الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضباط فارون من الجيش الفرنسي وراء عنف1963 في الجزائر

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2017 / 9 / 30
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني



تحتفل جبهة القوى الإشتراكية كل يوم 29سبتمبر بذكرى تأسيسها في 1963 على يد المجاهد حسين آيت أحمد رحمه الله، وذلك بمعية عدد كبير جدا من المجاهدين وقادة في الثورة التحريرية، فقد كان هدفها هو إعادة تصحيح مسار الثورة بعد الإنحراف عن مسارها بسبب الإنقلاب الذي قاده تحالف بن بلة-بومدين ضد المؤسسات الشرعية للثورة في 1962 في الوقت الذي كان من المفروض إقامة دولة ديمقراطية وإجتماعية، كما نصت على ذلك مواثيق الثورة التحريرية.
فجبهة القوى الإشتراكية والكثير جدا من الجزائريين والمجاهدين يرون بأن هذا الإنقلاب قد حطم الإجماع الوطني الذي كان عليه الشعب الجزائري أثناء الثورة التحريرية بهدف طرد الإستعمار ثم إقامة دولة لكل الجزائريين بتجسيد عملي ومؤسساتي لأهدافها المتمثلة في الدولة الديمقراطية والإجتماعية، ولهذا نجد دائما جبهة القوى الإشتراكية لاتستخدم عبارة "الإجماع الوطني" دون الإشارة إلى إعادة بنائه لأن الإجماع قد تكسر وتحطم في 1962، ولهذا كان شعارها وهدفها هو "إعادة بناء الإجماع الوطني" منذ تأسيسها بجمع كل الجزائريين بهدف بناء الدولة الديمقراطية والإجتماعية، وقد مر ذلك بعدة محطات ومنها: المجلس الوطني للدفاع عن الثورة في 1964 الذي جمع عدة قوى جزائرية في كل مناطق البلاد، ثم إنخراطها مع محمد خيدر وقوى جزائرية أخرى في 1966، والتي أنتهت بإغتيال مهندس ذلك محمد خيدر في جانفي1967، ثم إتفاق بن بلة-آيت أحمد في لندن في 1985 الذي نسجه علي مسيلي الذي كان نقطة بداية لجمع كل المعارضة الجزائرية بهدف تحقيق الإنتقال الديمقراطي، لكن أغتيل مسيلي في أبريل1987 كما أغتيل خيدر من قبل في1967، وكأن كل من يحاول جمع كل قوى المعارضة في الجزائر بكل توجهاتها، سيكون مصيره التصفية الجسدية، لأن النظام في الجزائر يعرف جيدا بأن وحدة المعارضة تشكل خطرا عليه، خاصة أنه يعتمد على سياسة فرق تسد، ويعلم جيدا أن نجاح الجزائريين في طرد الإستعمار الفرنسي كان نتيجة بناء جبهة وطنية واسعة لكل القوى متمثلة في جبهة التحرير الوطني التاريخية، بل نعتقد أن حتى محاولة تشويه الشهيد عبان رمضان يختفي وراءها إبعاد الجزائريين عن الإستلهام من نموذج وفكرة مشروعه التوحيدي الجامع، لأننا كلنا نعلم دور عبان رمضان في ضم كل القوى والأحزاب إلى جبهة التحرير الوطني في عامي1955و1956، ويمكن لنا أن نذكر ضمن المحطات التي ساهمت فيها جبهة القوى الإشتراكية دعوتها لعقد وطني مباشرة بعد 1988 للتوصل إلى إتفاق حول إلتزام الجميع بإحترام المباديء الديمقراطية، ثم عقد سانت جيديو في 1995، ثم مبادرات عدة للخروج من المأزق السياسي الذي دخلت فيه الجزائر منذ 1962، وأبرزها دعوتها الثابتة إلى مجلس تأسيسي، لينتهي مسار كل هذه المبادرات اليوم إلى مشروع إعادة بناء الإجماع الوطني الذي يحتاج إلى تفعيل وتطوير أكثر، وسنعود إلى ذلك في مقالة أخرى .
لكن ليس كل الجزائريين لديهم نفس الرؤية حول جذور وبذور مأزق الدولة الوطنية الجزائرية، فهم منقسمون حولها، فيردها البعض إلى ماوقع في1992، ومنهم بقايا الجبهة الإسلامية للإنقاذ، لكن يتجاهل هؤلاء أن أحداث التسعينيات كانت نتيجة لمسار الدولة التي ولدت في خضم أزمة1962التي يسميها البعض بالإنقلاب على المؤسسات الشرعية للثورة، وهو ما يعترف به حتى بعض المساهمين في ذلك الإنقلاب.
أن ما يجهله الكثير هو التشابه النسبي في بدايات مسار الدول المغاربية التي تعرضت للإستعمار الفرنسي، وكأن أسسها نابعة من مركز واحد، ومايلفت الإنتباه أكثر هو جيوش وإدارة هذه الدول، فقد أرادت فرنسا لهذه الدول إستقلالا تتحكم فيه، فلنأخذ مثلا المغرب الأقصى الذي أصرت فيه فرنسا تفكيك جيش التحرير المغربي الذي كافح ضدها، فأنشأت للنظام الملكي"الجيش الملكي المغربي"الذي سيطر على مفاصله ضباطا كانوا يخدمون في الجيش الفرنسي، وأحتكرت فاس السلطة على حساب المناطق التي كافحت أكثر ضد الإستعمار، ونفذ هذا الجيش الملكي مهمة تفكيك جيش التحرير المغربي، خاصة في منطقة الريف، وأفتعل ضباطه المنحدرون من الجيش الفرنسي أحداثا في1959 في هذه المنطقة أدت إلى القيام بمجزرة يندى لها الجبين بقيادة هؤلاء الضباط المنحدرين من الجيش الفرنسي، وأنتهت بالتخلص نهائيا من هذا الجيش التحريري.، فلنشر أن منطقة الريف في المغرب هي المنطقة التي ينحدر منها البطل الكبير عبدالكريم الخطابي، أين يرفض حكام المغرب إلى حد اليوم نقل رفاته من مصر إلى المغرب رغم المطالب الشعبية بذلك، خاصة في الريف المغربي.
لايمكن لنا فهم تحولات الدولة الجزائرية منذ1962 بمعزل عن ما أشرنا إليه آنفا، وهي ظاهرة تهميش المجاهدين الذين حرروا البلاد وتفكيك جيوش التحرير الوطني سواء في الجزائر أو المغرب، وحتى تونس في الجنوب التونسي بقيادة صالح بن يوسف، ونعتقد أن قضية جبهة القوى الإشتراكية في 1963 تدخل في هذا الإطار، فقد عرفت الجزائر منذ 1962 ظاهرة التخلص تدريجيا ومرحليا من ضباط جيش التحرير الذين قارعوا الجيش الإستعماري في الداخل بداية بقضية جبهة القوى الإشتراكية في 1963أين أفتعلت حادثة شبيهة، بما أفتعل في الريف المغربي في1959، ثم مع قضية شعباني في1964، وأنتهت بعد محاولة الطاهر الزبيري الإنقلابية في1967، ويبدو هذا مايقصده لخضر بورقعة أحد أبرز مؤسسي جبهة القوى الإشتراكية المصر دائما على تكرارعبارة "أن أول رصاصة أطلقت في 1962 كانت ضد جيش التحرير الوطني"، ونعتقد أن نفس الهدف كان وراء تخلي تحالف بن بلة-بومدين عن التنظيم السياسي والعسكري والإداري المعمول به في الثورة، والذي صمم في مؤتمر الصومام 1956، وفضل تحالف بن بلة-بومدين الإبقاء على التنظيم الإداري الموروث عن الإستعمار، وكل ذلك بهدف إبعاد أي نفوذ لمجاهدي الداخل الذين يسيطرون على الولايات التاريخية عن شؤون الدولة بعد1962؟.
فما يخص قضية جبهة القوى الإشتراكية في 1963 وما أثيرت حولها من أكاذيب وشبهات كان وراءها إعلام تحالف بن بلة-بومدين، فمن الضروري أن نوضح اليوم الدور الدنيء لبعض الضباط الفارين من الجيش الفرنسي الذين حاولوا دفع منطقة القبائل، ومعها جزء كبير من جيش التحرير الوطني المتمركز هناك بقيادة العقيد محند ولحاج القائد الأخير للولاية التاريخية الثالثة إلى العنف وتكرار نفس ما قام به الضباط المنحدرون من الجيش الفرنسي في الريف المغربي في 1959.
فبعد إنشاء جبهة القوى الاشتراكية في 29 سبتمبر1963 أرسل نظام بن بلة وفدا عسكريا بقيادة الكومندان سعيد عبيد إلى قيادة الحزب الجديد لمعرفة مطالبه، فلخصها الحزب في عدة نقاط أهمها الاعتراف بالتعددية الحزبية وتطهير الجيش من الضباط الفارين من الجيش الفرنسي وإعادة تشكيل قيادة الجيش بإبعاد بومدين وتعيين محمد شعباني أو الطاهر الزبيري مكانه مع إلحاق قادة النواحي العسكرية بالقيادة العامة للجيش الوطني الشعبي.
ويروي لخضر بورقعة في مذكراته حول ما أسماه ب"إغتيال الثورة")ص ص 123-(124 مستندا على اعتراف أحد جنود الجيش من أن بعد أن علم الكابتن زرقيني وهو أحد الضباط الفارين من الجيش الفرنسي بمطالب جبهة القوى الاشتراكية، أفتعل حدثا عنيفا في عزارقة لإفشال المفاوضات بين نظام بن بلة وجبهة القوى الاشتراكية، حيث قسم الكابتن زرقيني قواته إلى مجموعتين أحدهما تمثل قوات الجيش الوطني الشعبي وأخرى تمثل دور قوات تابعة لجبهة القوى الاشتراكية، فحدث اصطدام مصطنع بين المجموعتين، فأتهم النظام جبهة القوى الاشتراكية باستعمال العنف، فقطع هذا الحدث المؤلم الطريق أمام المفاوضات، لا يمكن لنا التأكد هل فعل رزقيني ذلك بطلب من مجموعة الضباط الفارين من الجيش الفرنسي حفاظا على مصالحهم أم بطلب من بومدين الذي يبدو أنه أراد استغلال تلك الأحداث لتقوية نفوذه ودفع بن بلة للارتماء أكثر في أحضان بومدين ؟.
لايمكن لنا فهم ماوقع مع جبهة القوى الإشتراكية في 1963 بمعزل عن ما حدث في تونس مع الصالح بن يوسف ولا المغرب الأقصى خاصة في الريف في 1959 والتي أنتهت كما أشرنا بتفكيك جيش التحرير المغربي والدور الجبان الذي لعبه الضباط المنحدرين من الجيش الفرنسي آنذاك.
أن العودة إلى ماوقع في المغرب الأقصى في 1959 يشبه إلى حد كبير ما وقع في الجزائر في نفس الفترة تقريبا، فهل كان المخطط هو نفسه في كلا البلدين؟، لكن ما هو مؤكد منه أن أغلب قيادات وضباط جيش التحرير الوطني تمت تصفيتها وإبعادها بداية بما وقع في منطقة القبائل ثم الصحراء بإعدام محمد شعباني الذي كان أيضا من أبرز المطالبين بتطهير الجيش من الضباط الفارين من الجيش الفرنسي، ويبدو أن المشهد قد أكتمل بعد ما دفع هؤلاء العقيد الطاهر الزبيري إلى محاولته الإنقلابية وأنجر عنها تصفية المتبقين من الضباط الكبار لهذا الجيش الذي كان أغلبه بالداخل يقارع الجيش الإستعماري.

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر