الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في مفهوم الأسطورة و الأرموزة عند عزمي بشارة

كمال طيرشي

2017 / 10 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تعرف الأسطورة لدى العرب بأنها حادثة مجازية مقدسة كان أرباب الحضارات السالفة يعتقدون بها على أنها كتبهم المقدسة نوعا ما،و يعتبرها المفكر العربي عزمي بشارة التعبير المعرفي الأولاني عن المقدس، فمن خلالها يتواشج ماهو دنياني مع ماهو مقدس قبل أن يعلنا الانفصال بينهما عن طريق الوعي،و تمتاز الأسطورة بعدم تعالقها بالزمن فهي تستمر في مخيال الشعوب مفعمة بالدلالات و المفاهيم و التآويل التي تتجاوز المنحى الظاهري للتفسير لتنحو إلى ضرب التأويل و تركن إليه، وحينما نتعمق في دلالات الأسطورة نجد بأنها التمظهر الأكبر لطموح البشرية بغية الجواب على سؤال : لماذا؟، وهو سؤال ميتافيزيقي يبحث في الغايات القصوى و الأسباب العليا، و تعتمد الأسطورة آليات وسائل تساعدها في سبيل البحث عن الإجابات الممكنة ومن هذه الوسائل : الخيال، الرموز، و الحدس العرفاني و الاشراق.
و بهذا تكون الأسطورة هي التجلي الأول للمعرفة الدينية، أما التجلي الثاني لهذه المعرفة فهو يتمظهر في العقيدة الدينية باعتبارها الاستيثاق الجازم المطابق للواقع و الذي لا يغالبه الظن أو الشك للمعرفة الدينية، كما أننا نجد بأن جوهر التجلي للعقيدة الدينية له حمولة أسطورية للعالم، بحكم أن المقاربات اللاهوتية التي جابهت الوعي البشري في محاولة تفسيره للعالم في بدايات تشكله هي الطريق الأولى التي استقى منها الانسان رؤيته الأولى أو بالأحرى نظريته الأولى عن العالم و ما يحيط به، وهذا ما نجده عند فلاسفة الاغريق (أفلاطون مثلا) الذي اعتبر هذا العالم الذي نعيش فيه مهو إلا ظلال لعالم آخر فوقاني حقاني تتجلى فيه الحقائق في صورتها الحقيقية المطلقة، لهذا يمكن القول ههنا بأن أي مقاربة لاهوتية حاول الانسان تقديمها منذ سالف الزمان لا يمكن البتة أن نفصلها عن الحقيقة الدينية أو تشكل الدين في صورته الأولى.
كما أن الدين بصورة عامة لا يمكن رهنه في الأسطورة فقط، بحيث لا يكون تعبير عنها وحدها، بحكم أن إضفاء القداسة على تصورات معينة هو من تأثيرات الأسطورة في الدين، و قد واجهت الأسطورة محركاً نقدياً من طرف أرباب العلم ، الذي حاولوا مسح النظرة السحرية في تفسير العالم، لهذا عمد العلم إلى نفي الأسطورة ، بخلاف العلمنة التي لا تنفي الأسطورة ضرورة، بل هي الأخرى قد تعمد إلى الاتيان بأساطير جديدة،وبهذا تعمد النزعات العلمانية إلى وضع ضرب جديد للدين الوضعاني أو ما يمكن أن ننعته بالدين البديل أو الدين الدنياني، كما أن الأسطورة هي حكاية سردية تحمل معنى رمزياً أو بالأحرى تطبع بطابع الأمثولة و هي باجماع الكثير من المؤرخين حكاية منشأ و بداية و أهم أساطير النشأة الأولى أسطورة الخلق، لكن ليس كل الحكايات هي عبارة عن أساطير ، و لكن الأساطير هي بالضرورة عبارة عن حكايات، حكايات تروي قصة الخليقة في بداياتها، لهذا تكون الأساطير في جوهرها أساطير لنشأة و تكوين هذا العالم، و بذلك تسعى الأسطورة للإجابة عن السؤال السببي العلي (لماذا) و هو سؤال غائي يبحث عن العلل القصوى التي خلقت هذا العالم و كانت سبباً في ظهوره، و لا تعنى بالتفسير العلمي الذي يرجع كل ظاهرة في الكون إلى أسباب فيزيقية أدت إلى تكوينه، و الدارج أن جل الأساطير تحاول بيان بداية الخليقة و سر الخلق و الكائن الأعلى المطلق الذي أحدث هذا العالم، و ليس يعني أن تبقى الأسطورة مرهونة فقط بقصة الخليقة بل أنها تحاول تفسير النهايات (نهاية العالم و الخليقة) فهي تتنبأ بما سيحصل بعد ملايين او ملايير السنين و كيف ستفنى البشرية و تنتهي قصة هذا العالم،و تقدم لنا نظرة استشرافية عن المآلات الممكنة للبشرية و ما سيحصل في الزمن القادم، ليتسنى لها خلق الحلقة الوجودية الكونية (أسطورة العود على بدء)،مثل الفردوس المفقود ، و حكم الرب على الأرض في استعادته للفردوس المفقود في نهاية التاريخ، و نمط المخلص الموعود الذي طبع الأديان الوثنية المتوسطية الشرقية ، و كذا المخلص أو المسيح المرتقب في الديانة اليهودية و المسيحية أو المهدي المنتظر ( الإمام الغائب) في الدين الإسلامي.
