الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف/السياسي في مجموعة -عصفور للريح- صلاح صلاح

رائد الحواري

2017 / 9 / 26
الادب والفن


كما هو حالنا اليوم، لكن بشكل اكثر وحشية، كان المثقف/السياسي/المعارض في لمنطقة العربية، وفي العقد السابع من القرن الماضي يتعرض للقمع والاضطهاد بشكل أكثر بكثير مما نحن فيه اليوم، ويعود ذلك لعدم انفتاح خطوط الاتصالات وعالم الفضاء كما هو الحال اليوم، فقد كان الحصول على صحيفة/مجلة/كتاب يعد في غالية الصعوبة ويحمل مخاطرة أمنية، يمكن أن تكلف صاحبها سنوات من الاعتقال، والذي يتذكر تلك الأيام يفتكر نفسه وكأنه يعيش في عصور غارقة في الماضي البعيد، فهل يعقل أن يعتقل الإنسان لمجرد وجود كتاب/مجلة/صحيفة معه؟، وهل كانت هذا المطبوعات تشكل كل هذا الخطر على النظام الرسمي العربي؟، فها هي كافة المطبوعات موجود أمامنا وفي متناول اليد، ولم تحدث تغيرات جوهرية على بنية المجتمع العربي أو النظام الرسمي العربي، فالقمع، الاضطهاد، الفساد، العمالة للغرب الامبريالي، رهن والتفريض بمقدرات وثروات الدولة والشعب ما زال على حاله، فلماذا كانت تمارس علينا تلك الاساليب الوحشية؟، وما هي مبرراتها؟، ام أن المسألة لا تعدو أكثر من تنغيص الحياة على المواطن؟ وكل ما يريده النظام الرسمي العربي إبقاءنا مجموعات تعاني من الحرمان، الحرمان من الحرية، الحياة السوية، الكرامة، الابداع، ومن ثم جعلنا تجمع من الأفراد مصابة بالمازوشية؟، ويتغنى بالألم والشكوى، حتى بات البعض يتسول العطف والشفقة من الآخرين، إن كانوا وطنيين أم غير ذلك،، لهذا ما زلنا في حالة التقهقر والتراجع ونزول "حتى تخلص الدني" على رأي فيروز.
المثقف
ما يلفت النظر في هذه المجوعة، أن ابطالها يعشقون الصحف والكتب، بحيث نجد بطل قصة "قبل أن تقفل صمام الأذن" يحلم بأن يكون بائع صحف، رغم الثراء الذي حققه، "أنا احلم بأن أصبح بائع صحف متجول لو أني املك الجرأة والبنية الجسدية ومعطفا عسكريا قديما بأزرار نحاسية... أحب باعة الصحف" ص17، وفي نهاية القصة نجده يحقق حلمه، "لم يصدق أنه باع صحيفة، لم يصدق أن باستطاعته أن يقفز بين العربات برشاقة يلقي بالصحف من النوافذ المبللة، غمرته سعادة فائقة وحرية لم يألفها من قبل" ص22، ونجد بطل قصة "يتبع، للمسلسل بقية" "...عندما يطالع الصحف والمجلات المصورة يستلقي على فراشه الوثير ويلقي بكتفه على وسائد ناعمة عدة ويقرأ بشغف" ص24، ونجد صورة بطل قصة "صورة شمسية للهزيمة" يهذا الوصف: "بعد غيبة أربع سنوات، كان أول ما فعلته حين نزلت تلك المدينة بطريقي للالتحاق بالأهل أن ابتعت صحيفة يومية، ...كل ما أردته صحيفة عربية، حرفا عربيا بعد كل هذه السنوات الطويلة التي لم أر خلالها الحرف العربي" ص41، ونجد بطل قصة "الأستاذ والدرس": "...انها فرصة رائعة للذهاب إلى السوق وشراء رفوف للكتب وتنظيمها" ص56، ونجد هذه المشاهد في قصة "المسيح يذهب إلى العمل" "رأيته يقرأ قصيدة "لورنس فيرانجهتي" ص66، وهذا المشهد "وجدت عنده كتابين لنفس الشاعر" ص67.
