الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فشل إنفصال كتالونية

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2017 / 10 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


فضّلت استعمال الفشل وليس الاستقلال ، لان الهدف من كل ما حصل كان جس نبض مدريد وأوربة ، لم يكن حقا إقرارا بحقوق شعب ( مهضومة ) لشعب يعتبر من أغنى شعوب الاتحاد الاسباني .
بالأمس ، العالم شد على قلبه ، انتظارا للقرار الذي كان على رئيس الإقليم الكتالوني أن يتخذه ، بعد تنظيم استفتاء كانت نتيجته 99 في المائة ، صوتت لصالح الانفصال ( الاستقلال ) .
رئيس الإقليم فاجأ العالم وأوربة ، ولم يفاجئ مدريد التي كانت تعلم حدود قوة الإقليم حين وقّع رئيسه على الانفصال مع وقف التنفيذ .
وبالرجوع إلى مسلسل الأحداث ، فان الضجة الشعبوية التي رافقت حملة التّحْسيس بالانفصال ، كانت توحي لغير المدركين بطبيعة الرد الاسباني المغلف بالعصا الفرنكونية ، ان اسبانيا ومعها أوربة ، مقبلة على تغيير جغرافي قد يعيد ترتيب الأوراق ، بخصوص الكيانات الجديدة ، وبخصوص العلاقات المرتقبة التي قد تفجر الاتحاد الأوربي ، فيما إذا نجح الانفصال ، وكانت له تداعيات بمناطق أخرى من القارة الأوربية في كورسيكا ، و فنيزيا ، و الشمال الايطالي ، وسكتلندة ، والباسك ... الخ .
لكن من خلال مشاهدة نهاية المسلسل الشعبوي التّحْسيسي ، تبين ان الفشل كان نصيب الانفصال ، وانتصر منطق الدولة المركزية الموحدة والقوية ، وأصبحت الكرة اليوم ، ليس بيد سلطات العاصمة مدريد التي تشددت في مواقفها ، من اجل استمرار الوحدة ، ومجابهة التجزئة والانفصال ، بل أصحبت في ملعب برشلونة التي تراجعت حماسية قادتها ، الذين تلاعبوا بمصير الشعب الكتلاني ، وحمّلوه بما لا طاقة له به .
وفي تحدّْ للدولة وللعرف الاسباني الذي يجري فيه الدم الفرنكي ، رغم النفحة الديمقراطية التي هبّت على الدولة بموت فرانكو ، أعلنت قيادة الإقليم على تنظيم استفتاء الانفصال ، بدعوى التاريخ ، والخصوصية ، وبدعوى الغناء الفاحش للإقليم ، حيث تقتات من خيراته مدريد ، والعديد من المقاطعات الاسبانية الأخرى ، وكان حال شعارات القيادة الكتالونية التي ترددت في الجموع ، هو ان خيرات كتالونيا هي للكتالونيين لا لغيرهم .
قبل تنظيم الاستفتاء ، كان أمر التحكم في قرار الانفصال من عدمه ، من اختصاص القيادة التي كانت تلوح بالاستفتاء . لكن وبعد تنظيم الاستفتاء ونتائجه التي أيدت بنسبة 99 في المائة الانفصال ، أضحى أمر قرار الانفصال من عدمه ،بيد الشعب التي صوت على الانفصال ، وليس بيد القيادة التي إنتهى دورها بمجرد الإعلان عن نتائج الاستفتاء .
هكذا كان لزاما على القيادة ان تحترم ، وترضخ لنتيجة الاستفتاء المُعبّرة عن إرادة الكتالونيين ، لا لإرادة القيادة التي ظلت متذبذبة المواقف ، بين التمسك بنتيجة الاستفتاء واحترام خيار الشعب ، وبين التعطيل الخارج عن إرادة الشعب ، نزولا عند رغبة مدريد التي تشددت أكثر في مواقفها الرافضة للاستفتاء ، وللانفصال عن الاتحاد الاسباني .
الآن نستطيع القول ، أن مشروع الانفصال قد فشل فشلا دريعا ، وفشله لا يرجع إلى تقاعس الكتالونيين ، الذين وقفوا وقفة رجل واحد ، قبل الاستفتاء وعند إجراءه ، بل يرجع إلى الاضطراب ، والتذبّذب في المواقف ، والتردد في الحسم ، وفي اتخاذ الإجراءات التنظيمية التي كان يجب ان تصاحب مباشرة نتيجة الاستفتاء ، من قبل القيادة المُتهورة التي ما هي مع نتائج الاستفتاء ، ولا هي ضده ، من خلال التوقيع على الانفصال وتعطيله في نفس الوقت .
ومن خلال التحليل الدقيق لأسباب فشل الانفصال ، ستتضح العديد من الأخطاء التي لها ارتباط شعوري قومي ، و نفسي معنوي ، ولها ارتباط بالعقلية التي تحن إلى إحياء الإثنية الطائفية التي تسببت في عدة حروب ، كان آخرها حرب الثلاثينات ، كما لها ارتباط بالفن التنظيمي لما بعد الإعلان عن نتائج الاستفتاء ، وفقدان الشجاعة للنزول لتطبيق اختيار الشعب ، مباشرة بعد الإعلان عن نتائج الاستفتاء .
أولا . يجب الإشارة إلى ان القيادة الكتالونية قبل الاستفتاء ، كانت تُسوّق للرأي العام الاسباني ، والأوربي ، والأمريكي ، أنها تتصرف بإمرة الشعب ، الذي ضاق درعا من تحمل الكتالونيين ، نفقات الأقاليم الأخرى المُكوّنة للاتحاد الاسباني . فحان الوقت الآن ان ينعم الإقليم ، باستقلال تنتج عنه دولة كتالونية ، لشعب متميز عن غيره من شعوب الاتحادات المُكوّنة للدولة الاسبانية .
ثانيا ، الشعب الكتالوني الذي انساق الى الشعارات المرفوعة ، لم يتردد في تدعيم مطالب الانفصال بمختلف تجلياته ،ا من ألبسة متميزة ، ورفع الراية الكتالونية وليس الراية الاتحادية ، والخروج في جموع مختلفة تردد شعارات الانفصال ، و شعارات الدولة الجديدة ..... الخ .
ثالثا . قبل تنظيم الاستفتاء وإعلان نتائجه ، كان قرار الانفصال من عدمه ، هو بيد القيادة التي نجحت في تجْييش الشعب الكتالاني ، ودفعت به إلى ان يكون ضحية استعمال عنف مفرط ، تغاضت عن انتقاده كل الدول الأوربية ، وبما فيها كل جمعيات حقوق الإنسان ، الأوربية ، والأمريكية . الأمر الذي جعل الكتالونيين في جانب ، والعالم في جانب آخر . وهذا ساهم في التضييق وعزل الإقليم ، تمهيدا لخنقه بعد الإعلان عن الانفصال .
رابعا . عندما تم إعلان نتائج الاستفتاء ، أصبح من الواجب ومن المنطق ، انّ من يتحمل سلطات التقرير في قضايا الجغرافية والإثنية ، هو الشعب الذي عبر عن اختياره بواسطة الاستفتاء الحر ، وليس القيادة التي انتهى دورها ، بمجرد ان تم الإعلان عن نتائج الاستفتاء .
فالقيادة هنا يجب ان تشرع حالا ، وبدون تردد في ترجمة اختيار الشعب ، لا أن تتلاعب بها ، بدعوى تبريرات مرفوضة ، كالمفاوضات مع سلطة مركزية ، تتشبث بالوحدة القومية ، وترفض اي شكل من أشكال التجزئة والانفصال . ان المفاوضات مع مدريد ، كانت ستكون ذات مصداقية قبل تنظيم الاستفتاء ، وليس بعده ، حيث أضحت نتائج الاستفتاء تفرض خطابا جديدا ، وسلطات جديدة التزاما واحتراما لخيار الشعب لا ضده .
خامسا . بتعطيل القيادة لنتائج الاستفتاء ، والتضرع بدعوى المفاوضات مع سلطات مركزية ترفضها ، أصبح أي تحرك للقيادة الكتالونية ، هو ضد رغبة الشعب ، وضد اختياره . وهنا يحق لنا أن نتساءل : في مثل هذا الوضع ، ألمْ تصبح قيادة كتالونية ، قيادة تتصرف خارج إرادة الشعب ، الذي نجحوا في شحنه لخدمة مشروع كان فاشلا من أوله ؟
سادسا . لقد تحولت القيادة الكتالونية الآن ، من قيادة مُختارة من قبل الشعب لخدمته ، الى قيادة مفروضة تعمل ضد اختيارات الشعب ، وهذا يجعل منها قيادة دكتاتورية ، وظّفتْ الديمقراطية لتتحول الى قيادة استبدادية ، تفرض نفسها بديلا عن الشعب الذي أصبح في واد والقيادة في آخر .
سابعا . بهذا التحول التّردُّد الذي لم يكن مفاجئا ، أصبح وضع قيادة برشلونة بين المطرقة والسندان ، مطرقة مدريد والاتحاد الأوربي ، وسندان الكتالونيين الذين أدركوا أنهم استشعروا السرعة والمغامرة ، في تبني مشروع لم يكن يخدم في شيء ، غير السلطة الدكتاتورية لأحزاب قومية ، باسم التمايز ، والتاريخ ، والاختلاف . فهل الكتالونيين اصحوا كمبراسا لحسم صراعات سياسية ، واقتصادية ، وليست إيديولوجية ، يكون ضحيتها بدرجة أولى ، الديمقراطية بوجهها الصحيح ، لا وجهها الملون .
ثامنا . لقد انتصرت الوحدة الاسبانية ، وانتصرت مدريد ، وانهزم المشروع الانفصالي المؤسس لدكتاتورية الأحزاب القومية الشوفينية .
لقد ظهرت أولى تجليات الفشل ، حين بدأ خطاب القيادة يتراجع ، وبدأ يفقد بعض الزخم عمّا كان عليه الحال قبل التّجْييش للانفصال . هنا أدركت مدريد ، ان المشروع الانفصالي دخل مرحلة العد العكسي في التراجع ، وهنا تقوى جواب الإسْتقواء المدْريدي ، على المطلب الانفصالي الذي أضحى يخبط خبط عشواء ، ما بين التمسك بإعلان نتائج الاستفتاء ، وبين تعطيل تلك النتائج ، انتظار للمفاوضات التي رفضتها مدريد إطلاقا . بل ان العاصمة وفي مواجهتها للانفصاليين ، لم تتردد قط في التهديد بحل البرلمان الكتالوني وفي تعطيله ، وفي إلغاء دستوريا كل القرارات المتخذة من قبل الجاهزة التقريرية الكتالونية ، والتهديد بسحب سلطات الحكم الذاتي ، والشروع في تنظيم انتخابات جديدة ، يكون هدفها التشبث بالوحدة عن طريق إبعاد المتطرفين المُضْطربين والمُتذبذبين ، بسبب فقدانهم الثقة في النفس ، وشعورهم بفظ الكتالونيين من حولهم ، حيث تعرى وضعهم أكثر أمام مدريد ، وأمام أوربة التي رفضت الاعتراف بهم .
تاسعا . ان هذا التراجع الغير المنتظر ، لسلطات كتالونية ، قبل نتائج الاستفتاء وبعده ، لصالح اللعب على الوقت الضائع ، الذي يمكن ان يُعيد بعض البصيص من الأمل لسلطات كتالونية ، هو ما دفع بمدريد ان تنتقل من الدفاع وتلقي الضربات ، الى الهجوم والمواجهة الواسعة . وهو نفس الشيء نلاحظه عن حراك الريف ، الذي ما أنْ بدأ الزفزافي ومن معه ، يقدمون التنازلات ويتراجعون ، ولو شكليا عن المشروع ألتقسيمي الذي كان سينتهي بالخراب والتدمير ، لكل المغرب ، وليس فقط بالريف ، وكان سيسهل انفصال الصحراء عن المغرب ، حتى استشعرت الرباط بضعف الحراك ، بسبب عدم الانسجام ،وبسبب عدم الثقة في النفس ، وبسبب ظهور الندم عمّا حصل من العديد من الحراكيين ، الذين وجدوا نفسهم قد تورطوا في مستنقع يستحيل الخروج منه باي ثمن ، وهو ما مكّنها من الانتقال من الترقب ، والمعاينة ، والدفاع ، الى الهجوم والرفض الكامل لكل مطالب الريف ، من سياسية ، وجغرافية ، واقتصادية ، واجتماعية .
عاشرا . ودائما في إطار المقارنة بين كتالونيا والريف . تجدر الإشارة هنا ، الى انه ،إذا كان الكتالونيون قد خرجوا بالآلاف لمساندة مطلب الانفصال ، وصوتوا بنسبة 99 في المائة لصالح إنشاء دولة جديدة ، فان آلاف الكتالونيين أنفسهم خرجوا بالآلاف في كتالونيا ، يطالبون بالوحدة ، ويرفضون الانفصال .
فهل هؤلاء المطالبين بالوحدة ، استشعروا التسرع في خدمة مشروع التقسيم والتجزئة ، مدركين بخطورة النماذج السياسية المرتقبة ، من التّأسيس لدكتاتورية حزبية قومية ، تسيطر على الإقليم باسم الديمقراطية ، التي ستصبح ديمقراطية الأقلية ، لا ديمقراطية الجماهير الشعبية الكتالونية التي ستصبح مستعبدة ، أي إنتاج المشروع الانفصالي الكردي بشكل فجّ ؟
فهل خروج الآلاف الكتالونينن في مظاهرات من اجل الوحدة ، وخروج الشعب الاسباني في كل اسبانيا للتمسك باسبانيا الكبرى ، هو دليل على الانقسام في صفوف الانفصاليين ، الذي عاد جزء مهم منهم يتمسك بالوحدة ، ويرفض الانفصال . بل الم يكن الخروج الجماهيري هذا ، توصيفا للانفصاليين بالخيانة ، وهي التهمة التي ستحرك على أساسها مدريد دعوات لمحاكمة الانفصاليين .
نفس الشيء نلاحظه في الريف . فبمجرد شن الرباط لهجومها ، بعد تأكدها من عزل الريفيين لأنفسهم بأنفسهم ، من خلال الشعارات العنصرية التي تم ترديدها ، ومن خلال انكشاف خطورة المشروع ألتقسيمي الذي كان يخطط له ومن خلال انكشاف حقيقة قوتهم التي كانت فضفاضة ، ومن خلال التضارب في المواقف بين الحراكيين .... الخ ، حتى حصل تراجع لدى العديد من الخطابات ، التي كانت تعالج مؤامرة الريف ، بأسلوب انفصالي غاية في التطرف ، ولتتحول الى الضفة الأخرى مُتبرّئة من المشروع ألتقسيمي ، بل وأدانت أصحابه ، حين حملتهم النهاية التي انتهى إليها مشروع جمهورية الريف .
بل سنجد الانقسام سيشتعل بين المجموعات في السجن ، حيث ان كل مجموعة لا تتردد في تخوين الأخرى ، وتحملها مسؤولية الارتباط بحركة 18 سبتمبر ، وبالمتطرفين الذين استشعروا ان الوقت قد حان للإعلان عن الجمهورية الريفية ، وعن استقلال الصحراء ، وتفتيت المغرب الى جمهوريات مختلفة ، وكأننا بدول البلقان ، او بيوغوسلافيا السابقة .
لقد فشل مشروع التقسيم الكتلاني ، وأضحت القيادة الكتلانية كقيادة دكتاتورية ، تخطط لدولة الاستبداد الفرانكي ، بأسلوب جديد مُموّه في شكل ديمقراطية مزيفة ، معزولة شعبيا ، من خلال مظاهرات الوحدة بكاتالونيا ، وبكل اسبانيا ، ومن خلال فرض نفسها كمقرر متسلط على الشعب الكتلاني ، بعد الإعلان عن نتائج الاستفتاء التي تخلت عنه ، ومنه تكون قد تخلت عن اختيار الشعب قبل الاستفتاء ، الذي أدان الخيار مباشرة بعد الاستفتاء ، نحو التمسك بالوحدة الاسبانية .
وهنا فاني أتوجه بالدعوة الصادقة الى ( الجمهورية العربية الصحراوية ) ، ان تبادر إلى انقاد ، قيادة كتالونية الشبيهة لقيادتها الستالينية ، وتعترف باستقلال كتالونية عن الدولة الاسبانية ، حتى تدخل الأمم المتحدة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر