الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ومضات على ضفاف بحرالأشجان

جميل حسين عبدالله

2017 / 9 / 26
الادب والفن


ومضات على ضفاف بحر الأشجان
‏"هي عبارة عن سباحة في بحر الذات"‏
‏-1-‏
غريب أن الشيء إذا استوفى مدته، تتحلل مادته، ثم يزول عينه بين الأعيان، وبدنه بين الأبدان، لأن ما يكمن فيه من عوامل البقاء، قد ‏تجاوزها ‏ناموس الزمان، والمكان، وهي لا يمكن لها أن تبقي على ما حقه الفناء، ووضعه البِلاء، إذ هي لا تحابي أحدا، ولا تجامله في ‏صارم ‏أفعالها، ولا تتزلف إليه بفائق أوضاعها، لأنه قد كان يحتوي في ذاته على نشاط الذاكرة، وطاقة الفعل، وقوة الكسب، وإنما ‏تنقل أقواما إلى ‏حفر القبور، ثم تنشئ أقواما بين مهاد الأرض، لكي يتطلفوا في إخضاع عيشهم عليها لقانونها العنيد الأحكام، والعتيد الأختام. ‏
لكن، لا أدري، لم نستمسك بأشياء يبدو لنا أنها فقدت علامات وجودها، وآيات خلودها، وهي في غبن قبضنا عليها، لم تحركنا من موقعنا، ولم ‏‏تعرفنا بموضعنا.؟ إن أضخم شيء يدل على استحقاق الشيء للحياة، هو ما يثمره من نفع، وما يحققه من قصد، وما ينتجه من ‏استمرار، وإذا ‏فقد هذا الأثر، وغاب عن الحضور، ولم يصر له وجود إلا في الذهن المفتون بصور العرائس الهاربة، فكيف تجرؤ ‏الطبيعة على إبقائه، وهي لا ‏تحتمل في صلادتة عقلها منطق التناقض، والتعارض.؟ ‏
أجل، كثير من أفكارنا غربت شمسها، وأفل نجمها، وما نظنه واقعا لها، هو صورتها التي يحكى عنها المتشدقون بحياتها، ولونها ‏الذي ينطبع في ‏عقل المجنونين بخيالها. لأنها لو كانت حية، وشممنا روْح عطرها، لانفعلنا بها في كياننا، ولتفاعلت معنا في رفع ما يؤسس مجدا لخلودنا. ‏لكنها ‏انفصلت عنا، وانقطعت صلتنا بها، وغدونا نحاكي صوتها في آمالنا، ونغازل لحنها في أحلامنا. ويا ليتها استجابت لنا، لكي ‏نحس بأنها كانت حقيقة ‏فينا. وإذ ذاك، إذا حكينا عن لين ملمسها، ورقة مخدعها، يصير كلامنا صدقا فيما نقوله عن فتنتها، وحقا فيما نروي عن غفلتها. كلا، لم نضاجع ‏‏بعقولنا إلا سيقان خيالنا، وأنى لنا أن نكسب حقيقة ما يصيبنا من رعدة في تصوير خدرها، وتحديد مكامن اغترارنا بعناق نحرها.‏
ربما إن قلت: إننا نقدس التاريخ أكثر من الحقيقة التي تبهر عقولنا، وتنسف ظنوننا، فلن أعدو ما يقتضيه منطق الفعل، ومقصد ‏النتيجة. أجل، ‏إننا نعيش هوس التاريخ، ولا نعيش وهج الواقع، ونحيى بالورم، لئلا نفقد الإحساس بالألم، وإن أردنا في زمن أن ‏نكتب شيئا عن فخارنا، فكيف ‏سنحكي عن ذوق فقدناه، ونحن لم نمر على الأرض إلا أشباحا بلا ظلال.؟
‏ صعب أن نشعر بتحلل كل شيء في محله، وموته في ملاذه، ولو بقي بين سواد أعماقنا شيء من الأمل في إنقاذ حياته، وإخماد ‏النيران التي ‏تبتلعه، لأن قوة الصيرورة المندفعة خارج جرم عجزنا، وحيز خمولنا، تقف دون حركتنا التي سلبتها الطبيعة ما فيها ‏من قوة عنفواننا. فهل وعينا ‏أننا موتى، وما نحياه من ضروب الانتظار، ما هو إلا مثال يستحوذ علينا، وليس لنا فيه إلا حسرة ‏الذكرى، ووحشة البلوى.؟ ‏
منطقي بالنسبة لي أن أشعر بهذا الألم، وأندب حظي في دركه، لأنني رأيت تلك الأفكار الكبرى، قد جادلت في هوية ذاتها، ‏وحاربت ‏مناظرها، وقاتلت مفارقها، ونالت لها مكانا في واقعها، وموقعا في عابدها، لكنها لم تثمر فينا إلا خرابها، ودمارها. فكيف ‏يمكن الوثوق بما تفرضه ‏علي، وأنا أقول: كل شيء لا يثمر نتيجته، فهو ميت، ومستحيل أن يكون لي حياة خالدة.! وسمه ما شئت، أو صفه بما شئت، فإني قد ‏أصررت ‏على أن أقول: إن ما لم يفدنا بالحياة، هو الموت، وما لم نشعر فيه بالغد، هو الفناء.‏
‏ قد يقول متصلف منتفخ الأوداج بما يشربه من سؤر التاريخ، وعينه زائغة بين أطلال الذكريات الخائرة: هناك انحراف في وضع ‏الأشياء. فأين ‏الخلل يا قوم.؟ سؤال حيرك، وحيرني، وقد انتهى زمن طويل، وأنت لم تعرفني بالزلل، ولا بمضاربه في العقول، ‏ولا بمراحله في الوصول، لأن ما ‏زعمته خللا، لم يحبذه عقلي، ولم يستسغه قلبي. وأما أنا، فلم أعثر على شيء يفيد الخلل، بل ‏عثرت على أفكار استحقت أن تموت. وها هي قد ‏تحللت، وافتقرت إلى أن نحثو التراب عليها بلا روية، لئلا تتعفن بين المدار، ‏والفضاء. فاقبل قولي، أو أرفضه، فإني قد أصررت على أن أقول ‏لك: كل فكر سليم، لا ينتج في جيد صياغته إلا وضعا ‏صحيحا، وسويا. وإذا أنتج العسر بين موارد الشوق، فإن موته أسرع إلى إفنائه من ‏سرعة تطلاب وعاء حياته. ‏
‏-2-‏
إذا كانت المعجزات، لا تنشئ أصل الإيمان، وإنما ‏تتبث يقينه، واطمئنانه، فلم ننتظر الفعل الخارق للعادة، لكي يهدم كل ‏وضع سيء في حياتنا ‏البائسة.؟ أليس من البلادة أن ‏ننتظر التغيير في خارجنا، ومحال صفاته في مكامن باطننا، ‏لا فيما يبدو على ظاهرنا.؟ أليس من الحمق أن نكل ‏كل ‏شيء إلى طاقة منفصلة عنا، وهي لا تتحرك إلا في اتصالها ‏بنا.؟ شيء مربك للعقل الحائر، وهو ينسف قانون ‏الخوارق بالنظر، لكي يحس ‏بأنه ما وجد إلا ليصرع ‏هواجسه، ويميت وساوسه.‏
‏-3-‏
بمقدار ما أنتشي بجرأة الأنثى في مليكة ‏مزان، فإني أنتفش غضبا من مواقفها ‏الباسلة بلا حدود اللياقة، لأن التركيز على عامل العرق ‏في صياغة ‏القضايا الكونية، والمعاني الإنسانية، ‏ليس إلا تغويرا للجرح النازف في جسم ‏الأمة المنكوبة، وهي تحن في أنينها إلى ترياق ينقذ ما تبقى من ‏أوصالها الممزقة. فهل يمكن لنا أن نتحدث ‏عن أصالة عرق من الأعراق، ونظافته ‏من الدخيل عليه، وقد ارتحل أسلافنا ‏على كوكب الأرض ‏لرغبة في إيجاد مقام ‏آهل بالوجود، والحياة الآمنة.؟ ‏
قد ‏يكون هذا انبطاحا تقتضيه حدة موافقها ‏المألوفة، وآرائها المأفونة، لكن ‏اللهاث وراء سراب الآمال ‏المفجوعة، لا يسوغ فينا مبدأ العصبية ‏‏المجنونة، ولا قاعدة العنصرية ‏الممجوجة، ولا يدفع بنا إلى محاسبة التاريخ ‏بلغة الانتقام، والتفصي من حقائق سننه، ‏ونواميسه، لأن ما هو قائم ‏من اختلاط ‏الأعراق، وامتزاج الأنساب، ‏واختلاف اللغات، وارتحال الأسلاف، لا يعيده إلى أصالته ‏شدو يتطاول على الواقع بشواهد الزور، ‏ولا لحن ‏يتجاوز ما انبنى عليه المقام من اشتراك على ‏مهاد الطبيعة، وائتلاف حول المعاني الخالدة. وإلا، فكيف يمكن لنا أن ‏ندعي قيمة عراقتنا ‏فوق كوكب انتقل الإنسان ‏بين أمدائه، وطاف حول أ فيائه، وظعن ‏بين قطبيه، وهو يستوطن مكانا، ‏ثم تعيقه معيقات الاستقرار، ومثبطات ‏‏الاستمرار، فيتقرى البلاد بحثا عما سواه ‏من الأكنان، والأكوار.؟ لعل تسابق ‏الزمن في ذهن مزان، وهي تمجد انفصال ‏الأكراد عن العراق، لم ‏يكن جاريا على ‏حقيقة ما يعنيه استقلال عرق عن قطر ‏من تمزيق للوحدة، وتفريق للوطن، وتقويض لآمال الشعوب في النماء، والازدهار، ‏وهي ‏أشد حاجة إلى الالتئام، والالتحام، لئلا ‏تفترق إلى دويلات ضعيفة، يسهل على ‏العدو المتربص اغتصابها، أو ابتلاعها. ‏ولذا، تكون مزان ‏مهرولة إلى فوتها، ‏ومجرولة إلى حتفها، لأنها بدافع ‏العنصرية، لا بنوازع الاغتراب ‏الانطولوجي، لم تراع وضع هذا الكائن ‏الذي تكالبت عليه قوى ‏الشر من كل ‏حدب، وتفاهتت عليه من كل صوب، فلم تعبأ بما يجب الأخذ ‏به في زمن يستوجب الحذر، واليقظة. فما ‏الذي سيستفيده الأكراد ‏إذا انفصلوا ‏عن بلاد الرافدين، وهي الوطن الذي ‏يقُطه وحش الإرهاب، وغول الخوف.؟ ‏لا أدري، لم نسيت مزان قيمة وحدة ‏الأعراق في ‏تكاثرها، وهو تفترس بنابها ‏ما تبقى من صولة المجد في هذه الأمة ‏المخذولة.؟ أمر مربك، أن يصير ‏الافتراق مطلبا لكل من ادعى انتماء إلى ‏هذه ‏الجغرافيا، أو تلك، وهو لا يأبه بما تراكم ‏عليها من وهن، وضعف، ومرض، وألم، ‏وورم، وقد كانت مهيعا للهاربين من ظلم الجبابرة المتعنتين. هل ‏سيذوب جليد هذا الحزن ‏إذا فرقنا جمعنا، ومزقنا وحدتنا، وصرنا ‏أوزاعا مشتتين، ومفتتين.؟ أمر لا يقول ‏به إلا معتوه العقل، والقلم، ‏والحرف، أو مخذول الذاكرة، والذكرى، والألحان، وهو يدبر نقصه بما يبديه ‏من تحرر، أو تبرم، أو تزمت، أو تطرف.‏
‏-4-‏
مقامة العبودية
أكبر خدعة انخدعنا بها في سيرتنا ‏البشرية، هي ما نسميه بمسمى ‏‏"الحرية". إنها مفردة حقيرة، ‏وحقيقة رديئة، لأنها توهمنا بوهم ‏الاستقلال في ‏الاختيار، وحلم التميز ‏في الاقتدار، وهي ليست إلا معنى رديئا، ومفهوما قميئا، يشل ‏إرادتنا، ويعطل حركتنا، وقيدا ‏يجردنا من حقيقتنا، ويعرينا ‏من ‏هويتنا. لكن هل هي ممكنة في الكلام، ‏حتى تطيق أن تصنع لنا مهد السلام.؟ ‏ربما من شدة غبائنا، وحدة بلادتنا، كنا ‏نظنها طاقة في الذات، ‏وقدرة على ‏قنص اللذات، وقوة في طم عين ‏الشتات، ورغبة في اعتصار ساق الرغبات، لكن تبين لنا في صلابة ما ‏يدهمنا واقعه المتحجر في ‏عطائه ‏الأسيف، أنها ما كانت إلا حلما في ‏عقل الفيلسوف، وهو لم يحك عما ‏هو حال، وكائن، بل أعرب عما ‏يصوغه في خياله من مثال، وبيان، ‏ولو ‏لم تكن له صورة في المسار، والمقام، ‏لأنه حين أوهمنا بشساعة المدار، ‏والمرام، لم يكن إلا مقيدا بما يعانيه من ‏شؤم الأوزار، ولؤم ألأكدار. ‏
تلك ‏هي الحقيقة التي ندرك غصتها بعد ‏فوات الأوان، وانحسار القدرة عن ‏أماكنها في الكيان، وانعدام السبل ‏المفضية إلى الأمان، والمغرية بكسب ‏‏الرهان، لأننا إن لم نحس بذلك في لحظة ‏النكد، فإن ما ينطوي عليه واجب ‏الكبد، هو الذي يبين لنا كيف كنا ‏أحرارا في غفلة الجهل، وكيف ‏نصير ‏عبيدا في عسر مورد الآمال، وغبن ‏مهيع الآجال، وكدر زمن الآزال. لا ‏أخالني حرا إلا في دائرة جرمي الجامد ‏على رقعة فاقدة الأساس، ‏وعديمة ‏الإحساس. وإذا عن لي أن أبتعد عن ‏عرين قدري، فإني لن أحس بتلك ‏الحرية كما تخيلتها في حيز فكري، بل ‏أغوص في عالم لست فيه ‏إلا شلوا ممزع ‏الأوصال، وممزق الأذيال، وصيحة ‏تائهة بين أودية غامرة بالصخب، ‏والضجيج، والعويل، وفيسلة يابسة ‏على أرض الخراب، ‏والبوار، ‏والإهمال. فأي حرية سأغني بها، وقد ‏أيست من اختياري فيها.؟ سيكون ‏القول بوقوع الجبر على كليتي أمرا ‏مقبولا في خلدي، لأني ‏حين نازلت علتي ‏في مضمار وجودي، لم أجدني إلا فارسا ‏أعزل بين رماح الأحزان، والأشجان، ‏ومحاربا لا يملك ترسا يقيه غارات ‏الزمان، ‏والمكان. فلم العناد على أمر حصرت به، وقد أصر القدر على أن ‏يأخذني بسببه، لكي أكون بين كمائنه ‏فقيرا، وأصير بين ضغائنه حسيرا.؟ ‏
سأبيع كتبي، وحرفي، لكي أدرأ بعض ‏جفاء نعتي، ووصفي، ثم أعود بعد ‏سنوات عجاف، لا أملك من الذكرى ‏إلا طيف اللحاف. فهل كان حظي ‏‏لازم بلاء التلف، وهو الذي ‏أرعبني بغموض واقد الرجف.؟ ‏سأقول للذين قطعوا هدوء طريقي، لا ‏تفرحوا ببؤس رقي، فما أنتم في جمعكم ‏إلا ‏شهوة مرت، وأنى لها أن تمتد بين غدر الأماكن كما ‏هرت.! قد أكون عورة في عصي ‏الزمن، لكن لن أموت إلا عند انتهاء ‏أجل المنن.! فلا ‏تهلوا، وأنتم تخشون ‏أن تحُولوا، فما يخفيه التعريض من ‏حلاوة، لن يكون في طيي إلا طلاوة، إذ ‏لا نهاية إلا حيث ابتدأنا، ولا بداية ‏إلا حيث ‏انتهينا. فامرحوا يا قوم، ‏فعليكم مني السلام.‏
‏-5-‏
هل الأقدار مرتبطة بما يحبك في مضمرات التخطيط البشري.؟ أم هي ناتجة عما يقع تحت سياط الظروف الحادثة في الزمان، والمكان.؟ كثير مما ‏يطرأ في حياتنا من عوارض لها أثر علينا، تؤكد حقيقة الجبر فينا، لا معنى الاختيار الذي نصطدم فيه بحقائق تبهرنا، أو بمعان تذهلنا، لأننا ما ‏دمنا لا نطيق تغيير كثير من الأحداث التي تحصل في كينونتنا قهرا، وتحرف صيرورتنا قسرا، لا نطيق أن نجزم بواقعية إرادتنا في الفعل، ‏والسلوك، والهدف. ولذا، يجب أن نتيقظ إلى ما التبس في المفهوم من مدارات توجهها الإيديولوجية (الدينية، أو السياسية.) في جملة وافرة ‏من مضامينها، لئلا يسيطر علينا الزيف في التفسير، والخبل في التعليل.‏
‏-6-‏
كان شيخنا سيدي أحمد الوكيلي يقول: سهل أن تكون فقيه الآخرة، لكن صعب أن تكون فقيه الدنيا الدنية، إذ فقهها لا ينال بقراءة الكتب ‏المسهبة، والحواشي المطنبة، ولا بالإلمام بما فيها من غوامض تحير عقل اللبيب، وتدنف قلب الكئيب، بل بالغوص في آبق المناكب، وآسن ‏المجالب، لأن ما توارى خلف القناع من غامض النيات الفاسدة، لا يكتشف في غفلة الذات عن حقيقة الأشياء التي تركبت ماهيتها بين ‏الأذهان بطرق كاسدة، بل يستجلى ذلك بالوسائل التي يفرضها الواقع، ويُلزم بها في تركيب الضرورة المسودة الآفاق، والمطالع. وهو في عز ‏الاعتراف، وقول الصدق بلا انتكاف، واقع تعرد فيه وحوش مغبونة النفوس، ومقهورة الرؤوس، لا يهتدي فيه طالب النجاة إلا بلغة الافتراس، ‏وكأنه قد فقد كل إمكانات الخير، وطاقات الفعل السوي، وصار منزعا للشيطان، ومجلبا لجنده، ومهيعا لحزبه الملعون الأسوس.‏
قد يصير هذا متعبا لعقل كان يظن ما يختبره من معرفة مكسبا جسيما، ومغنما عظيما، لكنها اللعبة القذرة التي يجب أن نوقن بها، ونحرص على ‏الاستفادة مما تصدمنا به من خسارة، وندامة، لأننا ومهما حاولنا أن نجامل ما آلت إليه حقائقنا من تزييف، وما انطوت عليه من تحريف، ‏فإننا قد أدركنا ضيق المساحة التي تتحرك فيها نواميس القيم والأخلاق بين مجتمعاتنا المتغولة، وقصر المسافة التي يمكن لطاقتنا المبتذلة، أن ‏تتحمل ما يروج فيها من بضاعة الخداع، وتجارة النفاق، وثمن الكذب، وأوزان الالتباس، لأن ما يسيء إلى الكيان المهزوم، ويدمر رغبته في ‏الصفاء المزموم، هو شعورنا بأن كل شيء لا ينال في المجتمعات المتخلفة إلا بمقابل، وعوض. وما لا يكسب بتلك الوسيلة العفنة، فهو محض ما ‏ينتشر بين الناس من رديء الخرافة، وهجين الأساطير. ‏
ذلك ما يلمسه الإنسان بين خضم علل تلبس فيه ما هو خلق رداء الوسيلة الخسيسة، وتصيره قابلا في سلوكه لما يدني غاية الفوز، والربح، ‏والاكتناز. وإلا، فلم لا يستشار الحذق بالعلة إلا بأداء يفرض مسبقا، ولو لم يكن بالإمكان بلوغ جدوى ما في قوله من غموض، وانحراف.؟ ‏قد يتلف هذا مسير ارتباطنا، ويفلس مصير علاقتنا، لأننا قد تحولنا إلى مجتمعات مادية صرفة، لا ترحم ضعيفا لضعفه، ولا فقيرا لفقره، وكأني ‏بها في سرحان، ومقتضى النظر، ليست إلا غابة غائرة، أو صحراء فاتكة، لا يلجها حظ إلا واغتصب، أو أغتيل. فكيف بمكن لنا أن نقر بغير ‏هذا الذي نقول، ونحن نجزم بصدقه فيما يزفر به الصدر من شكوى، وبلوى.؟
أمر حقير أدركته في سوس العالمة، ووعيت بعض أسبابه الواهمة، وكأنها ما كانت في سالف عهدها مهدا للبساطة، ولا موئلا للوجاهة، وهو ‏ما لا تكاد عينك تفارفه، وأنت تجتاز بين الفدادين التي اخترطتها أقدام الضائعين، وأحلام التائهين، فتراها شاحبة، ويابسة، لا تذكرك بذلك ‏الماضي الذي تغنى به المختار، ولا توحي بأنها فوضت حقيقتها في زمن غابر لخلق قديم، أو سلوك قويم. فالأماني حيارى، والأحلام غرثى، ‏والصبيان متعاندون، والكهول متباينون، والشيوخ متناكرون. شظايا من البشر، ونتف من التاريخ، وفتات من الأعراف، لا رابط يربط بين ‏عاداتها الممزقة، ولا نظام يسير بتقاليدها إلى الكمالات الممجدة. سراب، وخراب. وألوان، وأشكال، لا يغمسها في بحر الماضي غواص ماهر، ‏ولا يحملها إلى الغد جواب قادر. شيء مفجع يدل على أن المكان قد فقد ملامحه، ودالت معالمه. فأمن المورد ثارت عليه طفيليات مترسبة، ‏يحكي عن عنفها القاصي، والداني، ويروي عن غزواتها كل من أحس بولادة الثعالب بين كسوف الدور، وخسوف الأطوار.‏
مربك ما ترى، ومفجع ما جرى. ضياع في الأرض، وظلام في الأفق، وسواد في المدى، وعار يطمس الوجوه، وخزي يدمر الدروب، ولؤم ‏يميت الصلات. فلا شيء يوحي بمرور شيء هنا، أو يفضي إلى وجود حقيقة هنا. فالالتفاف على بلالة رزق، والاحتماء بأنانية موءودة الطيف، ‏والاقتداء بشبح متنمر الرغبة، لم تترك للقريب والبعيد عقلا للتمييز، ولا خلقا للتدبير، بل تلاحمنا حول هذا الدسم العفن، لكي نقتنص منه شيئا ‏تافها، ولو اندفعنا إليه بكل ما تضمره الأحشاء من حقارة، ودناءة. ‏
ربما ما حكوا عنه من عز يهمس به التاريخ، ويذود عنه حماة الجهالة، ويبثه رعاة الغباء، كان أكذوبة، أو كان أسطورة. وإن لم يكن كذلك، ‏فيكفي أنه تعرض لمسخ المعالم، وتشويه الملامح، أو نالته إعاقة مزمنة، أو إضافة مغرضة، فلم يكن له في يوم من الأيام صورة الحقيقة، إذ لو ‏كان له وجود غير ما انتفش بين النفوس من افتيات، وانغلاق، لظهرت بعض فضائله في السلوك، والأخلاق. عالم غامض، لكنه لا ينطوي إلا ‏على شيء هزيل، هو في الغاية القصوى، ذلك الفقر الذي يصنع المجتمعات الباسلة في الخداع، والبائسة في النهل، والكروع.‏
‏-7-‏
القرار الذي لا يمكن أن تصدق ما تتكهنه فيه من فوز، أو هزيمة، هو الذي يغري بالسؤال المفجع، والاستفهام الضجر، وأنت في سواد ما ‏يتراءى لعينك من أمداء، لا تدري كيف ستسبح في بحر لا تعرف عنه شيئا، سوى أنه ماء غائر الأعماق، يغرق فيه مهرة الغواصين. ‏
أجل، إن خوض ما في أعماق المجهول من غموض، وخفاء، وعدم معرفة ما تنطوي عليه الأشياء من احتمالات متناقضة، وافتراضات متعارضة، ‏هو الذي يجعلنا حيارى بين دروب انتظار نستفتح به مصير الأمل المغبون، ويصير علاقاتنا مع الحقائق بين شك، ويقين، فلا نطيق أن نستجلي ‏فيها ما نتخيله من ربح، أو خسارة. ‏
ولذا يعسر الحسم في كثير من صيغ الحوار الذاتي الذي نستهدي به إلى أغوار مأساتنا، وأنجاد مواجعنا، لأننا بمقدار ما نميل إلى نتيجة مرضية ‏بما تحققه فينا من متعة، ولذة، فإننا نصطدم بنتائج أخرى محتملة، ومتوقعة، يمكن لها أن تحدث الارتباك في العقل، والاختلال في السلوك، ثم ‏تدفع بنا إلى التيه بين غوامض الضعف، والكآبة، والانتحار.‏
‏-8-‏
بعد أن انتهت كثير من الآمال التي ‏‏صغنا روابطها على مجهول الحياة اللئيمة، ‏‏ومغبون اللذات الأثيمة، يبدو لنا أننا ‏‏سننطلق من نقطة الصفر، لكي ‏نعود إلى ‏‏حيث كنا موتى، لا يتعبنا أمل في صحيح الفكر، ولا رجاء في صريح ‏‏النظر. وأخشى أن يدركنا ما تبقى من ‏حصيد ‏العمر، ورصيد ‏الكدر، ونحن لم نصعد عقبة كأداء، ‏ولم ‏نقطع أرضا رمضاء. فأي أمل في شخص ‏‏فقد عنفوانه في متاهة فارغة المعنى، ‏‏وخالية الجدوى، وحين ‏استيقظ من قاع ‏سباته، وقهر عداته، ‏لم يجد بين عينيه إلا مصيرا يقتضبه ‏الخواء، ويقتنصه العماء.؟ ‏
تلك ‏القصة متعبة، ‏وهي في حقيقة ما نلناه ‏منها مقلقة، وفي ‏سيرة ما كسبناه منها مربكة. وتذكرها في ‏لحظة سرحان ‏الذهن بين صور الضياع، ‏والشتات، ‏وألوان الزيف، والافتيات، ‏لا يعني سوى فيض الألم، ‏والضجر، والسآمة، والبرم. ‏فلا أدري، إلى أي ‏متجه سيتجه مشلول ‏الحلم، ‏ومعلول ‏الأمل بالورم، وهو لم يعوده ‏غدر الزمن إلا ‏على الإخفاق، ‏والانهزام.؟ قد يكون ‏شقاءنا من هذا ‏الجني الذي يسكن حرفنا، ‏ويصرع ‏فكرنا، ‏وقد يكون من هذا ‏الوعي الذي ولد ‏في محضن رديء المناخ، ‏وسيء الطباع، ونحس المطالع، وقد ‏يكون من لعنة ‏التاريخ التي اختارت ‏لنا ‏خيارا لم نعثر ‏فيه على ذواتنا، ولم ‏نستحل فيه غاياتنا، ‏وقد يكون من سبة ‏المقام الذي تدحرج ‏فيه الرجاء إلى أحط ‏دركاته، وآسن ‏غمراته، ‏وقد يكون من ‏معرة لحقتنا مما ‏غطسنا في عفنه كاسد عقولنا، ‏ومرعنا في ‏حطامه جامد ظنوننا، وهو سؤر لا ‏‏يشرب إلا بذلة، ولا يلبس إلا ‏بخسة، وقد ‏‏يكون من غير ذلك، لكن ما تأكد لي في ‏‏منعرج طريقي، ومنحرف شروقي، أن ما ‏‏أحميه من خمائل، وما أذود عنه من ستائر، ‏‏هو ‏أول ما سيهدم من هذا البناء ‏‏الرخو الأصول، والهشيش الأسوس، ‏‏وأن ما كنت أخشاه من وعثاء، وأتوقاه من ‏‏نكباء، هو العتبة التي ‏سأجتازها في بداية ‏‏اختراقي لأفياء مظلمة، وأمداء مسودة، ‏‏قد تكون في حيرتها خوفا، أو جبنا، أو ‏‏يأسا، أو إحباطا. إذ لا أملك في ذاكرتي ‏‏‏أدلة توضح حدود ملامحها، ورسوم ‏‏معالمها، ولا وصايا ترشدني إلى طي ‏‏مغابنها، وغائر مغازلها، وهي حتم علي ‏‏أن أنازل حنادس ظلامها، ولازم ‏أن ‏أجابهها في طريق ‏مخيفة، وأرض مشوِكة، ‏لا ترحم صغيرا، ‏ولا توقر كبيرا. فآه، آه، ماذا ‏يفيدني أن أعثر ‏عليك أيها الحرف ‏التعس الأماني، ‏‏وأنت منذ أن سكنتني، ‏وصرعتني، لم أجدك ‏إلا شقيا، وعصيا، ‏وعنيدا، وزهيدا.؟ هل ‏سأصافحك بيد مبتورة، ‏وأنت من قطعت ‏صلتها، ‏وغرزت في ‏عروقها جاهز سمومك، ‏وقاطع ‏أصلالك.؟
‏ لن ترحمني بشفقتك، ‏كما لم ‏يرحمني من أغلق الباب دوني، ‏وتركني ‏شريدا بين القفار التالفة، وطريدا بين ‏الأدغال القاتلة. فأنى ‏لي أن أستطيب ‏في ‏غبنك مقاما، أو أن ‏أستلذ ما أناله منك ‏كرها.؟ قد لا يمكن لي أن ‏أعدو غموضك ‏الذي أوجعني ضلال ‏معناه، وأنت من ‏عودتني على أن ‏أكون ‏في عمقي غافلا، وفي ‏صدري تائها، وفي ‏سبيلي بائسا. لكن، لم يبق ‏لي من عناد أكابر ‏بغرته، أو أتجلد بلمته، ‏لأنني قد أيقنت ‏بالهزيمة، ‏وأقررت بأن ما ‏سيؤول إليه ‏أمري بين دياجير حلم ‏أواصله بدموع ‏مسفوحة على قبر ‏الأمنيات، لن يكون إلا ‏نهاية لمأساة تأثمت ‏بها سنين ‏طويلة، وفناء ‏لمعاناة واجهت ‏عسرها بين دروب ‏تشطت بين عيني، ‏وتوارت وراء جبتها ‏كل الأشواق ‏التي تجهمت في وجهي، ‏وبدت لي على ‏وجه ‏الطبيعة شاحبة، ‏وبين الآفاق حالكة. ‏
تلك القصة، لن يحكيها الحرف، ‏وهو ‏يحتضر، ويموت في غرقه ببطء، ‏ويتلاشى ‏في فكره، ويزول في نظره، وهو ‏يودع ‏المقام، ويعول حول ‏الخراب، ‏ويرثي ‏حظه بالأوجاع المدنفة لذاته، ‏وهويته، ‏والأعراض المؤلمة لزمانه، ‏ومكانه. ‏ويقول: قد انتهت كل الآمال ‏الحسيرة، ‏فحيهلا أيتها ‏الموت الرديئة.‏ ‏
قال أبو العلاء المعري:‏
إِذَا وَصَفَ الطَّائِيُّ بِالبُخْـلِ مَــــــــادِرٌ ‏‏ وَعَـيَّـرَ قُسًّا بِالفَهَاهَـةِ بَاقِـلٌ
وَقَالَ السُّهَى للشَّمْسِ أَنْتِ خَفِيَّةٌ وَقَالَ ‏الدُّجَى يَا صُبْحُ لَوْنُكَ حَائِلُ
وَطَاوَلَتِ الأَرْضُ السَّمَاءَ سَفَاهَـةً وفَاخَرَتِ ‏الشُّهْبَ الحَصَى والجَنَادِلُ
فـيَا مَوْتُ زُرْ إنَّ الحَيَاةَ ذَمِيـمَةٌ ويَا نَـفْسُ جِدِّي ‏إنَّ دَهْرَكِ هَازِلُ
‏-9-‏
واكرباه، واكرباه.! لو جاءتني لعنة المكر ممن خلتهم في منأى عن منهج الدين، لخف الرزء، ولهان الثقل، ولاتسع المدار، لكن أن تلد ما نسميه ‏بالأسر المحافظة، تلك الأوضاع الآسنة بما تواتر عليها من تخلف في العقل، ورداءة في الفكر، ورقاعة في السلوك، فذاك مما يجبرني على الحيرة ‏الفاتكة، ويربكني في كثير من تصوراتي الحالكة. فلم تنتج تربة هذه المظاهر المتوغلة في تقديس الظاهر، وتلميع الصورة الخارجية، ما يتعب ‏المسير، ويقلق المصير.؟ ‏
شيء يبدو لي غير منسجم في التركيب، ولا متسق في التسويغ، ولا ممنوح في التدبير، ولا منفعل في حقيقة ما نتصوره من علله الغامضة، ‏وأقيسته الفاسدة، لأن شجرة الحق التي تتضخم بها الذوات المستعرة بالتعالي، والمستحرة بالتسامي، لم تنتج لنا في واقعنا الحقيقي إلا علاقات ‏متسمة بالنفاق، ومتشحة بالكذب، ومتلبسة بالحقد، ومتضخمة بالكراهية. وإلا، فلم هذا الخلل الذي يصدمنا في أول احتكاك نواجه به الآخر ‏المتضمخ بالطهرانية.؟
‏ قد يغادرني بلؤم هذه المسالك كثير من قناعاتي القبلية، وأخشى في لحظة من اللحظات الحاسمة، أن أصرح بالرفض للنواميس التي ينبني عليها ‏صرح التزييف، ويتأسس فوقها مدار التحريف، فأنبذ كثيرا من هذه النسب التي تواضعنا عليها جهالة، وغباوة، وأعلن بأننا لا نعيش شيئا اسمه ‏الحقيقة المثلى، بل نحن تائهون في متاهة الخداع، وديجور الفراغ. ولولا ما علق بالذات من خوف، وما تلبث في الصدر من عناء، لكنت صريحا ‏بأن التاريخ قد ألبسني أسمال القول الكاذب، ثم شربت من مورد عفن، وجدته في حلقي غصة مرة، وفي ذوقي نكهة كريهة. فلم أتقيأه حذرا من ‏سبة من لا يقدر حرية الاختيار، ورضي بأن يكون حاكما على رقاب الآخرين بالسيف البتار، وحارسا لا يقبل في ندوره إلا الموسوم بذل ‏الإهانة، والإدانة، ولم ابتلعه خشية من أن يكون سما زعافا، يقطع نياط قلبي بأصلاله، ويقضي على ما تبقى من روح الأمل في عمق مستعر ‏بالأحزان، لأنني رفضت في زمني الأول، وقبل أن أكون صيحة في مقهى يضج بالعويل، أن أكون مخدوعا بالمظاهر المتعرية بما يرشح به سر ‏شؤمها، ولؤمها.‏
‏-10-‏
دروس نقرأها من الحياة البائسة، لا تفيد في صوغها كتب الدين، والفلسفة، والفكر. أولها: أن ما لا تسكنه روح المطلق، خراب يباب، يصوح ‏عليه غراب البين، والآلام. ثانيها: أن الحاجة تذل هامة الحر بالعناء، وتمرغ هيبة الأبي في وحل الشقاء. ثالثها: أن ثمن الوفاء لعالم المثل، ‏والفضائل، هو الضياع بين موارد الأوغاد، والأوباش. رابعها: أن باب الحقيقة المثلى، لا يطرق إلا بتجسيد صفة الغني في الارتقاء، إذ ما صارت ‏إليه أحوال المجتمعات المتخلفة، لا ينفع معه إلا الاكتفاء، والاستقواء. خامسها: أن كثيرا من القشور التي يتظاهر بها المتدينون في المجتمعات ‏المغلقة، والمصالح المنسدة، ليست إلا أظرفة لوقاية الذات الخائفة، وأوعية لستر ما فيها من عقد النقص، ومكامن الفراغ. سادسها: أن الحرص ‏على تمام الأشياء، من غير معرفة بما تنبني عليه نواميسها، وعللها، ليس إلا تضييعا للوقت بين مجاهل الأماني الفارغة. سابعها: أن لعنة تضييع ‏الفرص، لا تلحق الإنسان إلا بعد كساد السبل، وزوال ما فيها من رقة، وجدة.‏
‏-11-‏
لو طالبنا بتحسين نوعنا في الإيالة العاقلة، وفرضنا على من يريد أن ينشئ أسرة في المجتمعات البشرية، أن يكون سويا بشهادة الثقات من ‏الأطباء السيكولوجيين، والعدول من العلماء السوسيولجيين، لكنا قد قطعنا شوطا كبيرا في سبيل بناء الحضارة الإنسانية، والأخلاقية. لكن أن ‏يترك الحبل على الغارب، ويمنح محضن إنشاء مجتمع الغد للسفلة، والدهماء، والغوغائيين، والأوغاد، ونحن ننتج جيلا غير سوي، لانحراف مهاد ‏ولادته، ومكامن نشأته، فإننا لن نصل إلى تاريخ حقيقي لصناعة ذلك الإنسان الحقيقي الذي يبني الغد بالمثل الفضيلة، والقيم النبيلة.‏
‏-12-‏
حين لا يقع العطف إلا لتوقي ما يرزأ به البائس من نكبات، فالأولى في الاعتبار أن نسميه تشفيا، وشماتة، لا إنسانية، ورجولة، إذ هما ‏يقتضيان أن ينبعا من العمق لغاية في ذاتيهما، وهي ما يكسب الإنسان يقينا بأنه يصل حبل الخير بين الناس، رغبة في نبل العطاء، لا ابتغاء لرفع ‏الدرجات المنتظرة بآلام الآخرين.‏
‏-13-‏
إنما الإله لعق على ألسن كثير من أدعياء الطهارة، والنقاوة، إذ لا يختبر أثر الإيمان به في حمأة المصالح المتعارضة، والمنافع المتعاندة، إلا وبرز ما ‏يختفي بين الذوات من آسن الرواسب القديمة. فالإنسان على هذا نتيجة للحقيقة الغائبة في عمقه. وحش ضار فيما يحمي به نفسه، وحمل وديع ‏فيما يكسب به مجده.‏
‏-14-‏
دليل العقل بشروطه يخلق اطمئنان اليقين، وحجة ‏القلب ببساطتها تصنع صدق التسليم، وما أفلح من ‏حكم القلب على عقله، وهو يظن خلوده ‏في ريب ‏الزمان، والمكان.‏
‏-15-‏
مقولات مهداة للحائرين من عشاق الحكمة. ‏
‏-الاغتصاب الحقيقي، هو أن يصنعك نمط التدين الذي تقدسه كائنا سلبيا في حياتك.‏
‏-أصعب قرار، هو ما تلاحم فيه العقل، والعاطفة، وكلاهما له دليله المقنع.‏
‏-ألم تدرك أيها المخدوع، أن صورة الإله التي كنت تقدسها، كانت تحمل طباعك، وغباءك، وجهل انتظارك.؟
‏-الأحمق من أراد تحرير رقاب العبيد، وهم قد استحلوا الغطس في بحر المذلة، والمهانة.‏
‏-تزاوج الفقر، والكفر، لكي ينشآ مجتمعات رديئة، لا تقدس قيمة، ولا تؤمن بحقيقة.‏
‏-إذا حكمت غيرك بغصب، وعنف، نلت خوفه في البداية، وتمرده في النهاية.‏
‏-إذا كانت مثلك العليا سادية، فقل لي: من أي باب سنلج عالمك.؟
‏-الخسارة التي أنتجت بداية الطريق ربح في التجارة.‏
‏-الجاهل يقدس الجدران، ولكنه لا يعظم من يسكنها من الأرواح.‏
‏-المنبوذ، يلبس كل القمصان التي تظهره كاملا، ما دامت تمنحه قيمة الوجود الذي فقده في حقيقته.‏
‏- لولا تاء التأنيث، لكلت اللغة عن التعبير.‏
‏- إذا استشرى الخوف في الذات، عبدته كل الجوارج، وإذا استكانت له، قادها إلى مجاهل الوجع.‏
‏- صعب أن تعيش سموك بمكنونات مقهورة، وأنت تريد الطيران في آفاق ممدودة.‏
‏- لا حرب أشرس من تلك التي يشتعل أوراها بين حدود ذاتك.‏
‏- عجبا للذاكرة المتشظية، لا يرد عليها طيف سارح، إلا وذاب بين بحر الأحزان، والأشجان.‏
‏- إذا كانت الذكرى واحدة، فإنها قد ماتت بين الأنين، والحنين.‏
‏-إذا غيب الحقد فيك إنسانيتك، فقل لي: من أي دين أنت.؟
‏- المخلص الحقيقي، هو ما تستدل به من ناموس في طريق رحلتك من خدعة الوهم.‏
‏- لم ندرك ما بين الغايات السيئة والحسنة من مسافة، لكي نتمهل في الطريق زمنا طويلا.‏
‏- مجرد المشي لا يكفي، بل لا بد من تحديد الوجهة.‏
‏- الجهل منجاة، إذا اختنق العلم بالأحلام اليائسة.‏
‏- حيثما توجهت، تحبطك القيود، والأغلال، فأي رجاء في أمل لا نهاية له.؟
‏- وحتى الجميل، لا يحتمل إلا القبيح في عين المنهزم.‏
‏- السبب الذي يستعبدك، لن يكون أملا في حريتك.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز


.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن




.. هنا تم دفن الفنان الراحل صلاح السعدني


.. اللحظات الاولي لوصول جثمان الفنان صلاح السعدني




.. خروج جثمان الفنان صلاح السعدني من مسجد الشرطة بالشيخ زايد