الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بؤس السياسة

عبد الرزاق العساوي

2017 / 10 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


شهد اليوم الأول من المؤتمر الوطني السابع عشر لحزب الاستقلال المنعقد بالرباط أيام 29 و30 شتنبر و1 يوليوز 2017 أحداثا مؤسفة، بحيث اندلعت مواجهات دامية بين أنصار المترشحين للرئاسة أثناء وجبة العشاء بحيث تراشق الطرفان بالصحون والكؤوس والكراسي وما لذ وطاب من الأكل التي كان من المنتظر أن تملأ بطون المشاركين في أشغال هذا المؤتمر. واللافت للانتباه من خلال فيديوهات المواجهة هو البذخ والترف الذي بلغته الأحزاب السياسية في المغرب، إذ نلاحظ من خلال الفيديوهات النوعية الفاخرة للكراسي والصحون والأواني المستعملة، مما يثير تساؤلات حول التمويل العمومي للأحزاب وأشكال توظيفه في خدمة المواطن من خلال تدبير الشأن العام وتأطير المجتمع طيلة أيام السنة تعزيزا لثقافة المشاركة السياسية، واستيعاب قاعدة شبابية قادرة على التعبير عن أفكارها، واقتراح بدائل جديدة لمواجهة التحديات المطروحة، وعلى رأسها المشاكل الاجتماعية، مثل البطالة واكتظاظ الأقسام التعليمية، والنقص الحاد في الأطر الطبية في المستشفيات العمومية...
لا شك أن المشهد البئيس ليوم أمس صورة مصغرة للمستوى السيايسي المتدني لجماعات وفلول هي أقرب إلى عصابات منها إلى أحزاب ساسية، فمفهوم الحزب السياسي ، حسب المفهوم الديمقراطي هو جماعة من الناس يجمعهم برنامج سياسي مؤسس على مرجعيات محددة غايتهم الوصول إلى السلطة من خلال كسب أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات، بهدف خدمة المواطن والرقي بمستوى عيشه. وحتى الفئات التي لم تصوت للحزب المنتصر فإنها تصبح بعد فوزه بالانتخابات جزء من المشروع السياسي للحزب. هذا حسب المفهوم الديمقراطي والممارسة السياسية في الدول المتقدمة، أما في الدول المتخلفة كما هو الحال في المغرب فإن الحزب يصبح مطية لتحقيق مصالح شخصية ضيقة وتعزيز العلاقات الزبونية وتصفية الحسابات الشخصية.
فعوض مناقشة حصيلة الحزب خلال السنوات الماضية، اشرأبت الأعناق إلى المرشح الذي حشد أكبر عدد من البلطجية والمرتزقة لإخافة المؤتمرين للتصويت له، علما أن هؤلاء لو كانوا يعقلون لأدركوا أن اللعبة كانت ولازالت خارج أسوار حزبهم، بل لو كانوا يفقهون من العلم قليلا لانتبهوا أن هناك مرشح واحد أوحد أسندت له منذ مدة أمر الحزب ليضع برنامجا مفصلا جوهره الشعارات البراقة والخطابات الجوفاء التي تكرس النفور وتضخم الأرقام وتروج صورة الديمقراطية المغربية الزائفة في ربوع العالم. تبقى إذن الشخصنة مرضا مزمنا ينهش جسد السياسية المغربية المزمنة، إذ يرتبط الحزب بشخص واحد، في الغالب يكون مقربا ومحبوبا من صحاب الحل والعقد، يفتقر للكاريزما الحقيقية، والتي من مواصفاتها قوة الشخصية والثبات في المواقف مهما كانت الصعاب، والقدرة على الإقناع. فاغلب الزعمات السياسية تسير أحزابا بالوكالة فهي مقيدة ببرنامج سياسي محدد ومدعم ماديا ولوجستيكيا، وكل خروج عن هذا البرنامج يعرض صاحبه لغضبة لا يحمد عقباها وهذا ما حدث مع شخصيتنا الرئيسة اليوم حميد شباط الذي رفض الانسحاب بهدوء من اللعبة بعدما انتهى دوره المحدد، فالرجل، على غرار الإنسان الشرقي، يأبى تسليم السلطة مهما كان حجمها، ويظن أنه قادر على الاستمرار في اللعبة وتقديم المزيد من الخدمات لأسياده مقابل ضمان مصالحه الشخصية ومصالح زبانيته المتشبثة به والداعمة له، ولكن في الواقع هي حريصة على استمرارية نفوذها وجاهها المهدد، لا يهمها مصالح المواطن أو الوطن الذي يظل بقرة حلوب لا يشبع جوعها ولا يطفئ عطشها، بل تبحث عن سبل أخرى للرفع من وتيرة استفادتها، في حين يظل المواطن البسيط محروما من أبسط حاجياته غير قادر عن توفير أدنى شروط الحياة الكريمة رافعا دعاءه لله العلي القدير لعله يستجيب للدعاء ويحقق ما عجز خلفاؤه في الأرض عن تحقيقه.
ومن أعطاب الأحزاب السياسية بالمغرب أيضا، غياب ثقافة سياسية لدى المواطن المغربي، فهو يظل ضحية للعبة سياسية قذرة تروج الشعارات الكاذبة والخطابات الجوفاء اعتمادا على ترسانة إعلامية تعتمد أسلوب الدعاية الرخيصة والشعبوية المبنية على المغالطات والأكاذيب والافتراءات. فخلال المحطات الانتخابية يصور الإعلام الرسمي العملية الانتخابية بأنها جوهر الممارسة الديمقراطية، في حين تظل هذه العملية آلية من آليات الديمقراطية التي لن تؤدي ممارستها بالضرورة إلى نتائج ملموسة ما لم ترافق بآليات أخرى، وعلى رأسها التشبع بقيم المساواة والعدل والكرامة والحرية...
إجمالا، تظل الأحزاب السياسية المغربية نموذجا مصغرا للبؤس السياسي والإحباط الاجتماعي والمأزق الثقافي والهوة السحيقة بين المجتمع وزعاماته. ولعل حراك الريف مثال معبر عن الفشل الذريع للمؤسسة الحزبية، إذ عجزت عن لعب دور الوساطة بين الدولة والمجتمع، بل كانت زيتا مغذيا لنيران الحراك بحيث اعتبرت سببا مباشرا في انطلاق شرارة الحراك بفعل الاسترزاق السياسي بالحسيمة. وأمام هذا الفشل الذريع وفي الوقت الذي ننتظر فيه قرارات جريئة غير مسبوقة تعيد ثقة المواطن المغربي بالمؤسسة الحزبية نفاجأ بتلك المشاهد المستفزة التي شهدها مؤتمر حزب الاستقلال يوم أمس. فيا ترى من سيؤدي فاتورة الأثاث الراقي المتلف يوم أمس؟ ومن سيؤدي أجور المرتزقة الذي نشطوا أشغال المؤتمر؟ طبعا سيؤديها المواطن الكادح البسيط... وسيستمر المسلسل بدون نهاية ما لم يستيقظ العقل المغربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا زادت الجزائر إنفاقها العسكري بأكثر من 76 في المئة؟


.. لماذا تراجع الإنفاق العسكري المغربي للعام الثاني على التوالي




.. تونس: هل استمرار احتجاز المتهمين بالتآمر على أمن الدولة قانو


.. ليبيا: بعد استقالة باتيلي.. من سيستفيد من الفراغ؟ • فرانس 24




.. بلينكن يبدأ زيارة للصين وملف الدعم العسكري الصيني لروسيا على