الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المغناطيس-في السجن-3- الجزء الأخير

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2017 / 10 / 9
الادب والفن


لا نوم الليلة . الحريّة تدّق الباب
سوف يأتي السّجان ويفتح لنا
هكذا هي الحريّة . مفاتيحها بيد سجان
أدواتها نحن، وثمارها على طريق وارف الظلال
ممنوع دخوله سوى على القامات المحشوة بالمال
نشاهدهم عن بعد ، نلوّح لهم
نثرثر بيننا عن الحرية والعدل
نقفز كلّما رأيناهم خوفاً ، نهوّس لهم
بينما يرفعون الأعلام، ويرقصون
تعالوا نرقص قبل أن نودّع هذا المكان، فكلما انتقلنا إلى مكان جديد ،عندما كنا نسرد قصصنا في السّجن كان أسوأ من الأوّل. لم نكن نعرف أن المكان سجن، أشدنا الممالك، ونسجنا الأحلام. حاربنا الوهم حتى في المنام . قد يكون السجن مكاناً نرغب به يوماً.
هاتي يا فاطمة. أسمعينا ما عندك ، وسوف نقرع طبول الحريّة على هذا الصحن البلاستيكي الصغير، وبمعلقة بلاستيكيّة مكسورة.
آهٍ ثم آهٍ، ثم آه
-هل هذه الآه للرّقص.
-نعم. ارقصوا عليها لو شئتم، فقد قضيت حياتي أبحث عن اسمي، وعن هويتي. لن أغني اليوم. بل سوف أندب، وأبكي .
لو كان الدّمع يغسلني، ويعيدني إليّ
لبكيت عمراً، وبدأت للتوّ مسيرتي
لا فائدة من دمعي. هو سلاح الضّعفاء
لماذا أغنّي وأرقص والآهات تحاصر تفاصيل حياتي
لا تصدقوا يا رفاقي أينما كنتم
أن بعد السجن عيد، وأنّ للفرح مواعيد، فحتى نتعلّم ألف باء الفرح يلزم أن نأكل الخبز، والعسل، ونحضر حفلات السّمر، لكن الجاذبية تمنعنا. ليست جاذبية الأرض. بل جاذبية الفقر. الفقر مغناطيس يجذب البرادة ليرميها .


. . .
صباح الخير أيّها الأحرار
تفضلوا. خذوا وجبة ساخنة قبل خروجكم بعد ساعة، وهذه هدية لكلّ منكم عبارة عن شهادة سلوك منقوش عليها اسم سيدنا الأزهر القلبي الثالث، حفيد باني هذه الإصلاحية" بديلة الحياة"
-إياكم أن تعلّقوا على قوله
-لن نعلّق يا ختام. نحن الآن طوع أمر السّجان. ننحني له كأنّه من الكرام، وكأنّنا أولاد اللئام.
-كم حلمنا يا فاطمة. لن ننسى القصر الذي كان اسمي فيه صوفيا، ولا مملكة القضبان. سمعنا عن تلك القصص، ضخمناها، عشنا داخلها. بدت لنا حقيقة.
اصمتوا. أتى السّجان.
خذوا هذه الثياب الجميلة لكم يا فتيات، وخذ هذه البذلة التقليدية المزركشة، والزمور أيّها الشّاب، وخذو أعلام الوطن عليها صورة حبيبكم صاحب الأرض والسّماء ، ليس مطلوباً منكم الكثير . فقط أن تقولوا شكراً للقلبي صاحب الوطن.
نعيش الآن في قلب الحرّية. إنّه العرس.
هل ترى يا سعد أن جميع هؤلاء البشر أغنياء؟
صاحب الوطن محظوظ. هذه الجموع المحتشدة هي استفتاء على حضوره البهيّ.
-لو لم تسكتي لقتلتك، وعدت إلى السّجن. هذه الجماهير تستفزّني، تشعرني بأنني منحط.
-ليتك تقتلني! عجزت عن قتل نفسي
لم أعد أرغب في الحريّة.
. . .
انتهى الحفل، ولا نعرف أين نذهب.
أين ذهب جميع النّاس في لمح البصر؟
من أين الطريق؟
لا أعرف كيف أحلّ المتاهة، ولم أجرب حل الكلمات المتقاطعة، وكلما أردت أن أكش الملك في يسقط الجنود جميعاً ويبقى الملك. في بعض المرات أنتصر على الوزير.
الضباب يلفّ الكون، أتعثّر بالأحجار، يمشي خلفي رتل من الأطفال يقهقهون ويضحكون. أنظر إليهم. يقولون. لا نضحك عليك بل على ذاك الرّجل خلفك. تضحكون على سعدون، أعود خطوة لأمسك بيده، يركض الأولاد: اهربوا من المجنونة .
أتأمّل وجوههم. ما أجملكم أيّها الأطفال! أتمنى أن لا تصلوا إلى ما وصلت إليه.
-يبدو أن هيئتنا ليست مألوفة هنا، ويبدو أن هذا البلد لم نكن فيه من قبل. سوف نسأل أحدهم. هناك تجمّع قريب:
صباح الخير يا قوم
-تبدو غريباً أيها الرجل.
-ألا تردون التّحيّة بمثلها؟
من أنتم، وأين نحن؟
-من؟ سعد. لم أعرفك يا أخي. لو تدري ماذا جرى لنا في غيابك. قتلوا إخوتنا جميعاً.
-ونحن هدموا بيوتنا، وقتلوا أطفالنا.
-ليتنا متنا قبل أن يجري ما جرى.
-دعنا نجلس معهم يا سعد، ونندب.
-كان الطفال على حقّ عندما قالوا عنّي مجنونة. هيئات الرّبع هنا تظهر أنّهم مجانين. نحن منهم إذن.
. . .
لا أصدق أن أحداً ولد هنا
الحياة خجولة من ذلك الخراب
هل ولدنا هنا يوماً
أو هل ولدنا من أمّهات؟
كان أخي الصغير يقول لي ممازحاً، أنا ولدتني أمّي ، وأنت ولدت من مجارير المياه كالجرادين. كيف عرف منذ كان في المهد من أنا؟
-أيها النّاس!. لماذا تجلسون هنا كالأيتام. ألا يوجد مكان آخر نذهب إليه نبني بيوتاً نعيش فيها.
-توقّف يا أخي عن الكلام، هؤلاء الناس لا يحبون الأحلام. فقدوا أعزّ ما يملكون، وليس لديهم ثمن طعام. لو تحدّثت لهم عن وطن، وأرض وبناء لقتلوك.
-تعال يا سعدون ،وأنت يا فاطمة نشقّ طريقنا بأنفسنا. علينا أن نبدأ حياتنا حتى ولو أصبحنا شيوخاً. نعيش ما تبقى لنا من لحظات. علينا أن نجد دعام اليوم، ومورد رزق للغد.
سوف ننجح. نعم. لماذا لا ننجح؟
-أنهكنا المسير يا ختام. نحترم نواياك الطّيبة، لم نحصل على الطّعام، ولا على بيت خلاء. هل تستطيع يا سعدون أن تدلنا على طريق الغابة علّنا نقاسم أبناءها الحياة؟
-لا أعرف الغابة. هي حكاية ابتكرتها، لكن دعونا نحاول، فالفكرة تستحق. سوف أقود رحلتنا إلى الغابة.
قد تكون على بعد أمتار من هنا.
يبدو أنّنا أضعنا الطريق، وليس لدينا خيار سوى العودة.
-انظرا. إنّه السّجن الذي عشنا فيه.
لا بأس أن نعود إليه، فقد كان المكان الوحيد الذي أكملنا فيها عمرنا بين الشّباب والشيخوخة.
هل توافقون على العودة إليه؟
نعم. لا مكان لنا سواه.
إني أرى السّجان قادم جهتنا.
-لماذا أنتم هنا؟ ومن أنتم؟
-نحن أبناء هذا المكان ، دخلنا هنا بعد ولادتنا بقليل، وتربينا هنا. نرغب أن نعود. عفوك سيدي. هل يمكن أن تفتح لنا الباب. رقم غرفتنا 13.
-لا شكّ أنّكم مجانين. لا يدخل هذا المكان إلا من حكم عليه القضاء، فهل تعتقدون أنّنا فتحنا جمعية خيريّة؟
-لكننا ضعنا هنا، وكان ضياعنا خطأ غير مقصود.
-اذهبوا وضيعوا في مكان آخر.
أيّها العمّال: نظّفوا المكان . هيا . أبعدوهم بخرطوم الماء
لا مكان لنا. اضررنا إلى النوم أمام السّجن بينما تمرّ سيارة الإطفاء، تسلّط علينا الماء، يحركنا من أماكننا، ونبقى نائمين ، ولم تنتهي الحياة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-