بضرب إمدادات الأسلحة الغربية في أوك




.. انتشال جثث 35 شهيدا من المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر في خان


.. أثناء زيارته لـ-غازي عنتاب-.. استقبال رئيس ألمانيا بأعلام فل




.. تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254