الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفنان والفيلسوف يد واحدة للنهوض بالإنسان

أيمن عبد الخالق

2017 / 10 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الفنان والفيلسوف يد واحدة للنهوض بالإنسان
الإنسان ...وما أدراك ما الإنسان، سيد الكائنات، الذي انطوت فيه كل الأكوان من عالم الغيب والمعنى إلى عالم الشهادة والمادة، فتراه تارة يصعد من الأرض بعقله إلى أقصى عنان السماء، ليكتشف حقائق الأشياء، ومبادئها العليا، ونظمها البديع وتسلسلها المنسجم من مبدأها الأول في قوس النزول، ثم ينزل تارة أخرى ليجول في الأرض بحسه المرهف وخياله الخلاق؛ ليرسم لوحة رومانسية جميلة من الصور والألوان والأنغام، والتى تُذكّره بمعنى واحد، ألا وهو الجمال والكمال، ليعود هذا المعنى بالإنسان مرة أخرى للارتقاء إلى عالم المعنى في قوس الصعود، لتكتمل بعدها دائرة الوجود في مملكة الإنسان؛ وليصبح بعدها المظهر التام للكمال الإلهي، والمنطلق الحقيقي للحضارة الإنسانية فالإنسان الفيلسوف هو الذي يكتشف بنورعقله ومشعل فكره نظام الكون البديع من مبدأه إلى منتهاه، والإنسان الفنان هو الذي يصوغ بخياله الخلاق أجزاء هذا العالم من جديد، وينظم فسيفساءه ودرره المنثورة بما يحاكي هذا النظام البديع، في لوحة فنية جميلة.
فالفيلسوف يجول بعقله في عالم المعانى والحقائق، والفنان يطوف بخياله في عالم المادة والرقائق، والفيلسوف يفكر، والفنان يشعر، والفيلسوف ينطلق من عالم الحس والخيال، ليرقى إلى عالم العقل والفكر، والفنان الحقيقي ينطلق من عالم العقل والفكرإلى أحضان عالم الحس والخيال، فالفيلسوف يُجرّد المعاني العقلية الكلية من مظاهرها المادية، والفنان يُجسّم المعاني الكلية في لوحة خيالية حسية تحاكي نظام الفيلسوف الوجودي، فهناك في الواقع علاقة تكاملية طبيعية وواقعية بين الفيلسوف والفنان، فالفيلسوف هو الذي يغذي الفنان بالمعاني الواقعية والقيم الإنسانية، والفنان هو الذي يقوم بتجسيدها في عالم الطبيعة، فالفيلسوف هو أصل هذه الشجرة الطيبة، والفنان فرعها، فلوبقى الفرع متصلا بالأصل أثمر وأينع، وإن انفصل عنه أصابه الذبول، وأصبح الأصل عقيما.
وللأسف الشديد، فقد سعى أعداء الإنسانية على مر التاريخ إلى قطع هذا الفرع عن أصله، فأقصوا الفلاسفة عن ميدان العلم والثقافة، وعزلوهم عن المشاركة في ساحة الاجتماع والسياسة، بعد أن جردوهم من كل أدواتهم الفاعلة والمؤثرة على المجتمع البشري، واستولوا بعد ذلك على عالم الفنون والآداب، وقاموا بتسخير الفنانيين والأدباء لخدمة أغراضهم الشريرة، وتحقيق مطامعهم غير المشروعة فأضحى الفيلسوف سجينا وعاجزا عن إصلاح المجتمع وهدايته، وأمسى الفنان أسيرا في أيدى أصحاب القدرة والسلطان يوجهونه حيث درت معايشهم، وترعرعت مصالحهم فالفيلسوف خسر الفنان الذي هو فرعه النامي، والذي كان يجسد معانيه العقلية وقيمه الإنسانية، ويعكسها على الواقع المحسوس في أنماط متعددة، فأصبح كما يقول برتراند رسل يمشي على الأرض ورأسه فوق السحاب، وأصبح التأمل والتفلسف في نظر الناس سبيل الفارغين والعاجزين، وأضحت الفلسفة في ظنونهم ضربا من الخرافات والأساطير، بينما أمسى الفنان يتيما مقطوعا عن أصله السامي، ومقهورا من جانب أوليائه غير الشرعيين، ينطلق في كثير من الأحيان من المعاني الوهمية المنتزعة من الصور الخيالية المنبعثة عن المشاعر والأحاسيس السفلية، والمتولدة من القوى الشهوية والغضبية، فبقى الإنسان حبيسا في قفص الحس والخيال، عاجزا عن الرقي والوصول إلى عالم الكمال والجمال، بعد أن اتخذ اللذة الحسية الوقتية بديلا عن البهجة والسعادة الحقيقية وقد ترتب على فصل الخيال عن العقل، وعزل الفن عن الفلسفة، عواقب وخيمة على البشرية جمعاء، حيث انقسم الناس حول الفن إلى طائفتين، بين الإفراط والتفريط طائفة من المحافظين والمنتسبين إلى الدين تتهم الفن بأنه مظهرالمجون والابتذال، وشعارالفاسقين والفجار، وتدعوا إلى تحريمه وسد أبوابه بالكلية، غافلين عن أن الفن أحد مظاهر الإنسانية السامية، وهو السبيل الوحيد للتعبيرعما في ضمير الإنسان ومشاعره، والجسر الرابط بين عواطف الإنسان وأحاسيسه الوجدانية وبين قيمه الإنسانية والإلهية .
وطائفة أخري من الماديين، تدعوا إلى التحلل من كل القيم والمباديء الإلهية والإنسانية تحت شعار حرية الإبداع، والخيال الحر، واللذة المطلقة، غافلين عن أن الفن الحقيقي هو الذي يجسد المفاهيم العقلية الواقعية والقيم الإنسانية، وأن الحرية الحقيقية هي التي تحرر الإنسان من أسر القيود المادية والغرائز الحيوانية، وتعتقه من عبودية أعداء الإنسانية الذين لايرون إلامصالحهم الشخصية والفئوية، فالإنسان الحر هو الذي يطيع عقله في كل حركاته وسكناته، وشعوره وانفعالاته، حيث تنسجم الأحكام العقلية مع الطبيعة الإنسانية ببعديها المادي والمعنوي، على خلاف القوى والغرائز الحيوانية التي لاتراعي إلا الجانب المادي في الإنسان فالفنان يفتقر إلى الفيلسوف في تصحيح مساره ومنطلقاته، والفيلسوف يفتقر إلى الفنان لتجسيد معانيه وأفكاره، وإبرازها على مسرح الحياة الطبيعية بمختلف الوسائل والأشكال الفنية التراجيدية والكوميدية من القصة والدراما العقلية السامية، والسينما والمسرح الهادفين، والموسيقى المؤثرة التي تحرك المشاعر الشريفة والخيالات النبيلة، والرسوم المعبرة والجميلة....وغيرها من مظاهر الفنون الجميلة والمؤثرة .
وعندما يضع الفيلسوف يده في يد الفنان، ويعود الفنان إلى أحضان الفيلسوف، الذي هو بمثابة الأب المشفق والأم الرؤوف، فسوف يجد الفيلسوف وسيلته، ويعثر الفنان على ضالته، وينتصر الإنسان على نفسه، ويتحرر من كل القيود الوهمية التي تكبله وتمنعه من الارتقاء، وعندها سوف يضع الإنسان قدمه على أول طريق الكمال والسعادة الحقيقية، ويستنشق عبير الرقي والحرية.

`








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في الإمارات لليوم الثالث بسبب سوء الأحوال الجوية


.. -الرد على الرد-.. ماذا تجهز إسرائيل لطهران؟| #الظهيرة




.. بوتين..هل يراقب أم يساهم في صياغة مسارات التصعيد بين إسرائيل


.. سرايا القدس: رشقات صاروخية استهدفت المدن المحتلة ومستوطنات غ




.. أصوات من غزة| ظروف مأساوية يعيشها النازحون في العراء بقطاع غ