مرض المثقف/السياسي
قد يبدو هذا الأمر ـ عند البعض ـ عادي، وليس دليل على تعلق القاص بالصحف والمطبوعات، ولكن إذا ما ربطنا حالة شخصيات المجموعة وشعورها بالاضطهاد والعزلة والقمع يمكننا أن نتأكد بأن هناك فكرة أرادنا "صلاح صلاح" أن نعرفها، ونعرف دوافعها، ومن ثم البحث عن مخرج/حل/خلاص منها، فنجد شخصيات المجموعة كلها تعاني من الاضطهاد، ومصابة بمرض العزلة، الاضطراب، لهذا تتصرف وتتحدث بشكل غير سوي، يقول بطل قصة "قبل أن تقفل صمام الأذن": "...للمرارة نبع لا ينضب يصب من جوف أعلى الرأس كشلال، ومن كثرة المرارة صرت أفرق بين أنواعها المختلفة ببساطة، مرارة التعامل مع الآخرين، مرارة خيبة الأمل كفشلي في أن أصبح بائع صحف، مرارة عجزي عن فهم المرأة،... غير أن مرارة الواحدة تبقى أكثرها مرارة" ص18، لهذا نقول أن حياة أبطالها ليست سوية، وهي تعاني من حالة مرضية مزمنة.
الوحدة التي يعاني منها البطل ليست لعدم وجود أشخاص حوله أو لعدم اهتمامهم به، بل لأن كثرة وتراكم القمع ـ كما ونوعا ـ جعله مرضه يرى/لا يقدر/يستوعب ضرورة التعامل معهم، فهو مريض بالوحدة بشكل تراكمي ومركب ومتشابك، ومرضه مبني على مجموعة هائلة من اشكال وانواع المراقبة والملاحقة بحيث لم يعد يجد مكان للحياة السوية: فيقول:
"غالبا ما تهاجم الوحدة عندما أكون في صحبة الآخرين، رغم أني أغلق صمام الأذن عندما يحيطون بي كقفص حديقة حيوان، لا اشعر بالوحدة عندما أكون وحيدا متكورا كجنين في غرفة مظلمة، محميا من أنياب الآخرين ومحبتهم القاسية، كنهر متجمد تعزله عن السماء طبقة جليد سميكة، وأنا لا احسن التكلم مع الآخرين بأي لغة، حتى لغتي الأم تخونني عندما أقابل أناسا غرباء لأول وهلة،...أخشى العيون عندما تنصب علي كأضواء كشافات ترصد أسوار سجن منيع، عيون تمزق غطاء الواحدة تعري، تكشف وتعرض فأصبح كذبيحة معلقة في دكان قصاب" ص19، لهذا كان لا بد من المقدمة التي وضعنها حول طبيعة الظروف التي عاشها المثقف/السياسي/المعارض في القرن الماضي، فقد انعكست حالة القمع وما فيها من مراقبة على نفسية الأفراد بحيث أمسوا يعانوا من مرض "الاختراق الأمني" لهذا نجد بطلنا يفضل أن يكون وحيدا، منزويا عن الآخرين.
وإذا ما توقفنا ‘ن كلمة "الآخرين" سنجدها تكررت كثيرا، بحيث تعكس حالة العقل الباطن عنده، فهو يرى في (الآخرين) عدو أمني يترصد تحركاته، لهذا هو يعاني من مرض اسمه (الأخرين) فكل من يراقبه هو مجهول الاسم، لهذا اطلق عليه/م (الأخرين).
ونجد أثر مرض العزلة التي يعاني منها البطل بهذا المشهد: " لا اشعر بالوحدة عندما أكون وحيدا متكورا كجنين في غرفة مظلمة" فقد نفى عن نفسه المرض عندما كان في وضع غير طبيعي، متكورا كالجنين، والظلمة التي تعم المكان، لهذا أصبح الوضع الطبيعي عند المثقف والمتعاطي للسياسة والمعارض للنظام الرسمي هو هذا الشكل، الانزواء والانطواء بعيدا عن الناس، وصبح هناك تلذذ بهذا الانزواء والانطواء، لهذا نقول أن حالة من المازوشية، جعلته يتلذذ ويتمتع بهذا الشكل من الوضع وبهذا الظرف المظلم.
فاتحة القصة
يستفزنا القاص في فاتحة المجموعة من خلال قوله: "...من كانت له أذنان فليسمع، فأنا متحدث مولع بالسرد غي المسموع، أحدث نفسي طويلا، والحديث بصوت مسموع يهشم من حتى العظم" ص10، هناك حديث يريد أن يحدثنا به القاص، فنحن المخاطبون، لكنه يحذرنا بطريقة غير مباشرة أن حديثه موجع وفيه عذاب، لأنه "يهشم العظم" وهذه باعتقادي رمزية أرادنا القاص الانتباه لها، لأن الكلام/الحيث ممنوع ويعرض صاحبه "لتهشيم العظم".
يقدم لنا القاص (المقدسات) التي يمتلكها البعض فقط، ممن يتقنون الحديث المقدس/التاريخي، والذين لا نجرأ على مقاطعتهم أو نقاشهم، فكل ما يصدر عنهم هو حقيقي ومطلقا، وما علينا ألا أن نوافقهم فيما يرونه، فيحدثنا عن: "أبو زكريا سيد الرواة، إذا تحدث يصبح صمت الأخرين واجبا، والويل لمن يعاضه، فهو لا يكتفي بزجره بل كثيرا ما يضربه بعصاه الكبيرة" ص10، "أبو زكريا" يمثل السلطة، التاريخ، الشيخ، الأب، ألمعلم، أي شخص يمارس دور الملقي/المتحدث/المتكلم، فلا مجال للرد عليه، مهما كان موضوع الحديث، مهما كانت حقيقة وواقعية الحدث، علينا نحن المستمعين الموافقة حتى وإن كانت بهز رؤوسنا فقط، وهذا ما فعله السارد: "كنت أدري أنه يكذب، غير أن عصاه كانت كبيرة وضربتها مؤلمة، فهززت رأسي موافقا" ص11، إذن القمع هو سيد الموقف، ولا مجال للحوار أو النقاش أو الاستيضاح بالمطلق، فنحن الجرة التي يملأها صاحبها وقتما شاء، وفما شاء، وما عليها إلا حفظ وبقاء المادة الموضوعة بحالة جيدة، وإلا ستكسر أو تستبدل بأخرى جديدة.
ذروة القمع في المجموعة
كلنا يعرف ويعلم بأن أي مجموعة قصصية يجب أن يكون عنوانها من ضمن القصص التي يقدمها القاص، لكننا نجد قصة العنوان "عصفور للريح" مفقودة، غير موجودة، فهل هذا جاء صدفة أم أن الرقابة بطريقتها الخاصة منعتها من الحضور/الظهور/الوجود؟ اعتقد أن ظرف القمع وشكله واسلوبه كان يمثل ذروة القمع الذي مورس بحق مجتمعنا/أمتنا/شعبنا، فنحن لا نجد في العصر الحديث مثل هذا القمع، ولا في طول الزمن الذي بقى فيه سائدا، فحتى في اميركيا اللاتينية لم يستمر أكثر من أربعة عقود، لكننا في ظل نظام قبلي/عشائري/ديني يجير التاريخ والدين والعلم الحديث لتأكيد ممارسته القمعة علينا، لهذا كان وما زال يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا وفي خصوصياتنا، لهذا لم يجد أي حرج في منع نشر قصة العنوان "عصفور للريح"

هناك ملاحظة وضعها القاص يقول فيها: "كتبت هذه القصص بين سنة 1970 – 1981.
المجموعة من منشورات أزمنة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 1993.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف


.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي




.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد