الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية وماهية تكوين الدولة العراقية (5-7)

عقيل الناصري

2017 / 10 / 4
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


جدلية وماهية تكوين الدولة العراقية (5-7)

أما سيرورة التصويت وشكلها وماهياتها، فقد اصدرت وزارة الداخلية، إستناداً إلى قرار مجلس الوزراء، بياناً حددت كيفية التصويت موجهاُ "... إلى متصرفي الألوية كافة، طلبت فيها تسجيل آراء الأهلين في قرار مجلس الوزراء الصادر في 11 تموز 1921 وهيأت لجاناً للإشراف على عملية التسجيل، فأوفدت كل لجنة إلى أحد الألوية، فكانت اللجان المذكورة، بعد أن تحل بالمدن والقصبات والقرى، تدعو الأهلين إلى الإجتماع في كل محلة من محلات المدن والقرى، فيتلوا أحدهم خطاباً عن مهمة اللجنة، ويعدد فضائل الأمير الهاشمي، فتردد الأصوات كلمة ( موافق، موافق) ويفض الاجتماع، بعد ان تكون اللجنة قد نظمت محضراً بذلك وملأت المضابط المعدة لهذا الغرض، وكانت كلها بصيغة واحدة ... وهكذا تحققت أول مسرحية من مسرحيات الاستقلال التي مثلها البريطانيون في العراق ببراعة ما فوقها براعة ... ". وبهذا تكون بريطانيا (الديمقراطية) قد قامت بأول عملية تزوير، بالمضمون والشكل، رسمية (شفافة) لإرادة الشعب العراقي من خلال التصويت بالمضابط .
كما وبهذه العملية السياسية تكون الدولة الوليدة قد انجزت خطوتها لأولى في مسيرة طويلة لإرساء تقاليد التزوير السيئة في الانتخابات النيابية، بعيدة كل البعد عن الممارسة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة بين المكونات الاجتماعية العراقية وأحزابها السياسية. مما وسم السيرورات الانتخابية في المرحلة الملكية برمتها، حيث كان تزوير الانتخابات من أكثر سمات المرحلة بروزاً، بحيث ساهم مثل الحكم آنذاك بهذا التزوير والمتمثل بـ : مؤسسة العرش ؛ السلطة التنفيذية متمثلة برئاسة الوزارة ؛ قوى الاحتلال لغاية 1932، والسفارة البريطانية لغاية 1958. ومن الأمثلة الصارخة للتزوير ما قامت به الوزارة السعيدية الأولى (23/3/1930- 19/10/1931) وهي تستعد لإبرام اتفاقية عام 1930الاستعمارية. فلقد "... أحدثت المعتمدية البريطانية وحكومة نوري السعيد طريقة جديدة لإنتخاب المجلس الجديد، خلاصتها أن يُطلب من كل شخص ترشحع الحكومة أن يقدم تعهداً خطياً بالموافقة على إبرام المعاهدة الجديدة . وعلى هذا فقد جمعت الحكومة سبعين نائباً من مجموع عدد النواب البالغ 88 نائباً. وبهذا الأسلوب غير الشرعي تم إبرام هذه المعاهدة في 16 تشرين الثاني سنة 1930... ".
وهكذا كانت (طبخة الملكية) كما يحلو لعالم الاجتماع الدكتور علي الوردي أن يطلق عليها ، حيث تم (إستيراد) فيصل الأول وتعينه ملكا على العراق، إذ دعمه وساند ترشيحه كل من وزراتي الخارجية والمستعمرات البريطانية ومجموعة المكتب العربي في القاهرة ، علماً أنه سبق وأن تعامل مع هذا المكتب منذ 1916، عندما تم إلتجأ أبيه لهم، كما مر بنا، وطُلب منه الانتفاض على السلطة العثمانية منذ عام 1916 بعد اتفقيةة سايكس- بيكو. وتم تثبيت هذا التعين في مؤتمر القاهرة المذكور عام 1921. كما تمت الموافقة في المؤتمر على تشكيل جيش للدولة الوليدة يتولى حفظ الأمن الداخلي، وعلى ضوء هذا القرار وافق المندوب السامي البريطاني بتاريخ 26 آيار 1921، على ضرورة الاسراع بسن قانون التطوع المؤقت للجيش العراقي، كذلك بقية أجهزة الشرطة بأقسامها المختلفة على وفق شرعنة الانتداب البريطاني ومقتضياته، كما تأسست الإدارات الرسمية في مختلف شؤون الحياة ، أما النواة الأولى للتنظيم الإداري للعراق على وفق الدولة الحديثة، فقد تم أثناء الحرب من خلال على العراق، من قبل الإدارة البريطانية خلال الفترة 1914- 1921 .
