الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقبرة جماعية أخرى

مراد سليمان علو
شاعر وكاتب

(Murad Hakrash)

2017 / 10 / 10
الادب والفن


(مقبرة جماعية أخرى)

في مخيّم ما، من المخيمّات المخصصة للنازحين من أهلي كنت أسير وحيدا في ليلة باردة حجب الضباب فيها خيامها البيضاء عن ناظري، وخامرني الشكّ في بقائها منصوبة من رعب السكينة على دروبها الموحلة، فهي قائمة بدموع الأرامل، والأيتام، والمراهقين، وقد جمدت على خدود الليل السوداء الموحشة، ولمّا وصلت الطرف الشمالي منه سمعت لهاثا يقترب منّي، فالتفت فإذا بشبح يرتجف وهو يقول: "لماذا توقفت، والتفت؟".
قلت، والكلمات تخرج بصعوبة من بين اسناني المصطكّة: "التفت لأرى من يتبعني، ويقلق عليّ خلوتي، فمن أنت؟ وماذا تريد منّي؟".
فقال الشبح وقد هدأ قليلا: "لماذا التفت وتوقفت؟ لا تكن أحمقا كالآخرين فكلّ الأيتام والأرامل ينصتون إلى وقع اقدامك، وينتظرون منك أن تعبر بهم الجهة الأخرى".
فنظرت اليه بعيون ذابلة وقلت: "ولكنني أنا نفسي لا أعرف إلى أين أسير. قل لي من أنت؟ وماذا تفعل هنا؟".
وما أن وصلت إلى مكاني المعتاد حتى جلست القرفصاء وخاطبنه قائلا: "هاأنذا اطلب الوحدة والهدوء لنفسي، وتأتي أنت في هذا الليل الضبابي تقتحم عليّ وحدتي، فاجلس هاهنا بجنبي ما طاب لك وثرثر ما بدا لك".
فصرخ قائلا: "أنا شبح هائم لملك من ملوك بابل، هربت من حريقها الكبير، ولا أزال اتبعكم لأريكم دروب الهجرة والخلاص، وسأدلك أنت ايضا إلى الوادي، وستعرف بنفسك الطريق". فارتعب من صوته المدوي جميع من في المخيم، وتنبهّوا من رقادهم، ثم جاءت الأرامل وتبعهن الأيتام وهم يقولون لي: "لا تخف فنحن ورائك سائرون".
التفت إلى الشبح فزعا وقلت له: "الوادي مليء بالأفاعي الراقدة وستسحق عظامنا إن وطأناه في هذا الليل البهيم، فلما تغرر بي؛ لأقود هؤلاء المساكين إلى التهلكة؟".
وهنا التفت الشبح الهائم إلى الجمع قائلا لهم: "أنه جبان آخر، يخاف على نفسه وليس عليكم"، ثم قهقه، فضحكت الجموع معه، ولولا جزعي لوددت الضحك من ضحكهم، وبعد أن هدأت عاصفة الضحك قلت له: "ما العمل برأيك أيها السائر في الليل؟".
فقال القادم من بابل وهو يفرك يديه: "سر بهم إلى الوادي، ولتعلوا صراخهم، وكذلك هوساتهم، ومن تلدغه الأفاعي ليدوس عليه العابرين إلى الجهة المقابلة، أما الضحايا فسيكون الوادي لهم مقبرة جماعية أخرى بكل فخر".
*******








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع