الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فارق التوقيت سبب عدم التوافق وكراهية الآخر (2)

عادل صوما

2017 / 10 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قال وزير الداخلية الفرنسي جيرار كولومب في تصريح له بعد عملية مرسيليا أن "ثلث الأشخاص الذين يوصفون بالتطرف في فرنسا، يواجهون مشاكل نفسية". واعتبر الوزير أن حشد الأطباء النفسانيين للمساهمة في عملية مكافحة الإرهاب قد يؤدي إلى سياسات وقائية أفضل. وفسّر تصريحه حسب أرقام الهيئة التي أنشئت سنة 2015 لترصد حالات التطرف، وقالت أن ثلث الأشخاص الذين ترد أسماؤهم على لائحة المتطرفين في فرنسا وهم تحت المراقبة، يعانون من اضطرابات نفسية.
في تصريحه، أثار الوزير كولومب نقطتين مهمتين قد ترسمان جزءا من السياسة الفرنسية لمكافحة الإرهاب، حسب المحللين الذين يكتبون تحليلاتهم بناء على سكان القصور، النقطة الأولى هي دعوته "استنفار المستشفيات النفسانية وعيادات الطب النفسي لتحديد ملامح الأشخاص الذين يمكن أن ينتقلوا إلى التنفيذ". والنقطة الثانية تتناول موضوع السر الطبي الذي تُبنى عليه علاقة المريض بالطبيب، إذ ألمح الوزير إلى أنه يتوجب إيجاد حل (لإفشاء السر الطبي) حتى لا يقدم بعض الأفراد على تنفيذ اعتداءات.
العلم والجهاد
كلام الوزير الفرنسي علمي ينطبق على أي إرهابي أو مجرم يحترف الاجرام للإرتزاق، لكنه لا ينطبق على الجهاديين، ناهيك عن خلطه مثل معظم وزراء داخلية دول الشرق الاوسط بين الارهاب والعقائديات؛ فالارهابي هو الذي يقتل لأي دافع آخر غير العقيدة، والجهادي هو الذي يفعل أي شيء حتى القتل من أجل العقيدة.
فارق التوقيت والتفكير بين الوزير الفرنسي ومن يتحدث عنهم.
المرّجح أن المعلومات التي حصل عليها الوزير كولومب امدته بها جهاته الأمنية، ورغم أن الجهات الامنية تسأل الاختصاصيين في علم السلوك، يبقى رأيهم إستشاريا، أما تصنيف الجهات الامنية الجهاديين كأشخاص مرضى يعانون من اضطرابات نفسية فغير علمي، بالنسبة للجهادي نفسه، لأن المجرم والارهابي يعلمان ضمنا بعدم قانونية ما يفعلانه، عكس الجهادي الذي يؤمن بشرعية وقانونية ما يفعله.
تصنيف الجهات الامنية الذي تبناه الوزير أنيق جدا يمكن أن يُقال في صالونات القصور، لكنه لن يحمي المجتمعات من نية تدمير هوياتها وثقافاتها. تصنيف يستحيل أن تٌقنع به الذين إغتالوا الشيخ حسين الذهبي أو المفتي السابق علي جمعة أو الرئيس بوضياف، أو الذين إبتكروا "فتوى الدهس" وقنابل أوروبا المتنقلة أو من دمروا الاثار وقطعوا يد الطفل سارق بطارية السيارة المستعملة ورجموا أم واحد منهم لأنها حثته على الهروب من دائرة الدم العبثية.
يستحيل أن تقول لأي محكوم عليه في قضية عقائدية انك مجرم، لأنه يعتقد أنه جهادي سيدخل الجنة وقاضيه سيدخل النار، وقد يحاول تجنيد محلله النفساني ليصبح جهاديا.
الشرائع والحقوق
المسألة بحاجة إلى تنوير، فالجهاديون يتمسكون بقوانين وأعراف وشرائع نُسخت عن ما نسخته كتب العهد القديم وأساطير الأولين من عقائد وأديان وأساطير حضارات البحر المتوسط القديمة، وهذه القوانين والاساطير عمرها أكثر من عشرة آلاف سنة وكانت تحكم عشائر وقبائل تمتطي الحصان والجمل، ولا تصلح في زمن الدول وشرعة حقوق الانسان والحرية والفضاء الافتراضي والطيارات.
قال بولس الرسول في إحدى رسائله أن كل ركبة يجب أن تسجد للمسيح. الكنيسة اليوم تقرأ هذه الدعوة كتاريخ بدايات المسيحية، لأنها تعلم تماما أن الانسان اليوم حر في إختيار عقيدته، فبعض الناس يفضلون الجلوس امام الشاشة الرقمية بدلا من الذهاب للكنيسة للدخول إلى الجنة. وقد يسخرون من فكرة جهنم ويقولون: كل أصحاب العقول الكبيرة والافكار الثورية ونجمات البورنو فائقات الجمال في جهنم، بينما الجنة مملة. لكن هل يمكن أن نقنع المسلم الذي بدأت معظم الجوامع تسيسه وتجيشه أن مقولة "ظهور الاسلام على الدين كله ولو كره المشركون"، وحديث "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله"، ظهرت لتجييش عدد قليل من المسلمين عقائديا لنشر دينهم بين أكبر عدد ممكن بين الناس آنذاك، لكن الناس احرار في إختيار ما يريدون الايمان به اليوم؟
التنوير وحده يمكن أن يُقنع المسلم، على سبيل المثال، بأن قطع يد السارق، ومقولة الدين هوية وسياسة وليس إيمانا، وعدم جواز المسلم تهنئة النصارى بأعيادهم لأن في ذلك تعاونا على الاثم، وعذاب القبر، وقتال الآخرين، أمور وفرائض وردت لحشد الناس لصناعة الاسلام، ولأن الاسلام أصبح كيانا كبيرا، يمكن أن تُدرس هذه الامور وغيرها على انها تاريخ وليس مستقبلا.
التنوير وحده يمكن أن يقنع المسلم أن كل الامور في الاسلام سياسية من الدرجة الاولى؛ منعوا قيادة المرأة للسيارة بفتاوى إستندت إلى أحاديث، وأباحوا قيادتها للسيارة من ايام بقرار سياسي إستند إلى ضغوط تغيّر العصر التي يستحيل تجاهلها.
يمكن أن نقنع المسلم بهذه الامور، وهذه القناعة ستمنع تجنيد ناس كثيرين في صفوف الجهاديين. خطة مستقبلية لتجفيف منابع تجنيد الجهاديين بين المسلمين، لأن إقناع الجهادي قد يكون مستحيلا.
كلام الوزير الفرنسي يشبه الاحصاءات التي خرجت من الكمبيوتر وأكدت أن المُرشح، آنذاك، دونالد ترامب سيخسر الانتخابات. غذوا الكمبيوتر بمعلومات صالونات وتحاليل لا تمت للشارع بأية صلة، فخرجت نتائج ترضي الذين ينظرون للناس على انهم "موارد"، قبل حدوث الصدام بين الوقائع التي تجاهلها الجميع وكلام الصالونات والمحللين المتربحين من روادها.
هل تتبنى الدول عملية التنوير قبل حدوث الصدام الكبير المتوقع بين المنظمات العالمية الجهادية العالمية وثقافات الدنيا؟ سيحدث الصدام حسب تقديري من الناس وليس السياسيين، لأن مسألة النظر إلى الناس على انهم "موارد" تجمع معظم السياسيين وكل الجهاديين، والناس أكبر من أن تكون مجرد موارد، فهم المشاعر والتاريخ والمستقبل والثقافات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف


.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية




.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في


.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك