الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا فشل الإسبان في تدبير اختلافهم الهوياتي؟

عبد الرزاق العساوي

2017 / 9 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


تعرف إسبانيا منذ أشهر حالة احتقان سياسي غير مسبوق بسبب الاستفتاء المنتظر في إقليم كاتالونيا يوم 1 أكتوبر 2017، ومع اقتراب الموعد المذكور يتزايد الضغط على الحكومة المركزية التي نجحت في كسب تأييد المحكمة الدستورية الإسبانية بحيث اعتبرت في 14 فبراير الماضي أن القرارين اللذين أصدرهما برلمان كتالونيا حول إجراء استفتاء بشأن الاستقلال غير شرعيين، وفي 4 أبريل الماضي قبلت المحكمة الدستورية الإسبانية شكوى الحكومة. غير أن قرار المحكمة الدستورية لم يثن الساسة الكتالونيين عن قرارهم، مما دفع الحكومة الإسبانية إلى شن حملة اعتقالات في صفوف مجموعة من السياسيين بالمنطقة.
ولا شك أن هذه الحملة تعيد إحياء ذاكرة الحرب الأهلية الاسبانية (1936م – 1939م) وفترة حكم الجنرال فرانكو( 1939م – 1975م) الذي نهج سياسية دكتاتورية بحيث قمع الهويات المحلية مثل هوية منطقة كطالونيا الممتدة عبر قرون، كما أدخل السلطة المركزية في حرب مسلحة مع جماعات انفصالية مثل منظمة "إيتا الباسكية". فهل سيشكل استفتاء كاتالونيا منعطفا جديدا في التاريخ الأوربي تعيد إحياء النزعة القومية لمناطق أوربا؟ وهل يمكن اعتبار المطالب الانفصالية لمناطق إسبانيا بداية نهاية لدولة لازالت لم تتصالح مع ماضيها ومتمسكة بإرث الفرانكوية، بحيث تعمل على فرض النظام المركزي بالقوة، على الرغم من اعتمادها على نظام لا مركزي شبه فيدرالي، يتيح للمقاطعات الذاتية الحكم انتخاب برلمانات جهوية وتنصيب حكومات جهوية وإدارات محلية مستقلة، مع الاعتراف بخصوصياتها الثقافية واللغوية؟
تشكل الأحداث الأخيرة امتداد لأزمة سياسية بنيوية تتمثل في هيمنة النخبة السياسية المحافظة على سلطة القرار على المستوى المركزي، بحيث لازالت هذه النخبة السياسية مؤمنة بالفرانكوية ومتمسكة بالنزعة السلطوية في تدبير أزماتها على غرار سنوات الستينات والسبعينات، وهي بذلك توجد خارج السياق الاجتماعي لإسبانيا، بعيدة كل البعض عن هموم الشباب الإسبان ومطالبه الاجتماعية. وقد ظهر ذلك بشكل واضح في الانتخابات التشريعية الأخيرة بحيث عجزت الأحزاب السياسية التقليدية عن تشكيل حكومة موحدة، بالمقابل برز حزب بوديموس كطرف جديد في اللعبة السياسية بإسبانيا بحكم استقطابه لفئة واسعة من المجتمع الإسباني خاصة فئة الشباب الباحثة عن التغيير.
من الواضح إذن عمق الهوة بين التيار الاجتماعي الإسباني والتفكير السياسي للنخبة الماسكة بزمام السلطة المركزية في مدريد، فقد فشلت هذه النخبة في بناء نموذج اقتصادي قوي يحقق العدالة المجالية بحيث يتم خلق مناطق اقتصادية قوية ومتكاملة ومتنافسة، وذلك تفاديا للوضعية الحالية التي تعرف هيمنة اقتصادية واضحة لمنطقة كاتالونيا على حساب باقي المناطق بحكم انخراطها المبكر في الثورة الصناعية وحركيتها التجارية وتوفرها على نخبة رأسمالية. غير أن هذه الحركية الاقتصادية تصطدم بارتفاع حجم الضرائب المفروضة على المنطقة، مما يخلق لدى الكاتالانيين نوعا من الغبن. وقد أبانت الأزمة الاقتصادية الدولية لسنة 2008 بوضوح فشل السياسة الاقتصادية المركزية المبنية على قطاعات السياحة والفلاحة وبعض الأنشطة الصناعية غير المتخصصة، بحيث ارتفعت نسبة البطالة بشكل كبير مقارنة بدول الاتحاد الأوربي كما عانت الدولة الإسبانية من تراجع مداخيلها المالية، وقد اعتمدت بشكل أساسي في تمويل خزينتها خلال هذه الفترة على الضرائب المفروضة على إقليم كاتالونيا الذي حافظ، إلى حد ما، على حركيته الاقتصادية مقارنة بباقي جهات إسبانيا.
كما فشلت السلطة المركزية في تدبير التنوع الهوياتي للمجتمع الإسباني، إذ لازال التفكير الكولونيالي حاضرا في مقاربة هذا الاختلاف، إذ تعمل النخبة الماسكة بزمام الأمور على تغذية الاختلاف وتحويله إلى خلاف وصراع وتعصب. فقد حاول الدولة الإسبانية تحويل الصراع والتعصب إلى المجال الرياضي من خلال خلق دوري كرة قدم احترافي وخلق منافسة قوية بين فرق المناطق المختلفة. إلا أن هذه السياسة الرياضية فشلت في تحقيق مسعاها إذ ساهم هذا الدوري في تغذية روح التعصب وتعزيز الهوة والصراع بين المناطق. فقد أصبح مثلا فريق برشلونة لكرة القدم رمزا من رموز الانفصال من خلال ألوان قميصه وشعارات مشجعيه، كما انه استطاع ترويج الملف الانفصالي للكاتالان والتعريف بالمنطقة أكثر من إسبانيا. ولم يقتصر التعصب على الفرق الرياضية، بل بلغ المنتخب الإسباني لكرة القدم فمثلا خلال مبارة لكرة القدم للمنتخب الإسباني ضد نظيره الفرنسي شهر شتنبر الماضي بمدريد رفعت بعض الجماهير الإسبانية شعارات ضد بعض اللاعبين الإسبان بدعوى أنهم خونة لا يمكنهم تمثيل إسبانيا.
يبدو أن إسبانيا لم تستفد من التجارب الناجحة لبعض جيرانها في تدبير الاختلاف مثل فرنسا التي نجحت في بناء نموذج تنموي متكامل اقتصاديا ومتنوع هوياتيا كما تعكس ذلك العاصمة باريس التي تشكل بوثقة لانصهار الهويات المحلية والثقافات العالمية، من خلال متاحفها وشوارعها ومهرجاناتها وسكانها. فعلى عكس باريس تتشبث العاصمة مدريد بمبدأ الثقافة الواحدة المهيمنة هي الثقافة القشتالية بحيث تحتفي ساحتها وشوارعها وبنياتها وأنصابها التذكارية بالإرث الثفافي القشتالي في غياب تام لأي علامات ثقافية أخرى تؤشر على التنوع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تفرض عقوبات جديدة على طهران بعد الهجوم الإيراني الأخي


.. مصادر : إسرائيل نفذت ضربة محدودة في إيران |#عاجل




.. مسؤول أمريكي للجزيرة : نحن على علم بأنباء عن توجيه إسرائيل ض


.. شركة المطارات والملاحة الجوية الإيرانية: تعليق الرحلات الجوي




.. التلفزيون الإيراني: الدفاع الجوي يستهدف عدة مسيرات مجهولة في