الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البيئة التي نعيش فيها تدفعنا لليأس

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2017 / 10 / 3
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


أتساءل أحياناً: هل حياتنا جميلة حقاً؟
وأجيب نفسي: نعم إنّها جميلة لولا بعض المنغّصات، كنت أفكّر بذلك بينما الحوار الأطرش على التّلفاز. لا أحد يسمع. الجميع أتى ليرغم الآخر على الاستماع، أقفلت المحطة، وجلست مع نفسي- رغم أنّ الجميع جالس معي على موبايله-، ورغم أنّني حاولت أن أدير الحوار كنوع من التجربة، لكنّني فشلت ، العولمة لا يمكن التراجع عنها طبعاً، ولكن خلق بؤر ثقافية نكتشف فيها الجمال كي لا نتحوّل إلى كائنات باهتة، أو كائنات سياسيّة ربما، قرّرت أن أبتعد عن وسائل التواصل في فترات محددة في اليوم كي أستطيع العودة إلى هويتي، وكي لا أخاطب الناس من خلف شاشة، طبعاً لا أحد لديه الوقت للبحث عن الجمال، فالعالم قسمان : عالم سياسة، وعالم مال، والعالمان مرجعهما الرّأس مال.
بالصدفة وجدت صديقة في الطريق الذي أمشي به صباحاً. قالت لي: إنّني يائسة ، ولا أعرف أدعم نفسي. أشعر أنّني فقدت طعم الحياة. ضحكَ عليّ، ثم هرب من مسؤولياته. طبعاً كانت تتحدث عن زوجها ، وقالت: لن أسامح نفسي لأنّني تزوجته، استطاع الهبوط بي إلى مستواه، وبعد أن استنفذ طاقتي وحياتي هرب من المسؤولية، ثم سألتني: هل يمكن استعادة هويتي كما كنت. ألم يفت الأوان؟
-الأوان لا يفوت ما دمنا على قيد الحياة.
صحيح أن اليأس هو صفة من صفات عالمنا المعاصر، لكن لو أحببت نفسك ثانية سوف تعود هويتك، أنت أوحيت لزوجك أنّك لقمة سائغة، فاستساغها، وعندما شبع ذهب إلى لقمة سائغة أخرى, كنت مقروءة من قبله، وأنّك متمسّكة به كنوع من عدم الحرج الاجتماعي، فأنت لم تحترمي فكره، ولا نمط حياته يوماً. وكون بعض من يملكون تفكيراً ضحلاً يفكرون في الكره والعداء ، ضربك في ظهرك بالشيء الذي راهنت عليه، وهو العائلة المستقرة.
لن نكمل الحديث . بل سوف أتحدث عن اليأس من الحياة، وأحياناً يكون يأساً مشروعاً.
بعض الناس ينتحرون لأنهم فقدوا إحساسهم بهويتهم الذاتيّة . بعض الناس يفعلون ذلك لأنهم يكرهون أنفسهم، يشعر البعض غير قادر على المشاركة في هذا العالم. كتبت الكاتبة آن سيكستون قبل انتحارها في منتصف السبعينات ما يلي:

" الحياة جميلة، ولكن لا أستطيع أن أعيشها. ... أن تكون على قيد الحياة، نعم، أنت على قيد الحياة ، ولكن لست قادراً على العيش. أي، هذا هو الحك على الجسد. تشبه حياتي الحجر ... الخارج مقفل على كلّ ما هو حقيقي . ... أتمنى، أو أظن أنني أتمنى، أن أكون قد متّ بسبب ما، لأنني لست شجاعة، ولكن كوني لم أمت بعد، أنا الآن وراء جدار، أرى أن الجميع يعيش بشكل مناسب بينما لا أستطيع أن أتحدث خلف جدار ضبابي رمادي، كي أعيش، ولكن ... أن تفعل كل شيء خاطئ. ... أنا لست جزءا. لست عضوا. أنا مجمد ة".
وفي مقابلة أجريت معها قبل أكثر من عام من وفاتها، شرحت أنها كتبت المسودات الأولى ل "التجول العفوي نحو الله" في عشرين يوما مع "يومين لليأس وثلاثة أيام في المستشفى العقلي". وذهبت إلى القول إنها لن تسمح بنشر القصائد قبل وفاتها.
هذا الشّعور الذي سجلته الكاتبة قبل نصف قرن تقريباً. أصبح هو الشّعور العام في الحياة ، و" التجول العفوي إلى الله" أصبح حالة عامة، فقصص الموت والانتحار لا تحصى.
عندما يصبح المجتمع مؤمناً بالقتل" الحق" تتحول الحياة إلى نوع من العبث، والحياة أصلاً عبثيّة لا معنى لها أحياناً ، وإن كنت تقتل بسبب الكراهية فالوضع أصعب، لماذا يرتكب رجل تجاوز الستين مجزرة بحق أبرياء كما جرى في لاس فيغاس مثلاً؟
ولماذا تُقتل محامية من قبل أصدقائها في سوريّة من أجل مصاغ ذهبي، وتتجرّع السمّ في منزلهم، وهي تعتقد أنها محاطة بالحبّ؟
القتل الحق، والقتل الباطل هما أرجل مجرم اختار القتل، الانتحار الجماعي، والعمل الإرهابي كلاهما واحد. ربما يكون أحياناً دافعه اليأس.
ينصحوننا أن ننمّي طاقتنا الإيجابية. لكن كيف؟ كل ما يدور حولنا سلبي، وكلّ الحالات الإيجابية التي عملنا عليها أعطتنا محصولاً من الزّيوان، وعيشنا مؤجّل إلى أن تنتهي مشكلة العالم الرأسمالي من استثمار المال في القتل، والمجتمعات المتخلفة من استعمال الدين في الوأد وقطع الرّؤوس.
عندما نستيقظ، ونرى قرص الشمس يسير نحو الضحى. نرغب أن نبتسم للشّمس مرحبين بنهار جديد، وقبل أن تنفرج شفاهنا عن الابتسامة يُقدّم لنا كأس من اليأس نكرعها، ونغلق النّافذة، نفكر في" جولة نحو الله".
التّغيير لن يأتي من فراغ، ولا بد أن يوجد بيئة مناسبة تعيد التوازن للحياة، بحيث يكون اليأس عارضاً لا يصيب الجميع، والجريمة يمارسها قلّة ينالون جزاءهم وفق القانون، وحنى الآن البيئة مناسبة للجريمة فقط، وما تقرأه على وسائل التواصل هو النسخة المزيّفة عنّا، فعندما يحضن الرجل امرأة ويضع الصورة على وسائل التّواصل، لا يعبر عن حبه لها، وهو غالباً لا يحضنها. نحن نعيش في بلد اسمه سورية. تحضن المرأة الرجل، وتلعق حذاءه كي لا يرميها للوحوش، وتكتفي به كرمز ذكوري، وهي تعرف ذلك جيداً، لكنّها البيئة التي تذلّها.
وسائل التواصل الاجتماعي تبث الكراهية ، وتتسبب في القتل، والطلاق، ولكننا لن نتراجع عنها، فلها مزايا أخرى قد تكون هامة، لكنّ المدمن على تلك الوسائل هو كالمدمن على الكحول والمخدرات يحتاج إلى علاج. وسائل التواصل هي أحد أكبر أسباب اليأس.
أودّ القول: نحن أمام ظاهرة أصبحنا فيها كلّنا نتجسس على كلنا من خلال وسائل التواصل، وبيئتنا مليئة بالقتل، والكره، وقيمنا إلى انحدار، نحتاج لثورة على النّفس قبل الثورة على الظلم، فالثورة على الظلم قد تأتي بظالم، لكن الثورة المعرفية قد تعيد شيئاً من التوازن لنفوسنا. دعونا نبحث عن الجمال، فلا نقرأ القصائد الحماسية عن الموت في سبيل القضيّة مثلاً ، ولا يكون لنا قضايا سوى قضية الحبّ، والجمال، فهما غذاء الحياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س