الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصادرالهزيمة التاريخية للنخب العراقية(2/2)

عبدالامير الركابي

2017 / 9 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


مصادرالهزيمة التاريخية للنخب العراقية(2/2)
عبدالاميرالركابي
لعل الاهم والجوهري، لابل الاخطر، في المتغيرات التي عرفها العراق عند بداية القرن المنصرم على مستوى الافكار، والقوى المستجدة، مبادرة القوى الناشئة لتبني مفهوم "كوني" مستحدث وشائع، لابل ومهيمن كاسح الحضور، بدلا عن مفهوم مقابل مايزال خفيا، يمثل البؤرة المضمرة المناظرة للكونية الغربية المتوسطية، ومثل هذا الوضع الخاص، ترتب عليه في العراق بالذات، تبعات سوف تتجلى مستقبلا، واضعة مختلف اشكال الفعالية الحضارية، امام مقتضيات انقلابية شاملة، مهما بدت او ظلت لفترة غير قصيرة، متعثرة وضائعه، او اثارت الاعتقاد بانها متوقفه.
ولم يكن مثل هذا الصنف من التجابه، الاوربي العراقي، الحضارو/كوني، يشبه من اية زاوية كانت، ماقد عرف من اشكال التفاعل مع الظاهرة الغربية المستجدة، سواء اكنا نقصد الحالة المصرية، وملحقها الشامي، او الحالة الجزيرية السلفية المقابلة، فالمواضع التي ذكرناها، وان كانت جزءا من مجال تحقق "التوحيدية التاريخية" الابراهيمة، الا ان ايا منها، لا ينطوي على، او يتضمن المطلوب من عناصر ومحركات الفعالية الكونية الحضارية، كما هي الحال في كيان الازدواج المجتمعي التاريخي الرافديني.
فالانتباه على الغرب ونهضته الحديثة، والسعي للحاق به، والتساؤل "لماذا تقدم الغرب وتاخرنا؟"، ليس من الموضوعات الملائمة لموقع العراق من الظاهرة الغربية، ولا لسيرورته التاريخية، كما لمقومات تفاعليته، والشيء نفسه ينطبق طبعا على مفهوم الانغلاق، وشطب التاريخ بالعودة الى الاصل واستحضاره الاكراهي في غير زمنه، كما يوحي "اسلام الانهيار" الابن تيمي/ الوهابي ( تعود الابن تيمية الوهابية، الى زمن مابعد انهيار بغداد على يد المغول، حين انهار المشروح الحضاري الامبراطوري العراقي، وقتها ولم يبق من الاسلام غير العقيدة الاحادية، بدون الشروط المادية الضروررية للفعل الحضاري الكوني الذي هو من اختصاص العراق)، وفي الواقع، وعمليا، كان العراق قد دخل سيرورة تشكله الحديث، ودورته الحضارية الراهنة، منذ القرن السابع عشر، وهي ظاهرة حديثة تنتمي الى "مابعد غرب"، وغير مشمولة بمفاعيله، ولا هي خاضعة له ولاحكامه، ففي القرن السابع عشر،انبثق تشكل مجتمعي كياني جديد، مناظر للغرب الحديث، متجاوز له، لا متشبه به، او ساع للحاق به، او الانغلاق دونه.
وبهذا تكون الاستعارة الفرعية لفكرة "اللحاق بالغرب ونموذجه "، غير متناسبة، ولا تتطابق مع الحقيقة التاريخية المضمرة في الحضور الرافديني الجديد، بمواجهة الغرب( المعلوم ان الفكرة السلفية الابن تيمية الوهابية، اي فكرة او دعوة اسلام مابعد المشروع الحضاري الامبراطوري العراقي، لم تجد لها اي صدى له وزن في العراق) ويعود السبب في غياب الرؤية العراقية الحديثة، المتلائمة مع الصعود العراقي المعاصر، الى مجمل الرؤى المتراكمه التي تغلب عليها احكام العقيدة لا الواقع، والتي هي من مرافقات عصر الابراهيمة في طورها النبوي الالهامي المنقضي. قبل ان يصير بالامكان الانتقال الى عصر "العلية" الابراهيمة الحالي، وماكان يستوجبه من النخبة الحديثة من ارتقاء، يتعدى بنيتها وطاقتها العقلية والوجودية، بالاخص اذا ماكنا نطلب منها ماهو موافق للتاريخ الابعد من الراهن والمتصور من حيث الافق، بحيث تحل هذه، قبل الاوان، اشكالية "مابعد غرب"، وتجعلها موضع تركيز اهتمامها مكان "اللحاق بالغرب" واستنساخه، او لبس ردائه الحضاري، كما وجد هؤلاء انفسهم مضطرين، مثلهم مثل النخبة الحداثية العربية مجتمعة.
ولا نساوي بالطبع، بين الحداثي المصري الشامي، او الجزيري، والعراقي، فالاول ليس لديهم من الاسباب البنيوية التكوينية التاريخية والواقعية، ممايمكن ان يجعلهم يرون في تاريخهم ابتداء من القرن السابع عشر، لحظة انقلاب كونية، لايحتل الغرب بعدها اي افق سائربحيوية نحو المستقبل، فمنذ ترسخ العقلانية الغربية المستلبه للعقل، والمتحولة الى قوة قهر ذاتي مكرس لسلطة الدولة على الفرد، وصولا للايديلوجيات الماحقة، لم يعد الغرب مشروعا متفقا مع حركة التاريخ والمستقبل، بينما بدات تتراكم اسباب انتقال العملية الحضارية التاريخية الى شرق المتوسط، بعد دورتين، وانقطاعين حضاريين، مرا على بؤرة الفعالية الحضارية وقمتها الكونية المقابلة والرائدة تاريخيا.
على المستوى العملي الواقعي، وحسب مجريات العملية التاريخية في العراق، وضعت القوى الايديلوجية نفسها ضمن معسكر متراجع، وصولا الى الاندحار، بالاخص مع تبلور المنظور الوطني الحضاري الحديث، المطابق للدورة الراهنة الحضارية العراقية/ الشرق اوسطية الثالثة. وبدل ان يحصل ماظنه هؤلاء، او تخيلوه بخصوص العملية التاريخية الحديثة، شملهم هم بالذات، فعل العملية التاريخية التصارعية المستجدة، وبالاخص مفاعيل الصراع مع الغرب في اطار واليات عملية الانتقال الى "مايعد غرب".
واذا كنا قد بلغنا اليوم عتبة نطق العراق عن ذاته الكونية، بحكم الطبيعة والوجود والتاريخ، فالاحرى ان لانغفل عن الاسباب التي حالت، وماتزال بين من هم بموقع الحداثة، او الذين وجدوا بموقع استقبالها، وبين مقتضيات الوطن كونية، ومع ان اول ماكان يتوجب على هؤلاء ان يعوه منذ البداية، لامجرد التحديث او استعارته، الا انهم والحق يقال، ماكانوا يجدون امامهم في حينه، مايهيء لهم وييسر عليهم او يؤهلهم، للتصدي لمهمة تاريخية كونية كبرى، لم يكونوا فرسانها، ادخرت لجيل اخرمن العراقيين، كتب له وعليه، التعامل مع ثورة "الابراهيمة العليّة" التي ينتظر حضورها من هنا وصاعدا.
ولنعترف ونحن نؤشر على تقصير من نتهمهم هنا بالنكوص ازاء المهمة الوطنية الكونية الموكله لهم، والمودعة ضمن تضاعيف الكيان الذين هم منه ونتاجه المفترض، الى كون المهمة التي نتحدث عنها، هي بالاحرى لحظة انقلاب وتحول كوني، من نوع وبمستوى بدء الحضارة الاول في سومر، او من نوع الدعوة الثانية، او النبوة العراقية مابعد الجزيرية في الدورة الحضارية الثانية العباسية القرمطية، ومنجزها الاسماعيلة/ القرمطية، التي عمت من الكوفة، عموم العالم الابراهيمي، من المغرب الى البحرين واليمن وسوريا، وحلت دولة في مصر، وهو مالا يلاحظه، بل ينكره ويتحاشاه لاغراض قصدية،المؤرخون. بالاخص المنتمين للرؤية الجزيرية، طبعة الابراهيمة المحمدية الاخيرة، والتي لم تكن مؤهلة بحسب شروط تحققها، سوى لتكريس صيغة عقيدية ملائمة لتحويل مجتمع لادولة، قائم على اقتصاد الغزو، الى قوة ضاربة تحريرية، مهمتها ازالة الاختناق المحيق بالعراق والمنطقة، من جهتي الغزو الفارسي والروماني، ماقد اثمر تحريرا للاليات الحضارية العراقية المختنقة بفعل الغزو الفارسي، واعاد عملها وديناميتها. ووقتها تحولت ثورة الجزيرة، الى فعالية حضارية كونية، داخل الموضع المؤهل للقيام بها، بعد الراشدية الجزيرية المختصة بالفتح بحكم طبيعتها المفتقدة تكوينا لركائز دولة، والشامية الملكية، بحكم قوة فعل الاستيطان من خارجها.
وتعيد الدعوة الثانية العراقية، او النبوة الثانية،( العملية لا المفهومية الرسالية) مجسدة ب"الامامة"، نفس سيرة ومآل، ومصير الابراهيمة الاولى، التي تمتنع على التحقق في ارضها، فتنتشرمطرودة الى المنفى، والى محيطها التقليدي، والمستجد بفعل الاستيطان العربي، بعد الفتح، ماقد دل وقتها على بكورة بنيوية، مانعة تاريخيا، يتعذرعندها تحقق "اللادولة"، ومجتمعها الذي هو مكون ثابت، ضمن بنية مجتمع وكيان الدولتين المتصارعتين العراقي المزدوج، الامر الذي يصبح من هنا فصاعدا، موضوعا للتحقق، ومهمة رئسية على جدول الاعمال التاريخي الحضاري الكوني.
كانت المقتضيات تحتم في الثلاثينات على من كانوا بموقع التعامل مع الطاريء الحداثي، انتقالا من نوع زمني يوازي، ان لم يكن يتعدى بما لايقاس، مغامرة الانسان الاولى، بعد الانتقال من الصيد واللقاط، الى انتاج الغذاء، والتجمع البشري، وهو مالايجوز لنا توقعه من شريحة، منغمسة داخل شروط، لم تكن تتيح اطلاقا مثل هذا التطلع، وان باي قدر كان، واما مآلات هؤلاء، وماانتهوا اليه، وانتهى اليه العراق برمته، والمنطقة، واوربا الغرب الحديثة، وتفصيلاته، فقد وجدت اصلا كسيرورة تنطوي على مستنتج نوعي، ينتظر البلورة من هنا فصاعدا، قبل ان تدق ساعة التاريخ فوق دجلة والفرات المنحسران، مذكرة بالاصل، وبالمنطلق، قبل الاشاره الى الغد، الذي ظل مضمرا هنا، على مدى عشرات القرون من العيش بين نهرين، انما على حافة الفناء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل دعا نتنياهو إلى إعادة استيطان غزة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. روسيا تكثف الضغط على الجبهات الأوكرانية | #غرفة_الأخبار




.. إيران تهدد.. سنمحو إسرائيل إذا هاجمت أراضينا | #غرفة_الأخبار


.. 200 يوم من الحرب.. حربٌ استغلَّها الاحتلالِ للتصعيدِ بالضفةِ




.. الرئيس أردوغان يشارك في تشييع زعيم طائفة إسماعيل آغا بإسطنبو