الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الينابيع الأولى لحب القراءة: الشمعة والكتاب

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2017 / 9 / 28
الادب والفن


الينابيع الأولى لحب القراءة : الشمعة والقصة

تكاد هذه الذكرى لا تفارقني أبدا، لقد مضت عشرون سنة تقريبا على حادثة تبدو من المستحيل أن أنساها، لازلت أذكر تلك المدرسة القروية وأنا إبان ذلك الوقت لم أتجاوز السنة الثامنة من عمري، كنت أدرس بالسنة الثانية من المرحلة الابتدائية، مضت حوالي ثلاثة أشهر على بداية الدراسة، كان الوقت غروبا والأمطار تنهمر بالخارج بكل عنفوان، وبينما كنا متأهبين للعودة إلى منازلنا البعيدة، ونحن نفكر في الطريق الطويلة والمليئة بالأوحال، فاجأتنا المعلمة بمجموعة من القصص، لن أنس هذه المبادرة مهما حييت، وأقول إنها المبادرة الوحيدة التي صادفتها في حياتي الدراسية، تلك المبادرة التي علمتني أن المدرسة المغربية من الممكن أن تكون في منزلة الأم، وأن تكون المنارة الحاضنة للنهضة الثقافية، المنارة التي توفر الأكل والعلم، ولهذا السبب كم قدسناها ومجدناها نحن أبناء القرى، فكم شعرت بالسعادة وأنا أحمل معي قصة على محفظتي، لأني كنت أحمل قبسا من النور في الظلام الحالك للريف الذي كان ينير منازله بالشموع، كانت الطريق طويلة جدا وكم كنت أسرع من خطواتي لكي أصل إلى المنزل قبل مغيب الشمس وأشرع في تصفح أوراقها، كم شعرت بالفخر و أنا أستلم قصة من المعلمة، وكم نالت قصتي من العناية والاهتمام وكنت أمنع أيا من إخوتي أن يلمسها، ورغم الأمطار الغزيرة فإنني لففتها بالبلاستيك الذي كان بحوزتي حتى تصل سالمة إلى المنزل، لقد تعلمت منذ صغري أن الكتاب أمانة ورسالة ويجب أن يحترم كما يحترم الإنسان والطبيعة. إبان وصولي، كان الظلام قد أطبق على قريتنا، فتحت قصتي وأمسكتها بحنان، كان عنوانها :" الحصان الذهبي" تتحدث عن رجل ريفي لديه حصان طائر يقدم الإسعافات والمساعدات للقرى المنكوبة وكان موضع تقدير لساكنة الأرياف. قراءتي للقصة سمحت لي بالحصول على وعي منعكس الذي تحدث عنه سارتر في كتابه الوجود والعدم، إن قراءتي قادتني مباشرة إلى مباشرة علاقتي بقريتي وظلت هذه التجربة خبيئة في اللاشعور حتى هذه اللحظة . مازلت أذكر أنني لم أتناول عشائي بحكم الفرحة التي غمرتني في ذلك اليوم، قضيت الليل كله بجانب الشمعة و أنا أقرأ حتى أنهيت القصة لأن المعلمة وعدتنا أننا بمجرد ما ننتهي من القصة حتى تسلمنا قصص أخرى، في اليوم الموالي رجعت إلى المدرسة، وأعطيت للمعلمة القصة شرحت مضمونها لزملائي. لكن باقي القصص الأخرى كانت ممزقة، بل إن معظم التلاميذ لم يقرؤوا القصص، ومنذ هذه الحادثة فكرت المعلمة أن تضع قصصها في مكتبة المدرسة، لكن لم يدخل إليها إلا القليل. إن المدرسة وحدها لا تصنع المثقفين، إنها إبنة المجتمع، ابنة الأسرة والمحيط . كيف تكون المدرسة قارئة في مجتمع لا يقرأ؟؟ هذه الذكرى لم أنساها أبدا ولازمتني طول حياتي .

ع ع/ 28 شتنبر2017/ الدار البيضاء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با