الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلمات من دفتر الاحوال...(7)

كاظم الموسوي

2017 / 10 / 1
الادب والفن


كنت قد كتبت هذه الكلمات من زمن ما، ووددت أن أكتب شيئا مفصلا عن تلك الأيام والاحوال، اوسع مما سطرته هنا، ولكني أقنعت نفسي بأنها ايام واحوال، وقد تأتي في السياق ايضا، لذلك اعيدها، رغم كل المتغيرات بعدها، او تذكر ما قاله الفيلسوف هيراقليطس في ديالكتيكه، ومثاله في عدم قدرة الإنسان أن يغتسل مرتين في ماء النهر الجاري نفسه، ولكن تبقى المياه هي الجارية دوما، والحقائق مثلها.
حين رن تلفون مكتبي ورفعت سماعته، وسمعت صوت الرفيق الدكتور ماجد الياسري بعد انقطاع... استرجعت تلك الايام التي كنا معا فيها في بغداد، نجول في مقاهيها، مكتباتها، شوارعها. وحين طلب مني المساهمة في الملف الخاص عن "طريق الشعب" عدت الى تلك الايام ايضا. وكأني انتقل في شاشة الصداقة، والتاريخ ومسلسل الرفقة والشباب والسياسة، الى مسلسل الواجب والالتزام والشعور بالمصير المشترك، والعطاء، والأيام الحلوة والمرة، وأشياء كثيرة لا تكفيها الكلمات. رغم كل ما حال دونها عبر تلك الايام.
كانت جريدة "طريق الشعب"، (صدرت علنية في 16 ايلول/ سبتمبر 1973) اسما على مسمى، بلون عنوانها الاحمر وشعاراتها، ومانشيتها المتميز وصفحاتها الثماني المعبرة عن تلاوين المجتمع وهيئاته وأقسامه وفعالياته، وأعمدتها وزواياها التي تحمل اسماء معروفة، وجديدة، في شتى الاصعدة، سياسية وثقافية ونضالية. منها اسماء تتكرر كل يوم، وأكثرها تبدأ بـ" ابو" تيمنا بالطريفة التي تنقل عن الفلاح البيشمركة الكردي في تعليقه على قائمة انصاره العرب في كردستان!. وسؤاله؛ كيف تعرفونهم وكلهم اسمه ( ابو)؟!.
اين هي تلك الايام؟، هل بقي منها غير الذكريات؟، وأية ذكريات تسجل، وقد تقطعت شجرتها بخناجر عديدة، وأكثرها من ابنائها المحتضنين لها، وتقاطعت فيها ومعها الدروب والمسافات؟.
وحتى لا استطرد في الاسئلة وتداعياتها، ومازال رنين الهاتف في الاذن وشاشات التذكر والمنافي والمهجر والتوزع تحت نجوم السماء قائمة معه، الح علي قلمي ان يسطر شيئا، حتى ولو هوامش، مشاركة وتسجيلا، واستمرارا لذاك النسغ، والجذر الذي ما هوى.
حين صدرت الصحيفة كنت في خدمة العلم. وما ان انهيتها عدت الى الحبيبة، مواصلا مساهمتي في شقيقتها "الفكر الجديد" (صدرت 1972) عاملا في صفحتها الثقافية، ومشاركا مع نخبة من ادباء العراق البارزين، ومن بينهم الزملاء: فاضل ثامر، ياسين النصير، صباح الشاهر، حميد الخاقاني، يوسف الصائغ، والفرد سمعان، يسهم معهم الادباء الشيوعيون والمستقلون من بغداد والمحافظات اضافة الى الاصدقاء والحلفاء. وكانت ندوات لجنة العمل الثقافي الديمقراطي، وكنت عضوا فيها، والتي ادارها الاساتذة: هاشم الطعان، وخالد السلام، والفرد سمعان، وسعود الناصري في بيوتهم او بيوت الاصدقاء تضم اكثر من عشرين مبدعا كل مرة، ترفد الصفحة وتتألق اسماؤهم في اعمدتها. وليس غريبا فعلا أن يتباهى كل مبدع في العراق أنه مر خلال حياته بمدرسة الحزب، عبر منظماته او واجهاته، وتعلم منها واستفاد رغم تبدل الاحوال وتغير الأزمان. كما كان للحضور الواسع في مقر اتحاد الأدباء ومقرات النقابات الأخرى دور في الحوارات الثقافية والنشر في الجريدة.
نشرتُ في الصفحة الثقافية مقالات في النقد الادبي وعرضا ونقد كتب وهوامشا ثقافية وقراءات في التراث الفكري والصحافة اليسارية. وعلى سبيل المثال، اتذكر منها، قراءة في العدد اليتيم من جريدة "الهادي" التي اصدرها الحزب الشيوعي عام 1948 بدعم وبأسماء اصدقاء له، في فترة دكتاتورية نوري السعيد واتباعه.. وكتب افتتاحيتها الرفيق فهد، وقد عثرت عليها في مكتبة المتحف الوطني. وللمصادفة الطريفة، بعد ان اكملت عملي في المتحف وتمشيت صوب الصالحية، التقيت (الراحل) الدكتور عبد اللطيف الراوي، وحدثته عنها، فاقترح زيارة صاحب الامتياز، الذي يعرفه شخصيا، وكان قريبا منا مكانا، صاحب محل موبليات، في الجهة المقابلة لموقع المتحف. استقبلنا بحفاوة وصراحة، وذكر مصدر الدعم والافتتاحية التي اغلقت الجريدة بسببها. للأسف الشديد لا اتذكر اسمه الان. ولم تكن الجريدة الوحيدة التي حررها الحزب في الظروف الحالكة التي مر بها في تاريخه، وما عدمت امكانات احتضان نشاطه الديمقراطي، ولا شحت عطاءات الناس له.
كما اتذكر قراءة اخرى في دفتر السجين الشيوعي الشهيد موسى نور، بخط يده، والذي حصلت عليه من عائلته، وفيه اورد يوميات الحياة في السجن، ( الخمسينات من القرن الماضي) وجداول المحاضرات والنشاطات الثقافية المتنوعة، حيث كانت اضافة الى دروس اللغة وتعلم التراث والآداب، دروس في فن الموسيقى، وشرح لسيمفونيات عالمية والمدارس الموسيقية، ومواضيع اخرى لاغناء الروح وشد الانسان للحياة والجمال والإنسانية والأمل بالحرية والشمس والسلام رغم ظلام السجن، وصعوبات الظروف وقسوة الزمان.
أليس مفارقة، السؤال عما يسجل سجين ما بعد تلك الايام في دفتره، هذا اذا بقي حيا، وقادرا على التعبير عن مشاعره؟!.
في فترة العمل في صفحة الثقافة، كانت لي لأول مرة في حياتي، سفرة بالطائرة داخل الوطن، ضمن وفد الصفحة والجريدة الى البصرة مع الزميلة الصحفية، الدكتورة سلوى زكو والزميل الناقد ياسين النصير. وفضلا عن ركوب اجنحة الهواء في ثلاثة ارباع الساعة في سماء العراق، كان الاستقبال الحافل، والحفاوة الرفاقية، واللقاءات الحميمة والسهرات الفنية والغنية في مدينة السياب والملائكة وسعدي يوسف ومحمد خضير وعبد الكريم گاصد وعبد الوهاب طاهر وناصر عبود وهندال جادر (التي ما زالت حلاوتها على طرف اللسان، كما يقال)..
إضافة الى الصفحة النظرية، التي كانت تصدر كل يوم جمعة، والتي اعددتُ موادها لأيام عديدة للتثقيف الحزبي والنظري، من مواد شبه جاهزة، منقولة من مجلات البلدان الاشتراكية وطليعتها الاتحاد السوفييتي، كما كنا عليه انذاك، واستلمها الرفيق حمدان يوسف ( الدكتور صادق البلادي) حين انتقل ضيفا دائما الى بغداد من مدينته البصرة. كلفت بصفحة الاثنين لثقافة الشباب، ونظمتُ اجتماعات ولقاءات لأدباء وفنانين شباب من بغداد والمحافظات القريبة، وتصدرت الصفحة اسماء عديدين من المبدعين، الذين ساهموا، بعدها، في تحرير صحف المهاجر والمنافي، والذين ربتهم الصفحة والجريدة، وطورت مواهبهم وقابلياتهم، ومن ثم اصبحت الصفحة باشراف الشاعر الكبير سعدي يوسف، والقسم الثقافي، بعد عودته الى الوطن.
وما زال كلام الصديق المبدع الشهيد ابو كاطع، شمران الياسري، لي حين تفرغت للجريدة ولصفحة شؤون عربية ودولية، عالقا في بالي، وتكرر حين لقائنا في براغ بعد "خراب البصرة"! قبيل رحيله الاخير. اذ لم يكن مشجعا للتفرغ في ظل تلك الظروف، ورؤيته لافاقها. وابو كاطع، كاتب وروائي، حوّل قراءة الجريدة، بعموده "بصراحة" في الصفحة الاخيرة، الى طريقة قراءة المطبوع الغربي، حيث يبدأ بالعكس من المطبوع العربي. وكانت صراحته مضرب الامثال والأحاديث، ليس لدى القراء وحسب، بل وفي مؤسسات الدولة والحزب، صاحبة القرار خاصة. وتلك صفة بقدر ما جلبت من غضب على الجريدة والكاتب، اعطت ولأول مرة لكاتب سياسي عراقي فرادة في التأثير والتحريض والاحتجاج السياسي.
في الصفحة الثانية، شؤون عربية ودولية، التقيت كتابا وادباء معروفين، وعملت معهم في "ورشة" الصفحة الساخنة. وكان لكل صفحة من الجريدة قسم، وغرفة مستقلة، يحرر فيها رفاق حزبيون، حينها، وفي صدر هذه الصفحة كان الزميل فالح عبد الجبار (ابو خالد)، بشعره الأرقط، الاسود والأبيض الغالب، يكتب ويترجم يوميا، ويشتغل بيديه الاثنتين، واحدة للقلم والأخرى لشعر رأسه. يعاونه حين التحاقي الزملاء: ابراهيم الحريري (ابو فادي) (زكور)، والشاعر رشدي العامل (ابو علي)، وعبد الاله النعيمي، وأسماء اخرى، مساهمة ومتدربة، (رجاء الزنبوري، هشام داوود) اضافة الى المسؤول السياسي السابق عن الصفحة، الدكتور حميد بخش (ابو زكي) والمسؤول الجديد، الدكتور ماجد عبد الرضا (ابو دنيا)، الذي استلم الصفحة ونائب رئيس التحرير وعضو هيئة التحرير التي تختصر في المراسلات الى (هتج) واطلق عليها ابو كاطع اسم "هجع"!.
رغم قلة العاملين في الصفحة، والجريدة عموما او مقارنة بغيرها، كانت الطريق الصوت الابرز في المنابر الاعلامية في العراق، والمنطقة، وكانت صفحاتها السياسية الاكثر حرارة في الاهتمام السياسي، خاصة عربيا ودوليا.
-------------__________----------_________-----------________
للاطلاع على الحلقات الاخرى، تراجع المدونة على الرابط التالي:
http://kadhimmousawi.blogspot.co.uk









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في