الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صندوق ورنيش_ ديوان محمد عطوه

سمير الأمير

2017 / 10 / 3
الادب والفن


" صندوق ورنيش" ديوان الشاعر محمد عطوه

بين اكتمال المعنى والإفراط فى التعبير
بقلم/ سمير الأمير

يبدو عنوان ديوان محمد عطوة الصادر عن سلسلة كتاب الرواد دالا بشكل مباشر على كونه تفاعلا مع واقع البسطاء وانفعالا به ومساءلة لنمط الحياة فى مصر فى هذا الزمن تحديدا وإن أطلت بعض الإحالات التاريخية فى بعض القصائد ولكنها جاءت كمعمق أو كمكثف لرؤية الشاعر لواقعه أو للواقع كما يشتبك معه،
فى القصيدة التى يعنونها الشاعر ب " مفتتح" يقول محمد عطوه ( مسجون كلامى خلف قضبان التردد من زمن/ نفس الحروف المستكينة لكل تشكيلة سكون/ ماعرفش ليه عقلى انتبه / فبقيت ممل ومرتهن/ رفضت ذاتى ونمت ليلي مرتجف حد الجنون) وأعترف أننى فى قراءتى الأولى لهذا المفتتح كنت عجولا فى الحكم عليه ظنا منى بأن مفردة الجنون استخدمت بمعناها السلبى ولكن المتأمل فى المفتتح يرى أنه يشكل عتبة وعى منذ السطر الأول إذ يدرك الشاعر أن التردد هو الذى سجن الكلام وربما سجن الفعل أيضا وظنى أنه هنا يحيلنا على هاملت وتردده الذى كان سببا لعجزه وهو أمر طبيعى إذ يتوافر "محمد عطوه" على إطلاع واسع فى الأدب يجعل حروفه البسيطة حاملة لإشارات بالغة الأهمية، ويصاحب يقظة العقل الإحساس بالملل الناجم عن رفض هذا السياق الموحى بالعجز فيرفض الشاعر ذاته الخانعة ويدخل فى رعشة تصل إلى " الجنون" والمعنى هنا إيجابى تماما بعكس ما ذهبت إليه أنا فى إحدى الندوات والمفتتح برمته يشير إلى قدرة العامية على تجاوز المضامين الشعبية الى قضايا الفلسفة والموقف من الذات والعالم برمته، ومن المدهش أيضا قدرة الشاعر على تناول القهر الطبقى والإحساس بالغبن تجاه تمييز معاملة الأجنبى ففى مربع يبدو بسيطا وطفوليا ولكنه يكتنز دلالات متعددة ومهمة يقول "محمد عطوه" ( يا مشيلانى كل أوزار الكبار/ ومحددانى تعويذة ودع/ النسكافيه فى المج للزوار وأنا طعم شايك لسه فى حلقى وجع) وليس مهما أن يكون هؤلاء غرباء طبقيين باعتبارهم من " الكبار" أو يكونوا أجانب وهو ما يميز المربع بتعدد الدلالات وفتح أفق للقارىء ليرى ما يرى.

إن "محمد عطوه" -وهو يشكل تلك الرؤية فى ظل رؤيته للحياة وخبرته وإحساسه وليس فى ظل الجدل الذى قد يقيمه( كُّتاب الشعر ) مع نصوص أغلبها لمجايليهم، "-محمد عطوه" يطالبنا بعدم الاكتفاء بظاهر الأشياء وبالتعمق فى الرؤية وفى تفسير المجريات فيقول فى قصيدة " سيرك"( فى اللوحة الوجه بيضحك جدا بس مداه فى الرؤية حزين/ طفلين على كتف الأم بيبكوا ما تعرف ليه/ يمكن ما ناموش من بعد ما عرفوا بمحض الصدفة أبوهم مات)
من الواضح إذن أن تأمل الحياة يشيع قدرا من السماحة فيشركك الشاعر فى هذا التأمل أو يدعوك إليه و ينأى بنفسه عن أن يفرض عليك هو تفسيره لما يشاهده ولا سيما حين يستخدم مفردة ( يمكن)، وبالرغم من شيوع ما يدل على العجز وقلة الحيلة فى مجمل الديوان إلا أن العين لا تخطيء بعض الإشارات الدالة على الأمل و مقاومة العجز، يقول الشاعر فى قصيدة صغيرة بعنوان " إصرار" ( مسنود على كتافك مهما الحمول تتقل/احلف برب الكون لا يموتو خوانك/ الضربة دى ف الجون والجاية ف المقتل) ويقول فى قصيدة " نهار" ( الفجر طالل من عيون الشمس بيصبح/ يكنس رصيف الليل ويوزع ساعاته نهار/ ويولف حدود القدرة على الأدوار) وهى قصيدة على بساطة لغتها تحتوى على وعى بأهمية معرفة الإمكانيات الواقعية لمجابهة الظلم والقبح ثم توزيع الأدوار على المقاومين بحسب قدراتهم وإمكانياتهم وهو الأمر الذى شكل عدم إدراكه خيبة الانتفاضات الجماهيرية التى بدأت بطاقة العفوية ودمدمت فى الخلاء و انتهت إلى عودة كل المشاهد التى سببت رفضنا و ثورتنا، ولعل قصيدة " شنط الهموم" فى هذا السياق المقاوم شاهدة على الوعى الذى يريد أن ينقله الشاعر لقارئه إذ تبدأ بتحديد الأزمة ( القطر وقف ف المحطة بدون سبب/ السكة تاهت بين غروب الفكر وشروق الدفا) ثم تصل فى منتصفها تقريبا لقول الشاعر ( الحلم دبلان ع الوشوش/ ما تصبروش بالنجمة والوعد الغبى) مرورا بتفاصيل ومفردات تصنع موقفا جديدا وقادرا على تحريك قطار الحلم فى اتجاه التحقق ليختتم الشاعر قصيدته بقوله( يام العواجز لملمى / حلمى النبيل من ع القهاوى وطبطبى/ يمكن يموت وشم السكوت على سكتى)، وفى قصيدة " صندوق ورنيش" التى حمل الديوان عنوانها يستخدم الشاعر غنوة الأطفال الشعبية " يابو الريش ان شالله تعيش " ويحملها بعدا طبقيا إذ يصبح " ابو الريش" هذا الغنى المستغل " المتريش" بالتعبير الشعبى،
ويعدد الشاعر مفردات الاستغلال والقهر ليصرخ " يابو الريش ان شالله ما عشت" إذ يرى أن عيشته تعنى استمرار الفقر والقهر وبهتان كل الصور إلا هذا " الأبو الريش"، غير أن قدرا من السماحة يخفف من ثورية الشاعر ويدفع بالنهاية إلى التعبير عن منهجه " الإصلاحى" الذى يتبناه إيثارا لتقليل خسائر الصدام فينهى قصيدته قائلا ( يابو الريش ان شا الله تحس وتعرينا من الأحزان)، وهى سماحة لا يستحقها " ابو الريش" فى واقع الأمر.
إن ديوان " صندوق ورنيش" هو إضافة لشعر العامية المصرية فى مجمله, وإن اعترته بعض مظاهر الإفراط فى التعبير بعد وضوح واكتمال المعنى كما فى المقطع الأخير من قصيدة " الزير شراقى" التى اكتمل معناها عند ( لسه ف إيديك احتمال/ شدنى لحدود مهارتك/ ننحت الصبح المحال)، أو تعقد بعض الصور وصعوبة إعادة إنتاجها فى مخيلة القارىء ومثال على ذلك قصيدة " علاقة عشق" إذ يصعب تصور علاقة " التأويل" بورقة الطلاق أو وصف إذاعة خبر الطلاق بأنه " مش محكم التنزيل" وربما كانت الرغبة فى " التقفية " وراء ما ذهبت إليه حول صعوبة تخيل العلاقة، وكذا قصيدة " ضل" حين يقول ( وانت واقفه عنيكي سارحة جوه منى بلون عتابك)، وأيضا كان هناك ميل عام فى الديوان لاستخدام ألفاظ " متثاقفة" مثل " كائن عبقرى" فى قصيدة " عشم" أو " المقابر" فى قصيدة " سكاتك" أو ( نزلت فى شرع الأحبة من نبي لدرجة مراسل بامتياز)
بكل حال يأتى ديوان الشاعر محمد عطوه " صندوق ورنيش" دليلا على استمرار نهر العامية المصرية الهادر القادر على التفاعل مع واقع البسطاء وأحلامهم وعلى دعوة الناس كل الناس لاستكمال سعيهم ونضالهم من أجل إنقاذ إنسانيتهم من براثن الجوع والفقر والمرض والعجز والجهل والتردد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و