الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في راهنية ثورة أكتوبر.

كريم اعا

2017 / 9 / 24
ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا


تحل الذكرى المئوية لثورة أكتوبر والعالم يعيش هيمنة امبريالية غير مشهودة وانحصارا للعمل الثوري على جل الواجهات. وهكذا نشهد تراجعا مريبا للحركة العمالية وهجوما شرسا للرأسماليين على ما انتزعته من حقوق نتيجة نضالاتها المريرة والدامية.
إن الوضع الراهن يتسم بتزايد نهب قوة العمل وتكريس علاقات إنتاج تعيد العبودية المعلنة والاستغلال المتوحش لقوى الإنتاج. كما نلحظ تزايد العنف الهمجي للقوى الامبريالية في محاولة منها للحفاظ على نظامها وتمكينه من دورات حياة جديدة جراء أزماته البنيوية التي لا تنتهي. وما تزايد الحروب العدوانية لهذه القوى على الشعوب واستثمارها منتجات الأخيرة لتعزيز ترسانتها العسكرية والقمعية إلا مؤشر على حالة السعار التي بلغتها الرأسمالية في مواجهة أعدائها الطبقيين.
هذا الهجوم أنتج أقلية ترفل في البذخ والنعيم مقابل أغلبية تعيش الفقر والكدح وقلة ذات اليد. لقد أصبحنا نعيش العبودية القديمة في ثوب يتسربل بالحرية والديمقراطية البرجوازيتين.
ثورة أكتوبر جاءت لتنسف أسس النظام الرأسمالي وتؤسس لمشروع مجتمع جديد يقطع الطريق أمام ما صارت تعيشه اليوم الطبقة العاملة وعموم الكادحين. لقد قامت على تصور يرفض التمركز الشديد لوسائل الإنتاج في أيدي أقلية لا تعمل، وعلى نظام اقتصادي يجعل العمال أسياد أنفسهم وبهذا سبقت الزمن وتنبأت بما سيحمله من معاناة وأنات لمن لا يملكون غير قوة عملهم.
تكمن إحدى نقط قوة ثورة أكتوبر ودروسها العظيمة في اعتمادها التحليل الطبقي واستنادها إلى التقسيم الطبقي وتضارب المصالح وتصارعها في تحديد المهام التاريخية والجهات الكفيلة بإنجازها، مما جنبها السقوط في شراك الانتهازية البرجوازية الصغيرة وأوهامها حول التعايش الطبقي واستحالة بناء ديكتاتورية البروليتاريا.
ثورة أكتوبر تتويج لمسار فكري امتد لعقود من الزمن. مسار مكن من امتلاك نظرية تؤسس لمشروع مجتمعي متكامل استطاع أن يشرح الواقع الروسي وأن يحدد مختلف القوى التي تفعل فيه وتتفاعل داخله. إن سنوات من الاجتهاد النظري وصراع الفكر العمالي ضد مختلف أشكال الفكر البرجوازي إن بقناعها الرجعي أو التقدمي جعلت الحركة العمالية تشحذ أدواتها النظرية وتنتج مفاهيمها وأفكارها التي عبرت فعليا وواقعيا وبدون مساحيق عن واقع الاستغلال الطبقي والقمع السياسي الذي تمارسه الطبقات الحاكمة، مما جعلها قادرة على النضال اليومي المبني على تصور دقيق وعملي لكامل المرحلة التاريخية، واجتذاب الطبقات التي وجدت في شعاراتها خير من يمكن السير إلى جانبه.
إن الإنتاج الفكري الذي صار إرثا لكل الحركات الثورية في العالم يبرز الدرس الأساسي الثاني لثورة أكتوبر، وهو ما لخصه لينين في مقولته "لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية". صار لزاما على مناضلي الطبقة العاملة إطلاق دينامية فكرية جديدة تعيد لفكر الطبقة العاملة راهنيته واستعجاليته، وتمكن من نفض الغبار على إوالياته وتطوراته التاريخية حتى يستطيع مجابهة الهجمة الإيديولوجية الامبريالية التي تحاول طمسه والتأكيد على أن زمن الثورات العمالية ولى إلى غير رجعة.
أصبح التأكيد على النضال النظري مسألة ملحة حتى تتمكن الحركة العمالية من امتلاك أدوات مواجهة التضليل البرجوازي في صفوف الطبقة العاملة وحلفائها، وأدوات التعبئة والتحريض في صفوف هؤلاء الأخيرين.
ما لم تعد الحركة العمالية للفكر البروليتاري حيويته، وتجعله قادرا على تحليل الواقع اليومي بمنهج ملموس ينطلق من التشكيلة الاجتماعية ومن علاقات الإنتاج التي تؤطرها، ومن صراع الطبقات المكونة لها واستحالة التعايش في ما بينها، فلن تتمكن من مواجهة حالة اليأس والركود الذي يسود في صفوف المستغلين والكادحين.
لقد ركزت ثورة أكتوبر على الطابع الأممي لنضال الطبقة العاملة، وهو الدرس الثالث الرئيسي الذي يتطلب العناية والاهتمام. أصبح النظام الرأسمالي يخترق الحدود والقارات، وصارت الطبقة العاملة عالمية بكل معنى الكلمة، مما يستوجب النضال من أجل تجديد أمميتها وتمتين أواصر الصلات بين عمال مختلف البلدان. تأكد لمن لا يزال لديه شك أن التفكير أمميا والعمل محليا شعار صحيح وهو القادر على تقديم نضال الطبقة العاملة في مواجهة الاحتكاريين الامبرياليين، وأن لا مجال للحركات الانعزالية والمتقوقعة حول مصالح قومية ضيقة. لقد تجاوز الاقتصادي القومي منذ عقود وجعله يسكن الإيديولوجي ويتمترس فيه في محاولة لطمس موته المادي.
ثورة أكتوبر درس تنظيمي بامتياز، فلا يكفي أن تمتلك النظرية السليمة والبعد الأممي والإصرار على الانتصار. الحركة العمالية بحاجة لتنظيم يشكل قناة التعبئة والتكوين ورص الصفوف. إنه الدرس الأساسي الرابع الذي تعلمنا إياه هذه التجربة الغنية. ففي معمعان النضال الفكري اتضح جليا أن المدرسة الفعلية لاختبار المواقف النظرية وإنضاجها لن تكون غير ممارستها على أرض الواقع، فصار لزاما البحث عن آلية لذلك، فكانت الحلقيات الدراسية في البدء، وتطورت بفعل وضوح الرؤى والمهام والآفاق. صار التنظيم العمالي المدرسة والمعمل والضامن لاستمرارية الحركة العمالية رغم كل أشكال التضليل الإيديولوجي والقمع الهمجي الذي يطال مناضليها. إن الوعي بالطابع التناحري للصراع ضد الرأسمالية جعل الحركة العمالية تبني تنظيمها القوي والمتراص لتتمكن من صد أي هجوم يروم اجتثاثه واقتلاعه وهو ما تقوم به البرجوازية في كل مكان وكل الأزمنة.
لا بديل عن تنظيم متراص وحديدي ومرن لمجابهة محاولات الأعداء الطبقيين القضاء على حركة البروليتاريا ووأدها. وواهم من يعتقد أن الرأسمالية ستسمح بنضال يستهدف القضاء على أسسها ومقومات استمرارها، ولنا في العديد من التجارب التاريخية خير دليل.
استطاع البلاشفة أن يصوغوا البرنامج السياسي الملائم، والنظرية الثورية التي نزعت الأوهام الإيديولوجية في صفوف الطبقة العاملة، وبناء التنظيم الذي صمد أمام ضربات الحكم الفردي، والانخراط في حركة أممية حملت لهم الدعم والمؤازرة، لكنهم أبدعوا في الإنصات لنبض الجماهير وجعلها تقتنع بخبرتها الذاتية أنهم الوحيدون القادرون على تحقيق تطلعاتها والوفاء بالتزاماتهم المعلنة، الشيء الذي انعكس في تمكينهم من الأغلبية في انتخابات السوفييتات. إنه الدرس الخامس الذي يتوجب استلهامه، وهو النضال إلى جانب الجماهير وفي مقدمتها، وتمكينها عبر تجربتها العملية من الاقتناع بصحة وسلامة الخط والبرنامج الذي يعرض عليها. حينئذ فقط، ستحتضنه وتضحي لأجل تحقيقه، وهو ما أثبتته في صمودها أمام هجوم القوى الرأسمالية مجتمعة عقب ثورتها الظافرة.
الذكرى المئوية لثورة أكتوبر محطة أخرى لتشريح وضع الحركة العمالية ومحاولة تقديم الإجابة على مختلف التحديات التي تواجهها، وهو ما يتطلب العمل الدؤوب والجماعي من قبل من لا يزال يؤمن بمجابهة استغلال الإنسان للإنسان وبحق البشر في العيش بحرية وكرامة ومساواة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة