الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية أغنية وإثبات نظرية

مهند طلال الاخرس

2017 / 10 / 11
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


حكاية أغنية واثبات نظرية ...
بقلم مهند الاخرس
إن العبث في المدخلات التي تؤسس وتنظم قيم وأخلاق وعادات وتقاليد ونهج وعقيدة المجتمعات يؤدي حتمًا الى مخرجات سيئة بشكل منقطع النظير على المدى القصير وإلى فساد حتى الذوق العام على المدى البعيد. إذ أن المدخلات الجيدة يستتبعها حتمًا مخرجات جيدة على نفس السوية والجودة. وعلى مدى المئة عام المنصرمة تم العبث بهذه المدخلات بشكل ممنهج ومدروس ومقصود، بحيث تم الإعتداء ليس على المدخلات فقط بل على أسس هذه المدخلات، حيث تم ضرب العمود الفقري لهذه المدخلات، فأصبحت أي عملية اصلاح لرتق الضرر الفاحش في المخرجات كأنه عملية مطلبية يومية، وبالتالي أصبحت الشغل الشاغل للمجتمعات، واصبحت حركة المجتمع الاصلاحية ان وجدت تدور في هذا الفلك، وتم حصر تفكيرها في داخل الصندوق ومع طول المدة الزمنية والانشغال في معالجة الرتوش دون معالجة أصل المشكلة، انقطعت الفائدة من العمليات الاصلاحية المرجوة حيث بلغ السيل الزبى وأصبحنا بأمس الحاجة للثورة على كل شيء وليس بالاصلاح في شيء. ان العمل بهذا المفهوم ودراسة هذا الطرح من جوانب متعددة يستتبع حتمًا تشخيص المرض ومعالجة المريض وضرب الامثلة المؤيدة لذلك فمثلًا تم العبث بمدخلات التعليم والقضاء والجيش والتاريخ والرموز والحدود حتى أن هذا العبث أصاب علاقتنا ببعض وبالآخر وامتد حتى اصابة ارتباطنا وعلاقتنا بالأرض جوهر القضية، ولم يسلم هذا العبث من مدخلات لطبيعة العلاقة بيننا وبين عامل النظافة،
وحتى بين العلاقة بين نظافة بيوتنا وأرصفة بيوتنا. حتى أننا نلمس هذا العبث بمستوى الذائقة السمعية لدينا، حتى أننا أدمنا هذه المدخلات السيئة وأصبحت جزء من سلوك نمطي تعودناه، وهذا الترابط والتناغم والتكامل بين هذه المدخلات الفاسدة أدخلنا في مرحلة متقدمة من المخرجات السيئة، حتى أننا اقتربنا من درجة الحيونة والتمسحة والبلادة ولم يردعنا من السقوط إلى القاع الا بقية من القابضين على الجمر ومن دعوات الامهات وشفاعة من سبق وصدق. حتى أصبح الاستدلال بالمثل القائل لن يصلح العطار ما أفسده الدهر مثل مسلم به وحقيقة حالية ومستقبلية.
وفي هذا الصدد يقول تشومسكي:" من استراتيجيات التحكم بالشعوب تشجيع الرداءة ،أي ان تجعل الشعب يحب ما هو تافه ورديء "
وتتم عملية التشجيع هذه بأمرين :
الاول ، قتل القيم الجمالية لدى المجتمع وتشويهها باستعمال الدين عن طريق تحريم منابع المذاهب التي تزود المجتمع بتلك القيم (كتحريم الفن مثل الرسم )
الثاني ، قتل الحس النقدي لدى الجمهور من خلال تطبيع فكرة الانقياد الاعمى وذلك ايضا باستخدام الدين من قِبل وعاظ السلاطين .
وفي حديث دار بيني وبين أخي حمزة، حيث ترافقنا سوية لتناول طعام الغداء في عرس ابن صديق لنا، وفي أثناء الطريق ولطولها أسهبت في ذكر امثلة واقعية من المحيط الملموس وكيف انها نتيجة هذا العبث الممنهج بالمدخلات حتى أصبح التشويه يطال مانعتقد بسذاجة صوابه، وكيف أن وكلاء الاستعمار والاستبداد والانظمة الفاسدة والطغمة الحاكمة والطابور الخامس والاغبياء على اشكالهم والطامحون على الوانهم، وكيف اوصلنا هؤلاء على التسليم بما حصل وكأنه قدر محتوم وكأنه لم يكن بالامكان احسن مما كان.
وما ان شارفنا على الاقتراب من العرس مبتغانا ، وحيث لم نشبع النقاش حقه، وحتى لا يحصل البتر والقطع في الفكرة قلت له سنكمل هذا الحديث بعد فراغنا من الغداء وفي طريق العودة، لكن لا ضير من طرح هذه الفكرة على من سنجالسهم على طعام الغداء. اجابني برجائه لي بأن لا أفتح هذا الموضوع
لعدة اسباب، كان اهمها، أن ما اطرحه يحتمل الكثير من التنظير والأكثر من الفلسفة. اجبته: أن لاعليك سأبسط الفكرة في مثال بسيط ويومي يتناول ذائقتنا السمعية ويثبت كيف تم افسادها بسهولة، ولكن هذه السهولة لم يكن لتكون لولا فساد مدخلاتنا الاساسية، وسترى كيف يستتبع افساد ذائقتنا السمعية لوحدها فقط افساد ذائقة الحس والسمع والنطق والبصر تباعًا.
وما ان جالسنا اخرين على الغداء حتى بدأت أردد مقاطعًا من أغنية شادية الشهيرة "قولوا لعين الشمس ماتحماش" حتى بدأت التمتمات والاستفسارات تنهال باتجاهي فمنهم من قال: "ايش، هيتك ولهان؟!" وقال اخر: "ايش يامعلم هيتك بتحب؟!"
فابتسمت، حتى امعنو وأزبدوا في التنبؤ حالتي، وكان ان ختموا تعليقاتهم بقولهم: "الحب على كبر عاطل". والابتسامة الصفراء تعلوا وجهي وعيني ترقب حمزة اخي بإيماءة كان قد فهمها أخي حمزة بأنهم جميعًا قد تورطوا. فبادرت بسؤال الجميع: ما مدى معرفتكم لهذه الاغنية ومناسبتها ومن كتب أبياتها وأحداثها لتستدلوا وتتوصلوا الى استنتاج مفاده انها اغنية عاطفية وخاصة بالحب والعاشقين، اجابوني: بأن كلماتها تدل على ذلك اضافةً الى ان مغنيتها اشتهرت بالاغاني العاطفية وان هذه الاغنية يرددها دائمًا العاشقين. مجددًا نظرت الى اخي حمزة بنظرة اكبر مفادها انهم وقعوا في الفخ بما يستتبعه ذلك حتمًا من اثبات نظريتي في المدخلات والمخرجات.
وكي لا تضيع الفكرة ونغرق في السلبية، اخبرتهم بأن هذه الاغنية وطنية وثورية من الطراز الاول وليست عاطفية وسردت عليهم حكايتها:
"هي أغنية ألفها المصريون وأنشدوها في كل ربوع مصر صبيحة اليوم الذي نفذ فيه حكم الإعدام في الصيدلي الشاب "إبراهيم ناصف الورداني" الذي ولد عام 1886 –وتوفي بعد تنفيذ حكم الإعدام عليه عن عمر يناهز الرابعة والعشرين.

فمن هو ذاك يا ترى، حبيب قلوب المصريين؟! ومن هذا الذي ألفت له الأغاني يوم رحيله؟!

لقد وصل انبهار المصريون به وتعظيمهم لشأنه لدرجة جعلتهم يطلقون عليه لقب "غزال البر" ،و أصدرت الحكومة المصرية وقتها قراراً يحرم علي أي مصري الاحتفاظ بصورة الورداني في منزله ،و ظل القرار ساريا إلى عام 1952.

●أنه البطل المصرى الذي قام بإغتيال "بطرس غالي" في الواحدة بعد ظهر يوم 20 فبراير 1910

"بطرس نيروز غالي "ذلك القاض الخائن ، رئيس محكمة دنشواي.

المحكمة التي انعقدت للنظر في قضية وفاة احد الضباط الإنجليز ، بعد ان خرج هو و عدد من ضباط الجيش الإنجليزي لاصطياد الحمام في قرية دنشواي ؛ فأصيبت إحدى السيدات المصريات بعيار ناري فقتلت في التو واللحظة واحترق أحد الأماكن التي يتم فيها تخزين القمح،

فاستشاط أهالي القرية غضبا وهاجموا هؤلاء الإنجليز ففر البعض وتوفي أحدهم من تأثير ضربة شمس، فعقد الإنجليز هذه المحاكمة لعدد من أهالي القرية، ورأس المحكمة بطرس غالي باعتباره قائما بأعمال نظارة الحقانية في (23 نوفمبر 1906م)، وقضت بالإعدام شنقا لأربعة من الأهالي، وبالأشغال الشاقة مددا مختلفة لعدد آخر، وبالجلد خمسين جلدة على آخرين، وتم تنفيذ الأحكام بعد محاكمة استمرت ثلاثة أيام فقط وأمام الأهالي.

نال الورداني أعلى مراتب العلم ، درس الصيدلة بسويسرا (من 1906 حتي 1908) ثم سافر الي إنجلترا لدراسة الكيمياء عام 1909، كان شابا من عائلة ميسورة الحال، وذي اصول عريقة،
كان من أتباع الحزب الوطني وعضوا في جمعية التضامن الأخوى السرية ،ومؤسس جمعية اليد السوداء والتي نص قانونها على أن من ينضم فيها يجب أن يكتب وصيته، والهدف من تلك الجمعية هو قتل جميع الخونة في مصر و عملاء الإحتلال الإنجليزي.

●كانت هناك اسباب عدة جعلت الورداني يحكم على بطرس غالي بالموت ، فقد كان قاض ظالم أعدم أربعة من المصريين بدون وجه حق في محكمة دنشواي، وكان اداة في يد الإحتلال الإنجليزي، عمل على اقرار مشروع مد امتياز قناة السويس لأربعين عاما إضافية لينتهى فى 2009 بدلا من 1969،

كان اغتيال بطرس غالي هو أول جريمة اغتيال سياسية في مصر الحديثة، فقد انتظره الورداني امام مكتبه في رئاسة الوزراء ، وما أن هم بطرس غالي بدخول سيارته حتي دوت 6 رصاصات، استقرت ثلاث منها في جسده ،و أصابت اثنتان منها رقبته.

أمسك الحراس بالورداني ، و نُقل بطرس للمستشفي و هناك أجروا له عملية جراحية استغرقت ساعة و نصف، و لكنه فارق الحياة في نفس اليوم.

حكم على الورداني بالإعدام وقبض على كثير من أعضاء الجمعية.

حاول الإحتلال الإنجليزي والنظام المصري المتضامن معه الترويج لفكرة أن الاغتيال كان نتيجة التعصب الاسلامي تجاه المسيحيين،

فدفعوا بمجموعة كبيرة من المأجورين ليهتفوا “تسلم إيدين الورداني قتل بطرس النصراني”

في محاولة لإظهار الأمر باعتباره اعتداء طائفيا،

إلا أن وعي المصريين وقتها هو الذي خيّب خطة الانجليز وعملائهم ؛ فقد نزلت حشود المصريين للشارع للهتاف في مواجهة المأجورين “تسلم إيدين الورداني قتل بطرس البريطاني”

نعم إنه بطرس البريطاني ..عميل الإحتلال ،ذلك القاض الفاسد الذي أراد إرضاء المحتل ، فكان أداته للبطش بالمصريين.

فلم يغن عنه المحتل شيئا..

قام عبد الخالق باشا ثروت الذي كان يشغل في ذلك الوقت منصب النائب العام بالتحقيق في القضية، وقد ذكر في مرافعته أن الجريمة المنظورة أمام المحكمة هي جريمة سياسية وليست من الجنايات العادية، وأنها “بدعة ابتدعها الورداني بعد أن كان القطر المصري طاهرا منها” على حد قوله!!

ثم طالب بالإعدام للورادني، وأرسلت بعدها القضية إلى المفتي الشيخ "بكري الصدفي" لإبداء رأيه فيها، لكن المفتي الشريف تنحى لوجود مانع شرعي و هو عدم جواز قتل مسلم بدم مسيحي خائن للوطن وعميل للإحتلال،

إلا أن المحكمة لم تأخذ برأي المفتي، وكانت سابقة هي الأولى من نوعها أن يعترض المفتي على حكم محكمة الجنايات برئاسة الإنجليزي "دولبر وجلي"، وفي يوم 18 مايو 1910م أصدرت محكمة الجنايات حكمها بالإعدام على الورداني، وفي صباح يوم 28 يونيو تم تنفيذ الحكم.

••• وكانت آخر كلمات البطل " الله أكبر الذي يمنحنا الحرية والحياة و الاستقلال"".

وما ان انتهيت من سرد حكاية الاغنية على مسامعهم ، كانت افواههم تطحن لحم الضأن بشراهة، فاجتمعت لهم غايتان، أكل اللحم وسماع الحكاية، فسعدت أنا باثبات نظريتي، وسعدوا هم بأكل كل اللحم الذي امامي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا


.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس




.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم


.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟




.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة