الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إن تتأمل , تتألم

محمد التهامي بنيس

2017 / 10 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


إن تتأمل , تتألم

علموني أن الإنسان اجتماعي بطبعه , فكنت اجتماعيا كما أرادوا وكنت اجتماعيا كما أردت , وأكثر مما أرادوا . ما فتئت أندمج . أتعايش . أصبر . أتأقلم . ومهما كان من خطأ في حقي أو حقك أو حق الآخر , اعتبرت أنه يعود لتقصير عفوي أو عن غير عمد , هكذا وبسذاجة , أصر أنه لا يمكن أن يبلغ فعل الخطأ إلى مستوى الجرم , وإلا كان ملزما بالتوبة والاعتراف بالذنب – كلكم خطاءون وخير الخطائين التوابون – ولكن الأخطاء تكاثرت وتعاظمت , ولا توبة ولا جزاء . فصار الخطأ علة وعلة جماعية : المسؤولون أخطأوا ويخطئون والسياسيون والنقابيون والعاملون والعاطلون والمؤلفة قلوبهم والمواطنات والمواطنون أخطأوا ويخطئون في حق وطن بريء من أخطائهم المتكررة , وبدلا من إعلان التوبة أو إنزال الجزاء أو مراجعة النفس للاستفادة من الخطأ .عمت الفوضى وسادت الحيرة وتفشى الفساد , وصار فعل أو صوت المصلح الناصح نشازا . غاب الحق وحل محله إهمال الواجب وسقط من قاموسنا مصطلحا الحقوق والواجبات , وطفت على السطح . إما لامبالاة مريعة أو ميوعة وتهتك وتموج واضطراب في المواقف , حتى أنه لو وضعوا سلوكهم أمام مرآة , لا تتضح لهم أية رؤية . فالحاضر مضطرب والمستقبل لا ملامح له في الأفق , والمواطن حائر لا يملك حولا ولا قوة إلا كبت انفعاله وحفظها إلى يوم الحساب . ويرى أن يوم الحساب الدنيوي يتجلى في الاختيار الديمقراطي ويتجدد مع كل انتخابات قطاعية كانت أو مجالية أو وطنية , ولكنه يخطئ الموعد مع التاريخ وقرار المحاسبة المفروضة في يوم الحساب كما فهمه . فتتكرر دورة الأخطاء وتبقى دار لقمان على حالها

إن تتأمل تتألم , ولم تجد مبررا لمزيد من الصبر للتأقلم مع هذا النوع من البشر , فهذا ينظر إليك كمنبوذ والآخر يحولك إلى ملعون . ومن تكرار هذه النظرة تجزم كما أجزم أني في المكان المناسب ومعي من هم على شاكلتي . نتمنى أن نكون مؤمنين بالنوايا ومصدقين لمقدمات الأفعال والوعود – بأي صدق وإيمان كان , نرجح حسن النية – ولكن الوحوش المطاردة لنا , لها إيمانها التي تضحك به على أمثالنا . ولأن الإيمان شيء مهم . فقد أدركنا بعد كثير من المعاناة أن ضحكهم بليد وغير مميز . ولكنه رغم ذلك يجد من يرحب به ويتفاعل معه ويتبنى طرحه كقضية توجب الإيمان المطلق بها , ولو أنها قضية شبح / ووهم من أوهام السيطرة . أو كذبة تنتجها كذبة . أو مشكلة جديدة لإلهائنا عن المشكل الأساس . أي أنه مجرد ضحك على الأذقان . كضحك طفل فقد السيطرة على ضحكاته . وكما يفقد لحظات سعيدة تجعله متشوقا لبهجة , نفقد أملا طال انتظاره , كأننا ننتظر الذي يأتي ولا يأتي . لا مع الضحك ولا مع البكاء


وعلى الرغم . فنحن ومن هم على شاكلتنا , نتشوق للأحسن مما قد مضى لحد الآن , وهذا التشوق يدفعنا للنضال من أجله مهما اختلفت مواقعنا . متمسكين بالبحث عن منفذ , ظانين أن ما علينا سوى أن نستمر في السير لأننا نقترب من النهر ونحسب أن – ما دام هناك نهر فهناك الحياة – والسير على أي حال , يوصلنا للأحسن وقد يجلب لنا حظا , فنحن نملك التناسب النوعي مع المجتمع , ونملك القدرة على إبداع آليات لتحصين الذات ومواجهة ضحكات الخصوم الذين لم يستطيعوا حل مشاكلهم فأحرى الالتفات إلى مشاكلنا , وعجزهم هذا يجعلهم أداة – وبامتياز- لقمع واستغلال صبرنا , ويتناسون أن الصامت عن الحق شيطان أخرس وأن اللامبالي مخطئ في حقه وحق أبنائه , والمتهور مخطئ في حق نفسه وحق وطنه , وصاحب القرار مخطئ في حق تاريخ الوطن وتعليم أبناء الوطن وعلاج مرضى هذا الوطن واقتصاد هذا الوطن وشباب هذا الوطن , ورفاهية وكرامة هذا الوطن , والمنفذ مخطئ متعنت , لا يرى في تهاونه وتعنته أنه مخطئ ولا يبقى الخطأ تهاونا , بل ينتقل إلى درجة التقصير والعمد

وبين زخم هؤلاء الخطائين . الكل يرمي الكرة في مرمى الكل , ويدعوه إلى حتمية التغيير . وهو يعلم أنها دعوة للمستحيل في هذا المناخ . فالبنية الفكرية التي ألفناها تحلل الواقع وتبني وتخطط للمستقبل بما يناسبنا للتغيير . تعرضت لمرض لا سبيل للشفاء منه . مرض انتظار تعليمات الغائب الحاضر الذي ينتظر تعليمات من الحاكم بأمر الله أو من الشيطان أو من القوى المهيمنة وهي التي تفكك قيمنا الفكرية وتفرض علينا القطيعة بين الفكر وواقع بلادنا الذي اعتراه الانفصال التدريجي عن المجتمع وما يضج به الشارع العام وميادين الاحتجاج . حتى إذا وجدت من يتحرك , تراه قد خلع عن نفسه قيم العصر وما بعد الحداثة , وصار يتحرك خارج أي إطار , فلا هو متمسك بدينه الذي اعتنقه بالوراثة عن آبائه وأجداده وسلفه وهو من ثوابت الأمة , ولا هو متمسك بأيديلوجيته التي نما وترعرع فيها ردحا طويلا , ولا هو أبدع ما هو أحسن ولا هو قد فكر في البديل , مكتفيا في أحسن الأحوال بالاستغراق في ثنايا اللحظة أو الارتماء بين أحضان السلطة – قبل أن تلفظه بعد حين – وهذا ما عوق تجديد الوعي والتأسيس للحداثة والانخراط في زمن ما سمي بالعهد الجديد

وبعبارة أخرى – فبعد التأمل والألم - ستذرك أن سيوجد على الدوام أناس يتخذون مبادرات خاصة ولكنها غير مدروسة تكون أحيانا إيجابية وأحينا سلبية , ومع ذلك ينبغي أن يسمح بها , شريطة تشجيع الإيجابية منها والاستفادة من أخطاء السلبية وتعديلها لتصير مناسبة , ولكن لا أمل في مبادراتهم ما دامت تحكمها المعوقات المسببة للألم , فيتحول إبداع الحلول إلى التربص بالناجحين – رغم قلة عددهم – بالبحث عن عوراتهم وأخطائهم والإبداع في تحطيمهم . وهذا ما يلمس بين الرياضيين كما يلمس بين المثقفين والمقاولين والتجار والسياسيين والهيئات النقابية والسياسية وحتى جمعيات المجتمع المدني , ولعله بين عامة الناس أيضا . لا أحد يحاول أن يحول فشله إلى روح المنافسة وتصحيح الأخطاء والقرارات غير الموفقة , لا أحد ينظر إلى الفشل على أنه فرصة لتصحيح الذات وهيكلة القرارات على تجارب ودراسات , لا أحد يعترف ويقنع نفسه أنما الأخطاء ليست سوى جزء من عملية التعلم والتطور المطلوب لنكون خبراء أقوياء , ربما لا أحد يتمتع بفضيلة التواضع ومحاسبة النفس بكل صدق وبساطة وهي التي تؤدي إلى فضيلة الثقة في النفس , مع أن كل مواطن وكل مسئول وكل مكلف بل وكل الشعب يستطيع أن يصلح حاله

محمد التهامي بنيس

01 – 10 – 2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليار شخص ينتخبون.. معجزة تنظيمية في الهند | المسائية


.. عبد اللهيان: إيران سترد على الفور وبأقصى مستوى إذا تصرفت إسر




.. وزير الخارجية المصري: نرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم | #ع


.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام




.. وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل 6 فلسطينيين في مخيم نور شمس ب