الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين نقلّب أوراق صبرا وشاتيلا

عبد الحسين شعبان

2017 / 9 / 27
القضية الفلسطينية



قدّر لي أن ألتقي الناجية الوحيدة من مجزرة صبرا وشاتيلا، السيّدة سعاد سرور قبل نحو عقد ونصف من الزمان، وكنت قد سألتها: كم دامت المجزرة التي راح ضحيتها أكثر من ألفي فلسطيني ولبناني؟ فأجابت ثلاثة أيام بلياليها، حيث استخدمت القوات «الإسرائيلية» كل أنواع الأسلحة للقتل والتصفيات الجسدية، بل حاولت إبادة كل ما هو حيّ في المخيمين. وحين فاقت للحظات من غيبوبتها شاهدت الجنود «الإسرائيليين» وهم يحتفلون بنصرهم الذي هو «أشدّ عاراً من الهزيمة»، باحتساء الويسكي، وهم يتنقلون بين جثث الضحايا لطمس أي أثر لجريمتهم في محاولة القضاء على أي شاهد عليها.
لم تتذكّر سعاد سرور أكثر من ذلك، حيث وجدت نفسها في المستشفى، ولم تكن تعلم أن عائلتها وجيرانها وصديقاتها وأبناء المخيّم قد قتلوا جميعاً في أبشع مجزرة للنساء والأطفال والشيوخ، بعد أن غادر الرجال المخيّمين، حيث انسحبت المقاومة الفلسطينية من لبنان إلى تونس وعدد من البلدان العربية بناء على اتفاق دولي.
وعلى الرغم من هول الصدمة إلّا أن العالم لم يتوقّف عندها طويلاً، حيث كانت «إسرائيل» تبرّر عدوانها السافر، بحجّة محاولة اغتيال سفيرها في لندن شلومو أرجوف في 3 يونيو (حزيران) 1982، فاندفعت بشن الحرب على المقاومة الفلسطينية في لبنان، وكانت «قلعة الشقيف» قرب بلدة النبطية اللبنانية ذات الرمزية الكبيرة أول ما استهدفته. ثم امتدّت المعارك إلى صور وصيدا ومخيّمات اللاجئين في عموم الجنوب، وصولاً إلى الجبل وأجزاء من البقاع اللبناني، حتى العاصمة بيروت التي حوصرت لثلاثة أشهر وتم قصفها بالمدفعية والطيران والبوارج الحربية والدبابات واحتلالها.
وكانت «إسرائيل» قد قامت بمحاصرة المخيّمين وأغلقت جميع المنافذ، كما تقول سعاد سرور، ثم سمحت لقوات من جيش لبنان الجنوبي التابع لها، وقوات أخرى، باقتحام المخيّمين وتنفيذ المجزرة الجماعية بدم بارد، بعد أن خرج المقاتلون منهما بأسلحتهم الفردية قبل نحو أسبوعين بناء على تعهد أمريكي بحماية المدنيين.
وعلى الرغم من أنها حاولت إخفاء الجريمة، لكن ما تسرّب عنها من شواهد أجبرت رئيس وزراء إسرائيل حينها مناحيم بيغن على تشكيل لجنة تحقيق باسم «لجنة كاهانا»، حيث كان أرييل شارون حينها وزيراً للدفاع، على علم وتنسيق باقتحام المخيمين، الأمر الذي دفعه لتقديم استقالته بسبب التقرير الصادر عن لجنة كاهانا، وقد انتخب خلفاً له إسحاق شامير. وكما أكّدت الأمم المتحدة في تقرير لها: أن «إسرائيل» مسؤولة عن المجزرة باعتبارها «القوة المحتلة» لبيروت الغربية لحظة وقوع الجريمة التي هي شكل من أشكال الإبادة الجماعية، حسب اتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها لعام 1977.
حين قلّبت أوراقي وبعض ما كتبته حينذاك، وجدتني قد اهتديت إلى كتابة نص يدعو لإقامة محكمة دولية باسم «القدس» نُشر في كتاب لاحقاً في نيقوسيا وبيروت العام 1987، دعوت فيه لإحالة المرتكبين إلى القضاء الدولي بموجب تهم أربع أساسية أولها - تهديد السلم والأمن الدوليين وثانيها، الجرائم ضد الإنسانية وثالثها جرائم الإبادة الجماعية ورابعها جرائم الحرب، وهي التهم التي توسّعتُ في شرح مضامينها في كتاب أصدرته العام 2010 بعنوان «لائحة اتهام- حلم العدالة الدولية في مقاضاة «إسرائيل»» مع دعوة لا تزال قائمة على الرغم من مرور 35 عاماً على مجزرة صبرا وشاتيلا، لملاحقة المرتكبين، خصوصاً وأنهم واصلوا ذات الأهداف والوسائل في حرب يوليو/ تموز ضد لبنان العام 2006 وفي حصار غزّة والعدوان المتكرّر عليها العام 2008-2009 والعام 2012 والعام 2014.
وإذا كنّا نعود إلى ذاكرتنا المثقلة كل عام مستعيدين حجم الجريمة البشعة، فلأنها لا تزال مستمرة، وأن الجناة ما زلوا بعيدين عن قبضة العدالة، بل يتمادون في عربدتهم، الأمر الذي يحتاج إلى إيلاء اهتمام أكبر بالجهد الدبلوماسي والقانوني والدولي، باعتباره وجهاً آخر من أوجه المواجهة الطويلة الأمد.
ومن أول الخيارات على هذا الصعيد، هو الضغط على الأمم المتحدة لإنشاء محكمة خاصة مؤقتة على غرار محكمة يوغسلافيا ورواند وسيراليون وكمبوديا والمحكمة الدولية لملاحقة قتلة الرئيس رفيق الحريري.وعلى نفس الإيقاع يمكن اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بإنشاء محكمة خاصة من قبلها طبقاً لمبدأ «الاتحاد من أجل السلام» الصادر بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 377 في العام 1950 (بشأن كوريا) على الرغم من الخلاف الفقهي حوله. كما يتوازى مثل هذا التوجه مع الدعوة لإحالة «إسرائيل» إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو اللجوء إلى الولاية القضائية لبعض البلدان الغربية لملاحقة أي شخص ارتكب جريمة دولية حتى وإن كان خارج إقليمها، وكذلك اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لإصدار فتاوى استشارية أو بالتعويض المدني وسيكون ذلك مقدمة لإصدار أحكام جزائية.
ولعل كل جريمة إبادة تحدث تذكّر بصبرا وشاتيلا، وتوخز الضمير العالمي طالما أن الجناة أفلتوا من العقاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإنفاق العسكري العالمي يصل لأعلى مستوياته! | الأخبار


.. لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م




.. ألفارو غونزاليس يعبر عن انبهاره بالأمان بعد استعادته لمحفظته


.. إجراءات إسرائيلية استعدادا لاجتياح رفح رغم التحذيرات




.. توسيع العقوبات الأوروبية على إيران