الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفق البديل السياسي المطلوب في تونس

هيثم بن محمد شطورو

2017 / 9 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


بلغ الوضع السياسي في تونس مرحلة التأزم الشامل الذي انعكس عند الرأي العام بالرفض العام للفاعلين السياسيـين، و اعتبارهم جميعا مجرد مضخات لإطلاق الأكاذيب.." كلهم يعمل لأجل مصلحته. مصلحة البلد لا أحد يفكر فيها و يعمل لأجلها".
السياسي لا يأخذ هذا الموقـف الشعبي بعين الاعتبار إلا من زاوية إمكان استـفادته منه. الحزبين الكبيرين الآخذين بالتـفتت، يعتـقدان أن نواتهما الصلبة كفيلة بإبقائهما في موقعهما. الأحزاب الصغيرة غير قادرة على فك شفرة الانتـشار.
الموقف الشعبي العام تائه في دوامة التـذمر و السخط و انغلاق الأفق و السقوط الأخلاقي العام الرهيب.. تـفاهة. بذاءة. كذب مفضوح باسم الرب و الشعب و الدولة، بينما الحقيقة هي الصراع المحموم لأجل السلطة و الثروة.
حكومة الحرب على الفساد. للحرب قرع الطبول و الأناشيد الحماسية و إيقاعات لرفع المعنويات و إرهاب العـدو. للحرب تراتيل مقـدسة تستدعي الآلهة إلى الأرض. للحرب سرد تاريخ البطولات. للحرب إعلاء لقداسة القـتل و الترويع و الرقص السكران المترنح على جثث قـتلى العـدو. للحرب زينة الأحمر للدم تـزين لوحة الشعب البطل. القوة و المجد و الروح الانتصارية الهجومية التي لا ترى في الوجود إلا السحق للعدو أو الانسحاق. فتبا من حياة تـنسحب إلى المذلة ساعة الوغى و الحسم و الإقبال غير المدبر باندفاع روحي صاروخي.. تبا للجبناء و طوبى للشجعان.
حرب على الفساد بلا حرب. حرب كعنوان بلا قرابين أو دماء. هل هي حرب خفية؟ هل توجد حرب خفية؟ كيف لأثينا العظيمة آلهة الحكمة و الحرب و التخطيط أن تكون خفية و صامتة؟
كيف للنار أن تـشابه الماء الذي هو بدوره إن غضب فانه يهدر و يدمر و يقـتل و يخفي وجودات من بيوت و أنفـس و كثير من ترهات المدن يمحوها.. فأي حرب هذه على الفـساد و أي حكومة حرب على الفـساد؟
أحزاب المعارضة و أبرزها في المشهد يكرر نفسه بوجوهه نفسها و كلماته نفسها التي لم تلقى آذانا صاغية و لكنها تكرر نفسها ببلادة البلهاء الغارقين في أوهامهم الذاتية. يقـفون موقف السلب الكلي و الكل يسلبهم جملة و تـفصيلا. الشعب يطلب الأخلاق و هم يبشرون بعدم خلاص الديون. مازالت لا تريد التوقف بجدية للبحث في أسباب و تـفاصيل السيكولوجية العامة اليائسة من السياسي. الشعب روح و هم بعيدون عن مستوى الروح. الشعب و إن كان يعيش في الاضمحلال الوجودي إلا انه يريد الارتـقاء الروحي و الحضاري. ما من سياسي تعلق بعرش الرب و ما ورائه. ما من سياسي تعلق بالروح.
الشعب لا يرى بديلا سياسيا أمامه. لا يرى خطابا و وجوها مقـنعة. لا يرى استراتيجيات و تحركات مقـنعة. لماذا تـنأى المعارضة بنفـسها عن الحرب على الفساد و هو مطلب شعبي ذو أولوية؟
لنعتبر الحكومة قد ورطت نفسها في هذا الادعاء. لماذا لا تـنظم المعارضة أشكالا من الضغط للدفع إلى الأمام و كسر ما يعوق الدخول الجدي في هذه الحرب؟ مؤتمر عام يجمع عددا من الأحزاب للبحث في طبيعة الفساد الموجود و الخروج بتوصيات إلى الحكومة. إذا دخلت الحكومة في حوار يتم التخطيط لكيفية دفعها إلى الأمام و تكوين حزام مساند أو بالأحرى كتائب من المقاتلة و الفرسان و الانتحاريـين في هذه الحرب. بذلك يرتعب العدو و يبدأ انهياره النفسي و لكن حذاري من الاطمئنان فما من طمأنينة إلا بالقضاء النهائي على العدو. إذا تراجعت الحكومة فسيكون الأمر بينا و تكتسب المعارضة حضورا بطوليا عند الشعب.
لا يرى الشعب وجه الغد في السياسيين جميعا. كلهم رجعيون بمن فيهم من يحمل لواء التـقدمية زورا و بهتانا. كلهم لازالوا يعيشون في سيكولوجية و عقلية ما قبل جانفي 2011. ربما نستـثـني بعض الوجوه. استـثـنى الشعب منهم رئيس الحكومة السيد "يوسف الشاهد" لأنه أحس بصدقه برغم أن الصدق وحده لا يفعل شيئا. الفعل تـلزمه قوة. الحرب يلزمها حاكم قوي و شرس و شجاع و باسل و انتحاري و ليس له من اعتبار للسلطة مقابل خدمة الشعب التي هي خدمة الله.
لماذا لا تـقوم المعارضة بإحياء مسيرة ترفع فيها شعار محاربة الفساد بعنوان رئيس يكون مثلا "تبا للأوغاد". مسيرة تجمع الجميع دون الشعارات البالية التي لا تجد لها أي رنين مثل "دساترة و خوانجية عملاء الامبريالية".. هذه المعارضة يجب عليها أن تعيد بناء مفاهيمها و أحكامها و بالتالي شعاراتها. مفاهيمها التـقليدية لم تحقـق بها شيئا في الماضي و عبثا التـفكير في الفعل بها في الحاضر.. ذاك أنها بكل بساطة هي ليست بمفاهيم قائمة على تحليلات علمية موضوعية و إنما هي أدوات حرب بدائية.. انها شعارات تـقسم الشعب بدل ان توحده. شعارات خلق الكراهية بدل المحبة. شعارات زرع الحقد بدل التسامح. شعارات النبذ و بالتالي ارتداد النبذ عليها..
***
التـفصيلات كثيرة. كليات ما يحدث تـتـلخـص في معطيـين أساسيـين مرتبط أحدهما بالآخر. تونس تئن تحت وقع فقدان أخلاق المحبة. تونس تضيع أمام فقدان العقل القادر على خلق المفاهيم و الممارسات الضرورية و التي تتجلى كأخلاق حقيقية و تصورات واضحة.
تصورات تـتجـسد في خطاب شامل يربط بين متطلبات الإرادة الشعبية و بين ما يتوفر من سبل واقعية لتحقيقها في الواقع.
تطلب تونس حرية تعبير حقيقية يحترمها الجميع بل يدافع عنها و إن كانت مضامينها لا تروق له. حرية التعبير لا تعني طبعا حرية الثلب و تـشويه السمعة و تجاوز الأخلاقيات المطلوبة في احترام المقامات و الأشخاص في ذاتهم حتى و إن كان إرهابيا. حرية التعبير تعني حرية التـفكير و حرية التعبير عن الأفكار. إذن مناط النشاط و الحركة في الحقيقة و الفن و الفكر. حرية التعبير بما هي حياة العقل الإنساني..
أليس الرأي العام أو الجمهور أو الشعب هو الأرقى من النخب السياسية و قواعدها اللذين لازالوا عاجزين عن تمثل هذا التحديد الواضح لحرية التعبير؟
أي نخب هذه لا تمجد الفكر و أي نخب عقلها متكلس كسول عن تـناول الكتاب و الكتاب الفلسفي خاصة؟
من هنا فالمطلوب المفقود نظرا لهذا الوضع البائس هو العقل الاستـشرافي النقدي الثوري المتحرر المندفع نحو المستـقبل. العقل التـنويري الذي يحارب جميع عوامل النكوص و العجز و الضعف. يحارب سيكولوجية الأنانية الضيقة و الحسد و البغض. يحارب العقول الضيقة الأفق المحددة في مجال الرؤيا كحمار بلجام..
إننا نتحدث عن العقل الحداثي و المعقولية السياسية التي انـتـقلت من مربعات الايديولجيات إلى آفاق المقاربات الفكرية.
الهدف العام المحدد هو بناء بديل سياسي حقيقي. حقيقي بمعنى القابلية للتحقـق في الواقع. التحقـق بما هو بعث روحي و حضاري تـثويري انقلابي للكل. البحث عن سبيل لأن يعيش الكل نفسه في الكل و أن يكون الكل هو الجميع في نفس الوقت. بصورة أوضح. البحث عن سبيل أن تكون الدولة الشعب و أن يكون الشعب الدولة.
كيف يكون الشعب الدولة؟
أن تـذوب جميع عوامل إحساسه بغربة الدولة بأجهزتها و خياراتها و سياساتها عنه كقـناعات جوهرية و ليس سطحية منافقة و منافع و إرادة و أمل في المستـقبل.
كيف تكون الدولة الشعب؟
أن تعبر عن جوهره المطلق و في نفس الوقت عنه كتعدد و اختلاف. جوهره الأخلاقي في المحبة المتبادلة و الكرامة الإنسانية و الحرية المسئولة.
عبر الشعب عن هذا الجوهر في الأشهر الأولى لما بعد جانفي 2011. شباب ينظف المدينة. حركة مرور منـتـظمة دون شرطة. انقطاع حوادث المرور. تهافت الناس بعضها على بعض بالابتسامة و الحب و الاحترام للإنسان في كل شخص. التعاون و تبادل المنافع بأريحية و روحية معطاءة أكثر مما هي أخاذة. تلك التمظهرات العديدة التي رأيناها. هي بمثابة تحديد الثورة لغايتها لحظة غرس بذرتها في الأرض. الغاية هي صورة الشجرة التي هي المستـقبل للبذرة في الوجود الواقعي و لكنها جوهرها من البدء مثلما يقول "هيغل". صحيح أن البذرة طمرت بالتراب و لكن لأجل أن تصير و تكبر. غاية الثورة في تجسيد جوهر الشعب روحيا و حضاريا هي بصدد النمو تحت التراب الآن..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل