الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحمل الكاذب: المرأة والسيارة !!

سامي عبد العال

2017 / 9 / 30
كتابات ساخرة


فجأة تحولت قيادة المرأة للسيارة إلى مسألة قومية واستراتيجية. حربٌ ضروس دخل فيها الفقهاء والملوك والأمراء وأجهزة المخابرات وشيوخ القبائل والعملاء والشياطين وبرامج التوك شو وبيانات النقابات والنشطاء. هكذا نحن نشهد مرحلة من التفاهة العامة بعدما كانت سمة شخصية. التفاهة قد تمثل أنظمة وثقافة بمجملها وهذا ما يجري. وتمارس أدوارها كأفضل ما يكون كالحمل الكاذب. فالأعراض والآلام والأحاسيس هي هي لكن لا يوجد جنين. والتفاهة هي الحمل الكاذب باسم المجتمع والادعاء بأنَّ أركانه ستنهار لمجرد خروج المرأة إلى الحياة. العقول تكذب وكذلك الآراء والسياسات والعلاقات واللغة والاقتصاد.

ليس هذا فقط بل أخذت أخبار قيادة المرأة تعلو فوق أحداث الاحتلال الصهيوني لفلسطين وتذهب أبعد من تدمير العراق في حربي الخليج الأولى والثانية وأوسع من فتح القسطنطينية على يد العثمانيين الأقحاح. وتطيح بتداعيات الحربين العالميتين الأولى والثانية جانباً. حيث لا وجه للمقارنة. فإذا كانت الحربان العالميتان قد غيرتا وجه أوروبا والغرب، فقيادة السيارة فيما يبدو كأنها ستغير وجه المرأة الشرقية. وبالتالي لا يوازي تلك المساحة سوى ارتياد عالم الفضاء وفتح مجاهل الكواكب الأخرى واكتشاف أبعاد الكون اللانهائي.

وبمجمل التحريمات التي تقبُر المرأة من أظافرها إلى أطراف شعرها، شكلت المسألة هوساً جمعياً يومياً. وحرصت مجتمعات العرب (السعودية والخليج وغيرهما) على مراقبة أوضاعها ومعرفة: هل تم تجاوز الحدود أم لا!! حتى باتت المرأة هي الموضوع الرئيس على مائدة الخطاب الديني والاجتماعي والاخلاقي. لم تعد كائناً منتجاً ولا وظيفة إنسانية تسهم في إدارة الحياة ولا مؤسسة اجتماعية هي صاحبتها بالمقام الأول ولا حرية تبحث عن مجالها الرحب ولا فاعلة تبني مفاهيمها وتصوراتها عن الواقع ولا رأياً مستقلاً خارج الضغوط والقيود. بدلاً من ذلك كله طُرح سؤال مروري: هل يصح أن تكون سائقاً لسيارة؟! هي التي تقاد كيف تكون قائدة، هي التي تسحب كالبهائم كيف تسحب مركبة، هي المفعول بها كيف تكون فاعلاً، هي ما تكون رديفة كيف ستسير في المقدمة... وقس على ذلك كافة أمور الحياة!!

في الذهنيات العربية هناك تماثل عجيب بين المرأة والسيارة. وربما ذلك هو ما جعل مجتمعات ( بمنطق القبائل) كالسعودية تحرِّم قيادة إحداهما للأخرى. لأنَّ الاثنتين تشتركان في كرسي القيادة الشاغر. حيث ينبغي أنْ يشغله غيرهما دائماً. فالسيارة مقودَّة، كائن مركوب( المركوب: اسم للسيارة في الثقافات الشعبية كالثقافة الليبية). وأيضاً المرأة - رضيت أم لم ترض- مركوبة بكل العفاريت والشياطين في مجتمعها. بدءاً من الرجال وليس انتهاءً بالكائنات الخفية والسلطة السياسية وأشباح القهر. مروراً بتاريخ الجهل والتخلف والعادات والتقاليد. تلك التي لا وظيفة لها في حياتنا إلاَّ الاشتغال على نون النسوة.

المرأة هي الكائن الثقافي الوحيد الذي يلخص كل هذا التاريخ. فلا تذهب بعيداً دون ملاحقتها بالعيب والعار. ومخافة أنْ ترتد أوصاف كهذه على مجاوريها( الزوج والعائلة) يُحال بينها وبين أبسط الحقوق العامة. فما معنى أن تقود المرأة سيارة أولا تفعل؟! هل ذلك نوع من الحرية يستكثرها المجتمع على الضلع الأعوج؟ هل منعها من ذلك يضفي مزيداً من القيم والوقار على المجتمع؟! هل سيارة بامرأة ستدهس الأخلاق والأعراف الأصيلة؟ أتحتاج عجلة قيادة نسوية قراراً ملكياً في ليل بهيم كالذي حدث مؤخراً بالسعودية؟

هكذا لأول مرة بالتاريخ تصبح عجلة القيادة بين أظافر حواء مشكلة المشاكل في ثقافة البدو. فالبدو انتقلوا - دون سابق إنذار معرفي ولا فكري- من " الإبل إلى الأوبل " كما يتردد. والرمز هنا لا يخلو من اسقاط حقها في الاستقلال والحياة بحرمانها من استقلال الرأي المكاني والزماني والحركي. هذا المتمثل في الإمساك بقيادة مركبة آلية تسابق الريح. السيارة ليست مادة فقط بالمنسبة لقائدها بل مساحة من الفضفضة والبوح الحركي. وعندما تقودها امرأة تكون الغريزة هي العين التي تراقب. ولذلك كثيراً ما يتم التحرش بالفتيات اللائي يقدن سياراتهن لفظياً ومادياً. فما بالنا بثقافة تعتبر المرأة حريماً لا يجب أن ينكشف أمام الغرباء.

هناك من يتشدَّق بأنَّ السعودية رجعية في هذا الإطار. وهذا ليس صحيحاً. فجميع مجتمعات العرب ( التي تسمح بقيادة النساء والتي لا تسمح) تتحسس من تلك القضية. لأن السيارة جاءت، جُلبت لتخدم ذكور العرب. السيارة رمز للفحولة في الثقافة الاجتماعية. إنَّها سياسة ذكورية موضوعة على خريطة الفعل الثقافي الغالب. والايقونات العامة كوجود سيارات للنساء وأخرى للرجال تخدم السلطة القائمة كأي حامل آخر لأهدافها الخفية.

يرى ذكور الوهابية أن المرأة خطر بنفس قدرة السيارة على الدهس. تدهس سلطانهم هم بالدرجة الأولى. الكهانة الدينية تقنيات معقدة مثلها مثل صناعة السيارات والمآرب المرجوة من ورائها. فإذا كان للرجل الغلبة مطبقاً شرع الله فالمرأة تهدد مملكته. باختصار هي العربة الطائشة التي يخشاها ليلاً ونهاراً. وقد ينفلت أحد إطاراتها لدهسه على مسامع الجميع. ومن ثم توضع المرأة تحت الوصاية الدائمة من مرحلة إلى أخرى.

لذلك كان علي ذكور الوهابية منعها من القيادة تحت مبررات ساذجة... فقيل دينياً ما يلي:

1- المرأة تظل مشغولة بالثرثرة – كما قال أحد شيوخهم- ولن تلتفت إلى حقوق الطريق. وكأن حقوق الطريق لا تعني وعياً بقدر ما تدل على تمييز جندري. وبالتالي فالطريق ذكوري لا ينبغي للنساء مقارعته بتاتاً. وهل الثرثرة مقصورة على جنس حواء دون سواها؟ وما علاقة ذلك أصلاً بالقيادة ؟ فقائد السيارة الذي يقع في المحظور لا يعني أنَّه امرأة. والفتاوى التي تقول ذلك ليس إلاَّ خطاباً قمعياً يخفي نوايا السياسة.

2- المرأة هشة البنية ولن تقوى على مصاعب القيادة. وهذا المبرر غير ديني بالمرة. ماذا دفع الشيوخ لاعتبار المرأة هشة إلى هذا الحد؟ ربما حديث ديني معروف: رفقاً بالقوارير. وأنهن مخلوقات من ضلع أعوج وأن أعوج ما في الضلع أعلاه فلئن ذهبت لتقومه كسرته ولئن تركته سيظل معوجَّاً!! والوهابية لا تدرك أن المرأة مخلوق قوي اجتماعيا وثقافياً وأنها مسؤولة عن استمرار الحياة حباً وعشقاً وتزاوجاً وانجاباً. لكن معنى الازدراء مقصود هنا لأنَّ الكائن الذي بلا إرادة لابد أن يكون هشاً. ولذلك يصبح غريباً أن يتصرف من تلقاء نفسه وأن يمارس حريته وحقوقه الطبيعية.

3- أن المرأة سيرتفع حوضها نتيجة الجلوس المتواصل. وبالتالي ستفقد قدرتها على الخصوبة والانجاب. هذا إن لم تكن حاملاً وفي هذا الوضع قد يسقط حملها. وهذا أمر غير مؤكد طبياً إلاَّ في حالات خاصة جداً. كما أن النسبي لا ينسحب كحكم كلي جميع الحالات الأخرى. تحقير المرأة في أخص خصوصياتها. فهي من تقرر ذبلك وفقاً لإرادتها وليس لتدخل فقهاء الحيض والنفاس. والطريف أن يتحول رجال الدين إلى فقهاء في الطب وهذه سمه لكل مجتمع متخلف ويستعمل الدين لإرهاب عناصر المجتمع؟

4- بواسطة السيارة قد تواعد المرأة عشيقها في أحد الطرق النائية وفي زحام المدن بعيداً عن عيون الأهل والأقرباء. لكن ألا قد يحدث ذلك بسيارة ودون سيارة إنْ أرادت؟! هذا يذكرنا بنكتة قديمة مؤداها: أنَّ لصاً محتالاً أراد بيع ساعة في ميدان عام لأحد البسطاء. وبعد أن قبض ثمنها منه أراد الهروب فقال له قف تحت الساعة حتى أذهب وأعود بسلم لإنزالها لك. فصدق الرجل وذهب اللص ولم يعد. وبعد فترة من الزمن تقابل اللص والرجل مرة ثانية ... فقال اللص حتى أعطيك ما اشتريت سأنتظر أنا تحت الساعة ثم اذهب أنت واحضر سلماً لإنزال الساعة..!!

ولذلك فإنَّ قرار الملك السعودي بإجازة قيادة المرأة للسيارة يعني أنَّ الفقهاء ظلوا طوال السنوات السابقة يكذبون ويكذبون باسم الله على كل القوارير. وأنهم لم يكن ليرحموها لصالح مملكة الوهابية التي تحكم بالحديد والنار. وإذا كان الأمر خلافاً لذلك فإن الملك هو من يكذب ثم يكذب ثم يكذب... إذن من نصدق؟! ومن فقد شرعيته تواً ويتلاعب بالشريعة الإسلامية لخدمة سلطانه الحاكم إبتداءً؟! وفوق هذا وذلك...هل القيادة ستحل مشكلة المرأة في مجتمعات متخلفة؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با