الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دستور مصر، دستور دولة دينية بامتياز !

سعيد علام
اعلامى مصرى وكاتب مستقل.

(Saeid Allam)

2017 / 9 / 26
مواضيع وابحاث سياسية




دستور مصر، دستور دولة دينية بامتياز !


سعيد علام
القاهرة، الثلاثاء 26/9/2017

فى مواجهة مأزق السلطة امام الاستحقاق الانتخابى الرئاسى المرتقب خلال شهور، (مايو 2018)، تسارعت محاولاتها لعلاج خوفها الذى تحول الى خوف مرضى "فوبيا" من اللجان الانتخابية الخاوية، كان اخر هذه المحاولات، الاقتراح بتعديل احدى مواد الدستور، المحظور تعديلها بحكم الدستور نفسه!، وهى المادة الخاصة بمدة الدورة الرئاسية، بأقتراح تعديلها من اربع الى ست سنوات، (المادة140)، اى تأجيل الانتخابات الرئاسية لسنتين على الاقل!.
الا ان الرفض شبه العام من قبل معظم قادة الرأى، بمن فيهم اعضاء فى تحالف دعم مصر، الممثل للاغلبية فى البرلمان، قد جعل من المستبعد اجراء مثل هذا التعديل فى الوقت الحالى، فى الوقت الحالى على الاقل، كما ذهب الى ذلك عدد من الذين رفضوا توقيت طرح اقتراح التعديل، اى انهم لم يرفضوا التعديل من حيث المبدأ، انما التوقيت فقط، وهو ما يعنى انه يمكن طرحه مرة اخرى، ولكن فى توقيت مختلف، غالباً ما سيكون بعد اجراء الانتخابات الرئاسية القادمة.
وقد اعطى الدستور فى احكامه العامة، الحق لرئيس الجمهورية او خمس اعضاء مجلس النواب، الحق فى اقتراح مادة او اكثر من مواد الدستور، فيما نص على انه: " وفى جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة إنتخاب رئيس الجمهورية، .." (المادة226)، وهى النصوص المقترح تعديلها!.
واذا ما تجرأ الوكيل "النائب" على اقتراح تعديل مادة دستورية محظور تعديلها، - رغم تأجيل الاقتراح -، فمن الاولى ان يحق لصاحب الحق الاصيل "المواطن" السيد، ان يقترح تعديلات دستورية لمواد غير محظور تعديلها.

تعديل بتعديل، حنعدل !
نستعرض هنا فقط، بعضً من مواد الدستور المقترح تعديلها ، وليس المواد الدستورية، التى لم يتم الالتزام بها جزئياً او كلياً، حتى الان.

حكومة مدنية، وليس دولة مدنية ؟!
جاء فى ديباجة الدستور:
".. نحن الآن نكتب دستوراً يستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة، حكومتها مدنية."
كيف دولة ديمقراطية حديثة، وهى دولة ليست مدنية، ولكن احدى سلطاتها "حكومتها" فقط هى المدنية؟!
ماذا يعنى ان تكون سلطة واحدة من سلطات الدولة الثلاث، مدنية ؟!، وماذا عن السلطتين الاخرتين، التشريعية والقضائية ؟!، انه دستور سلطات دولة عرجاء!.
ثم، وهو الاهم، ان هوية الدولة لا تحددها هوية كل سلطة من السلطات الثلاث على حدة، ولا حتى السلطات الثلاث مجتمعة، بل العكس هو الصحيح، ان هوية الدولة هى التى تحدد هوية سلطاتها الثلاث، وغيرها من مكونات الدولة!.
ان جوهر الخلل الذى تم معالجته بهذا الشكل الاعوج، يكمن فيما جاء فى المادة الثانية من الدستور من ان: " الإسلام دين الدولة، .. ، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع."، الذى يصبح من المستحيل بعدها ان تكون سلطتا التشريع والقضاء سلطات مدنية!، وهما المناط بهما، الاولى التشريع "النواب"، والثانية تطبيق التشريع "القضاء"، طالما ان "مبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع"، لذا ليس هناك امكانية الا ان تكون السلطة التنفيذية فقط هى المدنية، اى انه يستحيل ان تكونا اياً من سلطتا التشريع والقضاء، سلطة مدنية!، اى انه من المستحيل ان تكون الدولة دولة مدنية، انه اعتراف صريح "دستورى" بان مصر ليست دولة مدنية!.

الدولة فى الاسلام، دولة دينية بامتياز !
جاء فى المادة 2:
الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.
ولمزيد من التأكيد فقد جاء فى ديباجة الدستور:
".. نكتب دستوراً يؤكد أن مبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع .."

منذ 1952 حرصت السلطة الجديدة، بقيادة عبد الناصر، على الاستيلاء على السلطة الدينية، بعد ان استولت على السلطة السياسية، بالقوة العسكرية، وبعد هزيمة 67، حرص السادات على استعادة، واعادة تفعيل، دور جماعات الاسلام السياسى، فى مواجة ازمته الداخلية مع القوى الناصرية واليسارية، باستدعاء اليمين الدينى، رفيقأ فى رحلته للتحول من الشرق الى الغرب، من اليسار "الشمولى" الى اليمين "المدنى". فاضاف لدستور 1971، الذى كان ينص على ان الشريعة الاسلامية مصدر رئيسى للتشريع – اى احد المصادر الرئيسية للتشريع -، اضاف السادات عام 1980، الالف واللام، لتصبح الشريعة الاسلامية "الـ"مصدر الرئيسى للتشريع. وبالمرة، على طريقة "فرح جنب طهور"، قام بتعديل المادة 77، لتسمح لرئيس الجمهورية بمدد رئاسية مفتوحة، وليس بمدتين فقط، كما كان الحال قبل التعديل، واجرى استفتاء على كل التعديلات، متعددة الاتجاهات، دفعة واحدة!.(1)
ولان الدولة، شخصية اعتبارية، ليس عليها ممارسة ادوار الاشخاص، سواء فيما يتعلق بالفروض الدينية، من عباداتٍ وشعائر، فالدولة لا تصلى ولا تصوم ولا تحج!، او اى امور شخصية اخرى، كالزواج مثلاً، فالدولة لا تتزوج!، انما ينحصر دور الدولة فقط، فى تنظيم العلاقة بين المواطنين وبعضهم البعض، من ناحية، وبينهم وبين مؤسسات وسلطات الدولة المختلفة، من التاحية الاخرى.
ولان الدولة كيان سياسى، فاذا ما سميت الدولة بأسم دينها "الاسلام"، اذا صار الدين صفة سياسية، موضوعا سياسيا، اى اصبح جزءا من الحقوق العامة، عندها اصبح من حق اى مؤسسة او جهة او مواطن، بل من واجبهم، مناقشة المواضيع السياسية المرتبطة بدولتهم، اى انه تم تخفيض مرتبة الدين الى مرتبة سياسية!. ذلك هو جوهر المخاطر والمشاحنات والجدلات و"التحرش الدينى" التى تظهر من وقت لاخر، ليكفر قطاع من المواطنين، قطاعاً آخر، ليجرى على اساسه قتلهم احياناً، بما انهم كفار!، سواء كانوا من المواطنين المسيحيين او المسلمين، او حتى اليهود!.(2)

كما جاء فى المادة 3:
مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية.
وماذا عن احوالهم العامة، كمواطنين مصريين؟!. كما جاء فى نص المادة 1 من الدستور: "جمهورية مصر العربية، .. ، نظامها جمهوري ديمقراطي، يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون. ؟!

عندما تضم اى دولة عدة عقائد دينية مختلفة، ولكى يتمتع كل مواطن بحقوق متساوية، فلا يسع هذه الدولة ان تكون دولة دينية، والا تم اتهام اصحاب العقائد الاخرى بالكفر!. لذا يصبح فصل الدين عن الدولة هو السبيل الوحيد لاتقاء مثل هذه المخاطر والمشاحنات، والتى تستنزف جهود الامة وتخلق الشقاق، والتى تهدد سلامة الوطن ووحدة شعبه واراضيه، وبدون هذا الاساس لدولة المواطنة، الدولة المدنية، فان اى حديث عن تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف، او عن "تصحيح او تطوير او تجديد الخطاب الدينى"، يصبح حديث بلا معنى!.

واذا كان احد مبررات التمييز الدينى، دستورياً على الاقل، هو التلويح للغرب بان سقوط النظام، وسيطرة قوى الاسلام السياسى، سيشعل الصراع الدينى ويهدد الاقباط فى مصر، فان ذلك يتناقض مع الشعار الرسمى المرفوع: "مصر دولة مدنية حديثة"!، فان المرجعية الدينية للدولة، تضع مصداقية مدنية الدولة وحداثتها فى مأزق.(3)

وشهد شاهد من اهلها !
فى مقال للكاتب الاسلامى فاروق الدويس، نجد اوضح تعبير، يتسم بالاستقامة، عن موضوع علاقة الدين الاسلامى بالدولة، فتحت عنوان " تصحيح مفاهيم: الدولة في الإسلام دولة دينية بامتياز"، كتب الدويس يقول: ".. إن كل الادعاءات بأن الإسلام يدعو لدولة مدنية وديمقراطية وأن دولة الإسلام ليست دينية… كل هذه ادعاءات باطلة، .. "، ثم يتسائل الكاتب " هل يختلف مصطلح "دولة دينية" عن "دولة إسلامية" ؟ .. ليجيب هو عن سؤاله: " .. إنه لمن التناقض الغريب أن تجد من يستعمل مصطلح “دولة إسلامية” لكن يرفض مصطلح “دولة دينية”!؟ فالإسلام الذي وُصفت به الدولة في المصطلح الأول (دولة إسلامية) هو عينه الدين الذي وُصفت به الدولة في المصطلح الثاني (دولة دينية)، ويضيف: " .. فالذي يميز دولة عن أخرى ليس “البشر”، لأنها كلها دول “بشرية”، ولكن المنظومة التشريعية التي تستند عليها الدولة في الحكم هي التي تميزها، فإن كان الدين هو المرجع للتشريع والحكم فهي دولة دينية .. فالمسلمون دولتهم دولة دينية، فخدمة الناس ورعاية مصالحهم وفق الشرع، دين، والاقتصاد والتجارة، دين، والسياسة المالية، دين، والقضاء، دين، والسياسة، دين، .. ، وعلاج المرضى، دين، وبناء المستشفيات، دين، ، بل حتى قضاء الحاجة، دين، وجماع الزوج لزوجته، دين." !، ليقرر الدويس فى النهاية: " فالخلافة، دولة إسلامية، دولة دينية بامتياز"!.(4)

لقد جاء فى المادة 7 من الدستور:
الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه، .. ،وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه .
كما جاء فى ديباجة الدستور: "نكتب دستوراً يحقق المساواة بيننا فى الحقوق والواجبات دون أى تمييز."

واذا ما كانت جامعة الازهر تتلقى تمويلها من الدولة، (وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية)، واموال الدولة تتضمن الضرائب وكافة الرسوم والاستحقاقات المالية، التى تفرض على المصرى، باعتباره مواطناً، بغير النظر الى ديانته، الا ان هذه الجامعة يتخرج فيها الطبيب باعتباره مسلماً، وكذلك يتخرج فيها المهندس باعتباره مسلماً، وكذلك باقى التخصصات الاكاديمية، فكيف يكون "نكتب دستوراً يحقق المساواة بيننا فى الحقوق والواجبات دون أى تمييز." ؟!.

كما جاء فى المادة 4من الدستور: "السيادة للشعب وحده، يمارسها ويحميها، وهو مصدر السلطات، .."
كيف السيادة للشعب التى اول ما تتمثل هذه السيادة، تتمثل فى حقه الاصيل فى اعادة او عدم اعادة انتخاب الرئيس، او انتخاب رئيس اخر، عند انتهاء سنوات المدة الرئاسية، كيف تتحقق هذه السيادة، عندما يتم تعطيل هذا الحق الاصيل فى السيادة، بتأجيل حق الشعب فى ممارسة هذه السيادة لمدة عامين كاملين؟!.(5)
ثم، وهو الاهم، كيف ينص الدستور فى مادته الرابعة على ان تكون السيادة للشعب وحدة، فى حين ان المادة الثانية من نفس الدستور تنص على ان الاسلام دين الدولة ؟!، حيث ان السيادة فى الاسلام لله وحده، وفقاً لمفهوم "الحاكمية" فى الاسلام ؟!.
سعيد علام
إعلامى وكاتب مستقل
[email protected]
http://www.facebook.com/saeid.allam
http://twitter.com/saeidallam

المصادر:
(1) الصراع على السلطة الدينية فى مصر.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=558391
(2) سلطة يوليو، وخلطة "الهوية المشوهة" للدولة المصرية.
http://www.civicegypt.org/?p=72964
(3) تصحيح مفاهيم: الدولة في الإسلام دولة دينية بامتياز _ فاروق الدويس.
https://ommahpost.com/correcting-concepts-islamic-state-is-religious-one/
(4) سلطة يوليو، وخلطة "الهوية المشوهة" للدولة المصرية.
http://www.civicegypt.org/?p=72964
(5) تعديلات دستورية، ام انقلاب دستورى ؟!.
http://www.civicegypt.org/?p=73963








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: اجتماع أمني تشهده وزارة الدفاع حاليا


.. القسام تعلن تفجير فتحتي نفقين في قوات الهندسة الإسرائيلية




.. وكالة إيرانية: الدفاع الجوي أسقط ثلاث مسيرات صغيرة في أجواء


.. لقطات درون تظهر أدخنة متصادة من غابات موريلوس بعد اشتعال الن




.. موقع Flightradar24 يظهر تحويل الطائرات لمسارها بعيداً عن إير