الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طشاري .. ما بعد الدولة الكردية

جعفر المظفر

2017 / 9 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


طشاري .. ما بعد الدولة الكردية
جعفر المظفر
لا أجد تعبيرا وافيا لوصف مشهد ما سيتبقى من العراق بعد الإنفصال الكردي عنه أفضل من كلمة (طشاري) وهي ذات الكلمة التي وضعتها المبدعة إنعام كجة جي عنوانا لروايتها الثالثة التي أضافتها إلى ثاني قصتين حازت إحداهما وهي (الحفيدة الأمريكية) على جائزة البوكر. طشاري تلخص حال العراقيين الذين إضطروا لمغادرة بلدهم متوزعين على مختلف أصقاع الأرض, وبخاصة بعد الإحتلال الأمريكي لبلدهم الذي تكفل بتنفيذ برنامج إعادة العراق إلى عصر الكهوف الذي كان وعد به وزير خارجية بوش الأب.
في عام 1979 أثناء زيارة لرومانيا قضيتها وأنا أتابع مشاكل الطلبة المبتعثين, طلبت بعد إختتام مهمتي من صديق كان مقيما هناك أن يذهب بي إلى اقصى منطقة سياحية, وكان الشرط الذي قلته مازحا, على أن تكون هذه المنطقة بعيدة كفاية بحيث يندر إختيارها من قبل اي سائح عراقي. وحصل أن إختار لنا هذا الصديق منطقة سياحية نائية في أعالي الجبال كانت الحكومة الرومانية قد إبتنت فيها مواقع للتزحلق على الجليد بما جعلها أحد المراكز الأوربية لهذه الرياضة الشتوية. كانت المنطقة بيضاء بالكامل والثلج لم يترك فيها موقعا إلا وغطاه بلحافه السميك, ولقد دفعني ذلك إلى الإعتقاد بإنني سأقضي ثلاثة ايام مريحة بدون أن يدخل علي أحد الطلبة العراقيين وهي يحمل معه خطاب همومه ومطاليبه.
في الليلة الأولى تحققت أمنيتي. في الفندق الوحيد في تلك القرية الرياضية الجبلية النائية لم يكن هناك سوى مجاميع من الشباب الأوربيين الذين تستهويهم رياضة التزلج. في اليوم الثاني أثبت كشف الدلالة عدم وصول الأقدام العراقية بعد إلى ذلك المكان النائي. لكن التوقع سرعان ما خاب. فورا في مطعم الفندق سمعت أحدهم أثناء الفطور يهتف من مكانه على بعد سابع طاولة (الله بالخير استاذ) وكان معه على طاولته زوجته وثلاثة أطفال, وقد عرفت منه بعد ذلك, أنه وصل إلى المكان بعد أن شبع من المدن التي زارها, والتي تزدحم بالسائحين العراقيين حتى تكاد تحسب نفسك في الشواكة.
طشاري السبعينات هو غير طشاري العقد الأول من الألفية الثالثة يوم تكفل بوش الإبن بتنفيذ ما كان وعد به ابوه, إعادة العراقيين إلى العصر الحجري.
في العصر الطشاري الأول الممتد من العام الذي تلى قرار تأميم النفط حتى عام الحرب العراقية الإيرانية كان العراقيون قد تطشروا على مناطق السياحة واللهو حتى وصلوا إلى مراكز التزحلق الرومانية في أعالي الجبال. أما في العهد الطشاري الثاني, فإن الدكتورة (وردية) طبيبة النساء المسيحية التي قضت أغلب حياتها المهنية في مدينة الديوانية, قادمة إليها بالأصل من الموصل, والتي لم تكن قادرة على تصور وجود لها حياة خارج صدريتها البيضاء بعيدا عن مرضاها من فقراء الديوانية, تجد نفسها بعد رحلتها الوردية تلك مضطرة إلى مغادرة العراق على كرسي المقعدين حيث ينتهي بها المطاف في كندا بالقرب من أبنائها الذين تحايلوا عليها لسنين طويلة لأجل أن تترك البلد الذي أطعهما من جوع وأمنها من خوف ثم إذا به يتحول إلى بلد للخوف والجوع.
في العصرين الطّشارييْن الأول والثاني خرج العراقيون من العراق, مرة سائحون ومرة سائحين.
فرق الأولى عن الثانية أن العراقي كان يسوح في الأولى ويسيح في الثانية, أي يتنزه في الأولى ويموع في الثانية ليسيل بلا هدى على وجه الأرض. وفي كلتي الحالتين, سياحته وسيحه, فإنك تراه أينما وليت وجهك, مع الفارق في موقع العينين من رأسه, حيث تراها في الأولى في المقدمة وهو يبحث عن أمكنة اللهو والمرح, بينما تراها في الثانية في الخلف من رأسه وهو ينظر بألم ولوعة إلى وطن أضاعه وضيعه.
ونأتي إلى العصر الطشاري الثالث, الذي أخشى أن يكون أخطر العصور وآخرها, وبدايته ستكون من الإنفصال الكردي.
خطورة الإنفصال الكردي لا تكمن في ذات الإنفصال وإنما في تداعياته, أهمها ذلك الذي سيحدث لما يتبقى من العراق. لو كان القسم العربي من العراق متماسكا ومتحابا وذا نظام علماني تقدمي متحضر فلربما كان قيام دولة كردية مستقلة خلاصا للطرفين, الكردي والعربي وللبقية من (المكونات). لكن الفدرالية الكردية, رغم كل مشاكلها هي بيضة القبان في نظام محاصصاتي سوف يؤدي غيابها إلى إنهيار المثلث بعد إختفاء أحد أضلاعه. وفي ظل النظام الطائفي المحاصاتي سوف يعاد تنشيط الطائفية من جديد وتفعيلها بعد خلو الساحة من كل النقائض الأخرى ووجود ممثلي الطائفتين وحدهما وجه لوجه, حيث لا شغل ولا مشغلة سوى الفساد وسوى نفخ النار في الرماد. حينها, بعد أن يتعب العراقيون كثيرا في جولات الإقتتال الجديدة سيجدوا أن أفضل الحلول هو تقسيم بقية الضلعين, ثم ذهاب كل ضلع إلى قفصه الصدري.
في المرحلتين الطشاريتين, الأولى والثانية, خرج العراقيون من العراق.
في المرحلة الطشارية الثالثة سيخرج العراق من العراقيين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الدكتور جعفر المظفر ألمُحترَم
حميد الواسطي ( 2017 / 10 / 1 - 06:21 )
حضرة الأخ الفاضل الدكتور جعفر المظفر ألمُحترَم.. ألسلامُ عليكُم وَبَعد، كباحث عن ألحقيقة أينما تغور وَأدور معهَا حيثما تدور، بَيدَ إنني لَم أجد في مقالكَ ألموسوم هذا ما أختلف فيه.. أحسنت باركَ اٌلله فيك وَأتفق معكَ بكُلِّ ما جاء فيه.. تقبّل رجاءاً خالص ألتحيَّة وَفائق ألإحترام وَ دُمتم – حميد الواسطي

اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة