الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشروع بيومى قنديل الفكرى

طلعت رضوان

2017 / 9 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



فى يوم 8/10/2017 تحل الذكرى الثامنة على رحيل الإنسان النبيل والمفكرالمتفرد الأستاذ بيومى قنديل (مواليد 1942) وهوصاحب مشروع فكرى يدورحول القومية المصرية، منذ الثمانينات من القرن العشرين بكتابه (حاضرالثقافة فى مصر) ورغم أنه وصف طه حسين بالرائد الكبير، فقد اختلف معه حيث لم يهتم بتعريف الثقافة القومية فى كتابه (مستقبل الثقافة فى مصر) أما الثقافة عند بيومى قنديل فهى تتأسس على مفهوم الثقافة القومية التى هى مجموع أنساق القيم التى أبدعها شعب من الشعوب عبرتاريخه الممتد، وليس لها علاقة بمفهوم الثقافة الأكاديمى. وأنّ ثقافتنا القومية انعكاس للحضارة الزراعية التى أنتجت أهم القوانين (الضمير) لذا فإنّ ما أبدعه جدودنا من فنون وآداب وعلوم، ماهوإلاّ أحد تجليات هذه الحضارة الزراعية. وهؤلاء الجدود هم أول من وضعوا أسس الحضارة الإنسانية، فبجانب علوم الطب والهندسة إلخ وضعوا الأساس العلمى للتقويم الشمسى الذى قسّم السنة إلى 12 شهرًا بمجموع 365 يومًا كضرورة حتمية تتفق مع مواعيد الزراعة، لذلك فإنّ الفلاح الأمى مايزال يحفظ شهورالسنة القبطية (= المصرية) لأنها الأدق لمعرفة بداية بذرالبذورومتى يكون جنى المحصول. وأشارإلى ما كتبه برستيد من أنّ يوليوس قيصرهوأول من أدخل التقويم المصرى امبراطوريته ثم عم استعماله العالم. وكما قدّم جدودنا أول تقويم علمى للعالم، قدّموا أول أبجدية. ونقل قنديل ما كتبه برستيد من أنّ المصريين القدماء اخترعوا أقدم نظام كتابى، مكنهم من السيطرة على طريق التقدم الطويل نحوالحضارة. ونقل ماكتبه اللغوى الكبير(سيمون بوتر) الذى كتب ((كافة الأبجديات فى العالم تنحدرعن أصل مشترك واحد، فهذه الأبجديات جميعًا أشتقت من الكتابة الصورية التى نشأتْ فى مصر)) وهى الحقيقة التى أكدها علماء متخصصون فى اللغويات والمصريات أمثال (جاردنر) ، (ديفيد مادلين) وآخرون.
وركــّـزعلى محورالتعددية التى ميّزت الثقافة المصرية، فتعدد الآلهة فى الأساطيرالمصرية، وتعدد الاحتفال بهم، ثم تبادل الاحتفال والاحتفاء، حيث كان أتباع (رع) يحتفلون مع أتباع (أوزير) وأتباع آمون يُقدّسون إيزيس إلخ، مثلما نشاهد احتفال القاهريين بالسيد البدوى واحتفال السكندريين بسيدى أبى الحجاج بالأقصر، واحتفال المصريين المسلمين بمولد السيدة العذراء ومولد سيدى ماربرسوم العريان بالمعصرة إلخ. تولد عن هذد التعددية قيمة الاعتراف بالآخروهى قيمة ماكان لها أنْ توجد فى ظل ثقافة التكفيرالتى إبتدعها أخناتون عندما نادى بإله واحد وألغى جميع الآلهة السابقة، وبالتالى كرّس فكرة الوحدانية التى انتقلتْ إلى الديانات السامية. وكتب أنّ الموسوية والمسيحية والإسلام ديانة واحدة، أطلق عليها الديانة الإبراهيمية ذات الشُعب الثلاث. وذكرأنّ الموالد تؤكد أنّ الثقافة المصرية ثقافة اتصال لا إنقطاع فكتب ((إذا كان المصريون ما يزالون- دون سائرشعوب المنطقة- يُقدّسون المرأة ويُسبغون على السيدة زينب صفات إيزيس إلاهتهم العظمى (أم العواجز، الطاهرة، رئيسة الديوان، الست) ويُضفون على شقيقها الحسين صفات أوزيرإمام الشهداء مفصول الرأس، فإنّ الاسم يكون قد تبدل ولكن الروح ظلت مصرية أصيلة)) وترتب على هذه التعددية عدة سمات (1) أنّ التسامح والوداعة من خصائص المجتمع المستقرالذى اكتشف الزراعة لأول مرة فى التاريخ، فأصبح لديه الاكتفاء الذاتى (2) أنّ التعددية جعلت هيرودوت يصف المصريين بأنهم ((أتقى شعوب العالم)) وبعده بعدة قرون يأتى سيجموند فرويد فيصف المصريين ب (الودعاء) بينما وصف الساميين ب ((الهمج الغلاظ)) (3) أنّ التعددية أقرّتْ المساواة التامة بين المرأة والرجل فى الحضارة المصرية، وأنّ وضعها الاجتماعى والإنسانى انحط بدرجة ملفتة للنظربعد الاحتلال الرومانى والعربى (4) تولد عن التعددية الشعوربالشفقة. فذكرما قصته عليه صديقة فلسطينية تعيش وتعمل فى مصرحيث دخل بيتها يهود مصريون والأدق مصريون يدينون بالديانة الموسوية للتفتيش عند الاجتياح الإسرائيلى لبلدها غزةعام 56 ودخول عراقيين يهود لبيت جارهم. وكانت الزميلة (الكاتبة الفلسطينية صاحبة الرواية) طفلة مدركة فى ذلك الوقت. وأنّ العراقيين اليهود ارتكبوا كافة الجرائم مع جارهم، فى حين أنّ المصريين اليهود لم يمسوا شعرة من رأسها ولاقشة من بيتها. بل إنّ أحدهم طمأنها وهدّأ آخر روع جدة عجوزضريرة همّتْ بالوقوف قائلا بلغته التى لاتُخطئها أذن فى المنطقة ((ماتخافى ش ياأمى.. خليكى زى ماإنتى)) كما أنّ المصريين اليهود حرصوا على وضع علامة على البيت من الخارج تـُـفيد أنه خضع للتفتيش، بينما لم يهتم العراقيون اليهود بوضع هذه العلامة، فكانت النتيجة أنّ بيت جارهم تعرّض للتفتيش أكثرمن مرة. وكان تعليق قنديل أنّ ((هؤلاء وأولئك يدينون بنفس الديانة ولكن سلوكهم اختلف لسبب أرجوأنْ يكون واضحًا)) بالطبع هويقصد الفارق الحضارى بين شعبيْن رغم اتحاد الديانة.
إمتد تأثيرالثقافة المصرية ليشمل طريقة تجويد القرآن فذكرأنّ الشيخ محمد رفعت الملقب بقيثارة السماء كان يُجوّد أويُغنى القرآن من مقام نهاوند- ألفا، والشيخ مصطفى إسماعيل من مقام بياتى النوا- صول، والشيخ عبدالباسط عبدالصمد من مقام صبا- النوا- صول والشيخ محمد صديق المنشاوى من مقام سيكا- للى إلخ.
وتفرّد قنديل بدفاعه عن الأميين المصريين لأنهم هم من حملوا مسئولية إتصال الثقافة المصرية من جيل إلى جيل، بينما وقف المتعلمون مع الاستعمارالأنجلوأميركى فى خندق واحد لتعريب مصر، أى لتعميق تخلفها بدلامن تمصيرالمنطقة. لأنّ المصرى الذى يخلو قاموس وجدانه وعقله من لغة تكفيرالآخرالمختلف، أكثرحضارة، وبالتالى أكثرإنسانية من المتعلم الكبير الذى سمح لضميره أنْ يترك للخبراء الأمريكان وضع مناهج التعليم للمصريين، من ذلك ما ورد فى كتاب الصف الثالث الاعدادى لعام 2000 إذْ على التلميذ أنْ يقرأ هذا السؤال ((ماهى عقوبة الكافر؟)) وبالطبع عليه أنْ يعرف إجابته. وتكون النتيجة تخريج ملايين الارهابيين الذين يقتلون كل مختلف مع معتقداتهم أوحتى نظرتهم لقيم المجتمع العصرى المدنى. وبالتالى فإنّ الأميين المصريين أفضل من المتعلمين الذين تتأسّس معرفتهم على العنف واستحلال أرواح وأموال كل مختلف مع أصوليتهم الدينية التى تُعارض وتُعادى آليات الدولة العصرية.
رأى قنديل أنّ خلاص مصرفى الاعتزازالقومى، فالإيرانيون قبلوا الإسلام ولكنهم رفضوا العروبة، لذلك نجدهم يعتزون ويتمسكون بلغتهم وأساطيرهم وأسماء آلهتهم، ويُطلقون أسماء أكاسرتهم على أطفالهم. وذكرأنّ حجة الإسلام حسين بهرازقال ((إيران أمى، أما الديانة المحمدية فزوجتى، قد أطلق هذه ولكننى لا أستطيع أنْ أطلق تلك)) وأيضًا الشعب الفنلندى الذى تحررمن سيطرة الثقافة واللغة السويدية، بفضل دورالمثقفين الذين بحثوا عن تراثهم القومى واستخرجوا منه الأساطيروالأغانى، ثم التفافهم حول مشروع القس ميخائيل أجريكولا الذى وضع أسس أبجدية فنلندية. ومثلما فعل الشعب الهندى الذى تمسك بثقافته القومية إزاء ثقافة المغول الغازية. ومثلما فعل الشعب الإسبانى العظيم عندما تحررمن الغزاة، سواء كانوا عربًا أومتعربين تحت قيادة ملكتهم العظيمة إيزابيلا الأولى.
وإذا كان طه حسين بدأ مشروعه بسؤال ((أمصرمن الشرق الثقافى أم من الغرب الثقافى؟)) فإنّ مشروع قنديل تأسس فى سؤال ((هل نحن المصريين عرب ؟)) فإذا كانت ثقافتنا زراعية أسّست الحضارة والتسامح، بينما ثقافة الساميين (عرب وعبريين) رعوية تأسستْ على الاعتداء واغتصاب حقوق وحريات وأوطان الآخرين، وإذا كانت الثقافة السائدة تُساند الثانية ضد الأولى، من هنا جاء الاختيارالدقيق لعنوان الكتاب (حاضرالثقافة فى مصر) أى إبرازوتجسيد المأساة التى يعيشها شعبنا، حيث تتصارع على أرضه وداخل عقله ثقافتان مختلفتان بل ومتناقضتان: ثقافة قومية (أى مصرية) وثقافة أجنبية (سامية) الأولى تتبدى فى التحضروالاستقراروالثانية رعوية تتبدى فى التخلف والغزو. وتساءل من سوف ينتصر: الزارع أم الراعى؟ واعتمد فى دفاعه على منهج علمى صارم وعلى وقائع التاريخ وما دوّنه المؤرخون العرب وعلى علمىْ المصريات واللغويات الذى قال عنه أنه أحد أرقى العلوم الإنسانية.
وعكس الجيل الرائد (سلامة موسى، طه حسين إلخ) الذى قاوم تعريب مصر، ولكنهم اتجهوا إلى البحرالأبيض المتوسط، فإنّ مصرعند قنديل ((بصفة أساسية إفريقية، والحضارة المصرية القديمة حضارة سوداء. والمصريون حاميون. حقًا تطوّروا وحقًا تأثروا، لكنهم استمروا مصريين. وماكانوا ليذوبوا بل ذوّبوا واستوعبوا ومصّروا. لسبب بسيط أنهم الأعظم حضارة. ولم يكن هوراس شاعرالرومان ومؤرخهم يكتب عبارة خلابة إذْ كتب Capti captivus cepurent (لقد أسرالمأسورون الآسرين) بل وضع قانونًا إنسانيًا، يصدق على اليونان والرومان مثلما يصدق على سائرالمتحضرين عندما يغزوهم الأقل منهم حضارة.
تبعًا لذلك رأى أنّ المصريين لن يُقيموا مصريتهم إلاّ إزاء العروبة التى تحاول منذ 14 قرنًا أنْ تسلب وتزور وتدمرالمصرية، بصفتها ((عقلا متعددًا ووجدانًا مرهفًا وروحًا عاشقة للحياة وضميرًا حيًا يُسعده أنْ يُعطى وأنْ يُبهج وأنْ يُضمد وأنْ يواسى. ولإقامة المصريين لمصريتهم ضرورة مزدوجة: أنْ يزدهروا وأنْ تزدهرالشعوب المتاخمة لهم. عوضًا عن أنْ يتخلفوا مع المتخلفين ويسيرالجميع فى طريق الاندثار. وهذا لن يتحقق إلاّ إذا ساهمنا فى تحريركافة القوميات والجماعات القومية فى منطقتنا كالمصريين والبربروالنوبيين والسيويين والبجاويين والأكراد، بل واليمنيين والحجازيين أنفسهم من وطأة (العروبة) تمامًا مثلما نأمل فى تجاوز الإسرائيليين لساميتهم، أى نقل الجميع إلى مرحلة أرقى، فالأرقى أكثرغيرية أى أكثرإنسانية، والمتخلف أشد ظلمًا وقهرًا واستبدادًا أى أبعد عن الإنسانية. وأنْ نسترشد بتجارب الشعوب التى نفضتْ عن كاهلها الثقافات الأجنبية الخانقة لثقافتها القومية.
كان الراحل الجليل إنسانًا نبيلا ومفكرًا متفردًا. ورغم أنّ كثيرين فى الثقافة المصرية السائدة اعترضوا على مشروعه الفكرى، إلا أنه لاتوجد دراسة علمية واحدة توضح أسباب هذا الاعتراض.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا


.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س




.. كل يوم - د. أحمد كريمة: انتحال صفة الإفتاء من قبل السلفيين و