كما يؤكد عزمي بشارة على أن الأسطورة ليست علماً بدائياً بالأسباب الأولى ، بل هي التي تمنح المعنى للأشياء و الحيوات، بحكم أن الموجودات سيكون لها وجود لا معنى له في عالم الدنيا ما لم تضبغ عليه الأسطورة بصبغة الغاية القصوى لوجوده ، و كأنها عبارة عن تفسير ميتافيزيقي للأشياء المتجلية في هذا العالم و التي تحتاج إلى معرفة علة نهائية و غاية لوجودها، كما تعطي المعنى المفهوم لسبب وجودنا نحن كبشر في العالم و الغاية التي خلقنا لأجلها و كذا خلقت لأجلها الكائنات الحية جميعاً، حتى لا يكون وجود الأشياء و العالم وجوداً عبثياً عفوياً يسير نحو الفناء الأعمى و لا تحكمه قصدية عليا مطلقة، و لهذا يعتبر عزمي الأسطورة مكون أساسي للحضارة، و لا توجد حضارة من الحضارات الغابرة إلا و جعلت من الأسطورة ركناً أساسياً لقيامها و هذا ما نحذقه من الحضارات الشرقية القديمة مثلا و الحضارة الرومانية و اليونانية...إلخ، و يرى المفكر عزمي بشارة أن الأسطورة تنتقل من ديانة إلى أخرى لكنها تتخذ تمظهرات متباينة كأن تغير في رسم الأسماء و الأماكن و الأزمنة لكن الخيط الناظم لها واحد لا يتغير، وهذا ما نتجلاه في طريقة تقديم القرابين و تقديس الأمكنة و الأزمنة و غيرها من طقوس العبادات، لهذا تعتبر الأسطورة الدينية مكون أساسي من مكونات العقيدة الدينية بالنسبة لأي شعب من شعوب هذا العالم، و أفضل ضرب ممكن يعبر عن الأسطورة هو ممارسة الطقوس ، فالاسطورة تعيد انتاج نفسها دوماً عن طريق ممارسة الطقوس بحكم أن الطقس أو الشعيرة الدينية ماهي إلا إعادة لتمثيل الأسطورة الدينية، كما يعتمدها البعض بغية توضيح و تفسير بعض الطقوس الغامضة و الغريبة و التي لا تجد تفسيراً مقنعا في بعض الحالات، فنجد الانسان يعتمد على الأسطورة في سبيل كشف الغطاء و الحجب عن ماهية الطقوس الممارسة و الباس الطقس أو الشعيرة دثار الأسطورة حتى يفهم و يصير واضحاً.
و يعتقد الدكتور عزمي بشارة أنه لا وجود البتة لديانة معينة في العالم منذ فجر التاريخ ، سواء أكان هذا الدين سماوياً أو وضعي بدائي أم متطور من دون ملمح أسطوري يجبله، و تعتمد الأسطورة في سبيل ابلاغها لمقصودها و البرهنة على حقانيتها من خلال اعتماد الأرموزة أو الأمثولة و هي ضرب من الحكاية الدينية الخارقة الرمزية التي تفسر للناس كيفية نشأة عبادتهم و سرها الكامن فيها و مقصدها، و المنابع الأولى لتكون الخير و الشر و الغابة النهائية من وراء العالم و الكائنات الحية جميعاً، و الكائن البشري بدرجة خاصة، كما أننا نتجلة في المقدس عموما و بالخصوص في الديانات البدائية ( كما تنعت عند المؤرخين) تتواشج بعمق مع الدنيوة بصورة تجعل الأسطورة لها دور مركزي في العقيدة الدينية لكل إنسان، كما أن المقدس في الديانات السماوية أو كما ينعتها عزمي بشارة بالديانات الممأسسة و ذات المعتقد الراسخ ينفصل عن الدنيوي و هذا ما ينتج عنه وجود وساطة معقولة ثيولوجياً أو كلامياً، و يقابلها الاتحاد بمفهومه الصوفي حيث أن الانسان وعن طريق الجذب و الفناء في المطلق (الله/الرب/الخير الأسمى/العلة الأولى...) بوسعه أن يرتقي حتى يصل إلى وحدة الوجود ، بعد أن يمر بوحدة الشهود، و عندما يصل إلى وحدة الوجود تتوقف الكثرة و تتحقق وحدة الانسان و العالم و الاله، إلا أن الأسطورة في هذه الحالات تبقى مكوناً في العقيدة،لكنها تفقد مركزيتها ووظيفتها الأصلانية ، و تبقى حية في الدين الشعبي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح