الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مديح زائف

خالد صبيح

2017 / 10 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


لا أظن أن أي انسان سليم النية إزاء البشر سينكر على الكرد إنسانيتهم وخصالهم الاخلاقية والاجتماعية ألحميدة؛ كالطيبة والكرم والشهامة، فهم كحال البشر من أبناء الشعوب المحيطة بهم، لايقلون عنهم ولايزيدون ايضا، في ما هم عليهم من مستوى تطور إجتماعي، لأنهم أبناء خلفية حضارية وتاريخية واحدة، أو قل متقاربة. ربما تكون فرص التنمية الضعيفة عندهم، وسنوات الاضطهاد المديدة، قد قللت من إمكانية انخراطهم في علاقات اجتماعية خالية من قيم القبيلة والدين، ولاذنب لهم في هذا، فالبشر يؤسسون قيمهم ومفاهيمهم وفق مستوى تطورهم المادي والحضري الذي تمليه عليهم عوامل مختلفة ومتعددة، يؤثر فيها الموروث الثقافي، والمسار التاريخي لحركة المجتمع والبنى الأساسية فيه، وغيرها من مؤثرات بيئية ثقافية - تاريخية. بمعنى أن ليس هناك بشرا أو شعبا أو قومية جُبلت على خصال محددة مصمتة لا تتأثر أو تتغير بحسب ظروف الزمان والمكان. من هنا لا يمكن وسم شعب أو قومية بالعبقرية، مثلا، و آخر بالتخلف والغباء، فهذه الخصال، وغيرها، تخضع لمتغيرات البيئة ومستويات التطور الحضري. والكرد أبناء البيئة المحيطة بهم، وليسوا منزّلين من السماء، فيهم الكثير مما هو جيد وما هو رديء ايضا.

أقول هذا بمناسبة نشر (برنار ليفي)، المفكر والكاتب الفرنسي، صديق اسرائيل و أحد منفذي أجندتها في المنطقة، (كلمة الى الامة الكردية) نشرت على موقع مدونات الجزيرة، حاول فيه أن يضفي على الكرد صفات بدت وكانها صفات إلهية خالدة. ومن الواضح أنه قد استمد اسس نظرته تلك من عقيدته الصهيوينة، ومن فكرة (شعب الله المختار)، تلك الخرافة التي أسست الصهيوينة عليها أسطورتها وأسطورة (دولة إسرائيل).

لقد حاول ( ليفي) أن يضفي على الكرد،في "كلمته"، صفات يفتقدها، وفق مقارنته الخفية، وبقياسه غير المنطقي، من هم حولهم من الشعوب، وجعلهم، أي الكرد، منفردين بها دون الآخرين، حيث أراد أن يمنحهم فرادة قيمية و أخلاقية وحضارية لمماثلتهم، حسب تصوراته، بـ (اليهود)، كرسها بعبارات مثل؛ ( شعب قديم) يتحلى بـ (قيم التسامح) والقدرة على ( التعايش الثقافي) والالتزام بـ (سيادة القانون) وغيرها من الصفات التي أكساها طابعا جوهرانيا، حيث بدت وكأنها نتاج خلقي لدى الكرد.

إن هذا المنطق المتهافت هو امتداد للنظرة العنصرية، وله مايقابله فيها من بخس لقيمة بعض الشعوب او القوميات او حتى اجناس بعينها، كالسود مثلا، برفع صفات معينة (سيئة) أو (ناقصة) فيها، هي نتاج ظرف تاريخي وثقافي محدد، الى مصاف صفات جوهرية جبلت عليها. ومثلما يرفض المنطق العلمي هنا الاساس العنصري لجوهرة البشر، وإسباغ صفات أبدية ثابتة لا تتغير عليهم، كالتخلف، يرفض كذلك إعلاء شان شعب وإضفاء صفات عبقرية وانسانية رفيعة على أنها صفات خاصة فيه.

لا يخفى ان هذا الطرح لـ(برنار ليفي) هو طرح سياسي صرف، و لاعلاقة له بالبحث العلمي، أراد من خلاله، وبمغالطات شكلية، منح الكرد خصوصية كتلك التي أضفيت على (إسرائيل) ومنحتها (شرعية) حضارية وأخلاقية لتؤسس بها كيانها وفق اعتبار الخصوصية والفرادة. وهما اعتبار ومماثلة زائفين، لان حق تقرير المصير للأمم والشعوب لايقوم على رفعة مكانتها الحضارية، كما أسست لذلك مدارس الإستشراق الأوربية، ذات الخلفية الإستعمارية، التي قسمت العالم الى شرق وغرب؛ حضارة وبربرية، وفق منظور عنصري استعلائي، وفرضت وصايتها على الشعوب عبره، وإنما هو حق طبيعي ليس بحاجة الى مسوغات تشرعنه.

وإذا كان بعض التباين الحضاري الذي أراد (برنار ليفي) أن يقيم عليه معادلته في مديح الكرد،موجودا كفارق بين شعوب المنطقة وسكان (إسرائيل)، فهذا بديهي، لأن سكان (إسرائيل) هم ( لملموم) من بلدان وحضارات متباينة، أغلبها من أوربا، ما يجعل هذا التمايز ممكنا من الناحية العملية، لكني لا أجد اي مسوغ علمي يميز الأكراد عن مستوى البنية الحضرية للمجتمعات المحيطة بهم. وهذا ليس انتقاصا منهم وإنما هو دفاع عنهم؛ لأن في الوقت الذي يحاول فيه (برنار ليفي) أن يمحضهم صفات جوهرية رفيعة لا أساس منطقي أو علمي أو عقلي يسندها أو يبررها، فالشوفينيون يريدون ايضا، وبنفس المنطلقات، وبذات الخلفية العقلية، أن يلصقوا صفات القصور والتخلف بهم وبغيرهم لينتقصوا منهم، وكِلا المعيارين، ومايتوصلان اليه من استنتاجات، خاطئين وزائفين.

أظن أن أبناء المنطقة يعرفون، بالقدر الكافي، اي حال عليه اخوتنا الكرد، الأمر الذي لا يستطيع ان يستوعبه منطق (برنار ليفي) العنصري عن الكرد وعن المنطقة. ولهذا لسنا بحاجة لان يعرفنا هو و أمثاله بانفسنا وبما نريد أن نصل إليه، ولا بالسبل والخطوات النافعة والعملية لنا. و أتمنى أن لايُسكِر غزل (برنار ليفي) للكرد، النخب الكردية المثقفة ويخدر وعيها، ويوقعها في نشوة زائفة تنسيها واقعها الذي من مصلحتها معرفته بحجمه وعلى حقيقته، وللتساءل، من اجل مصلحة الجميع، بجدية وعمق، عن دوافع الحماسة الصهيوينة لقضيتهم، لكي لايكرر التاريخ، تاريخهم، نفسه مرات ومرات وينتهي بهم الى المهزلة بعد المأساة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما معنى اخواننا الاكراد
احمد السيد علي ( 2017 / 10 / 1 - 00:15 )

تحياتي عزيزي خالد

اتعلم عزيزي في لغة المخاطبة إخواننا المسيح ، الاكراد ، الصابئة، هي لغة تميز وهي

في المضمون تعني هم من الدرجة الثانية، لماذا لا نقول أبناء الوطن، هذا الكيان الذي

تشكل باسم العراق رسمه الخياطون الكبار منذ قرن مضى

لقد ذكرأنستاس الكرمي ان ما يسمى العراق حاليا عبارة عن ولاية بغداد وولاية البصرة في القرن التاسع عشر

تحياتي

اخر الافلام

.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر




.. -يجب عليكم أن تخجلوا من أنفسكم- #حماس تنشر فيديو لرهينة ينتق


.. أنصار الله: نفذنا 3 عمليات إحداها ضد مدمرة أمريكية




.. ??حديث إسرائيلي عن قرب تنفيذ عملية في رفح