وأعتقد من الضروري التوكيد على:
- أن الانتفاضة الكبرى ( ثورة ) عام 1920 وما سبقها من إنتفاضات وبخاصة انتفاضة النجف عام 1918 المرتبطة بالرؤية الوطنية العراقوية وبحرس الاستقلال ذات الخطاب الاستقلالي إبان الانتفاضة، تُعد العتلة المركزية، بل الأرأسية في تأسيس الدولة العراقية المعاصرة ، كعامل أول ؛
- وأيضاً على وفق الوعود (اللفظية) البريطانية باستقلال الدول العربية المشرقية وتكوين الدولة الموحدة، وتوصيات مؤتمر السلام حول تقرير المصير، بتأسيس حكومة من ابناء البلد، مع المحافظة على مصالح المحتل في البلاد كعامل ثاني ؛
- كما أن هنالك عوامل أخرى فرضت ظروفها على تبني إنشاء الدولة العراقية المعاصرة، منها، على سبيل المثال، التكاليف المرتفعة للجيش البريطاني عند الحكم المباشر من قبل قوى الاحتلال، حيث كانت نفقات ابريطانية بالعراق للسنة المالية 1919- 1920 قدرت بحدود 80 مليون باون اوقد انخفضت للسنة المالية 1920 -1921، إلى 32 مليون باون.. واستمرت بالانخفاض بخاصة بعد سحب قواتها حتى بلغت للسنة المالية 1925- 1926، اربع ملايين ونيف .
وبعد أن فرغت قوى الاحتلال من اختيار الملك وتأسيس الدولة العراقية، عملت "... على اضفاء الشرعية على وجودها عبر سلسلة من الاتفاقيات والتعاهدات، تمكنت من تبديل أوضاع الاحتلال والانتداب إلى وضع يضفي الشرعية على تواجدها العسكري في العراق، ويحفظ مصالحها السياسية والاقتصادية. وتكمن أهمية تلك الاتفاقات والمعاهدات في أنها خلقت وضعا سياسياً جديداً أحدث تغيرات عميقة في جميع أوجه الحياة في العراق، إذ أنها استحدثت إجراءات سياسية وإدارية جديدة أدت فيما بعد إلى خلق نظام جديد من الولاءات والانتماءات. لقد جسدت معاهدة 1922 الاستراتيجية البريطانية الهادفة إلى جعل العراقيين يسددون ثمن حكم بريطانيا لهم، في ظل اعتبار المعاهدة نفسها شهادة ميلاد الدولة العراقية الجديدة دون السماح لأي نص لاحق ينقضها بما في ذلك القانون الأساسي... "
وهكذا تأسست الدولة العراقية الجديدة، التي هي نقيض لما كان قائما قبل الحرب العالمية الأولى من حيث ماهية وشكل وطبيعة الانتاج الاجتماعي وتعددية الانماط الاقتصادية، وكانت الدولة المعاصرة مثقلة ببذور أزمتها البنيوية منذ تشكيلها، والتي كانت مستمدة من:
- واقع التخلف العام والتشظي الاجتماعي؛
- وذلك الأرث العثماني الثقيل؛
- من أجواء مرحلة التأسيس البالغة التعقيد وتنافر المصالح بين المكونات الاجتماعية ؛
- تداخل وتصارع مصالح عناصر داخلية وخارجية؛
- تجارب قادتها المحوريين وتحالفاتهم الزبائنية السياسية والدولية؛
- سكونية التطور منذ الاحتلال العثماني؛
- من البنية الطبقية للمجتمع العراقي غير الموحد ؛
- غائية الاحتلال البريطاني ؛
- ربط اقتصاد العراقي بالسوق الرأسمالية.

بهذه التركيبة المتناشزة جمعت الدولة العراقية قوى أساسية في المجتمع "... كانت تمثل ايديولوجيات وتقاليد سياسية متضاربة، من المدرسة البرلمانية – الدستورية (بريطانيا) إلى المدرسة القومية العربية ذات النزعة المركزية (الضباط الشريفيون) إلى آيديولوجيا النسل العربي الشريف (العرش ممثلاً بسلالة الشريف حسين) إلى آيديولوجيا القرابة والعرف (رؤساء القبائل) إلى مدرسة الشريعة الاسلامية (رجال الدين والنقباء) ... " .
كما ولِدت الدولة العراقية المعاصرة كبقية أقطار المشرق العربي المنسلخة من الامبراطورية العثمانية, على يد المراكز الرأسمالية الغربية وبالأخص بريطانيا وفرنسا, وكانت "... تحمل في ثناياها العديد من التشويهات المفتعلة على الحدود المصطنعة وإنتهاءً بالضعف الداخلي لمؤسساتها. وقد واجهت هذه الدول منذ نشأتها مشكلات وتحديات هائلة من الداخل والخارج على السواء.. فلا هي استفادت مما في تراثها من حكمة المؤسسات المدنية التقليدية (قبل الحديثة) ولا هي سمحت بمساحة عامة كافية للمؤسسات الحديثة لكي تنمو وتزدهر. ونتيجة ذلك وجدت الدول العربية الجديدة نفسها تحارب على جبهات داخلية وخارجية عديدة... ". حسب قول د. سعد الدين إبراهيم.
ولقد تمثلت إحدى هذه التشويهات في تطبيق الفكرة النفعية (السلطة - التملُك)، التي مفادها إن النخبة الحاكمة الأوليغاركية بالعالم الثالث ومنها العراق، وبخاصة الضباط الشريفيون منهم، عندما سيطروا "... على جهاز الدولة وتهيمن على مجتمع مفكك البنية، ستكسب قوة الدولة مما يجعل مهمتها تتجاوز عملية تسير جهاز الدولة إلى أن توجه هذا التيسير لخدمة مصالحها بالدرجة الأولى ومصالح الفئات الاجتماعية المرتبطة بها والتي تشكلت من بين أوساطها... وعليه فإن الدولة في مجتمعاتنا لا تحتفظ بنفس العلاقة بينها وبين المجتمع والسائدة في البلدان الرأسمالية المتقدمة، فهي نشأت بمعنى ما، ( متقدمة) بمراحل عن الحاجات الحقيقة للمجتمع وبناه الاجتماعية والانتاجية وبذلك فهي تجابه المجتمع باعتباره نقيضاً لها محاولةً القضاء على كل ما يتعرض فرض هيمنتها عليه أو كل ما يشكل منافس لسطوتها وتغلغلها... فإن جوهر هذه العلاقة وطبيعتها لم يتغير متمثلاً بسيادة الدولة على المجتمع وهيمنتها عليه... ".
وعليه فيمكن "... وصف السياسة خلال الحكم الملكي العراقي، بأنها صراع مستمر بين أعضاء النخبة من أجل القوة والنفوذ الشخصي على حساب بناء قيم وممارسات عملية جديدة ( كالكفاءة والخَلق والمبادرة ) حيث كان الأفراد يقيمون وفق معايير شخصية لا موضوعية ( الحسب والنسب والصداقات) ومن ثم تطبيق الاحكام والقوانين وفقاً للاعتبارات الشخصية. لقد كانت السلطة الرسمية ضعيفة حيث استمدت أساسا ودعمت من خلال تبوء الفرد المنصب الوزاري أو عدة مناصب وزارية في آن واحد. ومن ناحية أخرى فإن القوة استمدت من عدة مصادر متداخلة ذات طبيعة رسمية ولارسمية اشتملت ( بالإضافة للمنصب الرسمي) على الثروة، رابطة الدم، الشللية، والنفوذ الأجنبي (البريطاني). ومن ناحية أخرى استعمل المنصب الرسمي، كرسي الوزارة في هذه الحالة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة لدعم قيم القوة الشخصية كالثروة أو المحسوبية أو المحاباة... ".
وهكذا "... وبرغم التنافس والصراع بين أعضاء النخبة استمر لما بعد التاريخ المذكور (عام 1941) وحتى الخمسينيات. إلا أن صراع القوة هذا تميز بسمة فريدة حيث أنه لم ينطلق من اختلاف وجهات نظر سياسية بين أعضاء النخبة، وإنما كان حصيلة استمرار التنافس حول السلطة والمصالح الشخصية. وتبعا لذلك فأن أنماط التفاعل التي -اثرت على سلوكية أعضاء النخبة، اختلفت عن تلك التي شهدتها الفترة ما قبل سنة 1941... ". هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن هذا الصراع بين النخبة الاوليغاركية قد استبعدت كل من مؤسستي: العشائر والعسكرية بعد العام المذكور، كما كان سائداُ منذ تأسيس الدولة ولغاية فشل حركة مايس التحررية.. من أجل الحفاظ على النظام الملكي.
الهوامش والمصادر
70- عبد الرزاق الحسني، تاريخ الوزارات، ج. 1، ص.58، مصدر سابق .
71 - سالم عبيد النعمان، نصف قرن، ص.179، مصدر سابق.
72- د. علي الوردي لمحات اجتماعية ج.6 المصدر السابق والتسمية بحد ذاتها تحمل موقفاً نقدياً من إستيراد الملك.
73- للمزيد راجع عبد الرزاق الحسني، تاريخ الوزارات، الجزء 1، ص. 34، مصدر سابق.
74 - للمزيد حول الإدارة البريطانية أثناء الحرب راجع د. علي ناصر حسين، الإدارة البريطانية ، مصدر سابق.
75-. للمزيد راجع المصدر السابق، ص. 36.
76 - ليورا لوكيتز،العراق والبحث عن الهوية الوطنية، ت. دلشاد ميران، دار أراس اربيل 2004. مستل من حسن لطيف الزبيدي، موسوعة الاحزاب العراقية، ص.52، مصدر سابق. ومن الجدير بالذكر فقد عقب على هذه الحالة " الفقيه القانوني الاستاذ عبد الرحمن البزاز بأن القانون الأساسي العراقي والحالة هذه لن يكون نتاج إرادة الشعب الحرة المطلقة بل هو نتيجة معاهدة حددت مداه واشترطت أن يحتوي على مالا يخالفها، أي أن الدستور أصبح فرعاً من أصل المعاهدة، وكان الوضع الطبيعي والمعقول هو وضع دستور للبلاد أولاً وتكوين حكومة شرعية تقوم بعقد تلك المعاهدة ليكون لها النفوذ الإلزامي الصحيح." مستل من حسن العلوي، أسوار الطين، ص. 50، الكنوز الأدبية, بيروت 1995.
77- راجع مجموعة باحثين، مأزق الدستور ، نقد وتحليل، ص.14، معهد الدراسات الاستراتيجية، بيروت 2006.
78 -. مستل من د. فالح عبد الجبار, الدولة والمجتمع المدني في العراق. ص. 15, مركز ابن خلدون, القاهرة 1995.
79- د. عبد المجيد الهيتي، الدولة والمجتمع ما بعد الاستعمار، ص. 28، الثقافة الجديدة، العدد 259، حزيران 1994.
80- د. نزار الحسو، الصراع على السلطة في العراق الملكي، ص. 24، مصدر سابق.
81- المصدر السابق، ص. 25.
82 - هنالك تناقض بين ظاهرة التبني التظام الملكي للسلطة في العراق من قبل قوى الاحتلال، وبين ظاهرة الملكية في الشرق الأوسط والعالم. إذ ألغيت الانظمة الملكية وبخاصة المستبدة، في كل من إيران وتركيا وروسيا وتضاعف سقوطها بعد الحرب العالمية الثانية في الهند ومصر وليبيا واليمن وأفغنستان. بينما لا تعرف النظام السياسي في العراق لا في تاريخه القديم أو الحديث، إذ كانت الملكية المستحدثة هي شكل عابر في تاريخ العراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على