الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذكرى المئوية لثورة أكتوبر - (6/ إنهيار الرأسمالية)

موسى راكان موسى

2017 / 10 / 8
ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا




يقول إميل سيوران : لماذا ننسحب و نغادر اللعبة ، ما دام في وسعنا أن نخيّب ظن المزيد من الكائنات ؟ .


***


يُجمع ماركسييونا أن الرأسمالية إنهارت : منهم من يعلنها صراحة مثل الماركسي روجر بابسون ، و منهم من يعلنها ضمنيا بقوله أنها تطوّرت (رأسمالية متوحشة/رأسمالية متعولمة/رأسمالية إستهلاكية ...إلخ) ، فالأكيد عندهم أن رأسمالية اليوم مختلفة عن الرأسمالية التي عاصرها ماركس ، لذلك تختلف أساليب المواجهة و الصراع ؛ فالصراع ما عاد منحصرا بين (برجوازية) و (بروليتاريا) ، لكنه بين (البرجوازية المُتمثلة بأثرياء أمريكا و دول أوروبا الغربية و شركاتهم المتعددة الجنسيات و حلفاؤهم الصهيونيون و الماسونيون و مشيخات الخليج ... إلخ) و (بروليتاريا و كادحين و فلاحين و فقراء و بطاريق القطب الجنوبي مع شعوب نصف الكرة الجنوبية ... إلخ) ، فيبدو الصراع أحيانا و كأنه بين (الأغنياء) و (الفقراء) ، أو كما يحبون القول بين قوى (التقدمية) و (الرجعية) ، أو بتعبير أكثر درامية بين (الحياة) و (الموت) .


الماركسي بابسون يستند على تغيير غطاء النقد بشكل رئيسي (من الذهب إلى الثقة) في قوله بالإنهيار ، و هي مسألة ينخدع بها قصار النظر و من يعتقد أن إختلاف المسميات يتطابق مع إختلاف معانيها ــ للذهب قيمة موضوعية لكن ليس لأنه ذهب ، و أيضا قيمته الموضوعية ليست كالوجود المادي للكرسي على سبيل المثال ، فموضوعيته هنا من نوع معيُن (إجتماعي) ، و لأننا بفضل ماركس نعرف أن العمل خالق القيمة إلا أن القيمة نفسها لا تقيّم العمل (ما كان للمخلوق أن يقيّم خالقه) ، إذا ما الذي يقيّم العمل ؟ ، طبعا ماركس لا يتركنا دون إجابة ، فالعمل يُقيّم (( إجتماعيا )) بمعيار هو متوسط العمل (لا يحاسب إله إلا آلهة مثله) ، إذا فقيمة الذهب رغم كونها موضوعية (إجتماعية) إلا أنها مُتغيّرة (و إن إتسمت بشيء من الثبات النسبي) ؛ إذا قيمة الذهب هي نتيجة تواضع إجتماعي ، و التواضع الإجتماعي لا يكون دون ثقة أفراد المجتمع ، فإن كان التواضع الإجتماعي على عنصر آخر غير الذهب (محل الذهب) عمل عمل الذهب نفسه فيما تواضعوا عليه [ طبعا التواضع الإجتماعي مختلف عن الخداع الإجتماعي و إن كان هناك شيء من التداخل ، أيضا التواضع الإجتماعي لا يلزم الإتفاق لكنه يلزم القهر : فما أكثر من يقول أن المال لا قيمة له لكنهم إجتماعيا يتعاملون به ، و الماركسي بابسون لا يشذ عن ذلك ] .


إذا ما الفرق الإجتماعي بين (الذهب) و (الورق) إن كان التواضع الإجتماعي هو نفسه ؟! ، لا يوجد فرق ، فالفرق ليس إلا بين طبيعة (الذهب) و (الورق) .. لا بين (التواضع الإجتماعي على الذهب) و (التواضع الإجتماعي على الورق) .


لكن التواضع الإجتماعي على الذهب قد يخدم علاقة إجتماعية أكثر من أخرى (أو دونها) ، و بالمثل فإن التواضع الإجتماعي على الورق قد يخدم علاقة إجتماعية أكثر من أخرى (أو دونها) ، إلا أن هذا لا يمنع من أن يخدم كلاهما نفس العلاقة الإجتماعية ، فالسؤال هنا : هل تحوّل التواضع الإجتماعي من ذهب إلى ورق يلازم تحوّل في العلاقات الإجتماعية بالتالي تغيير النمط الإجتماعي المُهيمن ؟ .

في البدء كان (الذهب) ، ثم كان (الورق يغطيه الذهب) ، فإنتهى الأمر إلى (الورق) ، لكننا ننسى أن واضع الذهب هو نفسه واضع الورق (( التواضع الإجتماعي )) ، و لو كان (التواضع الإجتماعي على الورق) يؤدي لتغيير في النمط الإجتماعي المُهيمن لكان (التواضع الإجتماعي على الورق يغطيه الذهب) حقق تغيير النمط الإجتماعي المُهيمن في حينه [ فهل حقق ؟ ] ؛ و نعلم (من قول الماركسيين أنفسهم) أن الذهب لم يكن متواضعا إجتماعيا عليه فقط في الرأسمالية ، بل و قبل الرأسمالية [ إذا فتحوّل التواضع الإجتماعي من ذهب إلى ورق لا يلازم تحوّل في العلاقات الإجتماعية كما لا يلزم تغيير النمط الإجتماعي ] .


إذا (الذهب) هو البقرة الصفراء التي يعتبرها الماركسي بابسون البقرة الوحيدة و الحقيقية .. رافضا أن يرى غيرها من بقر بقرا ــ طبعا هناك إختلافات بين البقر لكنها تبقى بقرا و إن تشابهت علينا [ طبعا يستشهد بابسون بأحداث تاريخية على أنها أحداث مفصلية كإعلان رامبوييه ، إلا أنه يتناسى عمدا أن ما جاء به الإعلان ليس بجديد و لا بقاطع ، إذ التطبيق الفعلي كان أقدم من الإعلان نفسه كالذي جرى في الحربين العالميتين في دول النزاع و أيضا ما مارسه روزفلت من مصادرة للذهب في فترة الكساد العظيم ] .


طبعا لا يخفى هوس الماركسي بابسون بالخدمات ، فهي بالنسبة إليه كالفلوجيستين لبريستلي ، الخدمة في النهاية قوة عمل مبذولة ، و ماركس كان تحدث أكثر من مرة و بفصاحة أن البروليتاري يبيع الرأسمالي قوة عمله كخدمة ، و للرأسمالي حق التصرف فيها سواء أننتهى بها الأمر لينتج شيئا أم لا .


طبعا الإنغماسي بابسون لا يفهم معارضة الماركسيين الآخرين له في هذه المسألة ، فكيف لهم لا يفهمون هذا الأمر (الواضح) و (البسيط) ؟ ، الماركسيين الآخرين يعارضونه لأنهم يبدأون بتسليم بأن النمط الإجتماعي المُهيمن هو الرأسمالية ، بينما هو يقدم الخدمة على أساس أنها النمط الإجتماعي المُهيمن ، بينما هي (الخدمة) جزء من النمط الإجتماعي المُهيمن و لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تصبح نمطا مُهيمنا (بسبب طبيعتها) ــ يعارضونه لا في وجود الخدمات بل في كونها نمط مُهيمن ، فهم يعتقدون بوجود الخدمات لكنها في النهاية تعود لصالح النمط المُهيمن و الذي يكون عندهم الرأسمالية ، فلو إعتبرنا كوكب الأرض عبارة عن مصنع رأسمالي فكل ما يجري عليه (بما فيها الخدمات) تعود إلى صاحب المصنع [ حتى و إن كان الإنتاج ضعيف و التشغيل في حده الأدنى ] ، و هو أمر يتفق مع كلام ماركس في كتابه (رأس المال) ، إلا أن الماركسي بابسون يجد ما يدعمه من نفس الكتاب (العمل المنتج و العمل الغير منتج) لكنه ينسى أو يتناسى أن هناك عمل غير منتج رأسمالي كما أن هناك رأسماليين غير الصناعيين .


ماركس في كتابه (رأس المال) بدأ بتحليل السلعة ، أما الماركسي بابسون فيبدأ بأن الرأسمالية النمط الإجتماعي إنهارت ، بينما البقية ففي المعظم يبدأون بأن الرأسمالية النمط الإجتماعي لا زالت قائمة (لكنها تطوّرت) ــ كان هانس ميديك أشار إلى الموقف الماركسي المدرسي المغلوط المُتمثل في وضع موضوع البحث في إطار نمط إنتاج وقع تحديد خصائصه بصورة مسبقة ، و لا يبقى سوى تحديد العلاقات و قوى الصراع و هو ما يمارسه الماركسيون في الغالب .


ماركس حصر إهتمامه و تركيزه على الدول التي إعتبر الرأسمالية فيها مُتقدمة كبريطانيا ، بينما ما يُلاحظ اليوم في خطاب عموم الماركسيين تعميم فظ لنمط إجتماعي لا على كذا بلد بل على العالم أجمع (التبرير الرئيس لهذا التعميم العولمة أو العالمية) ، فقبائل حميّر اليمنية على سبيل المثال رغم معيشتها البدائية إلا أنها طرف في الصراع الطبقي ضد الرأسمالية ! [ فالرأسمالية مهتمة بك و إن لم تكن مهتم بها ] .


أعتقد أنه ليس بخفي على الماركسيين قول الكثير من الإقتصاديين و الإجتماعيين أن (( الرأسمالية )) كنمط إجتماعي مُهيمن ليس إلا نتاج رأس ماركس لا الواقع نفسه .


الأكيد أن ماركس تعامل مع الرأسمالية في البلدان التي إهتم بها على أنها نفس الرأسمالية ، و هو أمر يدفع للتساؤل (( هل الرأسمالية إختراع رأس ماركس ؟ )) ، ماركس كان واضحا فيما يتعلق بإختلاف رغبات الرأسماليين (و هو أمر ما كان يعنيه أو يعنيه التحليل الطبقي) إذ لم يكن إختلاف الرغبات مهم بقدر أهمية الحدود و القدرة للرأسماليين على إختلافهم ، لكن سواء أقيل أن الرأسمالية إختراع رأس ماركس أم نُفي الأمر ، يبقى الأكيد أن الرأسمالية كنمط إجتماعي مُهيمن ليس إلا نتاج رؤوس الماركسيين ، سواء أقالوا بذلك بنية أنها لا تزال قائمة أو بكونها إنهارت .


فعلى نفس البساطة و الوضوح التي يحبذها بابسون : كيف لك أنت أيها الفرد الماركسي تقدم لنا نمط إجتماعي أيا كان على أنه نمط مُهيمن عالميا و أنت بالكاد تستطيع تحليل النمط الإجتماعي الذي في بلادك ؟! كيف لك و أنت تسكن في البحرين أو الأردن أو مصر أو العراق أو أيا كان أن تقدم تحليلا إجتماعيا عن رأسمالية عالمية ؟! بل كيف لك أن تثبت نمطا إجتماعيا لبلاد لم تطأها قدماك و تعداد سكانها يتجاوز الـ100 مليون و أصغر ولاية فيها أكبر من أصغر بلد ؟! .


من الجيد أن نعرف ما كان يفكر فيه ماركس و غيره فيما يتعلق بالأنماط الإجتماعية ، لكن الوقت حان لمزيد من التخصص و الرصانة لنتجاوز مسألة التنميط فنضع كل مجتمع على ما يكونه و يكوّنه ضمن علاقات و قوى وفق نمطه الخاص به ، لا يعني ذلك أن المجتمعات منغلقة على نفسها إذ بينها تفاعل و تداخل أو تدخل أحيانا ، و قد نجد أمور متشابهة مع تلك المتعلقة بالأنماط الإجتماعية المعروفة لكنها حتما لا تطابقها بالمطلق ، من المهم إدراك التشابه لكن أيضا من المهم إدراك الإختلاف ، كل الأدبيات الماركسية في معظمها تكرر أنماط إجتماعية بعينها دون أن تراعي خصوصية نمط عن آخر [ الخصوصية أعمق و أشمل من مجرد القول هذه رأسمالية قوية و الأخرى ضعيفة ] ، و رغم ما نشهده اليوم من تواصل حر و إنفتاح إلكتروني و عالمية ساذجة إلا أن الخصوصية قائمة ، فلكل مجتمع نمط و إن كان بينها و بين المجتمعات الأخرى إتصال و تواصل ، فالخصوصية قائمة حتى بين بعض ولايات من تُسمى قلعة الرأسمالية (أو رأس الحية/الشيطان الأكبر) ، فالرأسمالية كنمط إجتماعي عالمي مُهيمن ما كانت لتقوم لكي تنهار إلا في الرؤوس ، و ما تعميم نمط إجتماعي بعينه كنمط مُهيمن في الرأس إلا لينتهي لنمط آخر يريده نفس الرأس ؛ و إدعاء هذه الرأس الموضوعية و اللا غائية لا يتجاوز مجرد تكرار اللفظ .


***


يقول إنجلز : إن من العبث أن يجهد المرء لفتح عيون من لا يريد أن يُبصر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - في ضرورة تمييز نمط الانتاج الراسمالي عالميا
حميد فكري ( 2017 / 10 / 9 - 23:06 )
مبدءيا ،اتفق معك السيد موسى راكان ،في ضرورة تحديد الشكل الملموس لكل بنية اجتماعية ،بتحديد نمط الانتاج المهيمن او المسيطر فيها .فهذا هو اس المنهج المادي التاريخي .لكن يجب ان نحذر في نفس الوقت من الوقوع في فخ المنهج التجريبي ،فننتصر لخصوصية ،ترى فينا تمايز جوهري ،يجعلنا ننعزل عن التاريخ الكلي للانسانية .اليس هذا ما تروج له كل برجوازياتنا المتخلفة ،سعيا منها ،لانقاد نفسها ؟ حتى الان لااجد نظرية ،اكثر اقناعا ،في تحليل بنياتنا الاجتماعية ،من نظرية مهدي عامل في نمط الانتاج الكولونيالي ،وان كانت هي بدورها تحتاج الى اغناء وتدقيق اكثر .


2 - هل يجهل موسى راكان الماركسية
فؤاد النمري ( 2017 / 10 / 11 - 19:20 )
حين يقول السيد موسى أن الصراع غدا بين الأغنياء والفقراء فذلك يشير إلى أنه لا يعلم أن الصراع الطبقي في المجتمع الرأسمالي حول فائض القيمة
العمال يريدونه أقل والرأسمالي يريده أكثر
ليس هناك أغنى من أصحاب غوغل ومكروسوفت وفيسبوك ومع ذلك لا تجد من يصارعهم

اخر الافلام

.. هل بدأ العد العكسي لعملية رفح؟ | #التاسعة


.. إيران وإسرائيل .. روسيا تدخل على خط التهدئة | #غرفة_الأخبار




.. فيتو أميركي .. وتنديد وخيبة أمل فلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. بعد غلقه بسبب الحرب الإسرائيلية.. مخبز العجور إلى العمل في غ




.. تعرف على أصفهان الإيرانية وأهم مواقعها النووية والعسكرية