الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسطورة الأسواق الحرّة فى مقابل الإشتراكية الحقيقية – من الجزء الأوّل من كتاب - ماتت الشيوعية الزائفة ... عاشت الشيوعية الحقيقية !- تأليف بوب أفاكيان

شادي الشماوي

2017 / 9 / 26
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


أسطورة الأسواق الحرّة فى مقابل الإشتراكية الحقيقية – من الجزء الأوّل من
كتاب " ماتت الشيوعية الزائفة ... عاشت الشيوعية الحقيقية !" تأليف بوب أفاكيان

[ لتنزيل الكتاب بأكمله نسخة بى دى أف : مكتبة الحوار المتمدّن ]
https://www.4shared.com/office/TAHEVgGAca/__-______.html
الماويّة : نظريّة و ممارسة
عدد 28 / جويلية 2017
شادي الشماوي

( ملاحظة : هذه الترجمة ليست رسميّة /This is not an official translation )
مقدّمة المترجم للكتاب 28 :
عنوان كتاب بوب أفاكيان الذى ترجمنا إلى العربيّة وننشر هنا هو" ماتت الشيوعيّة الزائفة...عاشت الشيوعيّة الحقيقيّة !" وهو ذات عنوان بيان شهير للحركة الأمميّة الثوريّة بصدد ما جدّ في أواخر ثمانينات القرن العشرين و بدايات تسعيناته في الإتّحاد السوفياتي و البلدان التي كانت تمثّل كتلته من تفكّك و تداعى و إنهيار . و الحركة الأمميّة الثوريّة وليدة الصراع بين الخطّين صلب الحركة الشيوعيّة العالميّة الذى خاضه ورثة ما سمّي بداية " فكر ماو تسى تونغ " و تاليا الماويّة ضد كلّ من التحريفيّة المعاصرة السوفياتيّة و التحريفيّة الصينيّة و التحريفيّة الألبانيّة أو الخوجيّة ، تنظيم عالمي لمجموعة كبيرة من الأحزاب و المنظّمات الماويّة أو الماركسيّة – اللينينيّة – الماويّة نشأ على أساس بيان الحركة الأممية الثوريّة لسنة 1984 الذى أردف لاحقا ، سنة 1993 ، ببيان " لتحي الماركسية - اللينينيّة - الماويّة " . و ظلّ هذا التنظيم العالميّ ينشط موحّدا إلى 2006 حيث حصل داخله إنشقاق أساسيّ كبير لعدّة أسباب أبرزها الإنحراف اليمينيّ ، التحريفيّ الإصلاحيّ للحزب الشيوعيّ النيبالي ( الماوي ) الذى أوقف حرب الشعب الماوية التي قادها لسنوات عشر و بدلا من إنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة و تعبيد الطريق للثورة الإشتراكية بقيادة البروليتاريا و بالتالى تحطيم الدولة القائمة للطبقات الرجعيّة ، إنخرط في العمل في إطار الدولة الرجعيّة لإصلاحها . و قد سبق لنا و أن وثّقنا هذا الصراع داخل الحركة الأممية الثوريّة في كتابين تجدونهما بمكتبة الحوار المتمدّن و هما " الثورة الماويّة في النيبال و صراع الخطّين صلب الحركة الأمميّة الثوريّة " و " الماويّة تنقسم إلى إثنين ".
و بوب أفاكيان هو رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الذى كان من أهمّ الفاعلين في تشكيل الحركة الأمميّة الثوريّة و في قيادتها لذلك لم يكن مفاجأ أن يحمل بيان تلك الحركة نفس عنوان كتاب أفاكيان كما لم يكن مفاجأ أن تروّج أحزاب و منظّمات تلك الحركة لهذا الكتاب عبر العالم قاطبة و كذلك لم يكن مفاجأ عدم نشر الجزء الثاني المعدّ في الأصل لهذا الكتاب مع الجزء الأوّل منه بل صدر في مجلّة الحركة الأمميّة الثوريّة ، " عالم نربحه " عدد 17 سنة 1992 ورابطه على الأنترنت هو : http://www.bannedthought.net/International/RIM/AWTW/1992-17/index.htm. و قد إنصبّ إهتمام المؤلّف في الجزء الذى نشر بالمجلّة إيّاها على نقد إنحراف يمينيّ ديمقراطيّ برجوازي ظهر صلب قيادة حزب من الأحزاب المنتمية إلى الحركة الأمميّة الثوريّة ونقصد الحزب الشيوعي الهندي ( الماركسي – اللينيني) لجنة إعادة التنظيم. و بعد بضعة سنوات ، في طبعة ثانية للكتاب ، وقع ضمّ الجزء المنشور بالمجلّة إلى بقيّة الكتاب . لذلك لم نترجم الكتاب كما صدر في طبعته الأولى فحسب بل أضفنا إليه النصّ الذى نشر في " عالم نربحه ".
و لئن إنكبّ بوب أفاكيان في الجزء المنشور في مجلّة الحركة الأمميّة الثوريّة بتسليط سياط النقد على ذلك التوجّه التحرفيّ الإصلاحي فإنّه في الجزء الذى صدر من البداية ككتاب قد إعتنى بالردّ على الهجوم الإيديولوجيّ على الشيوعيّة الحقيقيّة ، الشيوعيّة الثوريّة من قبل الممثّلين السياسيّين و الأدبيّين للبرجوازيّة الإمبرياليّة و بالأخصّ ما صرّح به جورج بوش و برجنسكي المستشار السامي في إدارته .
و ليست هذه هي المرّة الأولى التي ينبرى فيها بوب أفاكيان و حزبه للتصدّى للدفاع المستميت عن علم الشيوعية و التجارب الإشتراكيّة للبروليتاريا العالمية وتعرية التيّارات التحريفيّة و الإصلاحيّة فقد رأينا بوب أفاكيان يقارع التحريفيّة الصينيّة التي إستولت على السلطة في الصين إثر إنقلاب 1976 و حوّلت الصين الماويّة الإشتراكيّة إلى صين رأسماليّة ، في كتاب " المساهامات الخالدة لماو تسى تونغ " و رأينا الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، ينقد بصلابة الخوجيّة و يرفع راية الماويّة في كتابنا ، " الماويّة تدحض الخوجيّة و منذ 1979 " ، و رأينا هذا الحزب بقيادة بوب أفاكيان ، يفضح تحريفيّة و إصلاحيّة الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي ) في كتابنا " الثورة الماويّة في النيبال وصراع الخطّين صلب الحركة الأمميّة الثوريّة " ) و ألفيناه أيضا يواجه دغمائيّة بعض الأحزاب و المنظّمات التي كانت منتمية إلى الحركة الأممية الثورية من أفغانستان و الهند و إيطاليا و غيرها و معارضتها التعاطى مع الشيوعيّة كعلم و تطوير الماويّة تطويرا ثوريّا في كتابينا " الماويّة تنقسم إلى إثنين " و " آجيث صورة لبقايا الماضى " . و لتكوين فكرة عن الخلاصة الجديدة للشيوعيّة أو الشيوعيّة الجديدة التي يعتبر بوب أفاكيان مهندسها و التي يمكن أن تعدّ مزيجا من الدفاع عن المبادئ الشيوعيّة الصحيحة و مكاسب التجارب الإشتراكية من ناحية و نقد لبعض الإنحرافات و الأخطاء و تطويرثوريّ للماويّة أو الماركسيّة – اللينينيّة – الماويّة لجعلها أرسخ علميّا و أقدر على قيادة المرحلة أو الموجة الجديدة للثورة الشيوعية العالميّة من ناحية ثانية ، نقترح على القرّاء الغوص في كتابنا – المتوفّر هو و بقيّة الكتب الآنف ذكرها بمكتبة الحوار المتمدّن – " عن بوب أفاكيان و أهمّية الخلاصة الجديدة للشيوعية – تحدّث قادة من الحزب الشيوعيّ الثوريّ ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة ".
و قد ينبرى أحدهم ليثير سؤال : ما علاقة كتاب " ماتت الشيوعيّة الزائفة ... عاشت الشيوعيّة الحقيقيّة ! " بمجريات أحداث الصراع الطبقيّ و الصراع الإيديولوجي تحديدا الآن و هنا ، بعد ما يناهز الثلاثة عقود من صدور ذلك الكتاب ؟ و الجواب في غاية البساطة : المسائل المطروحة و المناقشة مسائل ما إنفكّت تطرح على بساط البحث إلى اليوم في صفوف فرق اليسار عربيّا فضلا عن كون الهجوم الإيديولوجيّ على الشيوعيّة الحقيقيّة ، الشيوعيّة الثوريّة ما لقي تصدّيا كما يجب كمّا و نوعا من الشيوعيّين و الشيوعيّات في البلدان العربيّة و ما زلنا إلى اليوم نعانى أيّة معاناة من تبعات ذلك . و حتّى عالميّا ، لا تزال أفكار هذا الكتاب ليس صالحة و حسب بل تنبض حياة و على سبيل المثال سيتفطّن دارس الخطّ التحريفيّ الإصلاحيّ للحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي) منذ 2006 و دارس نقد أفاكيان للحزب الهنديّ في الجزء الثاني من هذا الكتاب تقاطعا إلى درجة كبيرة بين أطروحات الحزبين المنحرفين و بالتالى بالإمكان إستغلال حجج أفاكيان في هذا المصنّف للردّ عليهما معا و حتّى على أشباههما ممّن صاروا من أنصار الديمقراطيّة البرجوازيّة المغلّفة بغلاف شيوعيّ في الكثير من بلدان العالم و على النطاق العربيّ أيضا .
و وحده من يسلك سياسة النعامة و يدفن رأسه في الرمل بوسعه إنكار ضرورة الفرز اليوم بين الشيوعيّة الزائفة أي التحريفيّة و الإصلاحيّة السائدتين داخل الحركة الشيوعيّة العربيّة من جهة و الشيوعيّة الحقيقيّة ، الشيوعيّة الثوريّة من الجهة الأخرى سيما و انّ التحريفيّة و الإصلاحيّة قد نخرا و لا يزالان أجسام حتّى القلّة القليلة الباقية من المنظّمات الشيوعيّة الثوريّة أو التي تدّعى ذلك ، و قد سمّما أفكار الشيوعيّات و الشيوعيّين و حوّلا تلك المنظّمات و أولئك الأشخاص إلى ديمقراطيّين برجوازيّين أو قوميّين شوفينيّين لا غير .
و من هنا يندرج عملنا هذا ضمن توضيح و مزيد توضيح خطوط التمايز بين علم الشيوعيّة كسلاح جبّار من أجل الثورة الشيوعيّة العالميّة من ناحية و الصورة المحرّفة و المشوّهة له التي يقدّمها التحريفيّون و الإصلاحيّون من الناحية الأخرى. غاية عملنا إذن هي مساهمة أخرى تنضاف إلى مساهماتنا السابقة في ممارسة الماركسيّة و نبذ التحريفيّة كما أوصانا ماو تسى تونغ . و يكفى إلقاء نظرة على مضامين هذا الكتاب الذى نضع بين أيديكم للتأكّد من مدى أهمّية و صحّة هذا و لا ظلّ للشكّ في أنّ دراسة القضايا المناقشة في هذا الكتاب ستساعف على كشف حقائق في منتهى الأهميّة و الدلالة و رفع الوعي الشيوعيّ الحقيقيّ و نشره في مجابهة أعداء الشيوعيّة و مزيّفيها . و بطبيعة الحال ، ينبغي عدم نسيان إعمال سلاح النقد و قراءة الكتاب قراءة نقديّة في علاقة بواقع أيّام كتابته و أيّامنا هذه و لما لا صياغة ملاحظات نقديّة تفيد في الجدالات و الصراعات في سبيل تطوير فهم علم الثورة البروليتاريّة العالميّة و تطبيقه من أجل تغيير العالم تغييرا شيوعيّا ثوريّا و تحرير الإنسانيّة من كافة أنواع الإستغلال و الإضطهاد.
و محتويات العدد 28 من " الماويّة : نظريّة و ممارسة " ، فضلا عن مقدّمة المترجم :
ماتت الشيوعية الزائفة ... عاشت الشيوعية الحقيقية !

مقدمة الناشر :
تمهيد :
موت الشيوعيّة و مستقبل الشيوعيّة
القمم الثلاث
1 / ماركس :
أ- المادية التاريخية هي الجانب الجوهريّ فى الماركسية :
ب- السرّ القذر للإستغلال الرأسمالي :
2 / لينين :
أ - الإقتصاد السياسي للإمبريالية :
ب- الحزب البروليتاري الطليعي :
ت- تطوّر الثورة البروليتاريّة العالميّة كسيرورة ثوريّة عالميّة :
3 / ماو تسى تونغ :
أ- نظرية و إسترتيجيا ثورة الديمقراطيّة الجديدة :
ب- مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا :
4/ الماركسية - اللينينية - الماوية : توليف كلّي القدرة لأنّه صحيح

الجزء الأوّل
الهجوم الراهن ضد الماركسيّة : المراوغات و الردود
1/ أسطورة الأسواق الحرّة فى مقابل الإشتراكية الحقيقية :
2/ بصدد البرجوازية و " الطبيعة الإنسانية " و الدين : الردّ الماركسي :

3/ مرّة أخرى حول الإقتصاد البرجوازيّ و خلط البرجوازيّة للأمور:

4/ من يدافع حقا عن التحرر الوطنيّ و ما هو مفهوم الأمميّة :

5/ دكتاتورية البروليتاريا : ألف مرّة أكثر ديمقراطيّة ... بالنسبة للجماهير :

6/ الشيوعيّة ليست " طغيانا طوباويّا " بل هدفا قابلا للتحقيق و هدفا تحرّريا :

7/ " الماديّة التاريخيّة " الميكانيكيّة و الماديّة التاريخيّة الجدليّة :
الجزء الثاني
مرّة أخرى حول التجربة التاريخيّة للثورة البروليتاريّة – مرّة أخرى حول كسب العالم

1/ مسألة قوى الإنتاج :

2/ تقدّم الثورة العالميّة و تعزيزها :

3/ الثورة البروليتاريّة و الأمميّة : القاعدة الإجتماعيّة :

القيام بالثورة و دفع الإنتاج
1/ تحويل العلاقات بين الناس و تحويل الملكيّة :

2/ المساواة و الوفرة العامة فى ظلّ الإشتراكيّة :

3/ ماذا يعنى أن تكون الجماهير سيّدة المجتمع ؟

4/ البناء الإشتراكيّ فى الإطار العالميّ :

خاتمة
1/ المواجهة الإيديولوجيّة :

2/ نظرتان إلى العالم ، رؤيتان متناقضتان للحرّية :

3/ أبعد من الحقّ البرجوازيّ :

4/ التكنولوجيا و الإيديولوجيا :

5/ تغيير المجتمع و تغيير " طبيعة الإنسان " :

6/ الماديّة التاريخيّة و تقدّم التاريخ :

-------------------------------------------------------------------------------------
الديمقراطية :
أكثر من أيّ زمن مضى بوسعنا و يجب علينا إنجاز أفضل من ذلك
مقدّمة :
1 / بصدد الأحداث الأخيرة بالكتلة السوفياتية السابقة و بالصين

2/ أفق كمونة باريس : الثورتان البلشفيّة و الصينيّة كإمتداد و تعميق لها :

3 / ممارسة السلطة فى المجتمع الإشتراكيّ : القيادة و الجماهير و دكتاتوريّة البروليتاريا :

4/ الصراع الطبقيّ فى ظلّ الإشتراكيّة و أشكال الحكم الجماهيريّ :

5 / مشكلة البيروقراطيّة و دور الحزب و هياكل الدولة فى ظلّ الإشتراكيّة :

6/ تصفية التحليل الطبقيّ بإسم معارضة " الإختزاليّة الطبقيّة " :

7 / تقييم التجربة التاريخيّة :

8/ المركزيّة و اللامركزيّة و إضمحلال الدولة :

9/ إن لم تكن الطليعة هي التى تقود فمن سيقود ؟

10/ أيّ نوع من الحزب ، أيّ نوع من الثورة ؟

11 / النموذج الإنتخابيّ البرجوازيّ مقابل قيادة الجماهير لإعادة صياغة العالم :

12 / المركزيّة الديمقراطيّة و صراع الخطّين و الحفاظ على الطليعة على الطريق الثوريّ :

خاتمة : رفع التحدّى أم التنكّر للثورة ؟
ملحق " الديمقراطية :
أكثر من أيّ زمن مضى بوسعنا و يجب علينا إنجاز أفضل من ذلك "
حول الديمقراطة البروليتارية

( اللجنة المركزية لإعادة تنظيم الحزب الشيوعي الهندي ( الماركسيّ – اللينينيّ) )
1 / المقدّمة :

2/ دكتاتوريّة البروليتاريا :

3- ماركس و كمونة باريس :

4/ لينين و سلطة الدولة البروليتارية :

5 / السوفياتات و ممارسة دكتاتورية البروليتاريا :

6/ نقد وجّهته روزا لكسمبورغ :

7/ ماو و الدولة الديمقراطيّة الجديدة و الثورة الثقافيّة :

8/ الخطأ الأساسيّ :

9/ الدكتاتوريّة البرجوازيّة و الديمقراطيّة البروليتاريّة :

10/ الحاجة إلى توجّه جديد:

11 / دور الحزب الشيوعيّ و عمله :

12 / حلّ لغز الحزب الشيوعيّ :

13 / بعض المسائل الإضافيّة :

14 / الخاتمة :

---------------------------------------------------------------------------------------
ملحق الكتاب
فهارس كتب شادي الشماوي
++++++++++++++++++++++++++++++

الجزء الأوّل

الهجوم الراهن ضد الماركسيّة : المراوغات و الردود

لنرى الآن كيف يعلّل القادة و الناطقون الحاليّون بإسم الإمبراليّة ( و عملاؤهم ) تأكيدهم بأن " الشيوعية قد ماتت ".

و لنبدأ بالنقاط الجوهريّة لخطاب بوش فى الأمم المتّحدة فى سبتمبر 1991 . ما يلى هو ترجمة لمقتطفات متنوّعة من نّص خطابه الذى نشر فى جريدة " النيويورك تايمز " ( 24 سبتمبر 1991) إلى جانب بعض الردود .

قال بوش : " لقد أسرت الشيوعيّة التاريخ طوال سنوات و أوقفت صراعات قديمة و قمعت النزاعات الأثنيّة و الطموحات القوميّة و أفكار مسبّقة قديمة .

بإنحلال الشيوعية ، بسرعة أعيد إحياء الكراهيّات الملغاة . شرع أناس كانوا لسنين مضطرّين لإنكار ماضيهم شرعوا فى البحث عن شخصيّتهم الذاتيّة عادة بطرق سلميّة و بنّاءة و أحيانا بطرق التعصّب و إراقة الدماء .

يبشّر هذا الإنبعاث التاريخيّ بمرحلة جديدة تزخر فُرصا و مخاطرا . ولنستهلّ الحديث عن الفرص . أوّلا ، يسمح تجديد التاريخ بأن يتّبع الناس غرائزهم الطبيعية للمؤسسة [ الأنتربراز ].

لقد جمّدت الشيوعيّة هذا النموّ إلى درجة أنّ المدافعين عنها ذاتهم لا يستطيعون تحمل عبء فشلهم " .

الردّ : بداية ، تعليق عام عن التاريخ : ما " أوقفته " الثورة البروليتارية و " أسرته " ( لوقت قصير جدّا ) هو العادة القديمة للإستغلال و الأسر فى قيود العادة ، و الهيمنة الطويلة للقوى التقليديّة و قوّة العُرف ، و تاريخ آلاف السنوات التى كان أثناءها جزء من المجتمع ، قلّة ، يتحكّم فى القاعدة الإقتصاديّة للمجتمع ( و من هنالك فى السلطة السياسيّة و القوات المسلّحة و الإيديولوجيا و الثقافة ) و كان يقمع و يستغلّ الجماهير و عبر مؤسسات النظام و الأعمال الواعية كان يبقيها فى جهل لوضعها الخاص و طُرق تغييره جوهريّا حيث لم تكن التغيّرات الإجتماعيّة ، بما فى ذلك التحوّلات الثوريّة ، سوى تعويض نظام إستغلالي بنظام إستغلاليّ آخر.

الجانب القار فى كافة التحوّلات الإجتماعيّة السابقة كان الوضع الجوهريّ للجماهير و التقسيم الجوهريّ للمجتمع إلى طبقات ذات مصالح متضادة و متناحرة و كان هذا يمنع الجماهير ( و إذا ما ذهبنا إلى ذلك ، الطبقات السائدة عينها ) من رؤية كيفيّة سير المجتمع واقعيّا و رؤية الواقع كما هو . هكذا نرى أنّه بالرغم من كلّ الإختلافات فى شكل و مضمون الأنظمة الإستغلاليّة ، فإنّها جميعا تمتاز ببعض النقاط المشتركة الهامة و أعلنت كلّ طبقاتها السائدة أنّ بعض المؤسّسات مثل الكنيسة و الدولة ، من أيّ نوع كانت ، "غير قابلة لللمس" وأنّ الأفكار التى تُربّى الجماهير على " الخوف التقديسي و المتطيّر " من مثل تلك المؤسّسات أفكار مقدّسة .

عند سماع الحديث عن " إيقاف التاريخ " يتصوّر المرء أنّ بوش و القوى التى يجسّدها خارجين من ليل طويل فى نهايته يقولون : " لنعد إلى وضع فيه تتقاتل الأمم و الجماعات الدينيّة دون الإنقطاع البغيض ، فيه تستغلّ إلى الحدود القصوى القوى الإمبراليّة الكبرى البلدان الصغيرة و الأمم المضطهَدة و تتقاتل فى ما بينها من أجل الهيمنة العالمية ، فيه يتمّ إخضاع المرأة و السيطرة عليها ، فيه تبقى جماهير العالم فى عبوديّة و بؤس : كلّ هذا لفائدة حفنة من الطفيليّين الذين يحتكرون الثروة و السلطة عبر العالم . لنعد إلى هذا الآن و قد تخلّصنا من الدخيل الجلف ، الثورة الشيوعيّة ".

طبعا لا يستطيعون قول ذلك بصورة مباشرة . و بالفعل إنّ بوش حتّى يسكب دموع التماسيح لإنبعاث " التعصّب و إراقة الدماء " بين المجموعات و الشعوب و الأمم و للرجوع إلى " الأفكار المسبّقة القديمة " . لكن فى الواقع ، هذه الأشياء لا تنفصل عن " التاريخ " الذى يريد بوش و الآخرون " تجديده " فقد كانوا و لا يزالون على الدوام جزءا من المجتمع و العالم الذين يدافعون عنهما ، مجتمعهم و عالمهم لا يمكن أن يوجدا دون تلك الأشياء .

كلّ هذا ( الإستعراض الطويل للعلاقات الإجتماعية و المؤسّسات و الأفكار المهجورة تاريخيّا ) هو ما أوقفته و قوّضته الثورة البروليتاريّة . و الآن و قد ردّ حراس النظام القديم الموجة الأولى من الثورات البروليتارية فإنهم يظهرون سلوكا إنتصاريّا و يتنفّسون الصعداء بعمق و يدّعون أنّ الشيوعيّة قد ماتت و يقولون :" لنعد إلى ما كنّا نصنع قبل أن يفرض " الدخيل الجلف " ذاته .

إلاّ أنّه معيدين تقريبا كلمات مارك تواين ، إنّ تقارير موت الشيوعية مبالغ فيها جدّا ! إنّ الموجة الموالية للثورات البروليتارية بعدُ بصدد الإعداد . بعدُ توجّه ضربات قويّة للهياكل الهشّة للنظام القديم فى البيرو . و يدفع بهذه الموجة إلى الأمام عمل كلّ الشيوعيّين الحقيقيّين فى العالم الراهن الذين يسترشدون بالماركسية - اللينينية - الماوية و يطبّقونها فى النضال الثوريّ . لكن و بشكل جوهريّ يدفعها إلى الأمام سير النظام عينه أي جميع ما يقوم به حرّاس النظام القديم لتعزيز مصالحهم الخاصة . على طول التاريخ و عبر العالم الراهن بأسره شاهدنا ما تعنيه " مؤسساتهم " ( العذاب والذعر و الحقد و الكره الذى تفرزه ) و لا تزال تعتمد على الحقيقة العميقة القائلة بأنّ النظام يخلق حفاري قبره .

و علينا أن نشير إلى شيء جدّ معبّر : لاحظوا كيف يحدّد بوش المعنى العام لكلمة " مؤسسة " عمليّة تأسيس ، مجهود للحصول على شيء ) بالمفهوم المحدّد للمؤسسة الخاصة . هذه المراوغة ليست ديماغوجية واعية و مغالطة مقصودة فحسب ، بل هي جوهريّا تعبير كلاسيكيّ عن وجهة النظر البرجوازيّة . ذلك أنّه لا يمكن للبرجوازيّة أن تفهم القيام بمجهود أو القيام بمبادرة دون غاية تالية من الربح و الفائدة الخاصة .

و فى ما يتّصل بالردّ ، يجدر التذكير فقط بما قلته فى " نهاية / بداية " بهذا الصدد ، مثلا إنّ ماركس و إنجلز ، منذ زمن ، قد دحضاه فى " بيان الحزب الشيوعي " مشيرين إلى أنّه إذا كان حقيقة ( إذا كان التفريق بين المجهود و فرصة مراكمة الثروة يقود إلى ركود الإقتصاد ) فبالتالي يكون المجتمع البرجوازي بعدُ منذ زمن طويل قد ركد بإعتبار أنّ فى المجتمع البرجوازيّ الذين يعملون أكثر هم الذين يحصلون على أقلّ حصّة و الذين يحصلون على أكبر حصّة هم الذين يعملون أقلّ : الطبقة التى تنتج ، البروليتاريا ، مكبّلة فى وضع تحصل فيه فقط على ما يكفيها للغذاء لا غير و تواصل العمل كعبيد للرأسمال ، بينما الطبقة التى لا تنتج شيئا ، الطبقة الرأسمالية ( أو البرجوازيّة ) تراكم أكثر فأكثر ثروة فى شكل أرباح رأسماليّة عبر إستغلال البروليتاريا .

لقد توصّل ماركس و إنجلز إلى إستنتاج أنّ هذا الخطّ التعليلي للمدافعين عن الرأسماليّة برمّته يتلخّص فى الإعتراض على أنّه إذا لم يستطع الرأسماليّون إستغلال العمّال لن توجد راسمالية و دون راسمالية لن يوجد أناس يقع إستغلالهم كعبيد مأجورين . أو كما يقول " بيان الحزب الشيوعي ": " يؤول كلّ إعتراضهم إلى تكرار مملّ للحقيقة التالية وهي : حيث لا يبقى الرأسمال لا يبقى عمل مأجور " ( ماركس و إنجلز ، مختارات ، مجلد 1 ، " بيان الحزب الشيوعي " ، صفحة 67 ، دار التقدم ، موسكو ، الطبعة العربية ) .

هذه الحجج مرتبطة بمسألة المبادرة و الفرديّة و قد تحدّثت عن ذلك فى " نهاية / بداية " و ستكون لى تعليقات أخرى فى ثنايا هذا الكتاب ، لكن بداية لننظر فى تصريحات أخرى لجورج بوش فى خطابه أمام الأمم المتّحدة .

1/ أسطورة الأسواق الحرّة فى مقابل الإشتراكية الحقيقية :

قال بوش : " ... لقد تعلّم العالم أنّ الأسواق الحرّة تنتج مستويات من الإزدهار و النموّ و السعادة لا يمكن أبدا للإقتصاديّات المخطّطة أن توفّرها ... إنّ النموّ [ الذى تدعمه الرأسمالية ] يفعل أكثر من ملئ المخازن . يسمح لكلّ إمرء بالربح ليس على حساب الآخرين بل لفائدة الآخرين . و يدفع الإزدهار إلى العيش كجيران و ليس كحيوانات نهب . و النموّ الإقتصاديّ يمكن أن يشجّع على علاقات عالميّة على نفس المنوال بالضبط ".

الردّ : عن أيّ عالم يتحدّث بوش ؟

و لنشرع ، قبل الحديث عن ما " تسمح " به و " تدفع إليه " فى الواقع الرأسمالية – الإمبريالية ، فى إلقاء نظرة على التجربة و المبادئ الحقيقيّين للإقتصاد الإشتراكي و هما شيئا مختلفا كليا عن إتهامات بوش و المدافعين عن النظام القديم عموما . كلّ من الناطقين الرسميين بإسم الإمبرياليين و العديد من الملقّبين خطأ " إشتراكيين " قالوا حماقات حول هذه المسألة و بالخصوص منذ " موت الشيوعية " المدّعى .

هنا من المفيد الإشارة إلى شيء تجنّبه جميعهم مثلما يتجنّب المتزمّت الدينيّ المعرفة العلميّة : خطّ ماو تسى تونغ بشأن التخطيط . إنّهم يتجنّبونه و لهم الحقّ فى ذلك لأنّه يحطّم كلّ القوالب الجامدة المحبّذة لديهم و تفكيرهم المختلّ حول التخطيط الإشتراكي . فماو أبرز أنّ التخطيط لا ينبغى أن يكون مركزة فحسب و أنّه لا ينبغى أن يمرّ كل شيء عبر الجهاز المركزيّ و أنّه يتعيّن مزج جهاز مركزيّ قويّ و مظهر هام من التخطيط الممركز مع مظهر حيويّ من اللامركزيّة أي مبادرة المستويات الجهويّة و المحليّة و الوحدات الأساسيّة للإقتصاد . إضافة إلى ذلك ، أبرز أنّ المبدأ الجوهريّ الذى يعمل كقاعدة لكلّ هذا ( لكلّ التخطيط الإشتراكي و بالفعل تطّور الإقتصاد الإشتراكي ) هو الإعتماد على الجماهير . لا يمكن للإقتصاد و التخطيط الإشتراكيّين الحقيقيّين أن يعتمدا على الحاسوب أو مكوّنات أخرى من " التقنية العالية " لما يسمّى " ثورة معلوماتية " بل على الجماهير . مثل هذه الطرق و الوسائل " التقنية العالية " تستعمل دوما فى خدمة مصالح إجتماعية معيّنة ( طبقيّة ) . المسألة الحيوية هي : أيّ خطّ يقود التخطيط و إستعمال التكنولوجيا ؟

على حدّ تعبير ريموند لوتا :

" لقد نقد ماو فكرة أنّ المخطّط هو وسيلة تقنيّة لمراقبة الإقتصاد فالمخطّط هو تعبير عن إيديولوجيا ، عن أهداف و رؤية طبقة للعالم . إنّه إنعكاس طبقيّ للواقع الإجتماعية بدوره يؤثر على الواقع و هدفه من وجهة نظر الطبقة العاملة و تحرّرها هو ممارسة المراقبة الواعية و الإجتماعية على الإنتاج . صياغة مخطّط ليست أبدا مجرّد مسألة جمع معلومات تقنيّة و ليست تنبأ بالأحداث الإقتصادية و إنّما تعنى صراعا طبقيّا على المستوى الإيديولوجي بخصوص أهداف المجتمع و قيادته ... حين يُعتبر التخطيط عملا إداريّا تحدّده المهمّة التقنيّة فى جمع المعلومات و إصدار الأوامر التى على المستويات الأدنى تطبيقها ، يشرع المخطّط فى السيطرة على البروليتاريا و ليس العكس " . ( ريموند لوتا ، " نظرية و ممارسة التخطيط الماوي : دفاعا عن إشتراكية فعّالة و ملهمة " ، مجلة " الثورة " ، ربيع 1992 ) .

مثل كلّ شيء فى المجتمع الإشتراكي ، يجب على التخطيط أن يتّبع خطّا جماهيريّا : يجب أن يجمع تجارب و أفكار الجماهير و أن يركّبها إلى مستوى أرقى مطبّقا الماركسية - اللينينية - الماوية و بعد ذلك ، يحملها إلى الجماهير كي تجعل منها أفكارها هي . هذه هي طريقة القيادة و التعويل على الجماهير لتغيير العالم عبر الممارسة الثوريّة .

كذلك شدّد ماو تسى تونغ على أنّ المخطّطات على المدى البعيد رغم ضرورتها ، لا يمكن لها أن تتنبّأ بكلّ ما سيحدث . لا يتعيّن التعويل على أن يكون التخطيط شاملا حتّى آخر تفاصيل كلّ ما يجب أن تتولاّه كلّ مؤسّسة و كلّ مجموعة فلاحيّة إلخ. على التخطيط أن يركّز نماذجا عامّة بصفة كافية من جهة ، و من جهة أخرى خصوصيّة بصفة كافية حتّى يضمن أن يعمل الجميع خدمة للمصالح الأكثر جوهريّة للبروليتاريا و للتحويل الثوريّ للمجتمع و لكنّه أيضا يسمح بالمبادرات و التعديلات . و قد أبرز ماو أنّ كل الأشياء بما فى ذلك تطوّر الإقتصاد الإشتراكي تتقدّم عبر موجات و أنّه من الضروريّ إنجاز تقييم مستمرّ للتجربة و تعديل المخطّطات . و علاوة على ذلك ، أشار إلى أنّه مهما كان عدد المخطّطات التى تصاغ سيوجد على الدوام ، فى المجتمع الإشتراكي ، قدرا من دعه يعمل [ laissez-faire بالفرنسية فى النصّ الأصلي ] .

و بعبارات أخرى سيوجد على الدوام أناس يتّخذون مبادرة خاصة أحيانا إيجابيّة و أحيانا سلبيّة و من اللازم السماح بذلك لسببين إثنين ، لأنّه يتعيّن تشجيع المبادرة الإيجابيّة ( أي المبادرة التى تجسّد حماسة تطبيق الخطّ الثوريّ دون إنتظار الأوامر و دون إتّباع تعليمات السلط ميكانيكيّا ) و لأنّه يلزم أن نأخذ بعين النظر أنّ دعه يعمل ستوجد مهما يكن من أمر و يترتّب علينا أن ندع لها مجالا ما و أن نقوم بالتعديلات المناسبة .
و فى إرتباط بهذا ، منذ زمن قريب ، كنت قرأت لماو فى 1962 خطابا حول التخطيط حيث يقول بصيغته المميّزة الإستفزازيّة إنّ التخطيط لا يمكن أن يتنبّأ بما سيفعل الإلاه . طبعا ، لم يتحوّل ماو إلى متديّن فجأة ! ما كان يريد قوله هو أنّ التخطيط لا يمكنه أن يتنبّأ بالكوارث الطبيعية و الأشياء الأخرى غير المتوقّعة . ينبغى أن يُوجد نوع من الحرّية فى التحرّك لنتأقلم مع هذه الأشياء بما هي حوادث لا يمكن توقّعها على الأقلّ فى عديد الحالات .

و على مستوى أشمل ، شدّد ماو على ضرورة أن يُوجد نوعا من المرونة فى التخطيط بصورة تجعل من الغايات طموحة لكن واقعيّة . ففرض غايات مبالغ فيها يبعث الوهن فى عزم الجماهير و يمكن أن يدفعها إلى تجاوز المخطّط و تحطيم التعاونيّة و المجموعة لأجل تحقيق مطالب غير واقعيّة و طموحة أكثر من اللازم .

و فى الخطاب عينه ، قدّم ماو ملاحظة أخرى إستفزازيّة و عميقة : لا يمكن على الدوام التنبأ بهذه الأشياء عند تبنّى مخطّط، لنقل ، لخمس سنوات . و هكذا ، يجب أن نكون مرنين كيما نستطيع تغيير السير و تقديم مساعدة أكبر للنضالات الثوريّة أو إلحاق الهزيمة بهجوم عسكريّ إمبرياليّ عندما يكون ذلك ضروريّا . كانت هذه هي طريقة ماو فى التنبيه ، من زاوية أخرى إضافية ، إلى أنّ المخطّطات لا يتعيّن أن تكون صارمة و غير قابلة للتغيير و لا يمكن أن تكون ثابتة إلى درجة لا يمكن معها تعديلها و أنّ الوضع عموما سيتطوّر عبر موجات و بوجه خاص أنّ حوادث الطبيعة و المشاكل و الفرص التى يُوجدها الوضع العالمي خصوصا الحرب و النضال الثوريّ ، كلّ هذه الأشياء بإمكانها أن تؤثر بصفة مفاجأة و درامية على ما قد وقع تخطيطه . لا بدّ أن يُؤخذ هذا بعين الإعتبار .

و من المهمّ تأمّل كلّ ما سبق كي نفهم طبيعة التخطيط الإشتراكي و مبادئه . كما رأينا ، شرح ماو أنّ التخطيط هو أيضا إيديولوجيا فالتخطيط ليس تجريدا و لا تمرينا تقنيا دون مضمون إجتماعي ( طبقي ). إنّ التخطيط نتاج لنظرة إلى العالم و يفترض السؤال الجوهريّ على من و على ماذا يجرى التعويل : على الجماهير المندفعة بالخطّ الثوريّ أم على المختصّين و التقنيّين و عامة على القوى الأكثر إمتيازات فى المجتمع ، ذات المصالح الضيّقة و التى تدفع إلى الحصول على أكثر إمتيازات لنفسها ؟ إنّها مسألة منهج : هل سيكون منهجا يعوّل على الجماهير و يطبّق الخطّ الجماهيري أو منهجا يمثّل إرادة فرض الذات على الجماهير و الواقع بصفة ذاتيّة و بيروقراطيّة ؟

كلّ هذه المسائل الجوهريّة ذات الصلة بالنظرة إلى العالم و المنهجية أي الإيديولوجيا تنعكس و حتّى تتركز فى المخطّطات . هذه هي الطريقة الثوريّة لرؤية التخطيط وهي راديكاليّا مختلفة عمّا كانت تعنيه لستالين و حكومته حتّى لا نتحدّث عن كيف تعامل معها القادة السوفيات منذ خروتشاف و زمرته الذين قاموا بإنقلاب و أعادوا تركيز الرأسمالية . ليس لخطّ ماو أيّة صلة بمفهوم التخطيط الذى يقدّمه المدافعون الرسميون عن الرأسمالية و " الإشتراكيون " الإنتهازيّون الذين يسرعون ، فى أعقاب ما يدعى " موت الشيوعية " إلى التخلّى حتّى عن مظاهر ضرورة الإقتصاد المخطّط . العديد منهم ( و ليس قادة ما كان سابقا الإتحاد السوفياتي فحسب ، بل أيضا مجموعة واسعة من الإشتراكيّين الديمقراطيّين ) يستنتجون أنّه بإعتبار أنّ الإقتصاد المخطّط مركزيّا فى الإتّحاد السوفياتي قد شهد ركودا و ترنّحا و تعطّل فإنّ هذا دليل على أنّ الإقتصاد المخطّط مركزيّا لا يصلح و ليس له معنى إقتصاديا و أنّه لبناء الإشتراكية لا بدّ من نموذج مختلف كلّيا يستعمل آليّات السوق عوضا عن المراقبة المركزيّة لجهاز الدولة .

و مثلما يلاحظ ريموند لوتا : " هذا النقد يقترح دمية متحرّكة : " المخطّطُ العالِمُ " الذى من المفترض أن تكون بين يديه المعلومة و عليه أن يتنبّأ بكل شيء ". ( لوتا ، المرجع السابق ) . و هذا النقد يجهل أو يحجب أنّه منذ زمن خروتشاف ، كان التخطيط المركزيّ و الدور الحيويّ للدولة فى الإقتصاد السوفياتي فى خدمة الرأسماليّة و إتّبع مبادئ الرأسماليّة و ليس مبادئ الإشتراكية و أنّ كلّ ذلك يقيّمه حسب معايير رأسماليّة لا فقط أمثال بوش بل أيضا أمثال غورباتشاف و يلتسين و زمرته . هنا مفيدة كذلك ملاحظة لوتا التى تردّ مباشرة على تأكيدات بوش و " تسليم " عديد المسمّين زورا و بهتانا إشتراكيّين بأنّ الإقتصاد الإشتراكي المخطّط مركزيّا ليس واقعيّا و لا معقولا فى الزمن المعاصر : " فى الواقع ، ليس ثمّة أيّة مظهر للتطوّر الإقتصاديّ و لا أيّ شكل للتنظيم الإقتصادي و لا أيّ تنظيم لسيرورة العمل خارج علاقات إنتاج و علاقات طبقيّة خاصة . إن ل"الفعالية " الراسمالية حدودا طبقيّة فهي تقوم على الحصول على المردود الأقصى للعامل و التقليص من مقاومته و على وضع سلاسل بأيدى المنتجين و ليس على دفع قدرتهم الخلاّقة الجماعيّة . إنّ " العقلانية " الإقتصادية لا تعنى شيئا إذا تمّ عزلها عن العلاقات الطبقيّة التى تعبّر عنها و تعيد إنتاجها أو عن الغايات التى تخدم ". ( المرجع السابق ، التسطير مضاف) .

هذا هو الردّ الأوّليّ على تصريح بوش بأفضليّة إقتصاد " السوق الحرّة " نسبة للإقتصاد المخطّط مركزيّا . هذا من ناحية ومن ناحية ثانية ، هنالك ضرورة النظر فى ممارسة الرأسمالية المعاصرة أي الرأسماليّة الإحتكاريّة فى ما يتعلّق بالتخطيط. هنا ، نشهد مثالا جليّا من النفاق ، من قول شيء و عمل شيء آخر . الأمر هو أنّ فى كلّ مجتمع رأسماليّ حاليّا ، لا سيما فى البلدان الرأسمالية " المتقدّمة " ( التى طوّرت تكنولوجيا عالية ) ، ثمّة الشيء الكثير من التخطيط المركزيّ .

إنّ التخطيط يتمّ على مستوى الحكومة : حين تحدّد البنوك المركزيّة ( التابعة للدولة ) و مؤسّسات ماليّة حكوميّة أخرى أنواعا من الفوائد ، حين ، فى مجالات الإنتاج لل" دفاع " و أشياء أخرى ذات أهمّية بالنسبة للدول الإمبريالية ، تحدّد هذه الأخيرة كل ّأنواع الغايات و القواعد النموذجيّة إلخ و تمنح عقودا ممركزة ، و فى مستويات أخرى ، كذلك ، يحدث الأمر فى جمعيّات رأس المال المالي الكبرى ( النقابات الكبرى و البنوك الكبرى و التجمّعات الكبرى و هكذا ) على النطاق العالمي و على النطاق الداخلي لبلد ما و قطاعات إقتصادية ما . تتّخذ القرارات بإنسجام مع هذا التخطيط الذى يؤثّر ، على حساب آلام كبيرة ، على حياة الملايين و حتى آلاف الملايين من الناس .

بوش منافق كبير حين يقول أنّ تجربة الإتّحاد السوفياتي زعزعت الثّقة بالتخطيط المركزيّ . يمكن القول دون أدنى ظلّ للشكّ إنّ الرأسماليّة المعاصرة ، الإمبريالية ، لن يمكنها الوجود أو مواصلة الوجود لمدّة طويلة دون تخطيط على مستوى عال من المركزة و دون بيروقراطية على مستوى عال من التطوّر الذين يوجدان فى كلّ إقتصاد رأسماليّ و الولايات المتّحدة الأمريكيّة ليست إستثناءا .

هذا من جهة و من جهة أخرى ، هنالك إختلاف جوهريّ بين التخطيط الإشتراكي و حتّى التخطيط الرأسماليّ الأكثر تطوّرا و لا يهمّ إن كانت تقوم به وحدات معيّنة من رأس المال ( مثل راس المال الممركز بصفة عالية و المركّز فى النقابات الكبرى و البنوك و ما إلى ذلك ) أو تقوم به الدولة الرأسماليّة عينها . فى إطار الرأسماليّة لا يمكن للتخطيط أن يتجاوز الفوضى الكامنة فى النظام [ الرأسمالي ]:

" فوضى الإنتاج الإجتماعي أمر أساسيّ فى الرأسماليّة و لا يمكن للإشتراكية الحقيقيّة إلّا تجاوزها . و تعزى هذه الفوضى إلى أنّ التطوّر الإقتصاديّ فى الرأسماليّة لا يتّبع و لا يتحدّد بمخطّط أو غاية إجتماعيّة... الإنتاج الرأسماليّ ثمرة عدد كبير من الرساميل . كلّ رأسمال يتحكّم فى و يمارس سلطة على سيرورات إنتاجه الخاصة بكلّ واحد و يصيغ مخطّطات لنشاطه و تطوّره . لكن لا وجود لأيّة سلطة إجتماعية تنسق السيرورة الإجتماعية عموما ". ( المرجع السابق ، ملحق " حول فوضوية الرأسمالية و الحاجة إلى التخطيط الإجتماعي " ) .

لنمضى إلى بيت القصيد . ما الذى تعنيه فى الواقع " الأسواق الحرّة " ؟ و ماذا يمكن قوله إزاء النموّ و الإزدهار كما يسميهما بوش ، فى هذا النظام ، بالخصوص فى هذا العصر الإمبريالي ؟ هل صحيح أنّها توجد من أجل أن يتمكّن العالم بأسره من الربح ليس على حساب آخرين بل لفائدة الآخرين ؟ و أنّ الإزدهار الذى يتمّ تحقيقه بهذه الطريقة مفيد للجميع و يدفع للعيش كجيران و ليس كحيوانات نهب ؟

لعلّ ( حتّى نكرّر كلمات لينين تقريبا ) على بوش أن يمنع الضحك فى الأماكن العامة كي لا تخنق القهقهات التى ستنتجها كلماته تلك عبر العالم و خاصة فى صفوف الجماهير الشعبيّة . من جهة ، تعنى " السوق الحرّة " حرّية التجارة دون حدود تضعها الحكومة . بالمعنى الأكثر حرفيّة و إطلاقيّة لا يمكن لهذا أبدا أن يوجد لأنذه سيبقى من الضروريّ على الدوام أن تعدل الحكومة الرأسماليّة بدرجة ما التجارة ( و يعترف كلّ ممثّلى البرجوازيّة بذلك فى الممارسة رغم أنّهم لا يقبلون به دائما ) . لكن فضلا عن ذلك ، مثل كلّ الحرّيات الرأسماليّة و حتّى " التجارة الحرّة " ليست أبدا حرّة فعليّا فهنالك دائما عدم توازنات سواء كان ذلك فى التجارة الداخليّة للبلاد أم فى التجارة العالميّة ، ثمّة دوما جانب هيمنة و نهب بصفة خاصة جدّا عند بلوغ الرأسماليّة مرحلة الإمبرياليّة .

بيد أنّه كي نمرّ إلى زاوية جوهريّة أكثر ، نقول إنّ " الأسواق الحرّة " تعود على " سوق العمل " و على شراء و بيع قوّة عمل الإنسان . كما سبق تفسير ذلك فإنّ الماركسيّة تبيّن أنّ الرأسماليّة ليست نظام إنتاج و تداول سلع حيث للجميع الفرص عينها فى المساهمة فحسب و إنّما هي نظام يقوم على إستغلال الأقلّية للأغلبيّة و نظام يقوم تحديدا على إستغلال رأس المال للعمل المأجور . إنّه مجتمع صارت فيه قوّة العمل و قدرة العمل سلعة تُشترى و تُباع ، إنّما بيع و إستعمال مثل قوّة العمل هذه هو الذى يسمح للبعض ، للأقلّية بأن تزدهر على حساب عديد الآخرين . هنا نرى من جديد " السرّ القذر للإستغلال الرأسمالي " و حين يتحدّث أناس على غرار بوش عن حقّ الملكيّة كحقّ أساسيّ ، فإنّهم يقصدون قبل كل شيء حقّ البعض فى إستغلال الآخرين . هذا هو كنه رأس المال ، روح البرجوازية . (1)

هذه الحرّية الجوهريّة أو حقّ رأس المال وثيقة الصلة بما تسمّيه الماركسيّة حرّية العمّال ب " معنى مزدوج " فى النظام الرأسمالي فأوّلا ليسوا مشدودين إلى مستغِلّ معيّن و ليسوا ملكيّة آخر مثلما هو الحال فى العبوديّة و النظام الإقتصادي و القانون و العادة لا يرغمانهم على العمل عند مالك واحد أو سيّد واحد مثلما هو الحال فى النظام الإقطاعيّ ، إنّهم "أحرار" حتّى تستغلّهم الطبقة المستغِلّة أي الرأسماليّون جميعا . و هذا الوضع يتماشى مع طبيعة الإنتاج و التراكم الرأسماليّين و مع المصالح الطبقيّة الرأسماليّة : إمكانيّة التعاقد مع العمّال و طردهم وفق متطلّبات تراكم رأس المال دون مسؤولية الإنفاق على قوّة العمل عندما لا يستغلّونها ، تتماشى مع حاجيات الرأسماليّين فى إستثمار رأسمالهم حيثما و كيفما يتحصّلون على أفضل الأرباح و فى المنافسة مع الرأسماليّين الآخرين . و ثانيا ، فى الرأسماليّة ، يكون العمّال " أحرارا " من ملكيّة وسائل الإنتاج حيث لا يملكون لا الأرض و لا المصانع و لا الآلات و لا وسائل النقل و الإتّصال و سواها التى يستطيعون إستعمالها لخلق الثروة . إنّهم " أحرار" من كلّ وسيلة عيش تسمح بالعمل لفائدة الذات أو إستعمال الآخرين كي يعملوا لفائدتهم مثلما يفعل الرأسماليّون . كلّ ما يملكونه لخلق الثروة هو قوّة عملهم لكن للقيام بذلك لا بدّ لهم من أن يبيعوها للرأسماليّين و الثروة التى يخلقون عبر إستعمال قوّة عملهم لا يتملّكونها ، بل يتملّكها الرأسماليّون فما يحصل عليه العمّال مقابل ذلك هو أجرُ يكفى لإبقائهم على قيد الحياة و الإستمرار فى هذه العلاقة (2). بعبارات قليلة ، العمّال أحرار فى أن تستغلّهم الطبقة الرأسماليّة فى سعيها المحموم لتحصيل الأرباح . و هم " أحرار " فى الموت جوعا ( أو البقاء على قيد الحياة قدر تحملهم للأعمال الشاقة ) لمّا لا يمكن للرأسماليّين إستغلالهم بصورة مربحة لأنّه كما رأينا وجود " جيش صناعي إحتياطي " صفوفه تتضخّم بصفة هائلة أوقات الأزمات هو العنصر الحيوي لمراكمة رأس المال.

حصيلة كلّ هذا ليست العالم الخياليّ الذى يصفه بوش حيث الجميع أحرارا فى الإزدهار و ليس على حساب آخرين ، بل لفائدة آخرين و حيث الإزدهار المعمّم يدفع إلى الحياة كجيران و ليس كحيوانات نهب . ما يحدث فى الواقع هو تحديدا ما وصفه ماركس أي يتمّ خلق قطبين ، فى قطب نجد الثروة و السلطة و تركز رأس المال فى أيدى أقلّية صغيرة و فى القطب الآخر البؤس و العمل المضنى و الفقر . و هذا يحدث حتى فى البلدان الرأسماليّة المسماة متقدّمة أي الإمبريالية .

ولنلقى نظرة على أمثلة من المستجدّات الحديثة و مستجدّات الواقع اليوميّ فى الولايات المتّحدة : لتسألوا الذين يعيشون فى الشوارع عن رأيهم فى وصف بوش لنتاج سير النظام الرأسماليّ . لتسألوا الذين لا يتحصّلون على عمل و ليست لديهم وسيلة عيش أكثر من المنحة الإجتماعيّة ، لتسألوا عمّال مصانع تربية الدواجن ( التى يمكن أن نسمّيها مصانع الدواجن الإنفجاريّة ) بكارولينا الشماليّة أين وجدوا أنفسهم بحكم ظروف العمل اللاإنسانية ، مقبوض عليهم بالداخل ، حرفيّا مسجونين خلال حريق . لتسألوا ملايين العمّال عبر البلاد بأسرها الذين ماتوا أو مرضوا ، جيلا بعد جيل ، بسبب حمّى ربح الرأسماليّين التى لا حدود لها . لتسألوا المهاجرين و العمّال الآخرين الذين يشتغلون كالعبيد فى معامل الخياطة و مصانع تركيب جهنّمية . لتسألوا حتّى عمّال " الصناعات المركزيّة " و عمّال " الحزام الفولاذيّ " بالولايات المتّحدة الذى يتحّول إلى " حزام الأوكسيد " ، الذين كانوا يعتقدون أنّ عملهم كان " مضمونا " و الآن يخسرونه نظرا لسير عمل النظام العظيم ل" الأسواق الحرّة " . لتسألوا الفلاّحين الصغار و المنتجين و التجار الصغار الآخرين الذين يجدون أنفسهم بإستمرار على حافة الإنهيار أو مفلسين . لتسألوا السود ، اللاتينيين [ من أمريكا اللاتينية ] و القوميّات المضطهَدة الأخرى . لتسألوا السكّان الأصليين لأمريكا ( " الهنود الحمر" ) هل أنّ الرأسمالية ليست نهب مجموعات لأخرى ! لتسألوا الأعداد الكبيرة من النساء اللاتى تعشن فى النظام الرأسمالي خاضعة لسيطرة الرجل و عن ما يعنيه لهنّ ذلك . لتسألوا الشبّان الذين يبعثهم الإمبرياليّون بإستمرار للقتل أو الموت فى حروب غير عادلة . لتسألوا كلّ هؤلاء الناس!

هذه الأمثلة و أمثلة أخرى غير قابلة للدحض تبين لُبّ أيّ نظام قائم على علاقات الملكيّة البرجوازيّة على مراكمة رأس المال ، مع أنّه من الصحيح أنّ فى البلدان الإمبرياليّة ، خاصة فى قوّة عالميّة مثل الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، مكّن تراكم الثروة ( بإستغلال البروليتاريا المحلّية و إستغلال مئات الملايين من الناس و الهيمنة على أمم بأسرها عبر العالم قاطبة ) مكّن من إيجاد شرائح واسعة من " الطبقة الوسطى " تعيش عيشا مرفّها نسبيّا . علينا رؤية هذا على نطاق عالميّ ، قبل كلّ شيء ممّا سيقودنا إلى التأكيد التالي من خطاب جورج بوش أمام الأمم المتحدة :

قال بوش : " هنا ، فى هذه القاعة ، سمعنا حديثا عن مشاكل شمال / جنوب. لكن التجارة الحرّة و المفتوحة التى تسمح بالوصول الحرّ دون عقبات إلى الأسواق و إلى القروض توفّر للبلدان النامية وسيلة للإكتفاء الذاتي و الكرامة الإقتصاديّة ".

الردّ : عندما يتكلّم بوش عن " مشاكل شمال / جنوب " فإنّه يُشير إلى إستغلال أمم العالم الثالث من قبل حفنة من البلدان الإمبريالية . ففى النظام الإمبريالي ، ليست العلاقات العالميّة ببساطة إمتداد للعلاقات الرأسماليّة السلعيّة على المستوى العالمي ( و هو شيء بغيض أيضا ) بل هي دمج أمم بأسرها و سكّانها فى شبكة المراكمة الإمبريالية التى من سيماتها الأساسيّة كما أشار لينين الإنقسام الجوهريّ إلى حفنة بلدان إمبرياليّة و عدد ضخم من الأمم المضطهَدة .

ما هي الحقيقة الأساسيّة الناجمة عن هذه العلاقات ؟ المجاعة فى السودان و أثيوبيا و بلدان عديدة أخرى بأفريقيا و العالم الثالث عموما . لنذكر إحصائية واحدة مرعبة : يموت أربعون ألف طفل من أطفال العالم الثالث كلّ يوم جوعا أو بسبب أمراض يمكن الوقاية منها . عبر العالم الثالث كلّه ، الفلاّحون فى إفلاس و الفلاحة موجّهة إلى التصدير و البلاد فى حاجة إلى توريد المؤن فيما يموت الشعب من سوء التغذية . وما هي حقيقة ما يسمى " معجزات " إقتصادية بالعالم الثالث مثل كوريا الشماليّة ؟ الواقع هو أنّ الملايين يعملون كعبيد فى صناعات تدفع لهم بؤسا و يستغلّهم ليس الإستغلاليّون فى بلدانهم فحسب بل يستغلهم بالأخصّ أسياد الإستغلاليّين ، الإمبرياليّون الذين يتحكّمون فى سيرورة المراكمة فى هذه البلدان و يدمجونها فى إستغلالهم و نهبهم العالميّين .

الواقع هو أنّ الإقتصاد فى الولايات المتّحدة رغم توصّله إلى إنتعاشة جزئية " فاسدة " خلال عقد الثمانينات ، مع مصاريف عسكريّة خيالية و تطوّر الطفيليّة فى المستويات الأعلى للهيكلة الإقتصاديّة ، فإنّ وضع مئات الملايين من أمريكا اللاتينية من سيء إلى أسوأ ( الآن مثلا ، مستوى عيش الجماهير فى البيرو – خصوصا فى ما يتّصل بالتغذية و الصحّة – أدنى ممّا كان عليه قبل خمسة مائة سنة ، قبل مجيئ الغزاة الإسبان ) .

بإمكاننا ذكر أمثلة لا حصر لها و إحصائيّات لا عدّ لها لتبيان الحقيقة الجوهريّة التى يخفيها بوش . إلاّ أنّه هنالك مثال معبّر بوجه خاص فخلال المعركة الحديثة حول قواعد عسكريّة للولايات المتّحدة فى الفليبين ، كانت المجموعة التى حرّكوها لمساندة وجود القواعد و تأثيراتها الهدّامة على الإقتصاد و الهيكلة الإجتماعيّة للفلبينيّين ، كانت آلاف النساء اللاتى يفرض عليهن النظام الإمبريالي أن تتاجر بأجسادهن ، نساء صارت تعول على " الحرفاء " الجنود الأمريكيين ! و هذا يعبّر حقا عن كل شيء .

كذلك ينبغى أن نبقي حاضرا بأذهاننا ( لا يجب أبدا نسيانه أو التسامح فيه ) العذاب الإنسانيّ الرهيب الذى تسّببه العمليّات العسكريّة الإمبرياليّة ( و الذين ساندوها و يسلّحونها ) للدفاع عن هذه الظروف الحياتيّة الفظيعة و الحيلولة دون أن تفتكّ منهم منطقتهم العصابات الإمبرياليّة المنافسة . الحرب الحديثة بالخليج و العذاب الهائل الذى تسببت فيه للشعب العراقي ( و العذاب الذى لا تزال تتسبب فيه خاصة لللأطفال ) مثال فظيع حديث جدّا .

هذه هي الحقيقة التى يخفيها جورج بوش عند دفاعه عن النظام الرأسمالي – الإمبريالي و عن المصالح الإمبريالية الأمريكيّة بكلمات و صيغ ذات صدى رنان مثل " الحقوق المشروعة فى الحرّية و الملكيّة الشخصية ... الحرّيات الفرديّة ، حقوق الأقليّات ، الديمقراطية و الأسواق الحرة ..." متذكّرين كلمات ماركس عند وصفه جذور الرأسمالية و تطوّرها ، يمكننا قول إنّ كلّ كلمة من كلمات جورج بوش تقطر دما . هذا هو واقع و قوام النظام الرأسمالي – الإمبريالي الذى يعلن أشخاص على شاكلة جورج بوش ، بكثير من الضجّة إنتصاره و فضائله .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري