الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستشراق: أدبيا ومعرفيا وبحثيا الدكتور محمد الدعمي يدرس استجابة الغرب ثقافياً للتأريخ العربي الإسلامي

شكيب كاظم

2017 / 9 / 25
الادب والفن


في كتابه المهم (الاستشراق: الاستجابة الثقافية الغربية للتأريخ العربي الإسلامي) يدرس الدكتور محمد الدعمي، مسألة شائكة في الثقافة العربية الإسلامية، مسألة تحتاج إلى أناة وصبر وطول تفكر ووزن الأمور بموازين الصاغة، كي تأتي النتائج قريبة من حقائق الأشياء والحياة، فنحن ظللنا سنوات نطلق الكلام جزافاً، جاعلين للعواطف قدحها المعلى، في حين لسنا بحاجة إليها، بل إلى العقل المستنير العادل المستنبط المفكر، في مسألة شائكة وملغومة هي الاستشراق ودراسات المستشرقين التي اكتنفها الكثير من الخلط، وشابتها شوائب، خاصة وان العديد منهم كانوا مرتبطين بجهات استخبارية، كانت تُغَلِّب مصالح بلاده، على حقائق الدرس والبحث، لهذا ما أحوجنا إلى عقل حصيف وراجح، كي نستطيع الفرز بين الغث والسمين، وتستطيع فصل الذهب عن التراب المتلبس به.
وإذا كان كتاب (الاستشراق: المعرفة، السلطة، الإنشاء) للمفكر العربي الراحل إدوارد سعيد، ونقله إلى العربية الدكتور كمال أبو اديب، كان مدماكأ باهراً في حقل الدراسات الاستشراقية، فإن كتاب (الاستشراق: الاستجابة الثقافية الغربية للتاريخ العربي الإسلامي) للباحث العراقي الدكتور محمد الدعمي،، ليعد لبنة راجحة في هذا الحقل، البناء وإذا كانت العديد من الدراسات الاستشراقية قد شابها الكثير من الاكاذيب والتخرصات والاتهامات، منطلقة خاصة من معاداة الآخر وكرهه، أو من ردود الافعال الناتجة عن الفتوحات الاسلامية وتوجهها نحو الاصقاع الاوربية وسيطرتها على شبه الجزيرة الايبرية، حقبة نافت على السبعة قرون، ولولا ارتطام موجات الزحف الاسلامية بجدار التصدي في الجنوب الفرنسي أثناء معارك بلاط الشهداء، ومقتل قائد الحملة عبد الرحمن الغافقي، لكان الهلال- ربما- متألقاً اليوم على كثير من مدن البلاد الاوبية، فإن دراسات أخرى تميزت بدوافعها العلمية الباحثة عن حقائق الامور، من بين ركام هائل من الاكاذيب، وظهرت هذه الدراسات بعد أن تخلصت اوربة من عصبيتها الدينية التي كانت تقودها الكنيسة الكاثوليكية، وتوجه المجتمعات الاوربية نحو بناء المجتمعات العلمانية المنفتحة على ثقافة الآخر، هذه التوجهات التي ظهرت ارهاصاً بعصر الانوار وانغماساً فيه، أفزرت دراسات رصينة، نظرت إلى التراث العربي الاسلامي نظرةً علمية محايدة، لقد سكنت غلواء النفس وعادت إليها سكينتها، خاصة وقد بعد العهد بالفتوحات، وما عادت الكنيسة بحاجة إلى تثوير الناس واثارة حماسة الدهماء للحرب في الشرق وتخليص الضريح المقدس واستعادته، خفتت وطأة الاحقاد، فتفتحت الاكمام عن اوراد الحقائق وزهور اليقين.
نمت شجرة الحقائق وارفة الظلال، لتضع الامور في نصابها الصحيح، لتعطي ما لله لله وما لقيصر لقيصر، فظهرت دراسات استشراقية مستنيرة، وخاصة المستشرقين الامريكيين، وبوجه أخص لدى رالف والدو أمرسن وواشنطن ارفنغ الذي ارتحل إلى بلاد الاندلس، سفيراً لبلاده، ليدرس ويبحث ويكتب كتبه العديدة.
لقد عانى الاستشراق والدراسات الاستشراقية، ربط الدوافع السياسية ومصلحة الدولة بدنيا الدرس والبحث، لذا كان الاستشراق الالماني من أنزه الاستشراقات الاوربية، ولعل هذا ناتج عن ان المانيا لم تكن لديها طموحات استعمارية في بلدان الشرق العربي والاسلامي خاصة بعد خروجها منهزمة من تحالفها مع الدول العثمانية خلال الحرب العالمية الاولى، وانشغالها بمداواة جراحها، ثم بزوغ الحزب النازي على مسرح الاحداث وفوزه بالانتخابات العامة عام 1933، وصعود ادولف هتلر إلى سدة الحكم وتأسيس الرايخ الثالث، لقد كانت المانيا منشغلة باستحصال ممتلكاتها وأراضيها التي استحوذ عليها المنتصرون في الحرب، وخاصة أراضي الالزاس واللورين. ويأتي الاستشراق الايطالي ثانياً في نزاهته وبعده عن الاغراض السياسية والاستخبارية، في حين ظل الاستشراقين الفرنسي والانكليزي مشوباً بالصبغة السياسية والاستخبارية - غالباً- بسبب توجهات السياسة الفرنسية والانكليزية نحو الاراضي العربية ومحاولات الضم والسيطرة.
كان الاستشراق الامريكي على الضفة الثانية من نهر الاستشراق، كان يمثل العالم الجديد ازاء العالم الاوربي الشائخ القديم، لذا كانت توجهات هذا الاستشراق نوعاً من أنواع الانسلاخ من ربقة التوجهات الاوربية، ومحاولة جادة لايجاد طريق خاص به في دراسة احوال الشرق، تضاف إلى ذلك التوجهات الامريكية نحو المنطقة العربية والشرق، وخاصة محاولة ملء الفراغ بعد رحيل الامتيازات البريطانية والفرنسية عن المنطقة العربية، وخاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وما تبع ذلك من قيام الدولة الصهيونية على جزء من أرض فلسطين استناداً إلى قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 1947.
هذا الكتاب المهم (الاستشراق..) الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت عام 2006، حاول مؤلفه الدكتور الدعمي، كما قلت السير في حقل الالغام الذي يحيط بالدراسات الاستشراقية، بعقل محايد منفتح غير متعصب، فضلاً على انه- لصعوبة الالمام بكل الدراسات الاستشراقية- انتقى مثابات مهمة وقامات شاهقة في دنيا الكتابة الاستشراقية، ولم يقف عندها كلها، بل تناول جانباً منها، هو الجانب الادبي، أو البحثي المعرفي والفكري.
الدكتور محمد الدعمي، كما قلت، يدرس مثابات مهمة في دنيا الاستشراق، إذ يتناول دراسات الكاردنال جون هنري نيومان (1801- 1890) من خلال كتابه (تصويرات تأريخية) واقفاً عند علاقة الاتراك بأوربا، التي يبدو انها ستظل متوترة، وغير سوية، وليس أدل على ذلك من شروط الاتحاد الاوربي المفروضة على تركيا كي تقبل في الاتحاد، الامر الذي جعل تركيا رهينة لنزوات أوربية، ولم يجد نيومان منقصة إلا وألصقها بالعنصر التركي، ويصفهم بالأقوام الأدنى في سلم العنصر البشري، وانهم ولولا طباعهم الجافية البدوية لما اعتنقوا الاسلام ديناً ومن أجل دق اسفين غادر بين مكونات الامة الاسلامية- التي انسلخ عنها الاتراك ويا للأسف الشديد، بعد سقوط الدولة العثمانية وتأسيس الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال اتاتورك عام 1923- فإن نيومان يغازل العرب المسلمين، ويصفهم بالشعب الذي يمتلك عمقاً فكرياً يؤهله لبناء الجامعات ولرعاية الفكر والثقافة وفنون السلام بديلاً عن فنون الحرب، ويوصي نيومان بسحق الدولة العثمانية والقضاء على العنصر التركي، عن طريق قيام الامبراطوريات الاوربية، بمعاملة الاتراك بالطريقة نفسها التي تعامل المهاجرون الاوائل إلى العالم الجديد، مع الهنود الحمر. ص11
نيومان في كرهه هذا يذكرني برواية (الجسر) للكاتب الروائي الالباني اسماعيل كادريه التي نشرتها دار الآداب اللبنانية، لم يترك كادريه مكرمة للاتراك، كره لغتهم وتاريخهم الهجري وحتى لباسهم وشراويلهم المنتفخة، وحتى الهلال إذ يقول: وهناك عالم شرير، يعلوه هلال، وذلك الجرم السماوي، الهلال، يغدو بلون الدم، بعد أن كان قبلاً بلون العسل، وهذا القمر الخاص بالسهوب الآسيوية مؤذٍ، مؤذٍ جداً.... ص138
لقد كانت رواية (الجسر) صورة بائسة من صور الحث على الكراهية والزراية بالآخر، مما لا تقبله وقائع الحياة الحضارية للشعوب.
الكاردينال نيومان لم يوفر أحداً، بل هاجم حتى مسيحيي الكنيسة الشرقية، لأنهم وقفوا ضد الغزو الاجنبي لديارهم، متآخين مع أبناء جلدتهم، العرب المسلمين.
وإذ صبّ الكاردينال نيومان جام غضبه على الاتراك المسلمين، فإن الكاتبة هارييت، مارتنو (1802- 1876) تناولت مسألة الحريم، وتعدد الزوجات في المجتمع الاسلامي، لم تدرسها من خلال الكتب والمصادر، بل درستها عياناً ومشاهدة، ذهبت إلى القاهرة ودخلت مخادع الحريم (Harem) ولأحد أجنحة زوجات الباشا، وانتهت إلى عقد مقارنة بين حال المرأة المصرية أيام الفراعنة وما كانت تتمتع به من امتيازات وحالها بعد ان اعتنقت الاسلام، في محاولة للنيل من الاسلام ديناً، لا بل تمادت لتدعي ان فيضان النيل، ليس إلا نوعاً من التعميد، الغسل التطهري، لغسل ادران هذا الشعب الذي يمتهن المرأة وحقوقها، وتناجي النيل أن يفيض ليغرق هذا الشعب، كي يأتي ناس يعطون المرأة حقوقها!
وإذا كانت دراسات هارييت مارتنو، قد تناولت حال المرأة الشرقية تحديداً، فإن المستشرق ريتشارد برتون (1821- 1890)- وبرتون هذا يذكرني بسميه الممثل البريطاني الشهير الراحل، ريتشارد برتون، أحد أزواج شهيرة السينما الامريكية إليزابيث تايلور- قد دخل عالم الاستشراق من خلال دراسته لليالي العربية الالف، وهو الاسم الذي شاع أوربياً لكتاب (ألف ليلة وليلة) ولقد كان برتون منصفاً في درسه للاسلام واحلاله محله اللائق بين الديانات السماوية الأخرى، لكنه يرى ان العرب ما بلغوا الذي بلغوه إلا من خلال التلاقح الفكري مع الشعوب الأخرى، وهو ما لا ينكره العرب، إذ يطلقون على حضارتهم اسم: الحضارة العربية الاسلامية.
الدكتور محمد الدعمي، الذي درس عدداً من العينات على مستوى الاستشراق الانكليزي والفرنسي، كان لابد له أن يقف عند الاستشراق الاميركي، الوليد الجديد، الذي نهض باكراً ليخلف مخلفات القارة الاوربية العجوز، إذ ان الولايات المتحدة، التي ظلت منكفئة على ذاتها في العالم الجديد، إنما بدأت بالتطلع إلى العوالم الأخرى، ومنها عولم الشرق خاصة بعد أن فرض عليها الدخول في الحرب الأولى، إثر تعرض احدى سفنها لاعتداء في أعالي البحار فأعلن الرئيس الامريكي ودرو ولسون الحرب إلى جانب الحلفاء، وإذ نشبت الحرب الثانية ظلت أمريكا بعيدة عن ميدان الحرب التي كانت رحاها تدور على أرض القارة العجوز، لكن يشاء التاريخ إلا أن يعيد نفسه، فإذ تعرضت إحدى سفنها لاعتداء في الحرب الاولى، اجبر رئيسها ودرو ولسون لاعلان الحرب، فإنها تعرضت في الحرب الثانية لهجوم ياباني على ميناء برل هاربر الذي كان ايذاناً لدوران رحى الحرب التي أعلنها فرانكلين روزفلت، وما نتج عن الحرب من ايجاد مواطن قدم لها في أماكن عديدة من العالم، جعل أمريكا شرطياً عالمياً تحشر أنفها في كل شأن، خاصة بعد انهيار القطب الآخر، وتحول العالم إلى قطبية احادية، وتبشيرها بالعولمة إن لم نقل بالامركة.
الدكتور محمد الدعمي، وقوفاً عند هذا الاستشراق الوليد، يقدم لقارئه توصلات ابي الاستشراق الامريكي الحديث، واشنطن ارفنغ (1783-1859) فقد نص على توصلات هرمان ملفل(1819-1891) الذي عرفناه روائيا قدم لنا حياة البحر من خلال عمله الروائي الضخم حجما وفنا (موبي ديك) الذي ترجمه الاديب الفلسطيني الراحل الدكتور احسان عباس وانتجته هوليود فيلما رائعا جسد بطولته الممثل كريكوري بيك، وكذلك توصلات مارك توين الذي عرفناه شاعرا رومانسيا، واشنطن ارفنغ ذهب نحو الاندلس سفيرا لبلاده، فأنكب على دراسة أحوال ما يسميها (اسبانية المسلمة) وكتب كتابا عن (الحمراء) كما درس حياة الرسول الاعظم من خلال كتابه (محمد وخلفاؤه) الذي درس الاسلام بشكل متنور ومحايد، بعيدا عن النظرات المتعصبة التي افرزتها حقب الصدام بين الاسلام والمسيحية ممثلة بالفتوحات الاسلامية او الحروب الصليبية التي شنتها اوربا ضد بلاد الشرق الاسلامي.
لقد انطلق ارفنغ في دراسته للتأريخ العربي الاسلامي، وخاصة التاريخ الاندلسي من منطلقات قومية ووطنية، اذ اهتم بدراسة كريستوف كولومبس الذي كان له فضل في اكتشاف العالم الجديد، اذ انطلق من مجتمع عاش فيه العرب والاوربيون وكذلك المسلمون والمسيحيون، هذه البودقة الاسبانية الاندلسية، استوحاها ارفنغ ليشير الى ان الحياة في الاندلس قد تنطبق على حياتهم الحاضرة فكما تعايش العرب المسلمون مع غيرهم في الاندلس، فان بأمكان سكان العالم الجديد، المؤلف من اجناس شتى التعايش وكما تنازع ملوك الطوائف فتحطموا، فأن هذا نذير لهم من ان يتحطموا.
واذ كان واشنطن ارفنغ منصفا متميزا بالعلمية والحياد فان رالف والدو أمرسون (1803-1882) أنطلق من توجهات مغايرة اذ كانت أفكار أمرسون، كما يقول الدكتور محمد الدعمي في جوهرها، امتدادا طبيعيا للتقليد الاستشراقي والثقافي الاوربي السائد انذاك ويقف خلف اراء هذا الكاتب توجه خاطئ في النظرة الى الشرق، مفاده أن قيمة هذا الشرق قيمة أثرية فقط، مكانها المتاحف، اي أنه شرق بلا مستقبل ومنطلقا من نظرة امريكية ضيقة واستعلائية مفادها تشبثه برؤية أمة امريكية جديدة، يمكن ان ترث كل شيء من العالم القديم، على طريق الخروج بحضارة جديدة ودين جديد. ص178
الدكتور محمد الدعمي في ملحقه الموسوم بـ (من الاسشتراق الى الاستعراق عبر الاستغراب: قصة ولادة اصطلاح) يبشر بأستخدام مصطلح جديد هو الاستعراق، اي البحوث والدراسات التي قام بها غير العراقيين لدراسة احوال العراق وتاريخه واثاره وتضاريسه و... و... وهو مصطلح علمي نرجو له الرواج، واخذ مكانه في دنيا الدراسات والبحث، الى جانب مصطلح الاستشراق الذي يعنى بدراسة احوال الشرق، من قبل باحثين خارج منطقة الشرق، وكذلك مصطلح الاستعراب، الذي يقصد به البحث في امور العرب، من قبل غير العرب، ونحن نطمح الى بلورة مصطلح (الاستغراب) درس قضيا الغرب من قبل باحثين ليسوا بغربيين، فما لهذا الغرب يدرسنا منذ اكثر من قرنين من الزمان، ونحن لم ندرسه – كما يجب- بل لم نفكر بدرسه ولماذا نفكر؟! لا بل نحن لم ندرس حتى انفسنا دراسة علمية بحت؟.
قال الدكتور محمد الدعمي (وهكذا شهد العراق ظهور افراد بريطانيين ممن كرسوا حياتهم لدراسة حقل من حقول الحياة العراقية، فبرزت الانسة بيل وفريا ستارك والليدي دراور) معرجا على كتابات الضباط الاداريين البريطانيين الذين عملوا في العراق بداية القرن العشرين، ذاكرا دراسة الحاكم العسكري لمدينة العمارة (هيدكوت) وزوجته. وبودي أن اضيف الى ماذكر الدكتور الدعمي، الكتاب المهم الذي الفه الضابط البريطاني ستيفن هيمسلي لونكريك، الذي عمل مفتشا اداريا في الحكومة العراقية في تلك السنوات والمعنون بـ(اربعة قرون تأريخ العراق الحديث) وقد نقله الى العربية المرحوم جعفر خياط وصدر بطبعات عدة، صدرت الاولى في شهر اب من عام 1941 وبين يدي الطبعة الرابعة الصادرة عام 1968، وهذا الكتاب الذي ارى ان لاغنى لكل عراقي مثقف عن الاطلاع عليه وقراءة فحاويه، لان فيه كل تأريخ العراق منذ عام 1500 وحتى الانسحاب العثماني من العراق عام 1918، وما اظن كتابا عراقيا زاد عليه في الطبعات عددا، كما كتب السير ارنولد. تي. ويلسن وكيل الحاكم الملكي العام في عهد الاحتلال البريطاني كتابا اسماه (بلاد ما بين النهرين) وهناك من يترجمه الى مابين النهرين (mesoptamia) ويقع في مجلدين اسمى الاول (Loyalties Mesopotamia) واطلق على المجلد الثاني عنوانا هو (aclash of Loyalities) وقد استل جعفر الخياط- رحمه الله- الفصول السادس والعاشر والحادي عشر والثاني عشر وقسماً من الثالث عشر، فضلاً عن مقالتين كان توماس لورنس نشرها، الاولى في الاوبزرفر اللندنية في 8/ 8/ 1920 والثانية في الساندي تايمس في 22/ 8/ 1920، وترجم هذه المستلات ونشرها في كتاب أسماه (الثورة العراقية) صدرت طبعته الاولى في بيروت عام 1971 ويقع في مئتين وست واربعين صفحة، وقد كتبه الكولونيل آرنولد. تي. ويلسن للدفاع عن نفسه ورداً على ما كتبه السير آيلمر هولدرين في كتاب نشره وفيه يكشف جهل ويلسن في امور القيادة والسياسة والحرب، أثناء اندلاع ثورة العشرين ضد قوات الغزو البريطاني الذي كان آيلمر هولدرين قائداً عاماً لها، الأمر الذي أدى إلى ابعاد ويلسن عن العراق واعادة السر برسي كوكس إليه.
فضلاً على ذلك فهناك ما كتبه (ن. براي) الحاكم السياسي البريطاني لكربلاء خلال الاعوام (1915- 1921) ترجمه المرحوم سليم طه التكريتي بعنوان (مغامرات لجمن في العراق والجزيرة العربية) وكذلك ما كتبه الطبيب البريطاني هاري سندرسن الموسوم بـ (عشرة آلاف ليلة وليلة) التي تمثل أيام خدمته في العراق من عام 1918 حتى عام 1946 مؤسساً للكلية الطبية العراقية وطبيباً خاصاً للملك فيصل الأول وللعائلة المالكة لاحقاً، وترجمه سليم طه التكريتي- رحمه الله- ونشرته مكتبة التحرير بطبعته الاولى عام 1981 وكتبت مقدمة له (فريا ستارك) وكذلك ما كتبه جيمس بكنغهام تحت عنوان (رحلتي إلى العراق) نشر جزؤه الأول عام 1968 والثاني عام 1969.
ثم يضيف الدكتور الدعمي قائلاً: ربما يكون هذا الاهتمام البريطاني بالاهوار وبسكانها قد بلور فكرة الاستعراق لدي (...) وقد شملت قائمة المستعرقين المختصين بالاهوار جنوبي العراق أسماء لامعة في تاريخ الوجود البريطاني في الشرق الاوسط، أسماء من وزن ولفردثسيكر (thesiger) مؤلف كتاب (رمال بلاد العرب) وجون فيلبي philpy الذي بقي سنين في البصرة على حافات الاهوار (...) وقد كان آخر العمالقة المختصين باقليم الاهوار (غافن يانغ) (Gavin young) حيث اتحف هذا الباحث مكتبة الاستعراق بكتابين هما (عرب الاهوار) – Arab marsh- و(عودة إلى الاهوار (Return to marshes) وقد توفي هذا المستشرق قبل نحو خمس سنوات في بريطانية.
أقول: لقد استهوى عالم الاهوار في جنوبي العراق، هذه البيئة المائية الفريدة في نوعها التي تعد الحاضنة الاولى لحضارة عراقية قديمة لعلها تمتد باصولها إلى حضارة السومريين، استهوى الكثير من باحثين عراقيين وأجانب ولعل الباحث الانثروبولوجي ولفردثسيكر (Willfred thesiger) من أوائل من اهتم بعالم الاهوار، حيث قام بزيارات متعددة لمنطقة الاهوار خلال الاعوام (1951- 1953) ولقد أمضى ثسيكر المولود عام 1910 شهوراً طويلة في منطقة الاهوار ساكناً في ضيافة أحد وجهاء المنطقة وتعرف على حياتهم وعوالمهم وكتب دراسة قيمة عن هذه المشاهدات والانطباعات القاها محاضرةً على أعضاء الجمعية الملكية الآسيوية بلندن، عنونها بـ(المعدان. أو سكان الأهوار الجنوبية في العراق) نشرتها مجلة (Royal society Asian central) بعدها الصادر في كانون الثاني من عام 1954، وقام الاستاذ باقر الدجيلي الذي كان قائمقاماً لقضاء الشطرة وقتذاك، يوم زار (ثسيكر) الاهوار بترجمة هذه المحاضرة، الدراسة، ونشرها في كتيب يقع في ثمان وأربعين صفحة، طبع بمطبعة الرابطة عام 1956، لصاحبها الوجيه والوجه البغدادي النبيل الاستاذ عبد الفتاح ابراهيم (المتوفى في شهر تموز عام 2003) – طيب الله ثراه - للمزيد تراجع مقالتي (الاهوار حاضنة الحضارة السومرية) صفحات ألف ياء (الزمان). الخميس 27/ 10/ 2005- وهذه المحاضرة، جزء من كتاب أصدره ثسيكر قام المترجم العراقي المغترب حسن ناصر بترجمته وعنوانه (المعدان. عرب الاهوار) – The marsh arabs- ونشرته دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد عام 2005 ويقع في ثلاث مئة وأربع صفحات، وقد وقف عنده مصوباً مدققاً السيد جبار عبد الله الجويبراوي- جريدة (المدى) 25/ من تموز/ 2005- كما زار المنطقة بداية العقد الثالث من القرن العشرين الباحثان (بكستون) و(داوسن) وكتبا بحثاً عن عرب أهوار الجنوب، فضلاً على جهود عالم الانثروبولوجيا الامريكي (هنري فيلد) الذي زار المنطقة عام 1934 وقدم بحثاً عن قبيلة (البو محمد) في كتابه: (Marsh arab of Iraq) كما أود الاشارة إلى جهود الباحث هنري فرنكفورس في كتابه (The birth of civilization in the near east) وعالم الآثار القديمة الاركيولوجي (سيتن لويد) في كتابه (foundation in the dust) وقد ذكر هذين الباحثين الدكتور شاكر مصطفى سليم في دراسته الرائدة والرائعة التي نال عنها درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة لندن عام 1955 والموسومة بـ (الجبايش. دراسة انثروبولوجية لقرية من أهوار العراق).
أما السير هاري سنت جون فيلبي، رجل الاستخبارات البريطاني الذي تزيا بزي العرب وأعلن محاولته لاكتشاف الربع الخالي، والذي شهر اسلامه، فأصبح يعرف بـ (الحاج عبد الله فيلبي) الذي سمى ابنه من زوجته العربية (خالداً) فأصبح يكنى بأبي خالد.
وكان قطع الربع الخالي من الشرق إلى الغرب في تسعين يوماً، وحقق امتياز النفط للشركة العربية الامريكية (أرامكو AR.AM.CO) وكان فلبي في رحلته خلال الربع الخالي قد ترسم خطى شاب انكليزي جريء هو (برترام توماس) اخترق الربع الخالي عام 1931 فكان أول من كشف أسرار تلك المنطقة التي دونها في كتاب طبع في نيويورك سنة 1932 وكانت حصيلة عمل عبد الله فيلبي الذي أمضى حياته في أرض جزيرة العرب، اصداره كتابين بالانكليزية الاول أسماه (الأيام العربية) 1948 والثاني (أربعون سنة في البراري) 1957 وفي السبعينات شاهدت في واجهة المكتبة الفلسطينية عندنا ببغداد، الترجمة العربية لمذكراته، وقد زين الغلاف بصورته وهو يلبس اللباس العربي واعتمر رأسه بعقال العرب!! اضافة إلى أكثر من صورة بالزي نفسه نشرها المرحوم أمين المميز في كتابه الضخم (بغداد. كما عرفتها) والذي ذكر فيه انه توفيَّ يوم السبت الاول من تشرين الأول عام 1960 عن خمسة وسبعين عاماً في مستشفى الجامعة الامريكية ببيروت، وتولى غسله وتكفينه والصلاة على جثمانه أحد المشايخ المسلمين وشيع ودفن في رمال مقبرة الباشورة ببيروت، ولم تتحقق أمنيته بأن يدفن في كثبان الجزيرة العربية، وسار وراء النعش ولده (كيم) من زوجته الانكليزية (دورا).
الجاسوس المزدوج، كما يصفه أبو ابراهيم أمين المميز، فيلبي الذي أقام عروشاً وأسقط عروشاً، وعاش سني حياته في العراق والاردن والجزيرة العربية، حمله العتالون إلى مثواه الأخير، ولم يكن وراء الجثمان سوى نجله كيم!
منتصف السبعينات وبعد فراق دام سبعة عشر عاماً يعود غافن يونغ مراسل صحيفة الاوبزرفر اللندنية إلى العراق، ويبدي رغبته في زيارة العراق، الاستاذ على الحلي، يساعده في ترتيب هذه الزيارة، وكان مديراً عاماً في وزارة الاعلام، ويرافقه في زيارته تلك لعوالم الهور، فيخرج علينا الشاعر علي الحلي بدراسة نشرها بحلقات في صحيفة (الجمهورية) كما أتذكر، ويدون يونغ مشاهداته، وجد ان الحياة تغيرت خلال هذه السبع عشرة سنة، وجد طبيباً يداوي المرضى، لمس مستوى أفضل في الغذاء والكساء، شاهد عدداً متزايداً من المدارس، دون مشاهداته في كتاب اطلق عليه اسم (العودة إلى الاهوار) نشر أثناء مهرجان العالم الاسلامي الذي أقيم في لندن عام 1976، وقد زاد من اقبال القراء على الكتاب تلك الصور الملونة الملتقطة بحرفية عالية من لدن مصور الاوبزرفر (نك هويلر). ونشرته دار المدى بطبعته الاولى عام 1998 وترجمه المترجم العراقي القدير المغترب في استراليا الدكتور حسن الجنابي وكما توجس ولفرد ثسيكر خيفة من تغير نمط حياة عرب الاهوار وبالتالي طمس ما تعاوروا عليه من طقوس في الحياة، لأن ذلك يعني اختفاء ثقافة معينة وطرق عيش خاصة، بعد ان ظلت حيّة قروناً طويلة فإن غافن يونغ – هو الآخر- يبدي قلقه وهو يرى هذه البيوت الاسمنتية الصغيرة الشبيهة بعلب الكبريت تحل محل تلك الاكواخ المبنية من القصب، ان ذلك يعني زوال قدرات ومهارات لا يعرفها غيرهم.
توفي غافن يونغ نهاية عام 2003، ويوم نعاه الناعي كتب عنه الكثيرون في الصحافة العراقية، استذكاراً وتقديراً لجهوده في خدمة عالم الهور في الجنوب العراقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة